ج8 - ف7

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الثامن

 

7- (يسوع يقرّر الذهاب إلى بيت عنيا)

 

24 / 12 / 1946

 

لم يعد النوّر نوراً في الحديقة الصغيرة لبيت سليمان. الأشجار، وحدود المنازل فيما وراء الطريق، وخصوصاً نهاية الطريق ذاتها، هناك حيث الدرب الصغير يختفي وسط الغابات الّتي تحدّ النهر، تفقد معالمها الواضحة أكثر فأكثر، لتتّحد في خطّ ظلال منها الجليّ، ومنها القاتم، في عتمة الأمسية الّتي تزداد باطّراد. وأكثر مِن كونها ألواناً، فالأشياء المنتشرة في الأرض هي الآن أصوات. أصوات أطفال في المنازل، نداءات أُمّهات، حثّ رجال للنعاج أو الحمير، بعض صرير أخير لبكرات عند الآبار، حفيف أوراق في ريح المساء، ضوضاء عميقة، كما لأغصان صغيرة تتصادم فيما بينها، لشجيرات منتشرة في الأحراج. في الأعلى أولى خفقات النجوم، الّتي لا تزال متردّدة لأنّ شبه نور ما يزال باقياً، ولأنّ أولى الأشعّة الفوسفوريّة للقمر تبدأ بالانتشار في السماء.

 

«ما تبقّى تقولونه غداً. كفى الآن. إنّه الليل. وليذهب كلّ واحد إلى منزله. السلام لكم. السلام لكم. نعم… نعم… غداً. ماذا؟ ماذا تقول؟ بكَ هاجس؟ الليل يحمل مشورة، إن لم يَزُل، تأتي. لا ينقص بعد سوى هذا! الهواجس أيضاً للإمعان في إتعابه! كذلك الّذين لا يحلمون سوى بالكسب! والحموات اللواتي يردن جعل الزوجات حكيمات! والزوجات اللواتي يردن جعل الحموات أقلّ حدّة، وإن هؤلاء أم أولئك فكلتاهما تستحقّان قطع اللسان على حدّ سواء. وماذا هناك أيضاً؟ أنتَ؟ ماذا تقول. آه! نعم، يا للصغير المسكين! يا يوحنّا، خذه إلى المعلّم. أُمّه مريضة وترسله كي يقول ليسوع أن يصلّي لأجلها. الصغير المسكين! لقد بقي إلى الوراء لصغر قامته، وهو آتٍ مِن بعيد. كيف سيعود إلى المنزل؟ هيه! أنتم كلّكم! بدلاً مِن البقاء هنا للتنعّم به، ألا تضعون موضع التطبيق ما قاله لكم المعلّم: أن تساعدوا بعضكم البعض، وأن يساعد الأقوياء مَن هم ضعفاء؟ هيّا! مَن يرافق الطفل إلى المنزل؟ يمكنه، لا سمح الله، أن يجد أُمّه ميتة… حيث أقلّه يراها. هل لديكم حمير… الوقت ليل؟ وماذا هناك أجمل مِن الليل؟ لقد عملتُ لسنوات تحت ضوء النجوم، وأنا سليم ومتين البنية. أتقوده أنتَ إلى منزله؟ بارككَ الله يا روبين. ها هو الطفل. هل عزّاك المعلّم؟ نعم. اذهب إذن وكن سعيداً. إنّما يجب إعطاؤه ليأكل. ربّما لم يأكل منذ الصباح.»

 

«المعلّم أعطاه حليباً ساخناً وخبزاً وفاكهة، إنّها في جلبابه الصغير.» يقول يوحنّا.

 

«اذهب إذن مع هذا الرجل. سوف يأخذكَ إلى المنزل على الحمار.»

 

أخيراً رحل كلّ الناس، ويستطيع بطرس أن يرتاح مع يعقوب، يهوذا، يعقوب الآخر وتوما، الّذين ساعدوه على إرسال الأكثر عناداً إلى منازلهم.

