ج7 - ف164
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء السابع / القسم الأول
164- (يسوع يتحدّث عن الواجبات بين الحَمَاة والكنّة)
07 / 08 / 1946
إنّ الجبال الحراجيّة والخصبة حيث تقع جيسكالا تبثّ انتعاش الخُضرة، نسائم، مياهاً ومناظر رائعة ومتنوّعة وفقاً للنقطة الرئيسيّة التي يتمّ الالتفات إليها. فَمِن جهة الشمال هناك سلسلة قمم حراجيّة مغطّاة بخُضرة متدرّجة كثيرة التنوّع. تَحسَب الأرض ترتفع نحو قُبّة السماء الزرقاء، مُقدِّمة لها كلّ جمالات نباتاتها الطبيعية، كعربون امتنان للمياه وأشعّة الشمس التي تهبها إيّاها. وإلى الشمال الشرقيّ، بعد أن تتوقّف العين مفتونة بجوهرة حرمون الكبير، التي تُبدِّل ألوانها بحسب الوقت والنور، والذي يَنصب أعلى قممه كما مسلّة ضخمة مِن الماس، مِن أوبال (حجر كريم باسم عين الهرّ) متعدّد الألوان، مِن ياقوت أزرق باهت، أو مِن ياقوت أحمر فاهٍ، أو مِن فولاذ بالكاد مقسّىً -بحسب فيما إذا كانت الشمس تُقبّله أم تفارقه، وبحسب السُّحُب المشعّثة التي تدفعها الرّياح، والتي تُحدِث ألعاب نور على ثلوجه الأبديّة- ثمّ تنحدر العين على طول منحدرات النجد الزمرّديّة، ذُراه، الوديان والقمم، التي تُشكّل قاعدة العملاق الملكيّ. ثمّ وبالالتفات أكثر قليلاً نحو الشرق، فيمكن رؤية الامتداد الأخضر لهضبة جولانيطس [الجولان]، وحورانيطس [حوران] الذي تحدّه عند أطراف تخومه الشرقيّة جبال تتلاشى في الضباب البعيد، وعند تخومه الغربيّة الخُضرة المختلفة، تمتدّ على طول الأردن وتُميّز واديه. وأقرب مِن ذلك، هناك بحيرتان، رائعتان مثل ياقوتتين زرقاوين: بحيرة ميرون الـمُشَكِّلة لقاعدة سهل حَسَن الريّ، وبحيرة طبريّا، جميلة كطبقة عجينة باستيل (عجينة تلوين) رقيقة وسط التلال التي تحيط بها، والمختلفة في أشكالها وألوانها، بضفافها الزَّاخرة بالزهور على الدوام: حلم شرقيّ بتجمّعات أشجار النخيل التي تتمايل قممها مع نسيم الجبال القريبة، قصيدة بحيراتنا الأجمل بسكون مياهها وضفافها المزروعة. ومِن ثمّ إلى الجنوب، جبل طابور، بقمّته النموذجيّة، وحرمون الصغير، الأخضر كلّيّاً، والـمُطلّ على مرج ابن عامر، والذي يمكن تَبيُّن امتداده عبر الأفق الممتدّ الذي لا تُقاطِعه أيّة سلاسل جبليّة، وبالنَّظَر أبعد، نزولاً نحو الجنوب، هناك جبال السامرة الشاهقة والضخمة التي تمتدّ إلى ما بعد خطّ النَّظر باتّجاه اليهوديّة. الجهة الوحيدة التي لا يمكن رؤيتها هي الجهة الغربيّة، حيث يُفتَرض وجود جبل الكرمل والسهل المتصاعد نحو بتولمايس [عَكّا]، حيث تحجبهما سلسلة جبال أعلى مِن هذه، وتَحجب النَّظَر. إنّه مِن أحد أجمل المناظر في فلسطين.
يسوع يتقدّم سالكاً الطريق وسط الجبال، أحياناً وحده، وأحياناً يرافقه هذا أو ذاك مِن رُسُله.
