ج7 - ف237

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء السابع / القسم الثاني

 

237- (يسوع، يوحنّا ومَنَاين. نهاية السنة الثالثة.)

 

16 / 12 / 1946

 

إنّهما في الأراضي الّتي تُشعِر بجوار البحر الميت، خارج أيّ طريق، متوجّهَين مباشرة صوب الشمال الشرقيّ. وباستثناء وعورة الأرض، المليئة بحجارة قاطعة وبلّورات ملح، والمكسوّة أعشاباً قصيرة وشائكة، فإنّ المسير جيّد وخصوصاً هادئ، حيث لا توجد نَفْس حيّة على مدّ النظر، والحرارة معتدلة والأرض جافّة.

 

إنّهما يتحدّثان فيما بينهما. لا بدّ أنّهما قد وجدا رعاة في الأيّام السابقة ومكثا بينهم، لأنّهما يتحدّثان عنهم. يتحدّثان كذلك عن طفل مُبرأ. إنّهما يتحدّثان بتؤدة، بتحابّ. وحتّى عندما يصمتان، فإنّهما يتحدّثان بقلبيهما، ناظرَين إلى بعضهما نظرة مَن هو مسرور لكونه بصحبة صديق محبوب. يجلسان كي يرتاحا ويتناولا بعض الطعام، يعاودا المسير، دوماً بمظهر السكون ذاك، الّذي يمنح قلبي السلام لمجرّد رؤيته.

 

«هنا هي جلجالا.» يقول يسوع مشيراً إلى الأمام، إلى مجموعة منازل تعكس بياضها الشمس، فوق تلّة صوب الشمال الشرقي. «لقد أصبحنا قريبَين مِن النهر»

 

«وندخل جلجالا لقضاء الليل؟»

 

«لا يا يوحنّا. لقدّ تجنّبتُ عن قصد كلّ مدينة، وسوف أتجنّب هذه أيضاً. وإذا ما وجدنا راعٍ آخر، فسوف نذهب معه. وإذا ما رأينا على جانب الطريق الّتي نحن على وشك بلوغها، قوافل تعتزم التوقّف لقضاء الليل، فسوف نطلب أن تستضيفنا تحت خيامها. فبدو الصحراء مضيافون دوماً. وفي هذا الوقت مِن السهل ملاقاتهم. وإذا لم يستضفنا أحد، فسوف ننام تحت النجوم، مُتّحدَين معاً تحت معطفينا، والملائكة يسهرون علينا.»

 

«آه! نعم. وكلّ شيء سيكون بأفضل مِن ليلة الحزن، الليلة الأخيرة الّتي أمضيتُها هناك، في بيت لحم!»

 

«إنّما لماذا لم تأتِ إليَّ على الفور؟»

 

«لأنّني كنتُ أشعر بأنّني مذنب. ومِن ثمّ كنتُ أقول أيضاً: "إنّ يسوع بغاية الطيبة بحيث أنّه لن يوبّخني، لا بل سوف يعزّيني، كما فعلتَ. وحينئذ ماذا سيكون مصير الكفّارة الّتي كنتُ أريد القيام بها؟»

 

«كنّا سنقوم بها معاً يا يوحنّا. فأنا أيضاً قد بقيتُ بلا طعام ولا نار، رغم الأطعمة والحطب الّتي وُجِدَت صباحاً.»

 

«نعم. إنّما حينما نكون معكَ فلا يعود هناك شيء، لا شيء. فأنا حين أكون معكَ لا أعود أعاني مِن شيء. أنظر إليكَ. وأكون مغبوطاً.»

 

«أعلم ذلك. وأعلم أيضاً أنّ فِكري لا ينطبع في أحد كما في يوحنّاي. وأعلم كذلك أنّكَ تُحسِن الفهم والصمت حينما يتطلّب الأمر ذلك. إنّكَ تفهمني، نعم. لأنّكَ تحبّني. يوحنّا، أَنصِت إليَّ. بعد بعض الوقت...»

 

«ماذا يا ربّ؟» يَسأَل يوحنّا في الحال مُقاطِعاً إيّاه، ممسكاً إيّاه مِن ذراعه، وقد أوقفه كي ينظر إليه مواجهةً، بعينين مذعورتين ومستقصيتين، وبوجه قد غدا شاحباً.