 

«لنُقفِل. لئلّا يكون هناك مَن يندم ويعود على أعقابه، مثل هذين هناك. أوف! إنّما اليوم الّذي يلي السبت مُتعِب للغاية!» ويقول بطرس أيضاً وهو يدخل المطبخ ويغلق الباب: «آه! الآن سنكون بسلام.» ينظر إلى يسوع الجالس إلى الطاولة، واضعاً مرفقه عليها ومُسنِداً رأسه بيده، يفكّر، مستغرقاً. يذهب إلى قربه، يضع يده على كتفه ويقول له: «إنّكَ متعب، إيه! كثير مِن الناس! يأتون مِن كلّ الأمكنة رغم الفصل.»

 

«يبدو أنّهم يخشون فقداننا قريباً.» يلاحظ أندراوس الّذي ينظّف أسماكاً. كذلك الآخرون يعملون على إشعال النار لشيّها، أو تحريك الهندباء في قِدر يغلي. إنّ خيالاتهم تنعكس على الجدران القاتمة الّتي تنيرها النار أكثر مِن المصباح.

 

بطرس يبحث عن كأس كي يعطي حليباً ليسوع، الذي يبدو متعباً جدّاً. لكنّه لا يجد الحليب ويَسأَل الآخرين عن السبب.

 

«الطفل شرب آخر ما كان لدينا مِن حليب. الباقي كان قد أخذه ذاك المتسوّل العجوز وامرأة الرجل العاجز.» يشرح برتلماوس.

 

«والمعلّم بقي مِن دون شيء! ما كان عليكم إعطاء كلّ شيء.»

 

«هو الّذي أراد ذلك...»

 

«آه! هو دوماً يريد ذلك. إنّما يجب ألّا ندعه يفعل. إنّه يعطي ثيابه، يعطي حليبه، يعطي ذاته ويستنفذها.» بطرس ساخط.

 

«اهدأ يا بطرس! العطاء أفضل مِن الأخذ.» يقول يسوع بهدوء خارجاً مِن استغراقه.

 

«أجل! وأنتَ تعطي، تعطي وتستنفذ نفسكَ. وكلّما تُظهِر أنّكَ مستعدّ لكلّ أصناف السخاء، كلّما استغلّ الناس ذلك.» وبينما هو يتكلّم يفرك الطاولة بأوراق خشنة تفوح منها رائحة مزيج لوز مرّ وأقحوان، ليجعلها نظيفة جدّاً كي يضع عليها الخبز، الماء، ويضع كأساً أمام يسوع.

 

يسوع يسكب لنفسه على الفور كي يشرب، كما لو أنّه كان شديد العطش. بطرس يضع كأساً أخرى على الجهة الأخرى مِن الطاولة، بجانب صحن فيه زيتون وسُوق شمّر برّي. يضيف طبق الهندباء الّذي تَبَّله فيلبّس، ويجلب مع رفاقه طبليّات بدائيّة للغاية إضافة للمقاعد الأربعة الموجودة في المطبخ، والّتي لا تكفي لثلاثة عشر شخصاً. أندراوس، الّذي أشرف على شيّ السمك على الجمر، يضع السمك في طبق آخر، ويذهب إلى الطاولة مع مزيد مِن الخبز. يوحنّا يرفع المصباح مِن المكان الّذي كان فيه ويضعه وسط الطاولة.

 

يسوع ينهض، فيما يقترب الجميع مِن الطاولة لأجل العشاء، ويصلّي بصوت عالٍ، ليقدّم الخبز ثمّ يبارك المائدة. يجلس، الآخرون يقتدون به، ويوزّع الخبز والسمك، أو بالأحرى يضع السمك على شرائح الخبز السميكة والعريضة، الطازجة في قسم منها، والبائتة في قسم، والّتي قام كلّ واحد بوضعها أمامه. ثمّ يتناول الرُّسُل الهندباء مستخدمين شوكة خشبية لالتقاطها. الخبز يقوم مقام طبق للخضار أيضاً. وحده يسوع يوجد أمامه طبق معدنّي واسع وبحال سيّئة إلى حدّ ما، ويستخدمه لتقسيم السمك، معطياً مرّة لهذا ومرّة لذاك قطعة مُعتَبَرة. كأنّه أب بين أبنائه، أب دوماً، حتّى ولو أنّ نثنائيل، سمعان الغيور وفيلبّس يبدون آباء له، ورغم أنّ متّى وبطرس يبدوان كأخويه الأكبر سنّاً.