يتوّقف مرّة ليُداعِب أولاد أحد الرُّعاة الذين يلعبون قرب القطيع، ويَقبَل الحليب الذي يقدّمه له الرَّاعي، الذي عَرف بأنّه الرابّي الذي وصفه كُثُر كانوا قد رأوا يسوع، ويقول: «لكَ ولأتباعكَ.»
ومرّة أخرى ليصغي إلى امرأة عجوز والتي، بغير عِلم منها مَن يكون، تَروي له مشاكلها العائليّة التي تُسبّبها لها كنّتها سيّئة الطّباع وعديمة الاحترام.
ومع أنّه يُشفق على المرأة العجوز، إلّا أنّه يحثّها على التحلّي بالصبر كي تَحمل كنّتها على الطيّبة بالطيّبة: «يجب أن تكوني كأُمّ لها، حتّى ولو لم تكن ابنتكِ. كوني صادقة: لو كانت ابنتكِ بدلاً مِن أن تكون كنّتكِ، فهل كانت عيوبها لتبدو لكِ بهذه الفداحة؟»
المرأة العجوز تفكّر... ومِن ثمّ تعترف: «لا. ولكنّ الابنة هي دوماً ابنة...»
«وفيما إذا قد أَخبَرَتكِ إحدى بناتكِ بأنّ حماتها تسيء معاملتها في بيت زوجها، فما الذي كنتِ ستقولينه؟»
«أنّها شرّيرة. لأنّه ينبغي عليها أن تُعَلّمها تقاليد المنزل -فلكل منزل تقاليده- بطول أناة، وخصوصاً إذا كانت الزوجة شابّة. وأقول بأنّه يتوجّب عليها أن تتذكّر وقت ما كانت هي عروساً جديدة، وكم كانت مسرورة بمحبّة حماتها لها، فيما إذا كانت قد حَظِيَت بحماة طيّبة، وكم عانت، فيما إذا كانت قد ابتُليت بحماة شرّيرة. وبأنّه يتوجّب عليها ألّا تدع كنّتها تعاني ما لم تعانِ هي منه، أو ألّا تجعلها تعاني لأنّها تَعلَم ما هي المعاناة. آه! لكنتُ دافعتُ عن ابنتي!»
«كم عمر كنّتكِ؟»
«ثمانية عشر عاماً أيّها الرابّي. لقد تَزَوَّجَت يعقوب منذ ثلاثة أعوام.»
«إنّها فتيّة جدّاً. هل هي وفيّة لزوجها؟»
«آه! نعم. هي لا تبرح المنزل، وهي مُفعَمَة بالمحبّة له وللصغير لاوي، وللصغيرة، التي تُدعى حنّة، مثلي. لقد وُلِدت في الفصح... إنّها بغاية الجمال!...»
«مَن أراد تسميتها حنّة؟»
«مريم هي مَن أراد ذلك! لاوي كان اسم حميها (والد زوجها)، ويعقوب أعطاه لابنه البِكر، وعندما أَنـجَبَت مريم الطفلة، قالت: "سنُطلِق عليها اسم أُمّكَ."»
«ألا يبدو لكِ بأنّ ذلك هو محبّة واحترام؟»
المرأة العجوز تفكّر... يسوع يُكمِل: «إنّها نزيهة، إنّها متعلّقة بمنزلها، إنّها زوجة وَدودة وأُمّ مُحِبّة، إنّها حريصة على إرضائكِ... كان بإمكانها أن تعطي ابنتها اسم أُمّها، وقد أعطتها اسمكِ... إنّها تُكرّم منزلكِ بسلوكها...»
«آه! هذا صحيح! إنّها ليست كتلك الشقيّة إيزابل.»
«فإذاً! لماذا تتذمّرين وتَشتَكين منها؟ ألا تعتقدين بأنّكِ تُقَيّمين كنّتكِ بمكيال مختلف عن ذاك الذي تُقَيّمين به ابنتكِ؟...»
