ج3 - ف20
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الثالث / القسم الأول
20- (مِن نفتالي إلى جيسكالا. لقاء الرابّي غَمَالائيل)
10 / 05 / 1945
«يا معلّم! يا معلّم! ولكن ألا تعلم مَن الذي أمامنا؟ إنّه الرابّي غَمَالائيل! جالساً مع خُدّامه، في عَرَبَة، في ظلّ الغابة، في منأى عن الريح. إنّهم يَشوون حَمَلاً. والآن ماذا نفعل نحن؟»
«ما كنّا مُزمِعين فِعله، يا أصدقائي. سوف نُواصِل سيرنا...»
«ولكنّ غَمَالائيل مِن الهيكل.»
«غَمَالائيل ليس غَدَّاراً. لا تخافوا. أنا أسير في المقدّمة.»
«آه! آتي أنا كذلك.» يقول معاً ابنا عمّه وكلّ الجليليّين وسمعان، فقط الاسخريوطيّ، وأقلّ منه بقليل توما اللذان يبدوان أقلّ حماساً على التقدّم. ولكنّهما يتبعان الآخرين.
بعد بضعة أمتار، عَبْر طريق جبليّة محفورة في أحراج مُشجَّرة، تدور الطريق وتنفتح على هضبة تجتازها متوسّعة لتعود فتضيق وتتعرّج تحت غطاء مِن الأغصان المتشابكة. وفي إحدى الفسحات التي تنيرها الشمس، إنّما تظلّلها في الوقت نفسه طلائع أوراق الغابة، عدد مِن الناس تحت خيمة فاخِرة، وآخرون في أحد الأركان يُديرون الحَمَل فوق النار.
مما لا شكّ فيه أنّ غَمَالائيل يعتني بنفسه جيّداً. فَمِن أجل سَفَر رجل، تَحرَّكَ طاقم مِن الخُدّام مع جَلب لستُ أدري كم مِن الـمَتاع والحوائج. أمّا الآن فهو يجلس وسط خيمته، وهي عبارة عن قطعة مِن القماش ممدودة على أربعة أوتاد ذهبيّة، هي شكل مِن أشكال المظلّات، تحتها مقاعد منخفضة مغطّاة بوسائد، وطاولة مُنتَصِبة على أرجل خشبية مُطَعَّمة، ومغطّاة بشرشف ناعم جدّاً، وقد وَضَعَ عليه الخُدّام أواني المائدة الثمينة. أمّا غَمَالائيل فيبدو كَصَنَم، مادّاً ذراعيه على ركبتيه، رصيناً، جامداً، ممّا يُولِّد لديَّ الانطباع بأنّه تمثال. والخُدّام يَدورون حوله كالفراشات، ولكنّه لا يكترث، هو يُفكّر، وجفناه مُنسَدِلان على عينين صَارِمَتَين، عندما يرفعهما، عينيه الداكنتين، والمليئتين فِكراً، تكشفان عن سرائرهما، في كلّ جمالهما الرصين، على كِلا جانبيّ أنف طويل ودقيق، وتحت جبهة رجل مسنّ عارية ومرتَفِعة، تخطّها تجاعيد ثلاث متوازية، حيث يَرسم وريد كبير أزرق اللون حرف v وسط الصدغ الأيمن.
وَقْع خطوات القادِمِين يلفت انتباه الخُدّام، وكذلك انتباه غَمَالائيل الذي يرى يسوع يسير في المقدّمة، فتظهر عليه علامات المفاجأة. فينهَض ويتوجّه إلى طرف الخيمة، ليس أبعد، ولكنّه مِن هناك ينحني انحناءة كبيرة، وذراعاه متصالبتان على صدره. ويَردّ يسوع بالطريقة ذاتها.
«أأنتَ هنا، رابّي؟» يَسأَل غَمَالائيل.
«نعم، رابّي.» يجيب يسوع.
«هل تسمح لي بأن أسألكَ إلى أين أنتَ ذاهب؟»
«بكل سرور أُجيبكَ. إنّني قادم مِن نفتالي وذاهب إلى جيسكالا.»
