ج2 - ف96

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الثاني / القسم الثاني

 

96- (يسوع في منطقة المياه الحلوة يُشفي الرومانيّ المجنون. يتحدّث إلى الرومان)

 

13 / 03 / 1945

 

يسوع اليوم مع التسعة الباقين، ذلك أنّ الثلاثة الآخرين قد مَضوا إلى أورشليم. توما الـمُبتَهِج دائماً يَجمَع في مهامّه بين الخُضار والمهامّ الأخرى الأكثر روحانيّة. في أثناء ذلك، بطرس وفليبّس وبرتلماوس ومتّى يَهتَمّون بالزوّار، والآخرون يَمضون إلى النهر ليُعَمِّدوا. في الحقيقة إنّها معمودية تَوبة، مع ريح الشمال التي تعصف!

 

ما زال يسوع في ركنه في المطبخ، بينما توما يعمل بصمت ليدع المعلّم بسلام. وفي هذه الأثناء يَدخُل أندراوس ويقول: «يا معلّم، هناك مريض. أنا أقول إنّه مِن الـمُفضَّل أن تشفيه في الحال... يقولون إنّه مجنون، هُم ليسوا إسرائيليّين، ولكنّنا نَحسَبه مُستَحوَذاً عليه. فهو يَصرخ ويصيح ويتخبّط. تعال وشاهده أنتَ.»

 

«حالاً. أين هو؟»

 

«إنّه ما يزال في السهل. هل تسمع زعيقه؟ إنّه هو. تَحسَبه حيواناً، ولكنّه هو. يُفتَرَض أن يكون غنيّاً، فمُرافِقه يرتدي ثياباً فاخرة، وقد نَزَلَ المريض مِن عربة كثيرة الرَّخاء، وبمساعدة خدّام كثيرين. يُفتَرَض أن يكون وثنيّاً، لأنّه يَكفُر ويشتم آلهة الأولمب.»

 

«هيا بنا.»

 

«آتي لأرى أيضاً» يقول توما الذي يدفعه فُضوله ليَرى، أكثر مِن اهتمامه بخضاره.

 

يَخرُجون، وبَدَل الذهاب باتّجاه النهر، يَدورُون إلى جهة الحقول التي تَفصل هذه المزرعة عن بيت الوكيل.

 

كانت نِعاج تَرعى في الحقل، فخافت وتشتّتت في كلّ الاتّجاهات. رُعاة ومعهم كلب -وهو الثاني الذي يَظهَر في الرؤى- يُحاوِلون إعادة جمعها بكلّ نشاط. ويَظهَر وسط الحقل رجل مربوط بشدّة، ومع ذلك يقفز كالمسعور. يُطلِق صيحات مخيفة تزداد شدّة كلّما اقتَرَبَ يسوع منه.

 

بطرس وفليبّس ومتّى ونثنائيل قريبون منه ومُرتَبِكون. يوجد أناس كذلك، إنّما رجال فقط، لأنّ النساء خائفات.

 

«هل أتيتَ يا معلّم؟ أترى أيّ هياج؟» يقول بطرس.

 

«سيكون كلّ شيء على ما يرام.»

 

«ولكنّه... وثنيّ، هل تَعلَم؟»

 

«وأيّة قيمة لذلك؟»

 

«إيه!... بسبب نَفْسه!...»

 

يبتسم يسوع ابتسامة قصيرة ويتقدّم. ويَلحَق بجماعة المجنون الذي يهيج أكثر فأكثر.

 

يَنفَصِل أحدهم عن المجموع، وتَدلّ ثيابه ووجهه الحليق أنّه رومانيّ. يُلقي التحيّة: «أحيّيكَ يا معلّم. شهرتكَ وَصَلَت إليَّ. إنّكَ أعظم مِن أبقراط في الأَشفِية، ومِن تمثال أسكولاب في اجتراح المعجزات على المرضى. أنا أَعلَم. ولأجل هذا أتيتُ. وهذا أخي، أتراه؟ إنّه مجنون، بسبب مرض غامض مجهول. لا يَفقَه الأطبّاء عنه شيئاً. ولقد ذَهَبتُ به إلى معبد أسكولاب، إلّا أنّه خَرَجَ منه أكثر جنوناً. لي قريب في بتولمايس [عَكّا]، أَرسَلَ لي مرسالاً بسفينة شراعيّة، كان يتحدّث فيه عن وجود مَن يشفي كلّ الناس هنا. وأتيتُ. يا له مِن سَفَر فظيع!»