«المشكلة هي... هي... أنّها حَرَمَتني مِن محبّة ابني. قبلاً كان لي بكلّيته، الآن هو يحبّها أكثر ممّا يحبّني...» السبب الحقيقيّ لتَحامُل الحموات الأزليّ يَطفَح أخيراً مِن قلب المرأة العجوز مصحوباً بدموع مِن عينيها.
«هل قَصَّرَ ابنكِ تجاهكِ في شيء؟ هل أهملكِ منذ أن تزوّج؟...»
«لا. لا يمكنني قول ذلك. إنّما، باختصار، هو الآن يخصّ زوجته...» تبكي نائحة بشكل أقوى.
يسوع يبتسم ابتسامة رأفة هادئة للمرأة العجوز الغيورة. لكن، وكونه الوَديع على الدوام، فهو لا يؤنّبها. إنّه يُشفِق على آلام الأُمّ ويَسعَى إلى تهدئتها. يضع يده على كتف العجوز كما ليقودها وقد أَعمَتها الدموع، وربّما كي يُشعِرها مِن خلال هذا الاتّصال بالكثير مِن المحبّة كي تتعزّى وتُشفى، ويقول لها: «أيّتها الأُمّ، أليس حسناً أن يكون الأمر هكذا؟ زوجكِ فَعَلَ هذا معكِ، وأُمّه لم تخسره، كما تقولين وتعتقدين، إنّما هي قد أدركت أنّ حبّه لها قد غدا أقلّ، لأنّ زوجكِ قد وَزَّعَه بين أُمّه وبينكِ. وأبو زوجكِ، بدوره، قد توقَّفَ انتماؤه الكلّيّ لأُمّه، كي يحبّ أُمّ أولاده. وهكذا مِن جيل إلى جيل، عائِدِين بالزّمن إلى حوّاء: أوّل أُمّ قد رأت أولادها يُقاسِمون مع زوجاتهم المحبّة التي خَصّوا بها والدَيهم حصريّاً فيما سبق. ولكن ألم يُكتَب في سفر التكوين: "هذه الآن عظم مِن عظامي ولحم مِن لحمي... لهذا يترك الرجل أباه وأُمّه ويلتصق بامرأته ويكونان جسداً واحداً." ستقولين: "لقد كان هذا كلام إنسان." نعم، إنّما أيّ إنسان؟ لقد كان في حالة البراءة والنعمة. فقد كان يَعكس إذن، مِن دون أيّة شائبة، الحكمة التي خَلَقَته، والتي كان يُدرك حقيقتها. ومِن خلال النعمة والبراءة، كان يمتلك أيضاً هِبات الله الأخرى بقدر كامل. وحيث إنّ حواسّه قد كانت خاضعة للعقل، فإنّ روحه لم يَتشوّش بأبخرة الشهوة. ولأنّ معرفته كانت متناسقة مع حالته، فقد كان يَنطق بالكلام الحقّ. إذاً فقد كان نبيّاً. وأنتِ تعلمين أنّ النبيّ هو شخص يتكلّم باسم آخر. وحيث أنّ الأنبياء الحقيقيّين يتكلّمون دوماً بأمور تخصّ الروح والمستقبل، حتّى ولو كانت متعلّقة ظاهريّاً بالحاضر وبالجسد. بالفعل، ففي خطايا الجسد وفي وقائع الزمن الحاضر هناك بذور العقابات المستقبليّة، أو حقائق المستقبل لها جذور في حَدَث قديم: فعلى سبيل المثال إنّ مجيء المخلّص قد تأتّى مِن خطيئة آدم، وعقابات إسرائيل، التي تنبّأ عنها الأنبياء، كانت نتيجة لسلوك إسرائيل. هكذا فإنّ مَن يُحرّك شفاه الأنبياء كي يقولوا أموراً تخصّ الروح، لا يمكن أن يكون إلّا الروح الأزليّ الذي يَرَى كلّ شيء في حاضر أبديّ. والروح الأزليّ هو الذي يتكلّم مِن خلال القدّيسين، لأنّه لا يستطيع أن يُقيم في الخَطَأَة.
