ج4 - ف130
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الرابع / القسم الأول
130- (يسوع يعمل كنجّار مِن أجل أرملة في قورازين)
31 / 08 / 1945
يسوع يعمل بجدّ في مَشغل نجّار. إنّه يعمل على إنهاء عَجَلَة. يُساعده صبيّ نحيل وحزين، فيجلب له هذا أو ذاك مِن الأغراض. مَنَاين شاهِد لا جَدوى منه ولكنّه مُعجَب، جالس على مقعد قرب الجدار.
يَنـزَع يسوع ثوبه الكتّاني الجميل ويرتدي ثوباً غيره داكناً، وحيث إنّه ليس له، فإنّه يَصِل إلى منتصف ساقه. ثوب عَمل، نظيف، ولكنّه مُرقَّع، وقد يكون ثوب النجّار الميت.
يُشجِّع يسوع الصبيّ بابتسامات وكلّمات طيّبة، وهو يعلّمه ما يجب فِعله مِن أجل وضع الحَلَقَة في مكانها الصحيح، وتلميع حوافّ الصندوق.
«لقد أنهيتَه بسرعة يا معلّم.» يقول مَنَاين وهو يَنهَض ويمرّر إصبعه على نقوش الصندوق الذي انتهى مِن صنعه ويُلمّعه الصبيّ بسائل.
«هو كان شِبه مُنته!...»
«أودُّ لو أحصل على هذا الذي صَنعتَه، ولكنّ المشتري قد وَصَلَ، ويبدو أنّ له حقوقاً... ولقد خيَّبتَ أمله. كان يأمل الحصول على الكلّ كتعويض عن الدوانق القليلة التي كان قد دَفَعَها كعربون. وبدل هذا يأخُذ أغراضه فقط لا غير. وهو لو كان، على الأقلّ، أحد الذين يؤمنون بكَ، لكان له قيمة لا تُقدَّر عنده. ولكن هل سمعتَ؟...»
«دعكَ منه. فيما عدا ذلك، يوجد هنا خشب، وستكون المرأة سعيدة جدّاً لو استفادت مِن استخدامه. اطلب مني صندوقاً وسأصنعه لكَ...»
«صحيح يا معلّم؟ ولكن هل تنوي الاستمرار في العمل؟»
«حتّى ينتهي الخشب. فأنا عامل مُتفان في عملي.» يقول وهو يبتسم ابتسامة عريضة.
«صندوق أنتَ تصنعه؟ آه! يا للذخيرة! ولكن ماذا سأضع فيه؟»
«كلّ ما تريد، يا مَنَاين، فإنّه مجرد صندوق.»
«إنّما ستكون أنتَ مَن صَنَعَه!»
«وإذن؟ فالآب كذلك صَنَعَ الإنسان، لقد خَلَقَ كلّ الناس. ومع ذلك ماذا وضع الإنسان في ذاته؟ وماذا يضع الناس؟» يتكلّم يسوع وهو يَعمَل، باحثاً هنا وهناك عن العُدد التي يحتاجها، شادّاً الملزمة، ثاقباً، ساحجاً، مُديراً حسب الحاجة.
«هي الخطيئة التي وُضِعت فيه، هذا صحيح.»
«تَرى! وَثِق تماماً أنّ إنساناً خَلَقَه الله أفضل كثيراً مِن صندوق صَنَعتُهُ أنا. لا تَخلط أبداً بين الغَرَض والفِعل. واجعل مِن عملي ذخيرة لروحكَ.»
«ماذا يعني هذا؟»
«هذا يعني: أعط لروحكَ العِبرة المستخلَصَة ممّا أفعل.»
«محبّتكَ، تواضعكَ، نشاطكَ إذن... هذه هي الفضائل، أليس كذلك؟»
«نعم، وافعل أنتَ الشيء ذاته في المستقبل.»
«نعم يا معلّم، ولكن هل تَصنع لي الصندوق؟»
«أَصنَعه لكَ. ولكن انتبه، بما أنّكَ ما زِلت ترى فيه ذخيرة، فسأجعلكَ تدفع ثمنه على هذا الأساس. على الأقلّ سيقال عنّي مرّة بأنّني كنتُ نَهِماً للمـال... ولكنّكَ تَعلَم لِمَن هو هذا المال... لهؤلاء الأيتام...»
«أُطلب منّي ما تشاء، وسوف أعطيكَ. على الأقلّ سوف يكون لي مبرّر لِبَطالتي، بينما أنتَ، ابن الله، تَعمَل.»
«قيل: "ستأكل خبزكَ المرويّ بعرق جبينكَ".»
«إنّما قيل ذلك للإنسان الخاطئ. وليس لكَ أنتَ!»
«آه! سأُعتبَر يوماً أنا المذنب، وسأحمل خطايا العالم كلّها. سوف آخذها معي في أوّل رحيل لي.»
«هل تظنّ أنّ العالم لن يعود يخطئ؟»
«ينبغي له ذلك... ولكنّه سوف يخطئ على الدوام. لأجل ذلك، سيكون حِملي ثقيلاً لدرجة أنّه سوف يحطّم قلبي. إذ إنّني سأحمل على كاهلي كلّ الخطايا المرتكبة منذ آدم وحتّى هذه الساعة، ومنذ هذه الساعة حتّى منتهى الدهر. سوف أُكفِّر عن خطايا الناس كلّها.»