«سيراً على الأقدام؟ ولكنّ الطريق طويلة وصعبة عَبْر هذه الجبال. إنّكَ تتكبّد الكثير مِن الـمَشقّة.»
«صَدِّقني. إذا ما استقبلَوني واستَمَعوا إليَّ، يزول عنّي كلّ تعب.»
«إذاً... اسمح لي، لمرّة واحدة، أن أكون أنا مَن يزيل عنكَ التَّعَب. الحَمَل جاهز. كنا سنترك الباقي منه للطيور، إذ إنّني لم أعْتَد حَمْل البقايا معي. وأنتَ ترى أنّ دعوتكَ وتلاميذكَ لن تسبب لي أي إزعاج. إنّني لكَ الصَّديق، يا يسوع. ولا أخالكَ أدنى منّي، بل أنتَ أَعظَم.»
«أُصدِّقكَ وأَقبَل.»
يتحدّث غَمَالائيل إلى خادم، يُفتَرَض أنّه يَشغل منصب رئيس الخدم. وهذا الأخير يُصدِر الأوامر، فتتمّ إطالة الخيمة، وإنزال مقاعد أخرى ليسوع وتلاميذه، وكذلك أواني المائدة، مِن على البِغال.
يَجلُبون الكؤوس لتطهير الأصابع. ويسوع، بكلّ عَظَمَة وَقاره، يُمارِس شعائر هذا الطقس، بينما الرُّسُل الآخرون، الذين يُحدِّق فيهم غَمَالائيل، يَفعَلون بأقلّ سوء ممكن، ما عدا سمعان ويهوذا الاسخريوطيّ وبرتلماوس ومتّى الـمُتَمَرِّسين على رهافات اليهوديّة.
يسوع إلى جانب غَمَالائيل الـمُنفَرِد على أحد أطراف الطاولة، والغيور مقابل يسوع. بعد صلاة التقدمة التي يتلوها غَمَالائيل بتُؤدة وَقورة ومَهابة، يُقَطِّع الخُدّام الحَمَل ويوزّعونه على الضيوف، ويملأون الكؤوس خمراً أو نبيذ العسل لِمَن يُفضّله.
«جَمَعَتنا الصدفة، رابّي، لم أكن لأتصوّر أبداً أن أراكَ سائراً إلى جيسكالا.»
«إنّني أذهب إلى جميع الناس.»
«نعم، فأنتَ النبيّ الذي لا يتعب. يوحنّا ثابت، أمّا أنتَ فَجَوّال.»
«هكذا يكون أسهل على النُّفوس أن تجدني.»
«رأيي مُغايِر. فَمَع كلّ هذه التنقّلات أرى أنّكَ تُضَلِّلهم.»
«أُضلِّل الأعداء، أمّا الذين يريدونني، لأنّهم يحبّون كلمة الله، فإنّهم يجدونني. لا يمكن للجميع المجيء إلى المعلّم. والمعلّم الذي يريدهم جميعاً يمضي إليهم. وبذلك أُسدي خدمة للصالحين، وأقتفي أثر تحرّكات الذين يكرهونني.»
«هل تُوجِّه الكلام إليَّ؟ فأنا لستُ أكرهكَ.»
«لا، ليس لكَ. ولكن، بما أنكَ مستقيم وصادق، يمكنكَ القول إنّ ما أقولُه صحيح.»
«نعم، إنّه صحيح. ولكن... ترى... ذلك أنّنا نحن القدامى لا نُحسِن فهمكَ.»
«نعم، إنّ إسرائيل العتيق يخطئ فهمي، لتعاسته... وبإرادته.»
«آه! هذا لا!»
«بلى، أيّها الرابّي. إنّه لا يَستَخدِم إرادته في فهم المعلّم. والذي يقتصر على ذلك يتصرّف بشكل خاطئ، ولكنّ خَطَأه نسبيّ. بينما كثيرون، على العكس، يستخدمون إرادتهم ليَفهَموا بشكل مُنحَرِف، ويُشوّهوا كلامي، ليُسيئوا إلى الله.»