 

إنّهم يأكلون ويتحدّثون عن أحداث اليوم، ويوحنّا يضحك مِن قلبه لسخط بطرس على ذاك الراعي الّذي مِن جبال جلعاد، والّذي كان يرغب لو أنّ يسوع يصعد إلى فوق حيث القطيع كي يباركه، وكي يجعله يكسب مالاً كثيراً لأجل دوطة ابنته.

 

«ليس هناك ما يبعث على الضحك. عندما قال: "لديَّ نعاج مريضة وإذا ماتت فإنّني هالك." فقد أشفقتُ عليه. الأمر غدا كما لو أنّ قارباً لنا نحن الصيادين منخور. فلا يعود بالإمكان الصيد والأكل، وللجميع الحقّ بأن يأكلوا. أمّا عندما قال: "وأريد أن تغدو سليمة لأنّني أريد أن أصبح غنيّاً وأُدهِش القرية بالدوطة الّتي سأقدّمها لإستير، وبالمنزل الّذي سأبنيه لنفسي"، حينها غدوتُ سيّئاً. قلتُ له: "ألهذا قطعتَ مسافة طويلة؟ ألا تفكّر سوى بالدوطة والثراء والنعاج؟ أليس لديكَ نَفْس؟" فأجابني: "لهذه ما يزال هناك وقت. إنّ ما يقلقني الآن أكثر هو النعاج والعرس، لأنّ طالب الزواج مِن إستير صالح، وإستير بدأت تشيخ"، عندئذ، هو ذا، لو لم أكن أتذكّر بأنّ يسوع يقول بوجوب التحلّي بالرحمة تجاه الجميع، لكان انتهى أمره! لقد كَلَّمتُه بحقّ كلاماً شديد الوقع...»

 

«وكان يبدو بأنّكَ لم تكن تنوي التوقّف. لم تأخذ نَفَساً. لقد انتبجت عروق رقبتكَ وتوتّرت كقضيبين.» يقول يعقوب بن زَبْدي.

 

«إنّ الراعي كان قد رحل بالفعل منذ بعض الوقت، وأنتَ كنتَ تتابع الوعظ. لحسن الحظ أنّكَ تقول بأنّكَ لا تُحسِن التحدّث إلى الناس!» يضيف توما. ويعانقه قائلاً: «أيا سمعان المسكين! أيّ غضب شديد قد انتابكَ!»

 

«أربّما لم أكن على حقّ؟ ما يكون المعلّم؟ صانع لثروات كلّ حمقى إسرائيل؟ وكيل لأعراس الآخرين، يا ترى؟»

 

«لا تغضب يا سمعان. إنّ السمك سيضرّكَ إن تناولتَه مع هذا السمّ.» يقول ممازحاً متّى الحليم.

 

«معكَ حقّ. أشعر في كلّ شيء بطعم الولائم الّتي في منازل الفرّيسيّين عندما أتناول الخبز مع الخوف واللحم مع الغضب.»

 

الكلّ يضحكون. يسوع يبتسم ويصمت.

 

إنّهم ينهون الوجبة. وإذ قد شَبِعوا مِن الطعام وسُرّوا بالدفء، باتوا خاملين قليلاً حول الطاولة. كذلك هم يتكلّمون قليلاً، البعض يتهوّمون. توما يلهو برسم غصن مُزهِر على خشب الطاولة بسكّينه.

 

ينبّههم صوت يسوع الّذي إذ يحلّ ذراعيه اللتين كان قد أبقاهما مشبوكتين عند حافّة الطاولة، ويبسط يديه كما يفعل الكاهن عندما يقول: "الربّ معكم"، ويقول: «يتحتّم علينا المغادرة!»

 

«إلى أين يا معلّم؟ إلى عند صاحب النعاج؟» يَسأَل بطرس.

 

«لا يا سمعان. إلى بيت لعازر. نعود إلى اليهوديّة.»