 

«بعد بعض الوقت ستكون قد مضت ثلاث سنوات وأنا أبشّر. وقد قلتُ كلّ ما كان ينبغي قوله للجموع. وقد أصبح لدى أولئك الّذين يريدون أن يحبّوني ويتبعوني العناصر اللازمة لذلك، بيقين. بالنسبة للآخرين… البعض ستقنعهم الوقائع. والأغلبية سيلبثون صُمّاً حتّى أمام هذه. إنّما لهؤلاء لديَّ القليل مِن الأمور لأقولها. وسأقولها لهم. لأنّ العدالة أيضاً يجب أن تُراعى، بالإضافة إلى الرحمة. فإلى الآن إنّ الرحمة قد صمتت مرّات كثيرة وفي أمور كثيرة. إنّما قبل أن يصمت المعلّم نهائيّاً فإنّه سوف يتكلّم أيضاً بصرامة قاضٍ. لكنّني لم أكن أريد أن أُحدّثكَ حول هذا. كنتُ أريد أن أقول لكَ أنّني قريباً، كَوني قد قلتُ لقطيعي كلّ ما ينبغي قوله لجعله ينتمي إليَّ، سأستغرق كثيراً في الصلاة والاستعداد. وعندما لا أصلّي سوف أكرّس نفسي لكم. فكما فعلتُ في البداية، سوف أفعل في النهاية. التلميذات سيأتين. أُمّي ستأتي. سوف نستعدّ كلّنا للفصح. يا يوحنّا، إنّني أسألكَ منذ الآن أن تتكرّس كثيراً لتلك التلميذات. لأُمّي على وجه الخصوص...»

 

«يا ربّ! إنّما ما الّذي يمكنني أن أمنحه لأُمّكَ وهي لا تملكه بالفعل على نحو وافر، لدرجة امتلاكها منه ما تعطينا كلّنا؟»

 

«محبّتكَ. افترض أنّكَ ابن ثانٍ بالنسبة لها. هي تحبّكَ وأنتَ تحبّها. ولديكما محبّة وحيدة تجمعكما: المحبّة تجاهي. أنا، ابنها بالجسد والقلب، سأكون دوماً أكثر… غياباً، استغراقاً في… مشاغلي. وهي سوف تتألّم لأنّها تعرف… تعرف ما هو آتٍ. فعليكَ أن تعزّيها أيضاً عوضاً عنّي، أن تكون صديقها إلى الحدّ الّذي تتمكّن فيه مِن البكاء على قلبكَ وأن تتعزّى بذلك. أُمّي ليست مجهولة بالنسبة لكَ. لقد سبق لكَ أن عشتَ معها. إنّما أن تفعل ذلك بصفتكَ تلميذاً يحبّ أُمّ معلّمه محبّةً تبجيليّة هو شيء يختلف عن فِعله كابن لها. أريدكَ أن تفعل ذلك كابن، كيما تتألّم أقلّ بقليل عندما ستفقدني.»

 

«يا ربّ، أأنتَ سوف تموت؟ إنّكَ تتكلّم كمن يوشك أن يموت! أنتَ تحزنني...»

 

«لقد قلتُ لكم مرّات عديدة أنّه ينبغي لي أن أموت. وذلك كان كما لو كنتُ أتحدّث إلى أطفال شاردين أو لا يتوصّلون إلى الإدراك. نعم. إنّني ماضٍ إلى الموت. سوف أقول ذلك للآخرين أيضاً. إنّما لاحقاً. لكَ أقوله الآن. تذكّر ذلك يا يوحنّا.»

 

«إنّني أجهد كي أتذكّر كلامكَ، دوماً… إنّما هذا مؤلم جدّاً...»

 

«بحيث أنّكَ تفعل ما بوسعكَ كي تنساه، تريد أن تقول؟ أيّها الطفل المسكين! لستَ أنتَ مَن تنسى، لست أنتَ مَن تتذكّر. لستَ أنتَ بإرادتكَ. إنّها بشريّتكَ ذاتها هي الّتي ليس باستطاعتها تذكّر هذا الأمر الّذي يفوق بكثير قدرتها على التحمّل، الأمر العظيم جدّاً، والّذي حتّى لا تعلم تماماً كم سيكون عظيماً، مهولاً، الأمر العظيم جدّاً الّذي يدوّخكَ كأنّه ثقل سقط مِن أعلى فوق رأسكَ. ومع ذلك فهو هكذا. قريباً سوف أمضي لأموت بالفعل. وأُمّي ستبقى وحيدة. سوف أموت مع قطرة حلاوة في محيط ألمي إذا ما رأيتُ فيكَ "ابناً" لأُمّي...»

 

«آه! ربّي! إذا ما كنتُ قادراً… إن لم يحدث لي كما في بيت لحم، نعم، سأفعل ذلك. سأسهر بقلب ابن. إنّما ما الّذي سيمكنني أن أقدّمه لها ويعزّيها إذا فقدتكَ أنتَ؟ ما الّذي سيكون بوسعي أن أقدّمه لها إذا ما كنتُ أنا أيضاً كمن فقد كلّ شيء وأفقده الألم صوابه؟ كيف سأفعل أنا، الّذي لم أُحسِن السهر والألم الآن، في السكينة، لليلة واحدة وبسبب جوع قليل؟ كيف سأفعل؟»

 

«لا تضطرب. صلّ كثيراً خلال هذا الوقت. سوف أبقيكَ كثيراً معي ومع أُمّي. يا يوحنّا، أنتَ سلامنا. وستكونه كذلك آنذاك. لا تخف يا يوحنّا. محبّتكَ ستفعل كلّ شيء.»