آدم كان قدّيساً، لأنّ البرّ كان كاملاً فيه، وكلّ الفضائل كانت حاضرة فيه، لأنّ الله قد سَكَبَ في مخلوقه ملء هباته. على الإنسان أن يَجهَد كثيراً الآن، لبلوغ البرّ وامتلاك الفضائل، لأنّه يحمل في داخله بؤر الشرّ. إنّما هكذا بؤر لم تكن في آدم، بل على العكس كانت له النعمة لـَجَعَلَته أدنى بقليل مِن خالقه. لذلك فإنّ شفتيه كانتا تنطقان بعبارات نعمة. فهذه إذن هي كلمة حقّ: "سيترك الرجل أباه وأُمّه لأجل امرأته، وسوف يتّحد مع زوجته ويصيران جسداً واحداً." وهذا صحيح تمام الصحّة، والربّ الكلّي الصلاح، وكي يعزّي الأُمّهات والآباء، فقد ضَمَّنَ في الشريعة الوصية الرابعة: "أَكرِم أباكَ وأُمّكَ." إنّها وصيّة لا تنقضي بزواج الرجل، بل تستمرّ بعد الزواج. قبلاً كان الصالحون يُكرّمون أهلهم بشكل فطريّ حتّى بعد أن يُفارِقوهم لتأسيس عائلة جديدة. ومنذ موسى وهو فَرْض في الشريعة. والغرض منه هو تلطيف آلام الوالدين الذين كان أبناؤهم غالباً ما ينسونهم بعد الزواج. لكنّ الشريعة لم تلغ كلمة آدم النبويّة: "سيترك الرجل أباه وأُمّه لأجل زوجته." لقد كانت كلمة حقّ وهي حيّة. كانت تعكس فِكر الله. وفِكر الله ثابت هو لأنّه كامل. فأنتِ أيّتها الأُمّ، يتعيّن عليكِ أن تتقبّلي، دونما أنانيّة، محبّة ابنكِ لزوجته. وسوف تكونين قدّيسة أنتِ كذلك. ومِن ناحية أخرى، فكلّ تضحية لها مكافأتها مِن على الأرض. أليس ممتعاً على الأرض عِناق أحفادكِ، أولاد ابنكِ؟ ألن يكون خريف عمركِ سلاميّاً، ورقادكِ الأخير مسالماً، وإلى جانبكِ محبّة رقيقة لابنة، كي تعوّضكِ عن بناتكِ اللواتي لم يعدن تحت سقفكِ؟...»
«كيف تعرف أنّ بناتي، اللواتي كلّهنّ أكبر مِن الصبيّ، أنّهنّ كلّهنّ متزوّجات ويعشن بعيداً عن هنا؟... أأنتَ نبيّ أيضاً؟ إنّكَ رابّي، أَربِطة معطفكَ تُبيّن ذلك، وحتّى لو لم تكن لكَ، فكلامك يُظهِر ذلك. فإنّكَ تتكلّم مثل حَبر عظيم. هل أنتَ صديق لغَمَالائيل؟ لقد كان هنا يوم أوّل أمس. الآن لا أدري... وقد كان برفقته رابّيين كُثُر، والعديد مِن تلاميذه الـمُفَضَّلين. وأنتَ قد تكون وصلتَ متأخّراً.»
«إنّني أعرف غَمَالائيل. إنّما أنا لستُ ذاهباً إليه. إنّني حتّى لن أدخل إلى جيسكالا...»
«ولكن مَن تكون؟ أنتَ رابّي بالتأكيد. وتتحدّث حتّى أفضل مِن غَمَالائيل...»
«فإذن... افعلي ما قُلتُه لكِ. ولسوف تحظين بالسلام في داخلكِ. الوداع أيّتها الأُمّ. أنا سأكمل طريقي. وأنتِ بالتأكيد تَدخلين إلى البلدة.»
