ج6 - ف102
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء السادس/ القسم الأول
102- (في أورشليم مِن أجل العنصرة)
09 / 04 / 1946
المدينة مكتظّة بالناس. الهيكل مزدحم. يصعد إليه يسوع فور دخوله أورشليم، ويَلِجه مِن الباب القريب مِن حوض غسل الذبائح قبل ذبحها، وبالتالي تقريباً مباشرة قبل تمكّن الناس مِن الانتباه إلى أنّه في المدينة، وقبل أن يُشاع الخبر مِن البيت حيث وضعوا حقائبهم ونظّفوا الغبار والعرق للدخول بنظافة إلى الهيكل.
الحشد الاعتياديّ غير الموائم مِن البائعين والصيارفة، النماذج المتغيّرة الاعتيادية مِن الألوان والوجوه.
يسوع، بصحبة الرُّسُل الذين اشتروا ما يلزم للتقدمة، يمضي مباشرة إلى موضع الصلاة ويبقى طويلاً. بالطبع لقد لاحظه الكثيرون، الصالحون منهم والسيّئون، وتسري همهمة كالريح مع صوت الرياح في الأغصان عبر الساحة الكبيرة الخارجيّة حيث يقف الناس للصلاة.
وعندما يدور بعد الصلاة ليعود على أعقابه، يتبعه رهط مِن الناس يتنامى أكثر فأكثر عبر الردهات، الأروقة، والباحات، إلى أن يصبح حشداً، يحيط به ويطالبه بالكلام.
«في وقت آخر، أيّها الأبناء! في مكان آخر!» يقول يسوع ويرفع يده ليبارك محاولاً الابتعاد.
الكَتَبَة والفرّيسيّون والحكماء وتلامذتهم، إذ اختلطوا بالحشد، يسخرون ويقولون البعض للبعض الآخر عبارات هي بالأحرى سخريات، مثل: «الحذر يدعو إلى التفكير» أو: «هه! قليل مِن الخوف...» أو: «لقد بلغ سنّ الرشد» أو أيضاً: «أقلّ بلهاً ممّا كنّا نظنّ...» ولكنّ العدد الأكبر، إمّا لأنّهم كانوا يعرفونه ويحبّونه، وإمّا لأنّهم كانوا يرغبون بمعرفته بنزاهة، كونهم بغير حقد، يصرّون قائلين: «أتنزع منّا إذن هذا الفرح في العيد؟ أيا أيّها المعلّم الصالح، لا يمكنكَ فِعل ذلك! كثيرون منّا ضحّوا كثيراً ليبقوا هنا ويستمعوا إليكَ...» والبعض يُخرِسون الساخرين أو يُجيِبون بنفس اللهجة على المتهكِّمين.
من الواضح أنّ الجمع هو على أهبة الاستعداد لسحق الأقلّيّة سيّئة النيّة. وهؤلاء الأخيرون، الماكرون والمراؤون، يُدرِكون ذلك ولا يصمتون فحسب، بل يُحاولون الابتعاد. رغم كونهم ضمن أسوار الهيكل، لا يتردّد الكثيرون مِن السخرية مِن الذين يمضون ورشقهم بنعوت ممالقة قليلاً. بينما آخرون، أكبر سنّاً، وبالتالي أكثر تعقّلاً، يستدعون يسوع قائلين: «ولكن ما الذي سيحصل، وأنتَ العالِـم، بهذا المكان، بهذه المدينة، بكلّ إسرائيل التي لم تُقبِل إلى صوت الربّ؟»
يَنظُر يسوع بإشفاق إلى تلك الرؤوس الرماديّة أو البيضاء بالكامل، ويجيب: «لقد قال لكم إرميا ما الذي سيحصل بالذين، عند سطوع الغضب الإلهيّ، يُجيبون بزيادة الخطيئة، معتَبِرين الرحمة الإلهيّة أحد مظاهر الضعف مِن قِبَل الله، إذ لا يمكن السخرية مِن الله، أيّها الابن. أنتم، كما يقول الأزليّ بفم إرميا، أنتم كالصلصال بيت يديّ الخزّاف، كالصلصال هُم مَن يظنّون أنفسهم ذَوي سُلطة، كالصلصال هُم سكّان هذه المنطقة وأولئك الذين في القصر الملكيّ. ما مِن قُدرة بشريّة يمكنها مقاومة الله. وإذا ما قاوَمَ الصلصال الخزّاف، وشاء اتّخاذ أشكال غريبة، رهيبة، يُحوُّل الخزّاف التصميم الأوّليّ إلى حفنة مِن الصلصال، ويُشكّل مزهريّته مِن جديد، حتّى يتمّ الاقتناع بأن الخزّاف هو الأقوى، والخضوع لمشيئته. وأيضاً يمكن أن تتحطّم المزهريّة إلى شظايا لتشبّثها بعدم استسلامها للتشكُّل، لرفضها الماء الذي يرطّبها به الخزّاف ليتمكّن مِن تشكيلها دون تشقّقات. وحينئذ يَرمي الخزّاف الصلصال الـمُعانِد، القواقع غير ذات فائدة، العاصية على العمل، في القمامة ويأخذ صلصالاً جديداً ويشكّله معطياً إيّاه الشكل الذي يبدو له الأفضل.
