ج4 - ف96
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الرابع / القسم الأول
96- (يسوع يقول لمرثا: "انتصاركِ الآن أصبَحَ في يدكِ")
29 / 07 / 1945
يسوع على وشك الصعود إلى الـمَركَب. إنّه فجر صيف مُنير حيث تتناثر أوراق تويجات الورود على برقع البحيرة الحريريّ، عندما تَصِل مرثا مع خادمتها. «آه! يا معلّم! أَنصِت إليَّ حُبّاً بالله.»
يَهبط يسوع إلى الشاطئ ويقول للرُّسُل: «اذهبوا وانتظروني قرب السَّيل. وفي هذه الأثناء، هَيِّئوا كلّ شيء مِن أجل الرسالة في مجدل. المدن العشر تنتظر الكلمة كذلك. امضوا.»
وبينما يُبحِر المركب بعد حَلّ رباطه، يمشي يسوع إلى جانب مرثا، تتبعها مارسيل بكلّ احترام.
وهكذا يَبتَعِدون عن البلدة، سائِرين على الشاطئ، الذي يُصبح، مباشرة بعد شريط مِن الرمل الـمُمتَزِج بأعشاب برّيّة، مُغطّى بنباتات، تاركاً خطّ الأفق يتسلّق المنحدرات التي تَنظُر إلى نفسها في مرآة البحيرة.
لدى وصولهم إلى مكان مُنعَزِل، يقول يسوع مبتسماً: «ما الذي تريدين قوله لي؟»
«آه! يا معلّم... في هذه الليلة، بعد الهجعة الثانية بقليل، عادت مريم إلى البيت. آه! ولكنّني نسيتُ أن أقول لكَ إنّها قالت لي في الساعة السادسة، بينما كُنّا نتناول طعامنا: "هل يزعجكِ أن تُعيريني ثوباً مِن أثوابكِ ومعطفاً؟ سيكونان قصيرين قليلاً، ولكنّي سأترك الثوب فضفاضاً وأُخفِض المعطف..." قلتُ لها: "خُذي ما تشائين يا أختي". وكان قلبي يدقّ بقوّة هائلة، لأنّي قلتُ، قَبلاً، وأنا أتحدّث إلى مارسيل في الحديقة: "عند الغَسَق، يجب أن نكون في كفرناحوم، لأنّ المعلّم سوف يتحدّث إلى الجمع، هذا المساء". ورأيتُ مريم تنتَفِض ويتبدّل لونها، ولا تعود قادرة على البقاء في مكانها، بل كانت تروح وتجيء وحيدة، مثل نَفْس في ضيق، مضطربة، على وشك أن تتّخذ قراراً... غير عارفة بعد ما الذي تَقبَله، وما الذي ترفُضه.
بعد تناول الطعام، ذَهَبَتْ إلى غرفتي، وأَخَذَتْ الثوب الأكثر قتامة لديَّ، الأكثر بساطة، جَرَّبَتْه، ورَجَتْ المربّية فكّ كفّة الحاشية كلّها، لأنّ الثوب كان قصيراً جدّاً. ولقد حَاوَلَتْ تسويته بنفسها، ولكنّها أَدرَكَتْ وهي تبكي: "لَم أعد أعرف الخياطة، نسيتُ كلّ ما هو مفيد وجيّد..." وأَلقَتْ ذراعيها حول عُنقي قائلة: "صلّي لأجلي". وخَرَجَتْ وحيدة عند الغسق... وكَم صلّيتُ حتّى لا تُصادِف أحداً يمنعها مِن المجيء إلى هنا، وحتّى تفهم كلامكَ، وحتّى تنجح في أن تَخنُق نهائيّاً الوحش الذي كان يَستَعبِدها... انظر: لقد أضفتُ إلى حزامي حزامكَ المشدود جيّداً تحت الآخر، وعندما كنتُ أُحِسّ ضغط الجلد القاسي على قامتي غير المعتادة على الأحزمة الصُّلبة، كنتُ أقول: "هو أقوى مِن كلّ شيء".