 

«آه! نعم يا ربّ! أَبقِني كثيراً معكَ. أنا، أنتَ تعلم ذلك، لا يهمّني الظهور، ولا عمل معجزات، أريد وأعرف أن أحبّ فقط...»

 

يسوع يُقبّله مجدّداً على جبينه، عند الصدغ، كما في المغارة…

 

إنّهما على مرأىً مِن الطريق الّتي تمضي صوب النهر. هناك بعض المسافرين الّذين يهمزون مطاياهم أو يحثّون الخطى كي يكونوا في أماكن الاستراحة قبل الليل. لكنّهم كلّهم يمضون متدثّرين، حيث يغدو البرد قارساً بعد غياب الشمس. ولا أحد يلاحظ العابِرَين الماضيَين بسرعة صوب النهر.

 

فارس يهرول سريعاً، تقريباً يعدو، يُدركهما ويتجاوزهما، ويتوقّف على بُعد بضعة أمتار بسبب زحمة حمير عند جسر صغير للمطايا فوق مجرىً عريض يريد أن يظهر بمظهر سَيْل، والّذي يمضي مُزبِداً صوب نهر الأردن أو البحر الميت. وفيما ينتظر دوره للعبور، فإنّ الفارس يلتفت إلى الوراء وتبدر منه حركة مفاجأة. ينزل عن السرج، وممسكاً بالحصان مِن اللجام، يعود إلى الوراء صوب يسوع ويوحنّا اللذين لم يلاحظاه.

 

«المعلّم! كيف يحدث أنّكَ هنا؟ ووحدكَ مع يوحنّا؟» يَسأَل الفارس رامياً إلى الوراء جوانب غطاء رأسه الّتي كانت منسدلة على وجهه لتكون بمثابة القبّعة، ويمكنني القول كما قناع للحماية مِن الريح والغبار. ويتبدّى الوجه الأسمر والرجوليّ لمَنَاين.

 

«السلام لكَ يا مَنَاين. إنّني ماضٍ صوب النهر كي أعبره. لكنّني أشكّ بأنّني أستطيع ذلك قبل حلول الليل. وأنتَ إلى أين كنتَ ذاهباً؟»

 

«إلى مكرونة. إلى الجحر القَذِر. أليس لديكَ مكان تنام فيه؟ تعال معي. كنتُ أسارع الذهاب إلى نُزُل على طريق القوافل. أو، إذا كنتَ تُفضّل، سوف أنصب الخيمة تحت أشجار النهر. معي كلّ شيء على السرج.»

 

«أنا أُفضّل هذا. أمّا أنتَ فحتماً تُفضّل النُّزُل.»

 

«أنا أُفضّلكَ أنتَ يا ربّي. أعتبر لقائي هذا بكَ نعمة. هيّا بنا إذن. إنّني أعرف ضفاف النهر كما لو أنّها ممرّات منزلي. عند أسفل تلال جلجالا يوجد حرج في منأىً عن الرياح، غنيّ بالأعشاب للبهيمة وبالأخشاب للنار. سنكون بأحسن حال هناك.»

 

يحثّون الخطى، منعطفين بالفعل صوب الشرق، مغادرين الطريق الّتي تصل إلى المخاضة أو إلى أريحا. سرعان ما يصلون إلى طرف حرج كثيف ينزل مِن منحدرات التلّة وينبسط على السهل صوب الضفاف.

 

«سأذهب إلى ذاك المنزل. إنّهم يعرفونني. سوف أطلب الحليب والقشّ للجميع.» يقول مَنَاين ماضياً إلى هناك بحصانه، وسرعان ما يعود متبوعاً مِن قِبَل رجلين يحملان حُزَم قشّ على كتفيهما، ودلواً نحاسيّاً مملوءاً بالحليب.

 

يدخلون إلى الحرج مِن دون كلام. مَنَاين يلقي القشّ أرضاً ويصرف الرجلين. ومِن جيوب السرج يُخرِج صوفاناً وقدّاحة، ويُشعِل ناراً بالأغصان الكثيرة الّتي على الأرض. النار تُبهِج وتدفّئ. القِدْر الموضوع على حَجَرين جلبهما يوحنّا يسخن، فيما مَنَاين، وقد نزع السرج عن الحصان، ينصب خيمة وبر الإبل الناعم، رابطاً إيّاها بوتدين مغروسين في الأرض، ومُسنِداً إيّاها إلى جذع صلب لشجرة معمّرة. يبسط على العشب جلد نعجة كان مربوطاً إلى درع السرج، يضع عليه السرج ويقول: «يا معلّم تعال. إنّه ملجأ فارس الصحراء. لكنّه يحمي مِن الندى ورطوبة التربة. بالنسبة لنا القش يكفي. وأؤكّد لكَ يا معلّم، أنّ السجّاد النفيس والمظلات، ومقاعد القصر الملكيّ تبدو لي أقلّ، أقلّ جمالاً بكثير مِن عرشكَ وخيمتكَ هذين، ومِن هذا القشّ، والطعام الفخم الّذي تذوّقتُه لمرّات كثيرة لن يكون أبداً بمذاق الخبز والحليب اللذين سنتناولهما معاً هنا تحت هذه الخيمة. إنّني مسرور يا معلّم!»