 

«يا معلّم، تذكّر أنّ اليهود يكرهونكَ!» يصيح بطرس.

 

«لقد كانوا يريدون رجمكَ مِن وقت ليس بالبعيد.» يقول يعقوب بن حلفى.

 

«ولكن، يا معلّم، هذا تهوّر!» يصيح متّى.

 

«ألا يهمّكَ أمرنا؟» يَسأَل الاسخريوطيّ.

 

«آه! يا معلّمي وأخي، إنّي أناشدكَ باسم أُمّكَ، وكذلك باسم الألوهة الّتي هي فيكَ، لا تسمح بأن تضع الشياطين اليد على شخصكَ كي تخنق كلمتكَ. إنّكَ وحيد، وحيد جدّاً في مواجهة عالم كامل يكرهكَ، وهو ذو سلطان على الأرض.» يقول تدّاوس.

 

«يا معلّم، احْمِ حياتكَ! ماذا سيحدث لنا، للجميع، إن لم نعد نحظى بكَ؟» يوحنّا، الـمُروَّع، ينظر إليه بعينين جاحظتين لطفل خائف وحزين.

 

بطرس، بعد صياحه الأوّل، التفت للتحدّث بانفعال إلى مَن هم الأكبر سنّاً، وإلى توما، وإلى يعقوب بن زَبْدي. كلّهم يَرَون بأنّ يسوع يجب ألّا يعود صوب أورشليم، أقلّه طالما لا يجعل موسم عيد الفصح مِن إقامته هناك أكثر أماناً، لأنّ، كما يقولون، وجود عدد هائل مِن الأوفياء للمعلّم، القادمين للاحتفالات الفصحيّة مِن كلّ أنحاء فلسطين، سيكون حماية للمعلّم. فلا أحد مِن أولئك الّذين يكرهونه سوف يجرؤ على لمسه عندما يكون شعب بأكمله متراصّاً بمحبّة حوله… ويقولون له ذلك، بقلق، بشكل فرض عليه تقريباً… المحبّة تدفعهم للكلام…

 

«هدوءاً! هدوءاً! أليس النهار مِن اثنتي عشرة ساعة؟ فإن سار المرء نهاراً فإنّه لا يتعثّر لأنّه يرى نور هذا العالم، إنّما إن سار ليلاً فإنّه يتعثّر لأنّه لا يرى. إنّني أعرف ما أفعله، لأنّ النور فيَّ. أنتم دعوا مَن يرى يرشدكم. ومِن ثمّ اعلموا، طالما لم تحن ساعة الظلمات، بأنّ لا شيء مظلماً سوف يحدث. وعندما تحين تلك الساعة، فلا ابتعاد ولا قوّة، ولا حتّى جيوش قيصر، يمكنها أن تنقذني مِن اليهود. فإنّ ما هو مكتوب يجب أن يَحدث، وقوى الشرّ هي الآن تعمل خفيةً لإتمام عملها. دعوني إذاً أعمل. وأعمل خيراً ما دمتُ حرّاً في فِعله. سوف تأتي الساعة حيث لن أعود أستطيع تحريك إصبع، ولا قول كلمة لاجتراح المعجزة. سوف يكون العالم خالياً مِن قوّتي. هي ساعة عقاب رهيبة للإنسان. لا لي. للإنسان الّذي لم يرد أن يحبّني. هي ساعة سوف تتكرّر، بإرادة الإنسان الّذي سيكون قد صدّ الألوهة لدرجة أن يجعل له ذاتاً بلا الله، تلميذاً للشيطان ولابنه الملعون. ساعة سوف تأتي حينما ستكون نهاية هذا العالم قريبة. إنّ عدم الإيمان السائد سوف يجعل قدرتي المعجزيّة دون جدوى. ليس لإمكانيّة أن أفقدها، إنّما لأنّ المعجزة لا يمكن أن تُمنَح حيث ينتفي الإيمان والرغبة في نيلها، حيث يتمّ جعل المعجزة مادّةً للسخرية وأداةً للشرّ، باستخدام الخير المكتسب لصنع شرّ أعظم. الآن مازال بإمكاني اجتراح المعجزة، واجتراحها كي أعطي مجداً لله. هيّا بنا، إذن، إلى بيت صديقنا لعازر الراقد. هيّا بنا لنوقظه مِن هذا النوم، ليكون سليماً ومستعدّاً لخدمة معلّمه.»