ألم يتكلّم النبيّ هكذا وهو يروي رمز الخزّاف ومزهريّة الصلصال؟ إنّه هكذا. وبترديد كلام الربّ، يقول: "كما الصلصال في يد الخزّاف، هكذا أنتَ، يا إسرائيل، بين يديّ الله". ويضيف الربّ، ليحذّر المعاندين، أنّ التوبة وحدها وقبول ملامات الله يمكنهما تعديل مرسوم عقاب الله فيما يخصّ الشعب العاصي.
إسرائيل لم تَتُب. كذلك تهديدات الله اشتدّت مرّة وعشر مرّات على إسرائيل. إسرائيل ولا حتّى الآن لم تتب، الآن حيث ليس نبيّ، بل أكثر مِن نبيّ هو الذي يتحدّث إلى إسرائيل. والله الذي رَحَمَ إسرائيل إلى أقصى حدّ، والذي أَرسَلَني، يقول لكم الآن: "لأنّكم لا تُعيرون أذناً صاغية لكلمتي، سوف أندم على الخير الذي أعطيتُكم إيّاه وسأهيّئ لكم المصائب". وأنا، الذي هو الرحمة، رغم معرفتي بأنّني عبثاً أرفع صوتي، أصرخ في وجه إسرائيل: "فليرجع كلّ واحد عن طريق سوئه. فليقوِّم كلّ واحد سلوكه وميوله لكي، على الأقلّ، عندما يحلّ قصد الله على الأمّة المذنبة، يُحافِظ المواطنون الأفضل فيها، أثناء فقدان الخيرات الكلّيّ والحرّيّة والاتحاد، على الروح المتحرّر مِن الخطأ، المتّحد بالله، فلا يفقدون الخيرات الأبديّة، كما فقدوا الخيرات الأرضيّة".
رؤى الأنبياء لم تكن بدون هدف: الهدف هو تحذير الناس ممّا يمكن أن يحصل. لقد قيل في رمز آنية الصلصال المشويّ، المحطّمة بوجود الشعب، ما ينتظر المدن والممالك التي لا تخضع للربّ، و..."
الشيوخ، الكَتَبَة، الحكماء والفرّيسيّون، الذين ابتعدوا سابقاً، مضوا لإخطار حرّاس الهيكل والولاة المكلّفين بفرض النظام. أحدهم، تتبعه حفنة مِن أولئك الجنود الهزليّين الاصطناعيّن، الذين ليس لهم مِن ملامح الـمُشاكِس سوى الوجوه التي هي مزيج مِن البَلَه وقليل مِن الـمَكر مع مَسحة مِن القسوة، كي لا يقال مِن الوحشيّة، يأتي إلى يسوع. المعلّم يتحدّث، مُستَنِداً إلى أحد أعمدة رواق الوثنيّين، محاطاً بجمع يشكّل حوله دائرة لا يمكن اختراقها. يهتف الوالي إلى يسوع: «اذهب! أو أَجعَل جنودي يطردونكَ...»
«هُوو! هُوو! الذبابات الخضراء الضخمة! الأبطال على الحملان! وألا تعرفون اعتقال الذين يجعلون مِن أورشليم وكر ذئاب، ومِن الهيكل سوقاً؟ اذهب مِن هنا يا وجه الأرنب، اذهب إلى أبناء عرس... هُوو! هُوو!» يثور الناس ضدّ تلك الدمى المسلّحة ويُظهِرون جليّاً أنّهم يرفضون إهانة المعلّم.
