ج3 - ف67

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الثالث / القسم الثاني

 

67- (مغادرة بيت عنيا)

 

01 / 07 / 1945

 

يتحدّث يسوع في حضور فلّاحي جيوقانا وإسحاق وتلاميذ كثيرين ونساء، مِنهنّ مريم الكلّيّة القداسة ومرثا، وأناس كثيرين مِن بيت عنيا. الرُّسُل جميعهم متواجِدون. يَجلس الصبيّ قُبالة يسوع ولا يُفوِّت كلمة واحدة. والحديث قد بَدَأَ منذ برهة، إذ ما يزال الناس يَفِدون.

 

يقول يسوع: «...وبسبب هذا الخوف الذي أراه جليّاً لدى كثيرين، أودُّ اليوم أن أروي لكم مَثَلاً عَذْباً. هو عَذْب بالنسبة إلى ذوي الإرادة الصالحة، ومُرّ بالنسبة إلى الآخرين. ولكنّ أولئك، بإمكانهم إزالة تلك المرارة. فليُصبِحوا هُم كذلك مِن ذَوي الإرادة الحسنة، والـمَلامة التي يُوقِظها الـمَثَل في ضميرهم لا يعود لها أثر.

 

ملكوت الله هو مَنـزِل العرس الذي يتمّ بين الله والنُّفوس. واللّحظة التي يتمّ فيها الدخول إليه هي يوم العرس.

 

فاسمعوا إذن. جَرَت العادة عندنا أن تُواكِب الصبايا العروس الذي يَصِل ليَقُدْنَه وسط الأنوار والأناشيد إلى بيت الزوجيّة مع عروسه الناعمة. يُغادِر الموكِب منـزل العروسة التي، وهي متوشِّحة ومتأثِّرة، تتوجّه إلى المكان الذي تُتَوَّج فيه مَلِكة، في بيت ليس لها، ولكنّه يصبح لها منذ اللّحظة التي تتَّحد فيها بعروسها. حينذاك يَهرَع موكب الصبايا، والغالبيّة منهنّ صديقات للعروسة، للقاء ذينكَ السَّعيدَين ليُحِطنهما بدائرة هالَة مِن الأنوار.

 

ولقد حَدَثَ في بلدة يُحتَفَل فيها بعرس، أنّه بينما كان العروسان، مع الأهل والأصدقاء، مُنطَلِقين إلى بيت العروس، حَضَرَت فتيات عَشر، وأَخَذنَ مكانهنَّ في بهو البيت، جاهزات للخروج للقائه، حالما يتناهى إلى سمعهنّ صوت الصُّنوج والغناء مُعلِناً خروجهما مِن بيت العروسة للمضيّ إلى بيت الزوج. ولكنّ الوليمة في بيت العرس طالت وهَبَطَ اللّيل. والعذارى، كما تَعلَمون، يُبقين مصابيحهنّ مشتعلة وهي تُنير بشكل جيّد، كانت خمس منهنّ حكيمات وخمس جاهلات. أمّا الحكيمات، وقد كُنَّ حريصات، فأَخَذنَ معهنّ آنية صغيرة ممتلئة زيتاً ليتمكّنَّ مِن ملء مصابيحهنّ إذا ما طال الانتظار عمّا هو مُتوَقَّع، بينما الجاهلات قد اكتفين بملء مصابيحهنّ الصغيرة جيّداً.

 