«إلى الله؟ إنّه أسمى مِن مكائد البشر.»
«ولكنّ كلّ نَفْس تَضلّ أو تُضلِّل تسيء إلى الله في النَّفْس التي تضيع. وكلّ نَفْس تَضلّ هي جرح لله.»
يَخفض غَمَالائيل رأسه ويُفكّر، عيناه مغمضتان. ثمّ يفرك جبهته بأصابعه الطويلة والنحيلة، وبحركة معاناة لا إراديّة. يُحدِّق يسوع فيه بانتباه. يرفع غَمَالائيل رأسه، يفتح عينيه وينظر إلى يسوع ويقول: «هكذا. إذن، فأنتَ تَعلَم أنّني لستُ مِن أولئك القوم.»
«أعرف ذلك. ولكنّكَ تنتمي إلى الصنف الأول.»
«آه! صحيح! ولكن هذا لا يعني أنّني لا أَجتَهِد في فهمكَ. ذلك أنّ كلامكَ يتوقّف عند حدود ذكائي، ولا يمضي أبعد مِن ذلك. فالذكاء يُعجَب به لكونه كلام عالِم، أمّا الروح...»
«والروح لا يمكنه تَقبُّله يا غَمَالائيل، لأنّه مُثقَل بأشياء كثيرة. وهذه الأشياء ما هي إلّا أنقاض. منذ قليل، بينما أنا قادم مِن نفتالي، في هذا الاتّجاه، مَرَرتُ بجبل معزول عن السلسلة. وقد سعدتُ بالمرور فيه لرؤية بهاء بحيرة جنّسارت وبحيرة ميرون مِن الأعلى، كما يراها النسور وملائكة الربّ، لنقول مرّة أخرى: "الشكر لكَ أيّها الخالِق للجمال الذي تهبنا". ولم يكن الجبل كلّه سوى زهور، طاقات جديدة وإيراقات ربيعيّة في المروج والحدائق والحقول والغابات. وأشجار الغار تنشر عطرها إلى جانب أشجار الزيتون التي تُهيّئ آنذاك ثلج آلاف الأزهار، وحتّى أشجار البلوط الصلبة كانت قد أَصبَحَت أكثر فتنة باستعادة ثوبها مِن ياسمين البَرّ وزهر العسل. وهنا ما مِن إيراقات، والأرض صحراويّة لدرجة أنّ عمل الإنسان والطبيعة معاً عاجزان عن إخصابها. فما مِن جهد أو عمل بشريّ يمكنه التوصّل إلى عمل شيء، حتّى ولا عمل الرياح التي تحمل البذور، ذلك أنّ الأنقاض الهائلة للهاتزور (Hatzor) القديم تُثقِل وتعيق كلّ شيء، وعَبْر حقول الحجارة تلك لا يمكن لغير القرّاص والعلّيق أن تنمو، ولا يعشّش فيها سوى الأفاعي يا غَمَالائيل...»
«أفهمكَ. فنحن كذلك أنقاض... أُدرِك الـمَثَل يا يسوع. ولكن... لا أستطيع... لا يمكنني التصرّف بطريقة أخرى. فالحجارة مدفونة بعمق.»
«أحد الذين تؤمن بهم قال: "سوف ترتَعِد الحجارة لدى سماعها كَلِمَاتي الأخيرة". ولكن لماذا انتظار كَلِمات مَسيّا الأخيرة؟ ألن يؤنّبكَ ضميركَ لرفضكَ اتِّباعي مُسبَقاً؟ فالكلمات الأخيرة... كلمات حزينة، كلمات صَديق يموت، وقد تمّ المضيّ للاستماع إليه بشكل متأخّر جدّاً. ولكنّ كلماتي هي أكثر مِن كلمات صَديق.»
«مُحِقّ أنتَ... ولكنّني لا أستطيع. فأنا أنتظر تلك الإشارة لأؤمن.»