 

«أنا أيضاً يا مَنَاين، وحتماً يوحنّا هو كذلك. فالعناية الإلهيّة قد جمعتنا هذا المساء لأجل فرحنا المشترك.»

 

«هذا المساء وغداً يا معلّم، وكذلك بعد غد، إلى أن أعلم أنّكَ بأمان، وسط رُسُلكَ. أعتقد بأنّكَ ماضٍ لملاقاتهم.»

 

«نعم. إنّني ماضٍ إليهم. إنّهم ينتظرونني في منزل سليمان.»

 

مَنَاين يحدّق به. ثمّ يقول: «لقد مررتُ بأورشليم… وقد علمتُ. مِن بيت عنيا. وقد فهمتُ لماذا لم تتوقّف هناك. حسناً تفعل بالانسحاب. إنّ أورشليم هي جسد طافح سمّاً وفساداً. أكثر مِن لعازر المسكين...»

 

«هل رأيتَه؟»

 

«نعم. إنّه مفجوع بفعل عذابات الجسد، والقلب، لأجلكَ. إنّ لعازر يموت محزوناً جدّاً… إنّما أودّ أن أموت أنا أيضاً بدلاً مِن أن أرى خطيئة مواطنينا.»

 

«هل كانت المدينة مهتاجة؟» يَسأَل يوحنّا الّذي يراقب النار.

 

«جدّاً. إنّها مقسومة إلى فريقين. وإنّه لأمر غريب أنّ الرومان قد تساهلوا مع البعض ممّن أُوقِفوا في اليوم السابق بتهمة التمرّد. يقال في الخفاء أنّ ذلك كان لئلّا يزيدوا الهيجان. يقال أيضاً بأنّ الحاكم سوف يأتي إلى أورشليم قريباً. أبكر مِن المتوقّع. إن كان ذلك يبشّر بالخير، لا أعلم. أعلم أنّ هيرودس سيفعل الـمِثل. وذلك حتماً سيكون أمراً حسناً بالنسبة لي، لأنّني أستطيع أن أكون بقربكَ. بحصان جيّد -فاسطبلات أنتيباس تضمّ أحصنة عربية سريعة- سيكون سريعاً الذهاب مِن المدينة إلى النهر، إذا ما بقيتَ هناك...»

 

«نعم. أبقى هناك. أقلّه في الوقت الحالي...»

 

يوحنّا يأتي بالحليب الساخن، الّذي يغمس فيه كلّ واحد خبزه بعدما قدّم يسوع وبارك. مَنَاين يقدّم تمراً أشقر مثل العسل.»

 

«إنّما أين كنتَ تحمل كلّ تلك الأشياء؟» يَسأَل يوحنّا باندهاش.

 

«إنّ سرج فارس هو سوق صغيرة يا يوحنّا. فيه كلّ شيء للإنسان وللبهيمة.» يجيب مَنَاين بابتسامة جليّة ترتسم على وجهه الأسمر. يفكرّ لبرهة، ثمّ يَسأَل: «يا معلّم، أهو مسموح أنّ نحبّ الحيوانات الّتي تخدمنا، والّتي غالباً تفعل ذلك بأكثر وفاءً مِن الإنسان؟»

 

«لماذا هذا السؤال؟»

 

«لأنّني قد عانيتُ مؤخّراً مِن سخرية وملامة بعض مَن رأوني أغطّي بالغطاء الّذي هو الآن بمثابة خيمة، حصاني الّذي كان قد تعرّق بفعل جريه.»

 

«ولم يقولوا لكَ شيئاً آخر؟»

 

مَنَاين ينظر إلى يسوع منذهلاً… ويصمت.

 

«تكلّم بصدق. فليس تذمّراً، ولا إساءة لي قول ما قالوه لكَ لرمي حفنة جديدة مِن الوحل عليَّ.»

 

«يا معلّم، إنّكَ تعلم كلّ شيء. إنّكَ بحقّ تعلم كلّ شيء، ومِن العبث أن نبتغي إخفاء أفكارنا أو أفكار الآخرين عنكَ. نعم. لقد قالوا لي: "نرى أنّكَ تلميذ لذاك السامريّ. إنّكَ وثنيّ مثله، هو الّذي ينتهك حتّى السبوت، مُنجّساً نفسه بلمس حيوانات نجسة".»

 

«آه! هذا كان حتماً إسماعيل!» يصيح يوحنّا.

