ج7 - ف190
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء السابع / القسم الأول
190- (للمذنبة أشير إلى الطريق الواجب اتّباعها لفداء نفسها)
20 / 03 / 1944
يقول يسوع:
«ما كان يجرحني هو انعدام المحبّة والصدق عند الـمُتَّهِمين، ليس لأنّ الاتّهام كان كاذباً. فالمرأة كانت مذنبة بحقّ. إنّما كان الصدق غائباً وقد أثاروا فضيحة لأمر ارتكبوه ألف مرّة، وأنّ فقط دهاءً أكبر وحظّاً أكثر قد سمحا بأن يبقى مخفيّاً. المرأة، في أوّل خطيئة لها، كانت أقلّ دهاءً وأقلّ حظّاً. وما مِن أحد مِن مُتَّهِميها ومُتَّهِماتها -فحتّى النساء، وإن لم يكنّ قد رفعن الصوت، كنّ يتّهمنها في أعماق قلوبهنّ- كان منزّهاً عن الخطيئة.
الزاني هو مَن ينتقل إلى الفعل، ومَن يشتهي الفعل ويتوق إليه بكلّ قِواه. فالفُجور موجود في مَن يخطئ كما هو في مَن يشتهي الخطيئة. لا يكفي عدم فِعل الشرّ، بل ينبغي أيضاً عدم اشتهاء فِعله.
تذكّري، يا ماريّا، كلمة معلّمكِ الأولى، حينما ناداكِ مِن حافّة الهاوية حيث كنتِ: "لا يكفي عدم فِعل الشرّ، بل ينبغي أيضاً عدم اشتهاء فعله".
مَن يداعب أفكاراً شهوانيةّ، ويثير أحاسيس شهوانيةّ، بقراءات ومشاهد يتمّ السعي إليها عمداً، وبعادات منحرفة، هو نجس تماماً كَمَن يرتكب الخطيئة المادّيّة. وأجرؤ على القول: هو أكثر ذنباً. لأنّه يمضي بفكره ضدّ الطبيعة، ليس فقط ضدّ الأخلاق. لا أتكلّم بعد عمّن ينتقلون إلى أفعال حقيقيّة ضدّ الطبيعة. العذر الوحيد لهؤلاء هو مرض عضويّ أو نفسيّ. ومَن ليس لديه هكذا عذر هو أدنى بعشر درجات مِن أقذر بهيمة. للإدانة بعدالة يجب أن نكون منزّهين عن الخطيئة.
أعيدكم إلى إملاءات سابقة، حيث تحدّثتُ عن الشروط الرئيسيّة لنكون قضاة.
لم تكن مجهولة بالنسبة لي قلوب الفرّيسيّين وقلوب الكَتَبَة، ولا قلوب أولئك الّذين كانوا قد انضمّوا إليهم في الثورة ضدّ المذنبة. مخطئين ضدّ الله وضدّ القريب، كانت فيهم خطايا ضدّ الدين، خطايا ضدّ أهلهم، خطايا ضدّ القريب، وفوق ذلك خطايا كثيرة ضدّ زوجاتهم. ولو أنّني بمعجزة أمرتُ دمهم أن يَكتب على جِباههم خطيئتهم، فَمِن بين التهم العديدة كانت قد سادت تهمة "زُناة" بالفِعل أو بالرغبة. لقد قلتُ: "إنّ ما يأتي مِن القلب هو ما يدنّس الإنسان". وباستثناء قلبي، لم يكن أحد مِن بين القضاة يملك قلباً غير مُدَنَّس.
بلا صدق وبلا محبّة. ولا حتّى كونهم شبيهين بها بالجوع الشهوانيّ قد حثّهم على المحبّة. أنا مَن كان لديه محبّة للمرأة الـمُذَلّة. أنا، الوحيد الّذي كان يجب أن أكون مشمئزّاً منها. إنّما تذكّروا جيّداً هذا: "أنّه كلّما كنّا أفضل، كلّما كنّا أكثر شفقة تجاه المذنبين". لا نتساهل حيال الخطيئة بحدّ بذاتها. هذا لا. لكنّنا نشفق على الضعفاء الّذين لم يقدروا على مقاومة الخطيئة.