 

«وهو يستحقّ المكافأة.»

 

«ولكن، هو ذا نحن، لسنا حتّى مُهتَدين. إنّما نحن رومانيّون مؤمنون بالآلهة. وَثنيّون كما تقولون. مِن سيباريس، والآن في قبرص.»

 

«في الحقيقة إنّكم وَثنيّون.»

 

«إذن... ألن نحصل على شيء؟ فإمّا الأولمب الذي لكم يَطرُد الذي لنا، أو العكس؟»

 

«إنّ إلهنا الواحد والثالوث يَسود، وهو واحد، ولا إله إلّا هو.»

 

«إنّ مجيئي لا جدوى منه.» يقول الرومانيّ خائب الأمل.

 

«لماذا؟»

 

«لأنّني أنتمي إلى إله آخر.»

 

«لا يَخلق النَّفْس إلّا إله واحد.»

 

«النَّفْس؟»

 

«النَّفْس هي شيء إلهيّ خَلَقَه الله في كلّ إنسان. هي شريكة الوجود، ولكنّها تستمرّ حيّة بعد هذا الوجود.»

 

«وأين هي؟»

 

«هي في أعماق الأنا. ولكنّها، كشيء إلهيّ، موجودة في الحَرَم الأكثر قدسيّة، هي ليست جماداً، بل كائِن حقيقيّ مُستَحِقّ كلّ احترام. لذا يمكن القول بأنّها ليست مُحتواة، بل هي مُحتَوية.»

 

«بالإله جوبيتير! هل أنتَ فيلسوف؟»

 

«أنا العقل المتّحد بالله.»

 

«كنتُ أظنُّكَ كذلك بسبب ما كنتَ تقول...»

 

«وما هي الفلسفة، عندما تكون حقيقيّة ونزيهة، إن لم تكن ارتقاء العقل البشريّ صوب الحكمة والقُدرة اللامتناهية، أي صوب الله؟»

 

«الله! الله!... لديَّ هذا البائس الذي يُربِكني، ولكنّني أكاد أنسى حالَتَه لأستمع إليكَ، أنتَ أيّها الكائن الإلهيّ.»

 

«أنا لستُ كذلك حسب طريقتكَ في التعبير. ذلك أنّكَ تُسمّي إلهيّاً كلّ ما يتجاوز البشريّ، بينما أقول أنا إنّ هذه التسمية يجب ألا تُطلَق إلّا على مَن هو مُنبَثِق مِن الله.»

 

«ما هو الله؟ ومَن ذا الذي رآه؟»

 

«كُتِبَ: "أنتَ يا مَن كَوَّنتَنا، سلاماً! عندما أَصِف الكمال الإنسانيّ وتَناغُمات جسدنا فإنّني أتغنّى بالمجد". قيل: "صلاحكَ يشعّ في توزيع مواهبكَ على كلّ الأحياء، لينال كلّ إنسان ما يُوائِمه. وعَطاياكَ تَشهَد على حكمتكَ، كما يَشهَد تنفيذ رغباتكَ على قدرتكَ وسلطانكَ". هل تعرف هذه العبارات؟»

 

«إذا أَمَدَّتني منيرفا بالعون... فهي مِن غاليان Galien، إنّما كيف تعرفها أنتَ؟ إنّني مُنذَهِل!...»

 

يبتسم يسوع ويُجيب: «تعال إلى الإله الحقّ، وروحه الإلهيّ يُثقّفكَ "بالحكمة الحقّة والرحمة التي تقوم على معرفة الذات وعبادة الحقّ".»

 

«إنّما يبقى ذلك مِن غاليان! الآن أنا متأكّد. فَعَلاوة على كونكَ طبيباً ومجوسيّاً، فأنتَ كذلك فيلسوف. لماذا لا تأتي إلى روما؟»

 

«لستُ طبيباً ولا مجوسيّاً ولا فيلسوفاً كما تقول، إنّما أنا شهادة الله على الأرض. اجلبوا المريض أمامي.»