«عندما تكون الأرض منعزلة، فضربة صاعقة واحدة لا تكفي لاستصلاحها. ذلك أنّ الأرض ليست هي التي تتلقّاها، بل إنّما الحجارة التي تغطيها. اعمَل على الأقل على تحريكها، يا غَمَالائيل. عدا ذلك، فإذا كانت مدفونة في نفسكَ هكذا، فلن تقودكَ الإشارة إلى الإيمان.»
يَصمت غَمَالائيل شارد الذهن. يَنتَهون مِن تناول الطعام. يَنهَض يسوع ويقول: «أشكركَ يا ربّ على الطعام وعلى إمكانيّة التحدّث إلى الحكيم. شكراً لكَ يا غَمَالائيل.»
«يا معلّم، لا تمض هكذا. أخشى أن تكون غاضباً منّي.»
«آه! لا! عليكَ أن تثق بي.»
«إذاً لا تمض. فأنا ذاهب إلى ضريح هلّيل. هل تأنف مِن الذهاب معي؟ سوف يتمّ كلّ شيء بسرعة، فلديَّ بغال وحمير للجميع. وليس لنا سوى أن نخفف عنها الحِمل الذي سيحمله الخُدّام. وسيكون ذلك، بالنسبة لكَ، اختصاراً للمسافة في المنطقة الأكثر صعوبة مِن طريقكَ.»
«لستُ أتمنّع عن مرافقتكَ إلى ضريح هلّيل. بل هي سعادة لي. هيّا بنا إذن.»
يُصدِر غَمَالائيل الأوامر، وبينما ينهَمِك الجميع في العمل، في تفكيك غرفة الطعام المؤقَّتَة، يمتطي كلّ مِن الرابّي ويسوع بغلاً، ويسيران جنباً إلى جنب، على الطريق الصاعدة والصامتة، بينما الحوافر الـمُنَعَّلة تطنّ بجَلَبَة.
غَمَالائيل صامت. يَسأَل يسوع مرّتين فقط إذا ما كان السرج مريحاً. ويجيب يسوع ثمّ يصمت شارد الذهن، مسترسلاً مع أفكاره، لدرجة أنّه لا يرى غَمَالائيل وهو يَلجُم بغله قليلاً ليدعه يمرّ بالقرب مِن قُبّة، ليراقب كلّ حركاته. وتبدو عينا الرابّي المسنّ وكأنّهما عينا صقر تترصّدان الفريسة، لشدّة ما كانتا متيقّظتين وثابتتين. ولكنّ يسوع لا ينتَبِه إلى ذلك. يتقدّم بهدوء متماشياً مع وقع خُطا مطيّته المتموّجة. إنّه يُفكّر، ومع ذلك فهو يتفحّص كلّ مشهد مما يحيط به. يمدّ يده ليقطف طاقة مِن الزهور بلون الذهب التي تعود فتسقط، ويبتسم لعصفورين يبنيان عشّهما في شجرة عرعر كثيفة، ويُوقِف البغل ليستمع إلى عصفور ذي رأس أسود، ويتلقّى وكأنّه كان يبارك الصوت القَلِق الذي به تحثّ ترغلّة برّية رفيقها على العمل.
«تحبّ كثيراً الحيوانات والمزروعات، أليس كذلك؟»
«كثيراً. إنّها كتابي الحيّ. إنّها أسس وقواعد الإيمان، وهي أمام عينيّ الإنسان على الدوام. إنّها "سِفر التكوين" حيّ في الطبيعة. والآن، فإنّ الذي يجيد النَّظَر يجيد كذلك الإيمان. هذه الزهرة الممتعة جدّاً بعطّرها وبمادة تويجاتها المتدلّية، المتناقضة هكذا مع شجرة العرعر تلك الشائكة، وذلك الجولق الواخِز، هل كان يمكنها أن تَصنَع ذاتها بمفردها؟ وانظر إلى أبو الحنّاء ذاك، هل كان بإمكانه أن يُشَكِّل ذاته بمفرده مع تلك النتفة مِن الدم الجافّ على عنقه الناعم؟ وهاتان الترغلّتان، أين وكيف استطاعَتا رسم هذا العقد مِن العقيق على وِشاح ريشها الرماديّ؟ وهناك، هاتان الفراشتان: الأولى سوداء ذات عينين كبيرتين مِن الذهب والياقوت، والأخرى بيضاء ذات خطوط لازورديّة، أين وَجَدَتا الجواهر والشرائط لأجنحتهما؟ وذاك الجدول؟ إنّه ماء. حسناً. ولكن مِن أين أتى؟ ما هو النبع الأوّل للماء كعنصر؟ آه! إنّ النَّظَر يعني الإيمان حينما نُجيد النَّظَر.»