الإنسان! آه! أكثر مِن قصبة هشّة ولبلاب رفيع لهو أسهل أن يُلوى تحت التجربة، ويميل إلى التشبّث حيث يأمل بالحصول على تعزية.
لأنّه في الغالب الخطأ يحدث، خصوصاً عند الجنس الأضعف، نتيجة لهذا البحث عن التعزية. كذلك أقول أنّ مَن يفتقر إلى العاطفة تجاه امرأته، وحتّى تجاه ابنته بالذات، لهو مسؤول تسعين مرّة مِن مائة عن خطيئة امرأته أو ابنته، وسوف يُساءَل عنهما. إنّ عاطفة بلهاء، الّتي هي مجرّد استعباد أحمق مِن قِبَل رجل تجاه امرأة أو مِن قِبَل أب تجاه ابنته، وكذلك غياب العاطفة، أو ما هو أسوأ: خطيئة شغف ذاتية تقود زوجاً إلى غراميّات أخرى، أو تقود أهلاً لاهتمامات أخرى بغير أبنائهم، هي بؤر للزنا والفسق، وهي، على هذا النحو، مُدانة مِن قِبلَي. إنّكم كائنات ممنوحة عقلاً وترشدها شريعة إلهيّة وشريعة أخلاقيةّ. أن تَنحَطّوا إذن إلى سلوك متوحّشين أو بهائم، يجب أن يُدِبّ الرعبّ في كبريائكم العظيم. لكنّ الكبرياء، الّذي قد يكون مفيداً في هذه الحالة، هو لديكم لأمور أخرى.
لقد نظرتُ إلى بطرس ويوحنّا بطريقة مختلفة، فللأوّل، كرجل، أردتُ أن أقول: "بطرس، لا تفتقر أنتَ أيضاً للمحبّة والصدق"، وأن أقول له كذلك، كَحَبري المستقبليّ: "تذكّر هذه الساعة واحكم مثل معلّمكَ في المستقبل"، فيما للثاني، الفَتيّ ذي نَفْس طفل، أردتُ أن أقول: "أنتَ يمكنكَ أن تحكم، ولا تحكم، لأنّ لديكَ قلبي ذاته. شكراً، أيّها المحبوب، أن تكون لي إلى حدّ أن تكون ذاتاً ثانية لي". لقد أَبعَدتُ الاثنين قبل أن أنادي المرأة، كي لا أزيد مَذَلَّتها بوجود شاهِدَين.
تعلّموا، أيا أيّها البشر عديمو الرحمة. مهما كان شخص خاطئاً، يتعيّن معاملته باحترام ومحبّة على الدوام. عدم التمتّع بمصابه، عدم الاندفاع ضدّه ولا حتّى بنظرات فضوليّة. الرحمة، الرحمة لِمَن يسقط!
للمُذنِبة أشير إلى الطريق الواجب اتّباعها لفِداء نفسها. العودة إلى منزلها، طلب الصفح بتواضع واكتسابه بحياة مستقيمة. عدم الإذعان للجسد بعد. عدم استغلال الرأفة الإلهيّة والطيبة البشريّة، لعدم دفع ثمن أقسى عنه في المرّة الأولى للخطيئة المزدوجة أو المضاعفة. الله يغفر، ويغفر لأنّه الصلاح. إنّما الإنسان، رغم قولي: "اغفر لأخيكَ سبعين مرّة سبع مرّات"، لا يُحسن أن يغفر مرّتين.