 

يُؤتَى به إليه وهو يَصرخ ويُشبّر.

 

«هل ترى؟ تقول إنّه مجنون، ولم يستطع أيّ طبيب شفاءه. هذا صحيح. ولا أيّ طبيب: ذلك لأنّه ليس مجنوناً. ولكنّ كائناً مِن الجحيم، أقول هذا لكَ أنتَ أيّها الوثنيّ، يَسكنه.»

 

«ولكن ليس لديه روح التنّين. بالعكس، إنّه لا يتفوّه إلّا بأشياء مَغلوطة.»

 

«إنّنا نُطلِق على هذا الروح اسم "الشيطان"، وليس التنّين. ومِن الشياطين مَن يتكلّم ومنها مَن هو أَبكَم، منها مَن يَخدَع بحجج مَطليّة بالحقائق، ومنها مَن هو ليس سوى فوضى منطقيّة. والأوّل منها هو الأَكمَل والأخطر. أمّا أخوكَ فلديه الثاني. ولكنّه سيخرج منه الآن.»

 

«كيف؟»

 

«هو ذاته سيقول لكَ كيف.» ويَأمُر يسوع: «اترك الرجل وعُد إلى هُوّتكَ.»

 

«سأذهب. فسُلطاني ضعيف جدّاً تجاهكَ. إنّكَ تطردني وتُسكِتني. فلماذا أنتَ الـمُنتَصِر دائماً؟...» يتكلّم الروح بفم الرجل الذي يَنهار بعدئذ مُنهَكاً.

 

«لقد شُفِيَ. فُكَّ قيوده دونما خوف.»

 

«شُفِيَ؟ هل أنتَ متأكّد؟ ولكن... لكن أنا أعبُدكَ!»

 

ويَهمّ الرومانيّ بالسجود، ولكنّ يسوع لا يرضى.

 

«ارفع روحكَ. ففي السماء هو الله. اعبده وتوجّه إليه. وداعاً.»

 

«لا. لأجل هذا لا. إنّما اقبَل على الأقلّ، اسمح لي أن أَعتَبركَ مِثل كَهَنَة أسكولاب. اسمح لي بسماعكَ تتحدّث... واسمح لي بالتحدّث عنكَ في وطني...»

 

«حسناً، اتّفقنا، تعال مع أخيكَ.»

 

يَنظُر الأخ حوله مَذهولاً ويَسأَل: «ولكن أين أنا؟ فهنا ليس سينتيوم Cintium. أين البحر؟»

 

«لقد كنتَ...» ويُشير يسوع بالتزام الصمت، ويقول: «لقد كنتَ مصاباً بحُمّى هائلة، وقد نُقِلتَ إلى مناخ آخر. أنتَ الآن أفضل. هيّا.»

 

يَمضون جميعاً ولكنّهم ليسوا جميعاً متأثّرين بالقَدر ذاته. منهم الـمُعجَبون ومنهم مَن ينتقد شفاء الرومانيّ، في قاعة الاجتماعات. يعود يسوع إلى مكانه، والرومانيّان إلى الصف الأوّل مِن الجمع.

 

«لا يزعجنّكم أن أتلو فقرة مِن سِفر الملوك:

 