 

«نعم. هو وآخرون معه. وأنا رددتُ: "كنتُ لأتفهّمكم لو كنتم تقولون لي أنّني نَجِس لأنّني أعيش في بلاط أنتيباس. لا لأنّني أعتني بحيوان خلقه الله". وحيث أنّه كان يوجد أيضاً هيروديّون ضمن المجموعة -الأمر الّذي أصبح مِن السهل تبيّنه منذ بعض الوقت، والّذي هو أيضاً أمر مثير للدهشة لأنّ الخلاف بينهم كان على أشدّه قبلاً- فقد أجابوني: "إنّنا لا نحكم على أفعال أنتيباس، إنّما على أفعالكَ. فحتّى يوحنا المعمدان كان في مكرونة وكان على تواصل مع الـمَلِك. لكنّه بقي بارّاً على الدوام. أنتَ على العكس، أنتَ وثنيّ…". وكان الناس يتجمّعون فتوقّفت كي لا أثيرهم. فمنذ بعض الوقت يتمّ الإبقاء هذه الإثارة متحفّزة مِن قِبَل أتباع زائفين لكَ يدفعونهم للتمرّد ضدّ مَن يعارضونكَ، أو مِن قِبَل آخرين يقومون بالإساءة مُدّعين أنّهم تلاميذ لكَ مُرسَلين مِن قِبَلكَ...»

 

«إنّما هذا كثير! يا معلّم؟ إلى أين سيصلون؟» يَسأَل يوحنّا مضطرباً.

 

«ليس إلى ما وراء الحدّ الّذي يمكنهم أن يصلوا إليه. وبعد هذا الحدّ أنا وحدي سأواصل التقدّم، وسيسطع النور، ولن يستطيع أحد الشكّ بعد في أنّني ابن الله. إنّما تعاليا إلى هنا قربي وأَنصِتا. إنّما غذّيا النار أوّلاً.»

 

الاثنان، بسرور بالغ، يرتميان فوق جلد النعجة السميك الممدود على الأرض تحت قدميّ يسوع، الجالس على السرج الأحمر المستند إلى الخيمة المتّكئة على جذع الشجرة. مَنَاين ممدّد تقريباً، مرفقه مستند إلى الأرض، ورأسه متّكئ إلى يده، عيناه مثبّتتان على عينيّ يسوع. يوحنّا جالس على عقبيه ويسند رأسه على صدر يسوع، مُطوّقاً إيّاه بذراع، بحسب وضعيّته المعتادة.

 

«عندما خلق الخالق الخليقة وجعل مَلِكَها الإنسان، المخلوق على صورته ومثاله، عرض على الإنسان كلّ المخلوقات وأراد أن يعطيها الإنسان اسماً كي يميّز الواحدة عن الأخرى. ونقرأ في سفر التكوين: "إنّ كلّ اسم أعطاه آدم للحيوانات كان حسناً، وكان الاسم الصحيح". ونقرأ أيضاً في سفر التكوين أنّ الله، حين خلق الرجل والمرأة، قد قال: "لنعمل الإنسان على صورتنا وشبهنا، ليكون سيّداً على أسماك البحر، طيور السماء، البهائم، وعلى كلّ الأرض والدواب الّتي تدبّ عليها".

 

وعندما خلق رفيقة لآدم، المرأة المصنوعة مثله على صورة ومثال الله، حيث أنّه لم يكن مِن اللائق أنّ التجربة، الكامنة تنتظر، تجرّب الذكر المخلوق على صورة الله وتُفسِده على نحو غايةً في البشاعة، فقد قال الله للرجل والمرأة: "انموا، تكاثرا، واملآ الأرض، وأَخضِعاها، تسلّطا على سمك البحر، على طيور السماء، وعلى كلّ الحيوانات الّتي تتحرّك على الأرض". وقال أيضاً: "ها قد أعطيتُكما كلّ زرع يبزر بزراً على وجه كلّ الأرض، وكلّ شجر يبزر بزراً مِن نوعه كي يكون طعاماً لكم ولكلّ حيوانات الأرض وطيور السماء ولكلّ دابّة على الأرض فيها نَفْس حيّة كي تحظى بالحياة".

 

إنّ الحيوانات والنباتات، وكلّ ما خلقه الخالق لفائدة الإنسان، تمثّل إذن هبة محبّة وميراثاً قد عهد به الآب لأبنائه، كي يستخدموه لإفادتهم، بامتنان تجاه مانح كلّ عناية إلهيّة. ولذلك يجب أن نحبّها ونعاملها بعناية مناسبة.

 

ماذا كنتما لتقولا عن ابن كان أبوه قد أعطاه ثياباً، أثاثاً، مالاً، حقولاً، بيوتاً، قائلاً له: "إنّني أمنحها لكَ ولخلفائكَ كي تمتلكوا ما يجعلكم سعداء. استخدموا كلّ هذا بمحبّة ذكرى لمحبّتي الّتي تمنحكم إيّاه". إذا ما بعد ذلك، تركوا كلّ شيء يُقوَّض، أو إذا ما بَدَّدوا كلّ الثروات؟ تقولان أنّهم لم يُكرّموا أباهم، ولم يحبّوا أباهم ولا عطاياه. فأيضاً ينبغي أن يعتني الإنسان بما وضعه الله تحت تصرّفه بعناية إلهيّة.