مَضَت الساعات، الساعة تلو الساعة. حِوارات مَرِحَة وقصص مسلّية ونُكات تُضفي على الانتظار متعة. إنّما بعد ذلك لَم يَعُدنَ يَدرينَ ماذا يَقلنَ ولا ماذا يَفعلنَ. وإذ تَعِبنَ وضَجِرنَ، جَمَعنَ مصابيحهنَّ ونَعِسنَ وِنمنَ. وما أن انتَصَفَ الليل حتّى عَلا الصِّياح: "هو ذا العروس فاخرجنَ للقائه!» فَهَبَّت العذارى العشر لدى سماعهنّ الأمر، وأَخَذنَ الأوشِحة والضَّفائِر، وتَوشَّحنَ وهَرَعنَ إلى الطاولة حيث كانت المصابيح. خمسة منها كانت في طريقها لأن تنطفئ... فالفتيل الذي لم يَعُد يَشبَع مِن الزيت الذي استُهلِك بأكمله كان يُدَخِّن ونوره يَخفت شيئاً فشيئاً، مُوشِكاً أن ينطفئ لدى أوّل نسمة هواء. أما الخمسة الأخرى فعلى العكس، إذ قد مَلَأتها العذارى الحكيمات قَبلَ نومهنَّ، فإنَّ شُعلتها كانت ما تزال متأجِّجة، وتأجَّجت أكثر عندما صُبَّ الزيت مجدّداً في مَخزَن المصباح.

 

"آه!" قالت الجاهلات راجيات، "أعطيننا القليل مِن زيتكنَّ، فإنّ مصابيحنا تنطفئ. ومصابيحكنّ الآن بهيّة!..." ولكنّ الحكيمات أجبنهنَّ: "في الخارج تهبّ ريح الليل، والندى يَنهَمِر بقطرات كبيرة. والزيت غير كاف لتكون الشعلة قويّة ومُقاوِمة للريح والرطوبة. وإذا أعطيناكنّ منه فقد تَضعُف أنوارنا نحن كذلك. ويكون موكب العذارى حزيناً مع تراقص الشعلات الضعيفة! اذهبن مُسرِعات إلى البائع القريب وتوسَّلنَه واقرَعنَ بابه وأيقظنه ليعطيكنَّ زيتاً". فَذَهَبن مُسرِعات، مُجَعَّدات أوشحتهنَّ، مُلطَّخات أثوابهنَّ، فاقِدات ضفائرهنَّ وهُنَّ يرتطمنَ ببعضهنَّ أثناء الركض، مُتَّبِعات نصيحة رفيقاتهنَّ.

 

إنّما، أثناء ذهابهنَّ لشراء الزيت، يَظهَر العروس في نهاية الشارع تصحبه عروسه. والعذارى الخمس مع مصابيحهنّ المشتعلة، ذهبن للقائهما، وأَحَطنَ بالعروسين وهُما يَدخُلان البيت لإنهاء الاحتفال، وواكَبَت العذارى الزوجة أخيراً إلى خدر الزوجيّة. وأُغلِق الباب بعد دخول العروسين. ومَن كان خارجاً ظَلَّ في الخارج. ذاك كان مصير الجاهلات الخمس اللواتي وَصَلنَ أخيراً مع زيتهنَّ ووَجَدنَ الباب مُوصَداً بالمزلاج، وقَرَعنَ بغير فائدة، وقد أَدمَينَ أيديهنَّ صائحات بصوت يئنّ: "رَبَّنا، رَبَّنا افتح لنا! فنحن مِن ضمن موكب العروس. نحن العذارى اللواتي انتُقينا لنجعَل لزواجكَ فَخراً وجَلالاً". ولكنّ العروس، مِن أعلى البيت، تَرَكَ للحظة الـمَدعوِّين الأكثر حميميّة، الذين كان يُودِّعهم بينما تدخل العروس خدر الزوجيّة، وقال لهنّ: "الحقّ أقول لكنّ إنّي لا أعرفكنّ. لستُ أعلَم مَن تَكُنَّ. فوجوهكنَّ لم تكن في الاحتفال حول حبيبتي. فأنتنَّ غاصِبات. ابقين إذن خارج بيت العرس". وتمضي الجاهلات الخمس مع مصابيحهنّ التي لم تَعُد تَنفَع في الطرقات المظلمة باكيات، وثيابهنَّ مُجعَّدة وأوشحتهنَّ مُنتَزَعة وضفائرهنّ مخرَّبة أو مفقودة…

 

والآن، أنتم تُدرِكون العِبرة الكامِنة في الـمَثَل. لقد قُلتُ لكم في البداية إنّ ملكوت السماوات هو بيت العرس الذي يتمّ بين الله والنُّفوس. وكلّ المؤمنين مدعوُّون إلى العرس السماويّ، لأنّ الله يحبّ جميع أبنائه. ويَجِد البعض أنفسهم قبل البعض الآخر في لحظة العرس، ومصير السعادة هو حين يتمّ الوصول إليه.