«ولن يفهمكَ الإنسان ولن يحبّكَ أيضاً... هل تظنّ أنّ قورازين ستهتدي بهذه العِبرة الصامتة والمقدّسة التي أنتَ في صَدَد إعطائها بعملكَ المنجَز لإعانة عائلة؟»
«لا بل ستقول: "إنّه فَضَّلَ العمل لتمضية الوقت وكَسب المال". إنّما أنا ليس لديَّ مال. فلقد أعطيتُ كلّ شيء. وسوف أُعطي على الدوام كلّ ما معي حتّى آخر فلس، ولقد عَمِلتُ مِن أجل أن أُعطي مالاً.»
«ومِن أجل الطعام لكَ ولمتّى؟»
«الله يتدبّر الأمر في ذلك.»
«ولكنّكَ أعطيتَنا لنأكل.»
«صحيح.»
«كيف فعلتَ ذلك؟»
«أسأل سيَّد البيت.»
«سوف أسأله بكلّ تأكيد لدى عودتنا إلى كفرناحوم.»
يَضحَك يسوع بهدوء بلحيته الشقراء.
صَمت يسود بينما لا يُسمع سِوى صَرير الـمِلزمة التي تَشدّ على قطعتين مِن عجلة.
ثمّ يَسأَل مَنَاين: «ماذا تنوي أن تفعل قبل السبت؟»
«الذهاب إلى كفرناحوم وانتظار الرُّسُل. فالمتّفق عليه هو الاجتماع كلّ يوم جمعة مساء وتمضية السبت كلّه معاً. ومِن ثمّ أُصدِر أوامري. وإذا ما شُفي متّى فسيكون هناك ستّة أزواج للتبشير. وإلّا... هل تودّ الذهاب معهم؟»
«أُفضِّل البقاء معكَ يا معلّم... ولكن رغم ذلك، دعني أُسدي لكَ نصيحة!»
«قُلها. وإذا كانت صائبة فسأقبلها.»
«لا تبقَ بمفردكَ مطلقاً. فإنّ أعداءكَ كثيرون يا معلّم.»
«أعلَم. ولكن هل تظنّ الرُّسُل يَفعلون شيئاً يُذكَر في حال الخطر؟»
«إنّهم يحبّونكَ، على ما أظُنّ.»
«بكلّ تأكيد، ولكن هذا لا يجدي نَفعاً. فالأعداء، إذا ما كانت لديهم نيّة القبض عليَّ، فإنّهم يصطحبون معهم قوّة أعظم كثيراً مِن قوّة الرُّسُل.»
«لا يهمّ. لا تبقَ وحيداً.»
«خلال أسبوعين سوف ينضمّ إليَّ العديد مِن التلاميذ. أُعِدُّهم لِأُرسِلهم هُم أيضاً للتبشير. ولن أكون وحيداً. كن مطمئناً.»
أثناء حديثهما هذا، يأتي العديد مِن فضوليّي قورازين يُلقون نَظرة ويَمضون دون كلام.
«إنّهم مُندَهِشون لرؤيتهم إيّاكَ تعمل.»
«نعم. ولكنّهم لا يَعرفون أن يَتواضعوا حتّى يقولوا: "هكذا يُعطينا العِبرة". إنّ أفضل ممّن لديَّ هنا هُم الآن مع التلاميذ، ما عدا عجوز مات. لا يهمّ. فالعبرة هي العِبرة على الدوام.»
« ماذا سيقول الرُّسُل لدى معرفتهم أنّكَ عامل؟»
«إنّهم أحد عشر، ذلك أنّ متى قَد أبدى رأيه. وسيكون هناك أحد عشر رأياً مختلفاً. وعلى الأغلب، آراؤهم متضاربة. ولكنّ ذلك يفيدني في تعليمهم.»
«هل تسمح لي بحضور تعليمكَ؟»
«إذا شئتَ البقاء...»
«ولكنّني تلميذ وهُم رُسُل!»
«ما يفيد الرُّسُل يفيد التلاميذ كذلك.»
«سوف يَشعُرون بالإحراج لدى تقويمهم بحضوري.»
«سوف يفيد ذلك مِن أجل تواضعهم. ابقَ، ابقَ يا مَنَاين. أَقبَلكَ معي عن طيب خاطر.»
«وأنا أبقى عن طيب خاطر.»
تَحضُر الأرملة وتقول: «الطعام جاهز يا معلّم، ولكنّكَ تَعمل كثيراً...»
«إنّني أَكسَب قُوتي أيّتها المرأة. وثمّ... هوذا زبون آخر. وهو يريد صندوقاً كذلك. ثمّ هو يدفع جيّداً. مكان الخَشَب سيظل فارغاً.» يقول يسوع وهو يَنـزَع مِئزراً كان قد ائتزَرَ به، ويَخرج مِن الغرفة ليغتسل في وعاء (لَكَن) جَلَبَته له المرأة إلى الحديقة.
وهي، بابتسامة مُبهَمَة، تبدو بعد فترة طويلة مِن البكاء، تقول: «الفراغ هو في مَوضِع الخشب، بينما البيت يملؤه وجودكَ، والقلب يملؤه السلام. لم أعُد أخشى مِن الغد، يا معلّم، كما لا تخشى أنتَ مِن إمكانيّة أن ننساكَ.»
يَدخُلون إلى المطبخ وتنتهي الرؤيا.
--- نهاية القسم الأول من الجزء الرابع ---