«نعم، أيا أُمّاه!... إنّ الرابّيين الآخرين ليسوا بهذا التواضع أمام امرأة مسكينة، إنّ التي حملتكَ هي بالتأكيد أكثر قداسة مِن يهوديت، إذا ما كانت قد منحتكَ هكذا قلباً وديعاً مع الجميع.»
«إنّها قدّيسة، بحقّ.»
«قُل لي ما اسمها»
«مريم.»
«واسمكَ؟»
«يسوع.»
«يسوع!...» المرأة العجوز صغيرة القدّ يأخذها الذهول. النبأ يشلّها ويسمّرها في مكانها.
«الوداع يا امرأة. ليكن السلام معكِ» ويمضي يسوع مسرعاً، يكاد يركض، قبل أن تستفيق مِن الصدمة. الرُّسُل يتبعونه بخطىً حثيثة، بحيث تخفق ألبستهم، تُلاحِقهم صيحات المرأة التي تتوسّل: «توقّفوا! أيّها الرابّي يسوع! توقّف! أريد أن أقول لكَ شيئاً...» يُبطِئون عندما تحجبهم مجدّداً كثافة خُضرة الجبال ولا تعود تُرى الطريق المؤدّية إلى جيسكالا، والتي يتفرّع منها دربهم الجبليّ هذا.
«كم كان حسناً حديثكَ للمرأة» يقول برتلماوس.
«درس حَبر! خسارة أنّها كانت وحدها...» يلاحظ يعقوب بن حلفى.
«أريد أن أتذكّر هذا الكلام...» يهتف بطرس.
«المرأة قد أدرَكَت، أو كادت، وبعدما عَلِمَت اسمكَ... فستتحدّث الآن عنكَ في البلدة...» يقول توما.
«المهمّ ألّا تُهيّج الدبابير مُطلِقة إيّاهم في إثرنا!» يُهمهِم يهوذا الإسخريوطيّ.
«آه! لقد أصبحنا بعيدين!... والمرء لا يُخلّف أثاراً له في هذه الغابات، ولن يزعجنا أحد» يقول أندراوس بتفاؤل.
«حتّى لو كنا منزعجين!... فلقد أعدتُ السلام إلى عائلة» يسوع يجيب الجميع.
«كم هنّ غريبات الأطوار! إنّ الحموات كلّهنّ متشابهات!» يقول بطرس.
«لا. لقد عرفنا بعضاً منهنّ طيّبات. ألا تَذكر حماة جيروزا التي مِن دوكو؟ وحماة دوركا التي مِن قيصريّة فيلبّس؟»
«بالتأكيد يا يعقوب... هناك البعض منهنّ طيّبات...» يوافق بطرس، ولكنّه حتماً يفكّر بأنّ حماته مصيبة.
«لنتوقّف ونأكل. ثمّ سنحظى ببعض الراحة، كي نصل إلى القرية التي في الوادي ليلاً.» يَأمر يسوع.
يتوقّفون عند وهدة صغيرة خضراء، تشبه باطن صدفة زمّردية خضراء ضخمة راسخة في الجبل، ومفتوحة كي تستقبل المسافرين في سلامها. إنّ النور لطيف رغم الوقت، بسبب الأشجار الباسقة والصلبة التي تُشكّل قُبّة تحفّ فوق المرج. والحرارة معتدلة بفعل النسيم الذي يهبّ مِن الجبال. خيط ماء فضي ينساب مِن ينبوع صغير بين صخرتين داكنتين ويخرّ بهدوء مختفياً وسط الأعشاب الكثيفة، في مجرىً ضيّق كان قد شَقّه، تقريباً بعرض سعفة نخل، ومغطى تماماً بأعشاب الضفّة التي تتمايل بفعل النسيم الخفيف، ومِن ثمّ يَسقط، في شلّال صغير على صخرة في الأسفل. الأُفُق، الذي يُرى مِن بين جذعيّ شجرتين ضخمين، يبدو سديميّاً وبعيداً، في اتّجاه جبال لبنان: إنّه لمنظر رائع...