 

عناية لا تعني وثنيّة، ولا عاطفة جامحة تجاه الحيوانات أو النباتات، أو أيّ شيء آخر. عناية تعني شعوراً بالرحمة وبالامتنان تجاه الأمور الأقلّ أهمّيّة، الّتي تخدمنا ولها حياتها، أو بالأحرى إحساسها.

 

إنّ النّفْس الحيّة للمخلوقات الأدنى، الّتي يتحدّث عنها سفر التكوين، ليست النّفْس الّتي للإنسان. إنّها الحياة، فقط الحياة، أي الإحساس بالأمور الآنيّة، المادّيّة منها والمعنويّة. عندما يموت حيوان يموت الإحساس، لأنّ الموت بالنسبة له هو النهاية الحقيقيّة. فلا مستقبل له، إنّما طالما هو حيّ فإنّه يعاني الجوع، البرد، التعب، إنّه يحس بالجروح، بالألم، المتعة، الحبّ، الكراهية، المرض والموت. والإنسان، في ذكرى لله، الّذي أعطاه تلك الوسيلة الّتي تجعل نفيه على الأرض أقلّ قسوة، يجب أن يتحلّى بالإنسانيّة تجاه خُدّامه الأدنى الّتي هي الحيوانات. ألا ينصّ كتاب موسى يا ترى على ضرورة التحلّي بحسّ إنسانيّ حتّى تجاه الحيوانات، سواء كانت ذوات أجنحة أم ذوات أربع؟

 

الحقّ أقول لكما بأنّه يجب إجادة النظر ببرّ إلى صنائع الخالق. فإذا ما تمّ النظر إليها ببرّ نرى أنّها "حسنة". وما هو حسن يجب أن يكون محبوباً على الدوام. نرى أنّها أُعطيت لغاية حسنة وبحافز محبّة، وبتلك الصفة يمكننا، ينبغي لنا أن نحبّها، حيث نرى، ما وراء الكائن الفاني، الكائن الأزليّ الّذي خلقها لأجلنا. سوف نرى أنّها أشياء مفيدة، ولأنّها كذلك ينبغي أن نحبّها. فلا شيء، تذكّرا ذلك جيّداً، قد صُنِع دونما هدف في الكون. إنّ الله لا يضيع قدرته الكاملة في أشياء عديمة الفائدة. إنّ ساق العشبة هذا ليس بأقلّ فائدة مِن الجذع الضخم الّذي يستند إليه ملاذنا المؤقّت. إنّ قطرة الندى، لؤلؤة الصقيع الصغيرة، ليستا أقلّ إفادة مِن البحر الواسع. البعوضة ليست أقلّ إفادة مِن الفيل، والدودة الّتي تحيا في الوحل ليست أقلّ إفادة مِن الحوت. لا شيء عديم الفائدة في الخليقة. إنّ الله قد عمل كلّ شيء لغاية حسنة، بدافع محبّة للإنسان. وعلى الإنسان أن يستخدم كلّ شيء بِنيّة مستقيمة وبمحبّة لله، الّذي أعطاه كل ما هو موجود على الأرض كي يكون خاضعاً لِـمَلك الخليقة.

 

لقد قلتَ أيا مَنَاين، إنّ الحيوانات تخدم البشر غالباً بأفضل مِن البشر. وأنا أقول إنّ الحيوانات، النباتات، المعادن، العناصر، تتفوّق كلّها على الإنسان بالطاعة، سواء مُتّبعةً بعفويّة، قوانين الخلق، أو مُتّبعة بفاعليّة، الغريزة الّتي وضعها فيها الخالق، أو مستسلمة للتدجين إذعاناً للغاية الّتي خُلِقت لأجلها. والإنسان، الّذي ينبغي أن يكون جوهرة الخليقة، هو غالباً جدّاً ما يكون البشاعة. إنّ الإنسان الّذي ينبغي أن يكون النغمة الأكثر توافقاً مع الجوقة السماويّة في تسبيح الله، هو غالباً جدّاً ما يكون النغمة الناشزة الّتي تَلعن أو تجدّف أو تتمرّد أو تَرهن غناءها لتسبيح الخليقة بدلاً مِن الخالق. بالتالي للوثنيّة. إذاً للإساءة. أي للرجاسة. وهذه هي الخطيئة.

 

فكن إذن في سلام يا مَنَاين. فإشفاقكَ على حصان، قد تعرّق لأنّه خدمكَ، هو ليس بخطيئة. إنّ الخطيئة هي الدموع الّتي يجعلنا أمثالنا نذرفها، والهوى الجامح الّذي هو إساءة لله، الّذي هو جدير بكلّ محبّة الإنسان.»