"وكان نعمان رئيس جيش مَلِك آرام رَجُلاً عظيماً عند سيّده مُكَرَّماً لديه. وكان الرجل جبّار بأس وكان به برص. وإنّ قَوم آرام خَرَجوا غازين فَسَبوا مِن أرض إسرائيل فتاة صغيرة، فكانت بين يدي زوجة نعمان، فقالت لمولاتها: يا ليت مولاي حَضَرَ أمام النبيّ الذي في السامرة، فإنّه كان سيُبرئه مِن برصه. فجاء وحكى لسيّده وقال كذا وكذا قالت الفتاة التي مِن أرض إسرائيل. ولكنّ مَلِك إسرائيل شَقَّ ثيابه وقال: أَلَعلّي أنا إله أُميت وأُحيي حتّى أُرسِل إليَّ هذا أن أُبرئ رجلاً مِن برصه؟ فلمّا سَمِع أليشاع رجل الله بالذي جرى بَعَثَ إلى الـمَلِك قائلاً: ليأتني الأبرص وأنا أُبرِئه، وليَعلَم أنّ في إسرائيل نبيّاً. فأَقبَلَ نعمان إلى بيت أليشاع، ولكن أليشاع لم يستقبله، بل بَعَثَ إليه رسولاً يقول له: امضِ واغتَسِل في الأردن سبع مرّات فيعود إليكَ لحمكَ وتَطهر. فاستشاط نعمان غيظاً، إذ بدا له أنّه عَبَثَاً قَطَعَ المسافات الطويلة، وأوشَكَ على الرحيل وهو مغضب. فتقدّم إليه عبيده وخاطَبوه وقالوا: يا أبانا، لو خَاطَبَكَ النبيّ بأمر عظيم، أما كنتَ تفعله؟ فكيف بالحريّ وقد قال لكَ فقط اغتَسِل سبع مرّات واطهر؟ فَرضَخَ نعمان للأمر ونَزَلَ وانغمس في الأردن سبع مرّات كما قال رَجُل الله، فعاد لحمه كلحم صبيّ صغير وطهر، فرجع إلى رَجُل الله وقال: ها أنا ذا قد عَلِمتُ الحقيقة، أنّ ليس في الأرض كلّها إله إلّا إله إسرائيل. وبما أنّ أليشاع لم يكن ليَقبَل هداياه، قال نعمان: حسناً إنّما يُعطَى لعبدكَ حِمل بَغلين مِن التراب، فلا يصنع عبدكَ محرقة ولا ذبيحة بعد لآلهة أخرى، بل للربّ".

 

أَعلَم أنّكم لا تُوافِقون على كلّ ما أَفعَل. وأَعلَم أيضاً أنّني لم أحرص على تبرئة نفسي أمامكم. ولكن بما أنّني أحبّكم حبّاً حقيقيّاً، أودُّ أن تُدرِكوا ما أَفعَله، وأن ينيركم، وأن تَسقُط مِن نفسكم كلّ فِكرة نَقد أو شَكّ.

 

لدينا هنا اثنان مِن الوَثنيّين. أحدهما كان مريضاً، وقال لهما أحد الأقرباء، ولكنّه بالتأكيد نَقَلَ القول عن أحد الإسرائيليّين: "لو تَذهَبَا لمقابلة مَسيّا إسرائيل، فهو يُشفي المريض". وقَدِما مِن البعيد البعيد. فكانت ثقتهما أكبر حتّى مِن تلك التي كانت لنعمان، إذ لم يَكونا يَعلَمان شيئاً عن إسرائيل ومَسيّا، بينما الآراميّ السوريّ كان مِن جنسيّة مُجاوِرة، وبتماسّ دائم مع العبيد الإسرائيليّين، وكان يَعلَم آنذاك أنّ في إسرائيل إله هو الإله الحقّ. أليس أمراً حسناً أن يتمكّن وَثنيّ الآن مِن العودة إلى وطنه وهو يقول: "بالحقيقة في إسرائيل يوجد رَجُل الله، وفي إسرائيل يُعبَد الإله الحقيقيّ"؟

 

لم أَقُل: "اغتَسِل سبع مرات". ولكنّني تحدَّثتُ عن الله والنَّفْس، أمرين يجهلانهما، وهما مثل فَوهة نبع لا يَنضب، يَجلبان معهما المواهب السبع. إذ حيث تُوجَد فِكرة الله والروح والرغبة في اكتشافهما، تنمو أشجار الإيمان والرجاء والمحبّة والعدل والقناعة والقوّة والفِطنة، الفضائل التي يجهلها أولئك الذين، مِن آلهتهم، لا يمكنهم سوى نَسخ الأهواء البشريّة المشتركة الأكثر انحرافاً، إذ تَستَحوِذ عليهم كائنات يُفتَرَض أنّها فائقة. أمّا الآن، فسيعودان إلى وطنهما حامِلَين أكثر مِن فرح كونهما قد استُجيب لطلبهما، حامِلَين إمكانيّة القول: "نَعلَم أنّنا لسنا بهائم، إنّما بعد هذه الحياة توجد حياة مستقبليّة أيضاً. نَعلَم أن الله الحقّ هو صَلاح، فهو إذن يحبّنا نحن أيضاً ويصنع لنا الخير ليحثّنا على المضيّ إليه".