 

ولكن اسمعوا أيضاً. تَعلَمون أنّ الصبايا يَعتَبِرن دعوتهنَّ كخادمات حول العروس الزوجة شرفاً وإجلالاً عظيماً. فلنَنظُر في حالتنا ما تُمثِّله الشخصيّات لنا، وسوف تَفهَمون بشكل أفضل. العروس الزوج هو الله. والزوجة نَفْس صِدّيق، بعد قضائه زَمَن الخطوبة في بيت الآب، أي تحت حماية مَذهَب الله، وفي الخضوع لذلك الـمَذهَب بالحياة في البرّ، فيجد نفسه وقد أُخِذَ إلى بيت العروس مِن أجل الزفاف. أمّا الخادمات العذارى فهي أَنفُس المؤمنين التي، بفضل الـمَثَل الذي تركته الزوجة، تُحاوِل التوصُّل إلى الشَّرف ذاته بالتضحية بالذات. بالنسبة إلى الزوجة، فمجرّد كونها مختارة مِن قِبَل الزوج بسبب فضائلها، إشارة إلى أنّها كانت الـمَثَل الحيّ للقداسة. الصبايا في ثياب بيضاء نظيفة ونَضِرَة، بأوشحة بيضاء، ومُكلَّلات بالزهور. في أيديهنَّ مصابيح مُشتَعِلة. والمصابيح نظيفة للغاية، والفتيل مُشبَع بزيت مِن أنقى الزيوت كيلا تكون له رائحة سيّئة.

 

في ثياب بيضاء. البرّ الممارَس بثبات يَمنَح ثياباً بيضاء، وقريباً يأتي اليوم الذي تُصبِح فيه في بياض تامّ، دون حتّى أبعد ذكرى لِوَصمة، في بياض فائق الطبيعة، في بياض ملائكيّ.

 

في ثياب نقيةّ. فَبِواسطة التواضع يجب المحافظة على الثوب نقيّاً على الدوام. مِن السهل جدّاً المحافظة على طهارة القلب، ومَن لا يَنعم بنقاء القلب فلا يمكنه مشاهدة الله. فالتواضع كالماء الذي يَغسِل. والمتواضِع، بما أنّ عينه لَم تُظلِم بَعد بدخان الكبرياء، فإنّه يُلاحِظ نفسه مباشرة أنّه لَطَّخ ثوبه. فَيَهرَع إلى ربّه ويقول له: "لقد فَقَدتُ نقاء قلبي. وإنّني أبكي كي أتطهَّر. أبكي عند قدميكَ. وأنتَ يا شمسي، بَيِّض ثوبي بغفرانكَ العَطوف، بحبّكَ الأبويّ!»

 

في ثياب نَضِرة. آه! يا لِنَضارة القلب! يمتلكها الأطفال بنعمة مِن الله. ويمتلكها الأبرار بنعمة مِن الله وبإرادتهم الخاصّة. ويمتلكها القدّيسون بنعمة مِن الله وبإرادة تَصِل حَدَّ البطولة. ولكنّ الخَطَأَة الذين نَفْسهم ممزَّقة، مُحتَرِقة، مسمومة ومُتَّسِخة، أفلا يمكنهم حينئذ أبداً امتلاك ثوب نَضِر؟ آه! بلى، يستطيعون ذلك. يبدأ حصولهم عليه من اللّحظة التي يَنظُرون فيها إلى أنفسهم باحتقار، ويتعاظم ذلك عندما يُقرِّرون تغيير حياتهم، أمّا التَّمام، فعندما يَغتَسِلون بالتَّوبَة، فيُزيلون التسمُّم، ويُعالِجون أنفسهم، ويُعيدون بناء نَفْسهم المسكينة، بمساعدة الله الذي لا يَرفض المعونة لِمَن يَطلب معونته المقدَّسة، بإرادتهم الخاصّة التي تَصِل إلى مرتبة تتجاوز حدّ البطولة، إذ لا مجال فيهم لحماية ما يملكون، بل إنّما إعادة بناء ما خَرَّبوا، إذن فهو مجهود مُضاعَف مرّتين وثلاث، بل سبعة أضعاف، وأخيراً، وبتوبة لا تعرف الكَلَل ولا تَلين، بخصوص الأنا الذي كان خاطئاً، يَصِلون بنفسهم إلى نضارة طفوليّة جديدة، وقد أَصبَحَت ثمّينة بتجربتهم التي تجعل منهم معلِّمين لِمَن كانوا يوماً مثلهم، أي خَطَأَة.