 

«إنّما هل أنا أخطى ببقائي قرب أنتيباس؟»

 

«لأيّ غاية تبقى قربه؟ للتمتّع؟»

 

«لا يا معلّم. كي أسهر عليكَ. تعلم ذلك. والآن أيضاً كنتُ ماضياً إلى هناك لأجل ذلك. فأنا أعلم أنّهم أرسلوا مبعوثين إلى هيرودس لإثارته ضدّكَ.»

 

«فإذن ما مِن خطيئة. ألا تحبّ أكثر البقاء معي، في فقري الحياتيّ؟»

 

«أتسألني أنا عن ذلك؟ لقد قلتُه منذ البداية. فهذه الليلة تحت الخيمة، الطعام المتواضع الّذي أكلناه، لا مثيل لهما بالنسبة لي. آه! لو أنّ ذلك لم يكن سوى لسماع فحيح الأفاعي، والبقاء قرب وكرها، فإنّني أبقى معكَ! لقد أدركتُ حقيقة رسالتكَ. لقد أخطأتُ يوماً. إنّما ذلك قد أفاد في جعلي أُدرك ولن أحيد بعد عن البرّ.»

 

«أترى! لا شيء غير مفيد. فحتّى الخطأ، بالنسبة لمن يبتغي الخير، هو وسيلة للخير. إنّ الخطأ يسقط مثل غلاف شرنقة، وتخرج الفراشة غير المشوّهة، الّتي لا تنتن، الّتي لا تزحف، بل تطير باحثةً عن كؤوس الزهور وأشعّة النور. وهكذا هي النفوس الصالحة. يمكنها أن تدع البؤس والصعوبات الخانقة تغلّفها لبرهة. إنّما بعد ذلك تتحرّر منها وتطير مِن زهرة إلى زهرة، مِن فضيلة إلى فضيلة، صوب النور، صوب الكمال. فلنُسبّح الربّ لأجل صنائع رحمته المستمرّة، الّتي تعمل، حتّى دونما عِلم الإنسان، في قلب الإنسان ومِن حوله.»

 

ويسوع يصلّي، وقد ركع لأنّ الخيمة الواطئة والضيّقة لا تسمح بوضعيّة أخرى. ثمّ، بعدما غذّوا النار أمام الخيمة، وربطوا الحصان، يتهيّؤون للنوم، وقد تواعدوا على تناوب مراقبة النار والحيوان، الّذي ألقى عليه مَنَاين الجلد السميك ليكون بمثابة غطاء يقيه مِن برودة الليل.

 

يسوع ومَنَاين يستلقيان على حُزَم القش ويلتفّان برداءيهما كي يناما. يوحنّا، خوفاً مِن أن يغلبه النوم، يروح ويجيء خارج الخيمة، مغذّياً النار ومراقباً الحصان، الّذي ينظر إليه بعينه السوداء الذكيّة، ويضرب بحافره الأرض برتابة وهو يهزّ رأسه، جاعلاً السلاسل الفضّية الصغيرة لغطاء سرجه ترنّ، ويقضم السوق العطريّة للشمّر البرّيّ الّتي نمت عند أسفل الشجرة المربوط إليها. ولأنّ يوحنّا يقدّم له منها ما هي أحلى، كانت قد نمت إلى أبعد قليلاً، فإنّه يصهل بسرور ويسعى إلى أن يَدْلُك بمنخريه الناعمين والورديّين عنق الرسول. إلى البعيد، في صمت الليل المطلق، يُسمَع آتياً الهدير الهادئ للنهر.

 

يقول يسوع:

 

«وكذلك السنة الثالثة مِن الحياة العامّة قد انقضت. والآن تأتي حقبة التهيئة للآلام. هذه التي يبدو فيها ظاهريّاً أنّ كلّ شيء يقتصر على أحداث قليلة وعلى أشخاص قلائل. كما لو أنّ شخصي ورسالّتي يضمحلّان. وفي الحقيقة، إنّ الّذي كان يبدو مغلوباً ومسحوقاً، قد كان البطل الّذي يتهيّأ للتمجيد، ومِن حوله، لم يكن الأشخاص، بل شهوات الأشخاص هي الّتي كانت تتركّز وتصل إلى ذروتها.

 

إنّ كلّ ما سبق، والّذي قد يكون في بعض فصوله قد بدا دونما هدف بالنسبة للقرّاء المتقلقلين أو السطحيّين، ينجلي هنا بنوره الخافت أو الساطع. وخصوصاً الأوجه الأكثر أهمّيّة. تلك الّتي لا يريد الكثيرون الاعتراف بأنّ معرفتها مفيدة، تحديداً لأنّها تتضمّن الدروس لمعلّمي اليوم، الّذين هم بحاجة أكثر مِن أيّ وقت للتثقيف كي يصبحوا معلّمي الروح الحقيقيّين. وكما قلتُ ليوحنّا ومَنَاين، لا شيء غير ذي فائدة ممّا يعمله الله، ولا حتّى الساق النحيلة للعُشبة. وهكذا فإنّ ما مِن شيء هو غير ذي جدوى في هذا العمل. لا الأوجه الساطعة ولا تلك الضعيفة أو المظلمة. لا بل بالأحرى، بالنسبة لمعلّمي الأرواح، إنّ الأوجه الضعيفة والمظلمة هي أكثر إفادة مِن الأوجه حسنة التشكيل والبطوليّة.