لم أمنحها السلام والبركة لأنّه لم يكن فيها ذاك الانسلاخ التامّ عن خطيئتها، اللازم كي يُغفَر لها. ففي جسدها، وللأسف في قلبها، لم يكن لديها الغثيان مِن الخطيئة. إنّ مريم المجدليّة، بعد أن ذاقت طعم كلمتي، كان لديها نفور مِن الخطيئة، وقد أتت إليَّ بإرادة تامّة بأن تكون واحدة أخرى. إنّما هي، فكانت متذبذبة بين صوت الجسد وصوت الروح. وهي، في اضطراب اللحظة، لم تكن تقدر بعد أن تضع الفأس على أصل الجسد وتقطعه، كي تمضي إلى ملكوت الله مجرّدة مِن ثِقل جشعها. مجرّدة ممّا كان هلاكاً لها، إنّما مزوّدة بما هو خلاص.
أتريدين معرفة فيما إذا كانت قد خلصت بعد ذلك؟ لم أكن للجميع مخلّصاً. أردتُ أن أكون للجميع كذلك، لكنّني لم أكُنه لأنّه ليس لدى الجميع الإرادة بأن يخلصوا. وذلك كان واحداً مِن أكثر السهام نفاذاً لِنِزاعي في جَثْسَيْماني.
اذهبي في سلام، أنتِ يا ماريا الّتي لمريم، وارغبي ألاّ تخطئي، ولا حتّى في تفاهات. فلا يوجد تحت رداء مريم سوى أشياء نقيّة. تذكّري ذلك.
ذات يوم، مريم أُمّي، قالت لكِ: "أَطلبكم مِن ابني باكيةً." ومرّة أخرى: "أترك ليسوعي أمر جعلي محبوبة… حين تحبّونني آتي. ومجيئي هو فرح وخلاص."
الأُمّ أَرادَتكِ. وأنا أعطيتُكِ لها. بالأحرى أَخَذتُكِ إلى هناك، لأنّني أَعلَم أنّه حيث بوسعي الإخضاع بالسُّلطة، هي تأخذكم بملاطفات مَحبّة، وهي تأخذكم هناك بأفضل حتّى ممّا أفعل أنا. لَـمْسَتها ختم يهرب أمامه الشيطان. الآن لديكِ ثوبها، وإذا ما كنتِ وفيّة لصلوات النظامين، فسوف تتأمّلين في مجمل حياة أُمّنا كلّ يوم: في أفراحها وآلامها. أي، أفراحي وآلامي. لأنّني مذ أنا، الكلمة، صرتُ يسوع، قد اغتبطتُ وبكيتُ معها للأسباب ذاتها.
فإذن ترين بأنّه أن تحبّي مريم هو أن تحبّي يسوع. أي أن تحبّيه بأكثر سهولة. فأنا أجعلكِ تحملين الصليب، وأنا أضعكِ على الصليب. بينما الأُمّ، على العكس، تحملكِ أو تلبث عند أسفل الصليب لتتلقّاكِ على قلبها الذي لا يعرف سوى أن يحبّ. حتّى في ساعة الموت حضن مريم هو ألطف مِن مهد. مَن يَقضِي فيها فهو لا يسمع سوى أصوات الأجواق الملائكيّة الّتي تَدْور حول مريم. إنّه لا يَرى الظلمات، إنّما إشعاع نجمة الصبح العذب. لا يَسمَع نحيباً، بل يرى ابتسامتها. إنّه لا يَعرف رعباً. مَن منّا، نحن الذين نحبّها، يجرؤ على أن ينتزع مِن بين ذراعيّ مريم واحداً مِن مخلوقاتها؟
لا تقولي لي "شكراً". اشكريها هي، الّتي لم تُرِد أن تتذكّر أيّ شيء عنكِ سوى الخير القليل الّذي فعلتِه، والمحبّة التي تكنّينها لي، ولذلك هي قد أَرادَتكِ، لتُخضِع تحت قدمها ما لم تنجح إرادتكِ الصالحة في إخضاعه. اصرخي: "عاشت مريم!" والبثي عند قدميها عند أقدام الصليب. سوف تزيّنين ثوبكِ بياقوتات دمي الحمراء، وبلآلئ دموعها. سوف تحظين بثوب مَلِكَة مِن أجل دخولكِ إلى ملكوتي.
اذهبي بسلام. أبارككِ.»