الدفاتر: 11 / 06 / 1943

 

دفاتر 1943

ماريا فالتورتا

 

I QUADERNI - THE NOTEBOOKS - LES CAHIERS

MARIA VALTORTA

 

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

(11 / 06 / 1943)

 

يقول يسوع:

 

«إنّكِ بغاية الضيق كي تنسخي ما قلتُه لكِ، خاصة أنه موضوع ليس سهل التدوين. فدعي ذلك عنكِ إذاً لهذا اليوم وأنصتي إليّ أنا الذي أكلّمكِ.

 

كم أنتِ متألّمة، أيا أيّتها النَّفْس المسكينة! وإنّني أود أن أُسَكّن ألمكِ. ليس ’استئصال‘ ألمكِ، إنّما تسكينه. تسكينه بمواساتكِ وتسكينه بمساعدتكِ على أن ترتقي به عالياً ليكون بكلّيته جديراً بالاستحقاق. إذا ما استمعتِ إليَّ، سترين أنّ الجرح يصبح أقلّ ألماً.

 

يا ماريا، لا تكوني شخصاً يجهل استثمار الوزنات الّتي أعطيكِ إيّاها. كلّ حدث مِن أيّامكم كما بَشَر هي وزنة يعهد بها الله إليكم لكي تجعلوها تثمر للحياة الأبديّة. استخدمي كلّ وزنة جديدة أعطيكِ إيّاها بشكل تستفيدي منها مائة بالمائة.

 

كيف؟

 

في المقام الأوّل، بالانصياع، بقبول شرب هذه الكأس دون إدارة الرأس بغية تجنّب وضع الشفتين على الحافة المرّة للغاية.

 

بالعرفان الدائم، تجاهي أنا الذي أقدّمه لكِ عن وعي كامل، والّذي أمتلكه أنا فقط، كي أصنع لكِ خيراً، أي لأبادر نحوكِ بفعل حبّ جديد.

 

بإيمان، أنا سأعينكِ على حمل الصليب الجديد وحمل كلّ صليب يتأتّى منه، ألا يُفرحكِ أن أكون لكِ القيرواني، أنا، يسوعكِ الذي يحبّكِ؟

 

برؤية شمولية، على وجه الخصوص. نعم، لا تحطّي مِن قدر ذهب هذا الصليب بتلطيخه ببواعث بشريّة خفية. وما يهمّكِ إن لم يفهمكِ العالم، حتّى في أفكاركِ الأكثر سموّاً؟ وإذاً؟ أتضطربين إن حُكِم عليكِ بأنّك باردة، أنانيّة، خالية مِن الحبّ تجاه أُمّكِ؟ وإذاً؟ أيؤلمكِ حكم بشريّ بائس؟ لا، يا ماريا. سيكون مِن السيّئ إذا ما كنتُ أنا لأحكم عليكِ بأنّك مذنبة بحقّ وصايا الشريعة الإلهيّة والبشريّة في ما يخصّ سلوككِ تجاه أُمّكِ. لكن لا تهتمّي بشأن الآخرين.

 

وانظري إليَّ مرّة أخرى. ألم يشنّع عليّ بإهانتي بأنّني كنتُ مجدّفاً، متمرّداً على إله إبراهيم، ممسوساً، ابناً بلا قلب؟ ما مِن تلميذ أفضل مِن معلّمه، يا ماريا، وعلى كلّ تلميذ تبعاً لذلك أن يكون مشابها لي في الإساءات الّتي يتلقّاها وفي الأعمال الّتي ينجزها.

 

فيما يخصّ الإساءات فالآخرين الذين ’لا يدرون ماذا يفعلون وماذا يقولون‘ سيهتمّون بأمّرها. وبالتالي اغفري لهم. وبالنسبة للأعمال، فاهتمّي أنتِ بأمرها، بمتابعة طريقكِ ورفع روحك إلى الأعالي، إلى حيث لا تصل حجارة النميمة وقصر نظر البشر. فأنا مَن أرى وأحكم وأكافئكِ وأبارككِ. الآخرون غبار يتساقط.

 

اذهبي بسلام، يا ماريا. ها أنا أمدّ يدي إليكِ لأنزع مِن على رأسكِ إكليل الأشواك. اليوم سأضعه عوضاً عنكِ. ولا تبحثي أبداً عن قلوب غير قلبي لمواساتكِ في ألمكِ. فحتّى لو جبتِ الأرض كلّها فلن تجدي مَن يفهمكِ بحقّ وبرّ كما يمكن أن يفعل يسوع، معلّمكِ وصديقكِ.

 

اذهبي بسلام. أمنحكِ سلامي.»