 

وماذا تظنّون؟ أَهُما وحدهما يَجهَلان الحقيقة؟ قبل قليل كان أحد تلاميذي يعتقد أنّني لا أستطيع شفاء المريض لأنّ له نَفْساً وَثنيّة. ولكن ما هي النَّفْس؟ ومِن أين تأتي؟

 

النَّفْس هي جوهر الإنسان الروحيّ. وهي التي، مَخلوقة بعُمر كامِل، تُخوِّل وتُرافِق وتُنشّط حياة الجسد كلّها، وتستمرّ بالحياة عندما يَفنى الجسد، لأنّها غير قابلة للموت كالذي خَلَقَها: الله. لأنّه لا يُوجَد سوى إله واحد، ولا توجد نفوس أوثان ونفوس غير أوثان خَلَقَتها آلهة مختلفة. لا يُوجَد سِوى قُدرة واحدة تَخلق النّفوس: هي قُدرة الخالق إلهنا، الواحد، القادر والقدّوس والصالح والذي لا هَوى له سوى الحبّ، بل المحبّة الكاملة، الروحيّة التامّة، ولكي يُدرِكه هؤلاء الرومان، فكما قُلتُ: محبّة، أقول أيضاً: محبّة وجدانيّة تامّة. ذلك أنّ فِكرة الروح لا يُدرِكها هؤلاء الأطفال الذين لا يَعلَمون شيئاً عن الكلام المقدّس.

 

وماذا تعتقدون؟ أنّني لم آتِ سوى لإسرائيل؟ وأنا الذي أَجمَع كلّ السُّلالات تحت عصا راعويّة واحدة، تلك التي للسماء. الحقّ أقول لكم: سيأتي وقت، هو قريب، يقول فيه الكثير مِن الوَثنيّين: "اسمحوا لنا بأن يكون لدينا ما يَلزَم لنتمكّن مِن تقديم ذبائحنا على أرضنا الوثنيّة للإله الحقّ، للإله الواحد الثالوث" الذي أنا كَلِمَتُه. إنّهما يَمضِيان الآن بقناعة أكثر مما لو كُنتُ صَرَفتُهُما بازدراء. فهُما، مِن خلال معجزاتي وكلامي قد تَنبَّها لله، وسيتحدّثان عنه حيثما يعودان.

 

وأُضيف هنا: ألم يكن مِن العدل مكافأة إيمان عظيم كهذا؟ حائِرِين مِن تَجاوُب الأطبّاء، خائبي الأمل مِن السفرات عديمة الجدوى إلى المعابد، عَرِفا أن يكون لديهما الإيمان، وأَقبَلا إلى المجهول، المجهول الأكبر للعالم، والـمُحتَقَر الأعظم والـمُفتَرى عليه مِن إسرائيل، ليَقولا له: "أؤمن أنّكَ تقدر". أوّل ميرون لمنطقهم يأتيهم ممَّن عرفوا الإيمان به. فلم يكن للمرض تأثير أكبر مِن إيمانهم غير الصحيح، يَجعلني أُشفيهم. بالفعل قد حَمَلتُ إلى شفاههم كأساً، يزداد عطشهم إليها كلّما شربوا منها: التعطُّش إلى معرفة الإله الحقّ.

 

خِتاماً. أقول لكم أيّها الإسرائيليّون: فلتعرفوا كيف يكون لديكم الإيمان مثل أولئك الذين عرفوا أن ينالوه.»

 

يَدنو منه الرومانيّ مع أخيه الذي شُفِيَ: «آه!... لم أعد أجرؤ على القول: أُقسِم بجوبتير. بل أقول: أُقسِم بشرفي كرومانيّ أنّني سوف أُحِسُّ بهذا العَطَش! والآن ينبغي لي أن أذهب. فَمَن ذا الذي سيعطيني فيما بعد لأشرب؟»

 

«روحكَ، النَّفْس التي تعرف الآن امتلاككَ لها، حتّى اليوم الذي يأتي إليكَ فيه أحد مُرسَليَّ.»