 

بأوشحة بيضاء. التواضع! لقد قُلتُ: "عندما تُصَلُّون أو تَقومون بأفعال توبة، فافعَلوا ذلك بشكل لا يُلاحِظه العالم". وفي أسفار الحكمة قيل: "ليس حسناً الكشف عن سِرّ الـمَلِك". والتواضع هو الوشاح الأبيض الذي يُوضَع على الخير الذي نفعله وعلى الخير الذي يمنحنا إيّاه الله للحماية. فلا تَبَجُّح بالحبّ الذي يَمنَحنا إيّاه الله، ولا بحث عن مجد إنسانيّ سخيف. لأنّه حينذاك تُنتزَع النِّعمة مباشرة. ولكن فليكن نشيد القلب الداخليّ لإلهه: "تُعظِّمكَ نفسي يا ربّ... لأنّكَ نَظَرتَ إلى تواضُع أَمَتَكَ".»

 

يتوقّف يسوع لحظة، ويُلقي نظرة على أُمّه التي يعلوها الاحمرار تحت وشاحها وتنحني كثيراً كما لِتُعيد ترتيب شَعر الصبيّ الجالس عند قدميها، إنّما ذلك في الحقيقة لإخفاء تأثُّرها مِن الذكرى…

 

مُتوَّجات بالزهور. ينبغي على النَّفْس أن تَضفُر إكليلها اليومي بأفعال الفضيلة، إذ بوجوده تعالى، ينبغي ألّا يَبقَى شيء مِن الرذيلة، وينبغي ألّا يَظلّ شيء مُهمَل في مظهره. قُلتُ الضَّفيرة اليوميّة، ذلك أنّ النَّفْس الزوجة لا تَعرف متى يَظهَر الله العروس ليقول لها: "تعالي". فيجب إذن عدم الكَلَل في تجديد الإكليل. لا تخافوا. الزهور تَفقد نضارَتَها، أمّا زهور الفَضائِل فلا تَفقدها. إنّ ملاك الله الذي يكون إلى جانب كلّ إنسان، يتقبَّل هذه الضَّفائِر اليوميّة، ويَنقلها إلى السماء، ليُصنَع منها عَرش للمَغبوط الجديد، عندما يَدخُل كعروس إلى منـزل الزوجيّة.

 

ومصابيحهنّ مشتَعِلة. لإجلال العروس وإنارة الطريق معاً. كَمْ الإيمان مُشعّ وكم هو صديق عَذْب! يَمنَح شُعلة تشعّ مثل نجمة، شُعلة تَضحك لأنّها ساكنة مطمئنّة في يَقينها، شُعلة تجعل حتّى الأداة التي تحملها مضيئة. فحتّى جسد الإنسان الذي يغذّي الإيمان يبدو، منذ وجوده على الأرض، أنّه يُصبِح أكثر نوراً وأكثر روحانيّة، ومُستَثنى مِن شيخوخة مبكِّرة. إذ إنّ المؤمن يترك قياده لكلام الله ووصاياه، ليَصِل إلى امتلاك الله، خاتِمته، وبالنتيجة فهو يتحاشى كلّ فساد، فلا اضطراب لديه ولا مخاوِف ولا تبكيت ضمير، كما أنّه ليس مُضطرّاً لبذل الجهود لتذكُّر كِذبة أو لحجب أفعاله السيّئة، وهو يحافِظ على جماله وشبابه بعدم الفساد البهيّ الذي للقدّيسين. لحم ودم، روح وقلب، أنقياء مِن كلّ فجور للمحافظة على زيت الإيمان، ليكون النور بلا دخان. إرادة ثابتة لتَغذية هذا النور على الدوام. فالحياة اليوميّة بخيباتها وملاحظاتها، باحتكاكها وتجاربها وصِدامَاتها، تميل إلى تقليص الإيمان. لا! ينبغي ألّا يَحدُث هذا. امضوا كلّ يوم إلى نبع الزيت اللّذيذ، زيت الحكمة، زيت الله.