 

«ولكن إن كان راقداً رقاد نوم فهذا حسن. سوف ينتهي إلى الشفاء. إنّ النوم هو علاج بالفعل. لماذا إيقاظه؟» يلفتون انتباهه.

 

«لعازر مات. لقد انتظرتُ موته للذهاب إلى هناك، لا لأجل شقيقتيه ولا لأجله. إنّما لأجلكم. كي تؤمنوا. كي ترتقوا بالإيمان. هيّا بنا إلى بيت لعازر.»

 

«حسناً! هيّا بنا! سنموت كما مات هو وكما تريد أن تموت.» يقول توما بإذعان للقَدَر.

 

«توما، توما، وأنتم كلّكم الّذين تنتقدون وتتذمّرون في داخلكم، اعلموا أنّ مَن يريد أن يتبعني يجب أن يولي لحياته ذات الاهتمام الّذي يوليه طائر لغيمة عابرة. بتركها تعبر إلى حيث تقودها الريح. الريح هي مشيئة الله، الّذي يمكن أن يمنحكم الحياة أو أن ينزعها منكم كما يرتضي، مِن دون أن تتشكّوا مِن ذلك، كما لا يتشكّى الطائر مِن السحابة الّتي تعبر، إنّما الّذي يغرّد رغم ذلك، واثقاً بأنّ الصفاء سوف يعود بعدها. لأنّ الغيمة هي الحادث، والسماء هي الواقع. السماء تظلّ دائما زرقاء، حتّى ولو بدا أنّ الغيوم قد جعلتها رماديّة. هي تبقى زرقاء في ما وراء السُّحُب. والأمر هو كذلك بالنسبة للحياة الحقّة. إنّها موجودة وتبقى، حتّى لو سقطت الحياة البشريّة. مَن يريد أن يتبعني يجب ألّا يعرف قلق الحياة ولا الخوف على حياته. سوف أريكم كيف يتمّ كسب السماء. إنّما كيف سيمكنكم الاقتداء بي إن كنتم تخافون المجيء إلى اليهوديّة، أنتم يا مَن لن يصيبكم أيّ أذى في الوقت الحاضر؟ هل تخافون الظهور معي؟ لكم الحريّة بتركي. إنّما، إن أردتم البقاء، فعليكم أن تتعلّموا تحدّي العالم بانتقاداته، مكائده، تهكّماته، عذاباته، كي تكسبوا ملكوتي. هيّا بنا، إذن، لننتزع مِن الموت لعازر الراقد منذ يومين في القبر، كونه قد مات في مساء اليوم الّذي أتى فيه إلى هنا خادم بيت عنيا. غداً عند الساعة السادسة، بعد صرف مَن ينتظرون الغد كي ينالوا منّي تعزية ومكافأة على إيمانهم، سوف نرحل مِن هنا ونعبر النهر، سوف نمضي الليل في منزل نيقي. ثمّ عند الفجر نغادر إلى بيت عنيا سالكين الطريق الّتي تمرّ بعين شمس، سوف نكون في بيت عنيا قبل الساعة السادسة. سوف يكون هناك الكثير مِن الناس، والقلوب ستكون مرتجفة، لقد وعدتُ بذلك، وسأفي بوعدي...»

 

«وعدتَ مَن، يا ربّ؟» يَسأَل يعقوب بن حلفى شبه خائف.