«النَّظَر يعني الإيمان. ونحن نادراً ما ننظر إلى سِفر التكوين الحي الذي أمام أعيننا.»
«الكثير مِن العِلم يا غَمَالائيل، والقليل جدّاً مِن الحبّ والقليل جدّاً مِن التواضع.»
يتنهّد غَمَالائيل ويهزّ رأسه.
«هو ذا. لقد وَصَلتَ يا يسوع. فهنا دُفِنَ هلّيل. فلنترجّل تاركين مطيّتينا هنا. سيأخذهما الخادم.»
يترجَّلان. يَربطان البَغلَين إلى جذع شجرة، ويتوجّهان إلى ضريح بارز في الجبل، إلى جانب دار كبيرة مغلقة تماماً. «آتي هنا للتأمّل، لتهيئة أعياد إسرائيل.» يقول غَمَالائيل، مشيراً إلى المنـزل.
«فلتمنحكَ الحكمة كلّ أنوارها.»
«وهنا، لتهيئة نفسي للموت.» ويشير غَمَالائيل إلى الضريح. «لقد كان بارّاً.»
«لقد كان بارّاً. وإنّني أصلّي عن طيب خاطر أمام رُفاته. ولكن، يا غَمَالائيل، ينبغي لهلّيل ألّا يعلّمكَ فقط كيف تموت. بل ينبغي له أن يعلّمكَ كيف تحيا كذلك.»
«كيف يا معلّم؟»
«"عظيم هو الإنسان حينما يتواضَع". تلك كانت الفِكرة الـمُفَضَّلَة لديه.»
«وكيف تعرف ذلك إذا لم تتعرّف إليه؟»
«لقد عرفتُه... أمّا في ما يُفضَّل عن ذلك، فلم أتعرف على شخص الرابّي هِلّيل، بل لقد عرفتُ فِكره، لأنّني لا أجهل شيئاً عن فِكر البشر.»
يخفض غَمَالائيل رأسه ويتمتم: «وحده الله يمكنه قول ذلك.»
«الله وكَلِمَته. لأنّ الكَلِمَة يعرف الفِكر، والفِكر يعرف الكَلِمَة ويحبّه باتصاله به مع كنوزه ليجعله يشاركه في ذاته. فالحبّ يوثّق الروابط ويجعل منها كمالاً فريداً. إنّه الثالوث الذي يتحابّ ويتشكّل إلهيّاً، ويتوالد وينبَثِق ويتكامَل. وكلّ فِكرة مقدّسة قد وُلِدَت في الروح الكامل، وهي انعكاس منه في روح المستقيم. إذن فهل يمكن للكلمة أن يجهل أفكار المستقيمين التي هي خواطر الفِكر الإلهيّ؟»
ويُصلِّيان أمام الضريح الـمُغلَق طويلاً. يَلحَق بهما التلاميذ ثمّ الخُدّام، هؤلاء على المطايا وأولئك تحت ثِقل الأمتعة. ولكنّهم يتوقّفون عند حدود المرج حيث يقع الضريح بعده. وتنتهي الصلاة.
«الوداع يا غَمَالائيل. اسْمُ بنفسكَ مِثل هلّيل.»
«ما الذي تريد قوله؟»
«ارفَع نفسكَ. وهو قد فَعَلَها قبلكَ، لأنّه عَرف أن يؤمن بتواضع يفوق تواضعكَ. السلام لكَ.»