بعد ذلك أسرعنا بالعربة، مارسيل وأنا، وأتينا. لستُ أدري إذا ما شاهَدَتنا، هي، وسط الحشد... ولكن أيّ أَلَم، أيّة شوكة في القلب، لعدم رؤية مريم! كنتُ أُفكِّر: "لقد نَدِمَتْ، لقد عادت إلى البيت. أو بالأحرى... أو بالأحرى لقد هَرَبَتْ، غير قادرة بعد على مقاومة سلطتي التي طَلَبَتها هي". كنتُ أستمع إليكَ وأبكي خلف الخِمار. لقد كانت تلك الكلمات تبدو وكأنّها جُعِلَت لها... لم تَكُن تَسمَعها! هكذا كنتُ أُفكِّر، أنا التي لم أكن أراها. وعُدْتُ إلى البيت يائسة. حقّاً. لقد عَصَيتُ أمركَ لأنّكَ كنتَ قد قُلتَ لي: "إذا ما جاءت فانتظريها في البيت". إنّما خُذ قلبي بعين الاعتبار، يا معلّم! إنّ التي أتت إليكَ هي أُختي! فهل كان بإمكاني ألّا أكون هنا لأراها إلى جانبكَ؟ ثمّ!... كنتَ قد قلتَ لي: "سوف تُسْحَق". وكنتُ أبغي أن أكون إلى جانبها، مباشرة، لأساعدها…
كنتُ جاثية أبكي وأصلّي في غرفتي، وكان قد مَرَّ وقت على انقضاء الهجعة الثانية مِن الليل، عندما عادت، على مهل، لدرجة أنّني لم أسمَعها إلّا حينما ارتمت عليَّ وهي تَضُمّني بِشِدّة بين ذراعيها قائلة: "كلّ ما تقولينه صحيح، أيّتها الأخت المباركة. وحتّى أكثر مما تقولينه كثيراً. إنّ رحمته لَأعظم كثيراً. آه! مرثا حبيبتي! لا حاجة بعد لأن تَضبطيني! فلن تريني بعد يائسة وساخرة! لن تسمعيني بعد أقول: ‘كي لا أُفكِّر!’ فالآن أنا أريد أن أُفكِّر، وأعرف بماذا أُفكِّر، بالصَّلاح المتجسِّد. لقد صلّيتِ يا أختي، بالتأكيد صلّيتِ لأجلي. ولكنّ الانتصار أَصبَحَ الآن بين يديكِ. ومريمكِ لَم تَعُد تريد أن تُخطئ، وها هي ذي تُولَد الآن مِن جديد. تَفَرَّسي فيها جيّداً، إنّها مريم جديدة بوجه غَسَلَته دموع الرجاء والتوبة. يمكنك أن تُقبِّليني أيّتها الأخت الطاهرة. لَم يَعُد على وجهي أيّ مِن آثار الحبّ الـمُخجِل. لقد قال إنّه يحبّ نفسي، ذلك إنّه كان يتحدّث عنها ولها. فالنَّعجة الضالّة هي أنا. لقد قال، اسمعي إذا ما كنتُ أجيد القول، فأنتِ تعرفين طريقة حديث الـمُخلِّص..." وكَرَّرَت لي مَثَلَكَ، إنّما بشكل كامل.
ذكيّة للغاية هي مريم! أكثر مِنّي كثيراً. تُجيد التذكُّر. وهكذا أكون قد استمعتُ إليكَ مَرّتين. فإذا كانت تلك الكلّمات، على شفتيكَ، مقدَّسة ورائعة، فقد كانت على شفتيها، بالنسبة إليَّ، مقدَّسة ورائعة ومحبوبة، لأنّهما كانتا شفتي أُختي الـمُهتَدِية، العائدة إلى حظيرة العائلة. استمرّينا متعانِقَتَين، جالِسَتَين على حصيرة الأرض، كما عندما كنّا صغيرتين، وكنّا نبقى هكذا في غرفة أُمّنا، أو قُربَ النَّول، حيث كانت تَنسج أو تُوشي أقمشتها الرائعة. بقينا هكذا، لَم نَعُد متباعِدَتَين بسبب الخطيئة، وكان يبدو لي أنّ أُمّنا كذلك كانت حاضرة بروحها. لقد بكينا بغير ألم، بل حتّى بكثير مِن السلام! كنّا نتعانق سَعيدَتَين... بعد ذلك، بسبب التعب مِن الطريق التي مَشَتها على قدميها، وبِتَأثّرها مِن أمور كثيرة، نامت مريم على ذراعي. وبمساعدة المربّية جَعَلتُها تستلقي على سريري... وتركتُها لأهرَع إلى هنا...» وتُقبِّل مرثا يديّ يسوع مُتهلِّلة.
«أنا أيضاً أقول لكِ ما قالَتهُ مريم: "إنّ انتصاركِ هو بين يديكِ." اذهبي وكوني سعيدة. امضي بسلام. وليكن سلوككِ في غاية اللُّطف والحَذَر معها، هي التي تُولَد مِن جديد. وداعاً مرثا. أَعلِمي بذلك لعازر الذي يتعذَّب هناك.»
«نعم يا معلّم. ولكن متى ستأتي مريم معنا، نحن التلميذات؟»
يبتسم يسوع ويقول: «الخالق خَلَقَ العالم في ستّة أيّام، وفي اليوم السابع ارتاح.»
«أَفهَم. يجب التحلّي بالصبر...»
«الصبر، نعم. عدم اللُّهاث فَضيلة كذلك. السلام لَكُنَّ أيّتها النساء. سوف نرى بعضنا قريباً.» ويتركها يسوع ليمضي إلى البحيرة، حيث الـمَركَب ينتظر قرب الشاطئ.