 

مِصباح قليل زيته، قد ينطفئ لأقلّ نسمة هواء، قد ينطفئ بندى الليل الثقيل. الليل... ساعة الظلمات، الخطيئة والتجربة، ليل يُخيِّم على الجميع. إنّه ليل النَّفْس. ولكنّها لو تمتلئ بذاتها مِن الإيمان، فلا يمكن لِشُعلتها أن تنطفئ بريح العالم ولا بضباب الشهوانيّة.

 

الخُلاصة، تَيقُّظ، تَيقُّظ، تَيقُّظ. فالـمُتهوِّر الذي يجرؤ على القول: "آه! سيأتي الله في اللّحظة التي يكون النور فيها ما يزال فيَّ"، والذي يَخلد إلى النوم بَدَل السهر، إلى النوم بالرغم مِن وجوب النهوض سريعاً لدى سماع أوّل نداء، والذي يَنتَظِر اللحظة الأخيرة ليسعى إلى تأمين زيت الإيمان أو فتيل الإرادة الحَسَنة الـمُقاوِم، فإنّه يُعرِّض نفسه إلى خطر البقاء خارجاً لدى وصول العروس. اسهَروا إذاً بحكمة وثَبات، بطهارة وثِقة لتبقوا على الدوام جاهِزين لنداء الله، إذ في الحقيقة لا تَعلَمون متى يأتي.

 

تلاميذي الأحباء، لا أبغي أن أقودكم إلى الخوف مِن الله، بل بالحَري إلى الإيمان بصلاحه. أنتم الذين تَبقون، كما أنتم الذين تَمضون، فِكِّروا أنّكم لو تفعلون ما فَعَلَته العذارى الحكيمات، فستكونون مَدعوِّين، ليس فقط لِمُواكَبة العروس، بل إنّما كما إستير الشابّة أَضحَت عروساً مكان فاستي، فستكونون مُختارِين ومُنتَخبين كزوجات، إذ سَيَجد العروس فيكم "كلّ ظُرف وكلّ حَظوة فوق كلّ شيء آخر". أبارككم يا مَن تَمضون. احملوا هذا الكلام الذي وَجَّهتُه إليكم في ذواتكم وانقلوه لرفاقكم. وليكن سلام الربّ معكم على الدوام.»

 

يَدنو يسوع مِن الفلّاحين لِتَحيَّتهم مرّة أخرى، ولكنّ يوحنّا الذي مِن عين دور يَهمس في أذنه: «يا معلّم، يهوذا الآن هنا...»

 

«لا يهمّ. رافِقهم إلى العَرَبَة وافعل ما قُلتُه لكَ.»

 

يَتفَرَّق الجميع بهدوء. يتحدّث البعض إلى لعازر... ويَلتَفِت هذا الأخير إلى يسوع الذي، ما أن يُغادِر الفلّاحون حتّى يعود إلى تلك الناحية، ويقول: «يا معلّم، قبل أن تُغادِرنا حَدِّثنا مرّة أخرى... هذا ما تَوَدّه قلوب بيت عنيا.»

 

«الليل يَهبِط، ولكنّه ساكن وصاف. إذا شئتم الاجتماع على العشب الجاف المحصود، أتحدَّث إليكم قبل مغادرتي هذه البلدة الصديقة. أو غداً عند الفجر، لأنّ ساعة الفراق حانت.»

 

«فيما بعد! هذا المساء!» يَهتف الجميع.

 

«كما تُريدون. اذهبوا الآن. وفي أوَّل السهرة سأتحدَّث إليكم.»