 

وكما أنّ... مِن أعلى جبل، قريباً مِن القمّة، يمكن الإحاطة بالتشكيل الكامل للجبل، والتبرير لوجود الأحراج، السيول، المروج، والمنحدرات، للوصول مِن السهل إلى القمّة، مِن حيث يُرى كامل جمال المنظر، فيتأتّى بأكثر قوّة، الاقتناع بأنّ صنائع الله مفيدة كلّها ورائعة، وبأنّ الواحدة تخدم الأخرى وتُكمّلها، وأنّها كلّها تساهم في تشكّل جمال الخليقة، فكذلك... ودوماً بالنسبة لمن يمتلك روحاً قويماً، إنّ تنوّع الأوجه، الأحداث، الدروس، لهذه السنوات الثلاث مِن الحياة التبشيريّة، الـمُتأمَّلة كما مِن أعلى قمّة جبل عملي كمعلّم، تفيد في إعطاء الرؤية الدقيقة لذاك الـمُرَكَّب السياسيّ، الدينيّ، الاجتماعيّ، الجَمعيّ، الروحيّ، الأنانيّ إلى درجة الإجرام، أو الإيثاريّ [اللا أنانيّ] إلى حدّ التضحية، حيث كنتُ معلّماً وحيث غدوتُ فادياً. إنّ عَظَمة عَمَل دراميّ لا تُرى مِن خلال مشهد واحد، بل مِن خلال كلّ أجزاء العمل. وإنّ شخصيّة البطل تتبدّى مِن خلال الأنوار المختلفة الّتي تنيره بها الأجزاء الثانويّة.

 

إذ أصبحنا قريبين مِن القمّة، والقمّة كانت التضحية الّتي مِن أجلها تجسّدتُ، وما أن تمّ كشف النقاب عن كلّ الخبايا الخفيّة للقلوب، وعن كلّ مكائد الفِرَق، فما علينا إلّا أن نفعل كما المسافر الواصل قريباً مِن القمّة. أن ننظر، ننظر إلى كلّ شيء وكلّ الناس. معرفة العالم العبرانيّ. معرفة ما كنتُ أنا: الإنسان الأسمى مِن الحواس، مِن الأنانيّة، مِن الضغينة، الإنسان الّذي كان عليه أن يُجرّب مِن قِبَل عالم بأكمله، للانتقام، بالسُّلطة، حتّى بأفراح الزواج الشريفة والمنزل، الّذي كان عليه أن يحتمل كلّ شيء ليعيش محتكّاً بالعالم ومعاناة ذلك، لأنّ المسافة بين نقص العالم وخطيئته وكمالي كانت لا متناهية، والّذي قد أحسن أن يجيب على كلّ الأصوات، كلّ الإغراءات، كلّ ردود فعل العالم، والشيطان والأنا، بــ "لا"، وأن يلبث طاهراً، وديعاً، وفيّاً، رحوماً، متواضعاً، مطيعاً، حتّى الموت على الصليب.

 

فهل سيفهم ذلك مجتمع اليوم، الّذي أمنحه كلّ هذه المعرفة عنّي لأجعله قوياً ضدّ هجمات الشيطان والعالم الّتي تزداد قوّة على الدوام؟

 

وكذلك اليوم، كما قبل عشرين قرناً، سوف يكون التعارض بين مَن أكشف نفسي لأجلهم. إنّني مجدّداً علامة تعارض. لكن ليس أنا، بذاتي، إنّما بالنسبة لما أثيره فيهم. فالصالحون، ذوو الإرادة الصالحة، ستكون لهم ردّة الفعل الصالحة الّتي للرّعاة والمتواضعين. والآخرون ستكون ردّة فعلهم شرّيرة، مثل الكَتَبَة، الفرّيسيّين، الصدّوقيين وكَهَنَة ذاك الزمان. كلّ يعطي ما عنده. إنّ الصالح الّذي يحتكّ بالأشرار يُطلِق العنان لمزيد مِن الفساد فيهم. والحكم سيتمّ على البشر، كما تمّ في جمعة الفصح، وفقاً للكيفيّة الّتي سيحكمون بها، يَقبلون ويتبعون المعلّم الّذي، في محاولة جديدة لرحمة لا متناهية، قد عَرَّف عن نفسه مرة أخرى.

 

وللّذين سيفتحون عيونهم وسيتعرّفون إليَّ وسيقولون: "إنّه هو! ألهذا اضطرمت قلوبنا في صدورنا بينما كان يكلّمنا ويشرح لنا الكتابات المقدّسة؟"

 

سلامي لهم ولكِ [ماريا فالتورتا]، يا يوحنّا الصغير، الوفيّ، الـمُحِبّ.»

 

--- نهاية الجزء السابع---