الدفاتر: 08 / 07 / 1943

 

دفاتر 1943

ماريا فالتورتا

 

I QUADERNI - THE NOTEBOOKS - LES CAHIERS

MARIA VALTORTA

 

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

(08 / 07 / 1943)

 

يقول يسوع:

 

«قد تأسّست، جمعيّة ’مانحي الدم‘ الخيريّة، واتّخذت لها مقرّات في المدن والبلدات الأكثر أهمّيّة؛ وهي مؤلّفة من متطوّعين يتبرّعون بدمهم، بناء على طلب الأطبّاء، للجرحى المدنيّين والعسكريّين. كثيرة هي الحيوات الّتي أُنقذت هكذا، وهؤلاء المانحين الكرماء يُمتَدَحون ويُشار إليهم كمثال للأمّة، ويُمنحون المساعدة لتجاوز الضعف الناتج عن عطائهم. خلاصة القول، إنّهم يحظون بمكانة مميّزة.

 

وهذا حقّ، إنّ عملهم هذا هو محبّة عظيمة، وإذا ما وعدتُ بأجر لمن يعطي كأس ماء باسمي، فبالتأكيد سوف أمنح أجراً عظيماً لمن يعطي دمه حبّاً بقريبه ولا يُبطِل استحقاق محبّته بخطايا جسيمة.

 

ولكن ألا تفكّرون بأنّني قد منحتكم دمي كلّه، وليس لإنقاذ جسد ينبغي أن يموت فيما بعد، إنّما لأمنح خلاص الحياة الأبديّة للجزء الّذي لا يموت للأبد؟

 

لقد وهبتكم دمي، وقد كان دم الله، وسط أوجاع مهولة وإهانات لا مثيل لها. وهبتكم إيّاه دون حاجتكم إلى طلبه. وهبتكم إيّاه حبّاً. وقد اتّخذت جسداً لأستطيع أن أمنحكم إيّاه، ولقد تغرّبت عن السماوات لأهبكم إيّاه، خلال السنوات الثلاث والثلاثين عانيت الجوع والبرد والتعب والتجاوزات والتهكّمات للتمكّن من منحكم إيّاه. لقد أنهيت حياتي متحمّلاً الخيانة، الأشدّ إيلاماً من الجرح، القبلة الغاشّة المحرقة أكثر من جمر متّقد، سوء معاملات الكهنة الدجّالين، الحكّام فاقدي الصواب، عامّة شعب ناكري الجميل ودون استقامة، محتملاً سخريات الجنود الوثنيّين، عذابات شريعة بشريّة، حكماً مشيناً، موتاً مريعاً، كلّ ذلك لأمنحكم دمي.

 

إنّ قطرات دمي الأخيرة، الّتي بلّلت الطرقات وساحات أورشليم وتركت سمتها في القصر حيث كان على العرش سلطة سيّئة الإدراك وقلب لم يكن يخشى سوى فقدان تلك السلطة، كانت قد تراكمت بين القلب والرئة اللابثة بلا حركة، وانتُزِعت منّي بعنف. إنّما في لحظة مفارقة روحي لجسدي الّذي أصبح بلا حياة، ابتهجتُ لكون هذه القطرات الأخيرة قد أُريقت أيضاً.

 

كنت قد جئت لأمنحكم دمي كلّه وقد منحتكم إيّاه، وما زلت مستمرّاً في منحكم إيّاه في الأسرار المقدّسة. ولو أنّني كنت متيقناً مِن أنّ مجيئاً ثانياً لي قد كان ليهديكم، آه! أيا أيّها الموغلون بالوثنية، وأنتم أيا أيّها المتعنّتون في إنكار إلهكم المصلوب، فكنت لآتي كي أمنحكم بشكل بشريّ دمي، الضروريّ لحالتكم، أنتم يا من تحيون فقط باللحم والدم، وقد قتلتم أو أظلمتم الروح، ومع الروح، الحبّ والإيمان.

 

إنّما ما كان ذلك لينفع بشيء. لكنتم تزيدون ثقل خطاياكم في عينيّ الآب، وإذا كان هناك وقتها من باعني بثلاثين قطعة فضة، فالآن هناك ألف، مائة ألف ممّن كانوا ليقايضونني مقابل قبلة من خاطئة، من أجل كسب ترقية، وأيضاً من أجل أقلّ من ذلك بكثير.

 

أن أقول لكم أنّكم من لحم ودم وتحيون للّحم والدم، فذلك مديح لكم. فأنتم تحيون من الحمأة وفي الحمأة، أيا أيّها الفرّيسيّون الجدد الّذين تقرعون صدوركم وتتصنّعون تديّناً وإيماناً وهما بالنسبة لكم مجرّد منصّة لتحقيق منافعكم، منافع أرضية. أنتم تعيشون، ليس فقط في الحمأة، إنّما في مادّة أكثر دبقاً، أنتم يا من لا تمتلكون حتّى الرحمة المزيّفة للفرّيسيّين الجدد، ويا من أنتم أسوأ من الوثنيّين الّذين كانوا منذ عشرين قرناً، يا من تخلطون الجريمة بالفجور، السرقة بكلّ أنواع الرذائل من كلّ الدرجات.

 

ولكن بموجب الشريعة القديمة، إنّ ما خطئ به المرء يعاقب [سفر الحكمة 11 / 17]. إنّكم تحيون في الوحل، وفي الوحل تموتون. تسقطون من وحل الأرض إلى وحل جهنّم، لأنّكم دمّرتم شريعتي في قلوبكم، شريعتي الجديدة التي هي شريعة الرحمة والحبّ والطهارة والصلاح.

 

وللمرّة المليون أقول لكم بحقّ، أنّ الموسومين بدمي فقط، والّذين يحيون، ليس كأعداء، بل أصدقاء للمسيح المصلوب، سيرون في ساعة الموت قيام فجر اليوم الأبديّ، حيث تنتهي كلّ محنة، لتحلّ محلّها غبطة الفوز بالله للأبد، دون حجب وبلا حدود.»