 

«مَن يكرهني ومَن يحبّني، الاثنين بشكل مطلق. ألا تتذكّرون النقاش مع الكَتَبَة في قادش؟ كان لا يزال بوسعهم نعتي بالكاذب لأنّني أقمتُ فتاة صغيرة قد ماتت للتوّ، وواحد مات مِن يوم واحد. لقد قالوا: "أنتَ لم تستطع بعد إعادة تشكيل شخص متحلّل"، بالفعل فإنّ الله وحده قادر على انتزاع إنسان مِن الحمأة، ومن التفسّخ إعادة تكوين جسد سليم وحيّ. حسناً، سوف أفعل ذلك. عند قمر شهر كاسلو (نوفمبر-ديسمبر)، على ضفاف الأردن، أنا نفسي قد ذَكَّرت الكَتَبَة بهذا التحدّي، وقلتُ: "عند القمر الجديد سيتمّ ذلك". هذا للذين يكرهونني. وبعدها، للأختين، اللتين تحبّانني بشكل مطلق، قد أعطيتُ وعداً بمكافأة إيمانهما إن أحسنتا مواصلة الرجاء إلى ما يتعدّى المعقول. لقد اختبرتُهما كثيراً وأحزنتُهما كثيراً، وأنا وحدي أعرف معاناة قلبيهما في هذه الأيّام، ومحبّتهما الكاملة. الحقّ أقول لكم بأنّهما تستحقّان مكافأة عظيمة، لأنّهما تخشيان مِن أن أكون محطّ سخرية، أكثر منه أن تريا أخاهما يقوم. كنتُ أبدو لكم مستغرقاً، متعباً وحزيناً. لقد كنتُ قربهما بروحي، وكنتُ أسمع نحيبهما وأحصي دموعهما. يا لهما مِن أختين مسكينتين! الآن أنا أتحرّق لأعيد إنساناً بارّاً إلى الأرض، أخاً إلى حضن أختيه، تلميذاً إلى وسط تلاميذي. أتبكي يا سمعان؟ أجل. أنتَ وأنا أعظم صديقين للعازر، وفي دموعكَ ألم لألم مرثا ومريم ونزاع الصديق، إنّما الآن هناك كذلك فرح معرفته مُعاداً إلى محبّتنا قريباً. لننهض، كي نُعِدّ الأكياس ونذهب للراحة كي ننهض فجراً ونرتّب هذا المكان… حيث عودتنا غير مؤكّدة. يجب توزيع ما لدينا على الفقراء، والقول للأَنَشط أن يمنعوا الحجّاج مِن البحث عنّي طالما لم أصبح في مكان آخر آمن. يجب أيضاً القول لهم بأن يُخطِروا التلاميذ بأن يوافوني إلى بيت لعازر. ينبغي القيام بأمور كثيرة. سيتمّ إنجازها كلّها قبل وصول الحجّاج… هيّا. أَطفِئوا النار وأضيئوا المصابيح، وليذهب كلّ واحد لفِعل ما يتوجّب عليه، ومِن ثمّ يرتاح. السلام لجميعكم.» ينهض، يباركهم، وينسحب إلى غرفته الصغيرة…

 

«لقد مات منذ عدّة أيّام!» يقول الغيور.

 

«هذه معجزة!» يصيح توما.

 

«أريد أن أرى ماذا سيجدون بعدها كي يُشكّكوا!» يقول أندراوس.

 

«إنّما متى أتى الخادم؟» يَسأَل يهوذا الاسخريوطيّ.

 

«في المساء السابق للجمعة.» يجيب بطرس.

 

«نعم؟ ولماذا لم تقل ذلك؟» يَسأَل أيضاً الاسخريوطيّ.

 

«لأنّ المعلّم قد قال لي أن ألتزم الصمت.» يردّ بطرس.

 

«إذن… لدى وصولنا إلى هناك… سيكون قد بقي في القبر لأربعة أيّام؟»

 

«بالتأكيد! مساء الجمعة يوم، مساء السبت يومان، هذا المساء ثلاثة أيّام، غداً أربعة… أربعة أيّام ونصف، إذن… أيا أيّتها القدرة الأزليّة! ولكنّه سيكون أجزاء!» يقول متّى.

 

«سيكون أجزاء… أريد أن أرى ذلك أيضاً، ومِن ثمّ...»

 

«ماذا، يا سمعان بطرس؟» يَسأَل يعقوب بن حلفى.

 

«ومِن ثمّ، إن لم تهتدِ إسرائيل، فحتّى يهوه وسط الصواعق لن يستطيع أن يهديها.»

 

يمضون وهم يتحدّثون هكذا.