 

«وأنتَ لا؟»

 

«أنا... أنا لا. ولكنّني لن أكون غائباً مع كَوني لستُ حاضراً. ولن يمرّ سوى ما يزيد قليلاً عن العامين حتّى أُقدّم لكَ هديّة أكبر مِن شفاء مَن هو عزيز على قلبكَ. وداعاً لكما. اعرفا أن تستمرّا في شعور الإيمان هذا.»

 

«سلاماً أيّها المعلّم. فلينجِّكَ الإله الحقّ.» ويمضي الرومانيّان، ونَسمَعهُما يناديان خدّامهما مع العربة.

 

«ولم يكونا يَعلَمان حتّى أن لهما نَفْساً!» يُهمهِم عجوز.

 

«نعم أيّها الوَالِد. وقد عرفا أن يَتلقّيا كَلِمَتي أفضل مِن كثيرين مِن الناس الذين في إسرائيل. أمّا الآن، فبما أنّ تَبَرُّعهما كان وافِراً جدّاً، فلنجعلنّ فقراء الله يستفيدون منه، وذلك بجعل الصَّدَقَة مُضاعَفَة لمِثلَين أو ثلاثة أمثال. وليُصلِّ الفقراء لهذين الـمُحسِنَين الأفقر منهم ليتوصّلا إلى الغِنى الحقيقيّ والوحيد: معرفة الله.»

 

تبكي المرأة المحجّبة داخل حجابها الذي يحجب رؤية دموعها، ولكنّه لا يمنع سماع نحيبها.

 

«تلك المرأة تبكي،» يقول بطرس. «قد تكون دراهمها نَفَذَت. هل يمكننا إعطاؤها؟»

 

«ليس مِن أجل هذا تبكي، لكن اذهب وقُل لها هذا: "الأوطان تزول ولكنّ السماء تبقى وتدوم. وهي مِلك للذين يعرفون أن يكون لديهم إيمان. الله صَلاح هو. ولهذا السبب هو يحبّ حتّى الخَطَأَة. وهو يمنحكِ خيراته ليحثّكِ على المضيِّ إليه". اذهب. قُل لها ذلك ثمّ دَعها تبكي. إنّه السمّ يُطْرَح.»

 

يمضي بطرس للقاء السيّدة التي انطَلَقَت صوب الحقول. يُكلّمها ويَعود. «لقد شَرَعَت تبكي بشكل أعنف.» يقول. «كنتُ أظنّني أواسيها...» ويَنظُر إلى يسوع.

 

«لقد حَصَلَت فعلاً على المواساة. فالفرح كذلك يجعل المرء يبكي.»

 

«هوم!... لكن!... سأُسَرّ عندما أرى وجهها. هل سأراه؟»

 

«في يوم الدينونة.»

 

«رحمتكَ يا إلهي! ولكنّني آنذاك أكون ميتاً! وماذا تفيدني رؤيتها حينئذ؟ في ذلك الحين سوف يكون لي الأزليّ لأتأمّله!»

 

«افعل ذلك حالاً. إنّه الشيء الوحيد المفيد.»

 

«نعم... لكن... يا معلّم مَن تكون؟»

 

ويَضحَك الجميع.

 

«لو سَألتَ عن ذلك مرّة أخرى فسنرحل فوراً. هكذا لن تعود تُفكّر بها.»

 

«لا يا معلّم. بَيد أنّه.. يكفي أن تبقى أنتَ...»

 

يبتسم يسوع. «هذه المرأة» يقول «هي بَقيّة وهي باكورة.»

 

«ما الذي تريد قوله؟ لستُ أفهَم.»

 

ولكنّ يسوع يُبقيه هنا ليَمضي إلى البلدة.

 

«إنّه ذاهب إلى زكريّا فزوجته تحتضر.» يَشرَح أندراوس. «هو أرسَلَني لأقول ذلك للمعلّم.»

 

«إنّكَ تثير غضبي! تَعلَم كلّ شيء، وتَعمَل كلّ شيء، ولا تُخبرني عن شيء البتّة. إنّكَ أسوأ مِن سمكة.» يَصبّ بطرس على أخيه جام غضبه وخيبته.

 

«لا تهتمّ يا أخي. ها أنتَ أيضاً تتحدّث عنّي. هيّا بنا نرفع شِباكنا. هيّا.»

 

يذهب البعض إلى اليمين والآخرون إلى اليسار.

 

وينتهي كلّ شيء.