----------

«كي تفهموا الأمور، أنتم، أيّها البشر، يتوجّب أن يتم توضيح كلّ شيء بعناية فائقة الدقّة. نقاط، فواصل، إشارات تعجّب واستفهام، وغالباً ما لا تفيد بشيء. إنّما الله لا يحتاج إلى الكثير مِن المجادلة ليدرك. إنّه ينظر إلى عمق الأعماق ويحكم على عمق كيانكم. لذلك قلتُ لكم: ’عندما تُصَلّون لا تُكثِروا مِن الكلام. فأبوكم يعرف ما أنتم بحاجة إليه‘.

 

أبوكم يدرك، يا ماريا، يرى، يحكم، بعدل حقيقيّ ورحمة عظيمة. هو لا يقيس بسنتيمتراتكم، لا يدين بحسب قوانينكم ولا ينظر بعيونكم القاصرة. فحتّى وإن يكن هناك خطأ واقع بحقّ، إنّما المذنب قد تصاغر لدرجة أن يحكم على ذاته بأنّه مستحقّ الإدانة، فأنا، الرحمة، أقول له: ’لا أدينكَ، اذهب ولا تعد تخطئ‘، كما قلتُ للمرأة الزانية.

 

ألّا يدرك القريب بعدل حقيقي، فقد اختبرتِ ذلك باستمرار. آخرها كان أمس مساء. إنّ قلبكِ كابنة وحساسيّتكِ كامرأة قد جُرِحا دفعة واحدة. وممّن كان ينبغي له معرفتكِ بعمق. إنّ هذا يُظهِر لكِ مرّة أخرى أنّه ليس سوى الله مَن هو عادل بلا حدود. دعي عنكِ كلّ ما ليس الله. أريد أن يكون الله وحده مصدر حياتكِ.

 

هل تريدين مثالاً عن محدودية البصيرة الإنسانيّة؟ أنتِ، في معرض نسخكِ لإحدى الجمل، قد أغفلتِ كلمة بسيطة هي: فيها، إذ قد بدت لكِ آنذاك الفكرة واضحة فيما كنتُ أمليها عليكِ. [في إملاء 08 / 06 وقد أدرجناها]. كلمة بسيطة. إنّما بعد ذلك، لا أنتِ ولا الآخرون ما عدتم تدركون المعنى الحقيقيّ للجملة: ’لا بل كانت فيها (في مريم) النعمة بذاتها‘، وهذا يعني أنّ الله، النعمة ذاتها، كان بملئه في مريم. سهو طفيف، ولكنّه جعلكم لا تعودون تبلغون معنى الجملة بالشكل الصحيح.

 

هكذا هو الأمر في كلّ شيء. الرؤية العقليّة المحدودة لدى البشر لا ترى إلاّ بشكل سطحيّ، وأحياناً ترى بشكل سيّئ حتّى ما هو على السطح. لذلك قلتُ لكم: ’لا تحكموا‘.

 

لكي أقنعكِ وأُقنِع الآخرين أنّ ما تكتبينه ليس منكِ، أترك عن قصد فراغات في عقلكِ، كما في حالة الأبرار العشرة الّذين قد كان بإمكانهم أن ينقذوا المدينة القديمة [سفر التكوين 18 / 32]. قد توجّب عليكِ سؤال الأب (ميغليوريني) عن ذلك. أو أترككِ تقومين بإجراء تعديل طفيف كي أُظهِر لكِ أنّكِ بمفردك تخطئين على الفور، وأجعلكِ غير راغبة بأن تختبري ذلك مجدّداً. بهذه الطريقة أبقيكِ متواضعة، ومقتنعة بأنّ ما مِن شيء منكِ وكلّ شيء هو منّي.

 

كلّ الخير الّذي تصنعونه، حتّى ولو كان عظيماً جداً، هو بغاية الصغر إذا ما قورن بالخير اللانهائيّ الّذي هو الله، وحتّى أعمالكم الأكثر كمالاً، كمالاً بشريّاً، هي مليئة بالنواقص في عينيّ الله. ولكن إذا ما قدّمتموها برفقة استحقاقاتي، فأنذاك تكتسب الخصائص الّتي ترضي الله، تتحلّى بالشمولية وبالكمال، وتصير قادرة على الفداء.

 

يجب معرفة عمل كلّ شيء فيَّ، وبالاقتداء بي، وباسمي. حينئذ يرى أبي علامتي وشبهي في أعمالكم ويباركها ويجعلها تثمر. ينبغي ألاّ تقولي أبداً باتّضاع خاطئ: ’لا أستطيع فِعل ذلك‘. لقد قلتُ: ’ستعملون الأعمال الّتي أعمل‘. بالضبط لأنّكم ببقائكم فيَّ مع إرادتكم الصالحة، تستحيلون مسحاء صغاراً قادرين على اتّباعي، أنا، المسيح الحقّ، في أحداث الحياة الطارئة كلّها.»