«أنا أطيع الأوامر التي تلقّيتُها...» يقول معتذراً رئيس حرّاس النظام.
«أنتَ تطيع الشيطان ولا تُلاحِظ ذلك. اذهب، اذهب الآن لالتماس الرحمة لجرأتكَ على إهانة وتهديد المعلّم! المعلّم، غير قابل للّمس! هل فهمتَ؟ أنتم ظالمونا، وهو صديق الفقراء. أنتم مُفسِدونا، وهو معلّمنا القدّيس. أنتم خرابنا، وهو خلاصنا. أنتم ممتلئون غدراً، وهو ممتلئ صلاحاً. اخرجوا مِن هنا، أو نفعل بكم ما فعله ماتاتياس بمودين. سنقذف بكم إلى أسفل منحدر مورياح، كما الكثير مِن هياكل الأوثان، وننظف، غاسلين بالدم المكان المدنّس. وقَدَما قدّيس إسرائيل الوحيد سوف تسيران على هذا الدم للذهاب إلى قدس الأقداس ليسود هناك، فهو الذي يستحقّ ذلك! اخرجوا مِن هنا! أنتم ومعلّموكم! اخرجوا مِن هنا، أيّها الأيادي القَذِرة خُدّام الأيادي القَذِرة...»
جَلبة مذعورة... مِن قلعة أنطونيا يهرع الحرّاس الرومان مع ضابط مسنّ، صارم وسريع التصرّف.
«أَفسِحوا المجال، أيّها التافهون! ما الذي يحصل؟ أتنهشون أنفسكم فيما بينكم مِن أجل حَمَل أَجرَب مِن حملانكم؟»
«إنّهم يثورون ضدّ الـحَرَس...» يريد المأمور الشرح.
«بحق مارس الذي لا يُقهَر! هؤلاء... حَرَس؟ آه! آه! اذهب لتحارب الصراصير، أيا محارب الحانات. تكلّموا أنتم...» يأمر الناس.
«كانوا يريدون فرض الصمت على الرابّي الجليليّ، كانوا يريدون طرده، واحتمال القبض عليه...»
«الجليليّ؟ غير مسموح. بلهجة روما أقول لكم كلمة المفصول رأسه (المعمدان). آه! آه! اذهب إلى الـمَزجَر (بيت الكلب)، أنتَ وسفهاؤكَ. في الـمَزجَر تبقى كذلك كلاب الحراسة. هي كذلك يمكن للذئبة أن تقطّعها إرباً... مفهوم؟ لروما فقط الحقّ في الحكم. وأنتَ، أيّها الجليليّ، استمرّ في رواية أساطيركَ... آه! آه!» ويدور بغير مرونة ويمضي بدرعه الذي يلمع تحت الشمس.
«تماماً كما في إرميا...»
«كما في كلّ الأنبياء، عليكَ أن تقول...»
«ولكن مع ذلك فالله هو الذي ينتصر.»
«أيّها المعلّم تابع الحديث. لقد هَرَبَ الثعابين.»
«لا، دعه يذهب، لكي لا يعود هؤلاء الأوباش الجدد مصطحبين قوّة ويقيّدوه...»
«لا خطر... ما دام زئير الأسد، لا تخرج الضباع...»
يتكلّم الناس ويعلّقون وسط فوضى محبّبة.
«أنتم مخطئون» يقول أحد الفرّيسيّين، بتملّق، متدثّراً معطفه ويتبعه بعض مِن مُشابهيه وبعض أحبار الشريعة. «أنتم مخطئون. ينبغي ألاّ تؤمنوا بأنّ طبقة كاملة تكون مثل بعض الذين ينتمون إليها. هه! هه! في كلّ نبات هناك الجيّد وهناك السيّئ.»
«نعم. بالفعل فإنّ التين عامّة هو ناعم، ومع ذلك إذا كان أخضراً أو بالغ النضج، فهو إمّا حذق وإمّا حامض. أنتم حامضون كما في السلّة السيّئة التي للنبيّ إرميا» يقول مِن وسط الجمع أحدهم لستُ أعرفه، إنّما المفروض أنّه معروف مِن كثيرين، وذو سُلطة كذلك، إذ إنّني أرى في الجمع غمزاً، وألاحظ أنّ الفرّيسيّين يتلقّون الضربة دون ردّة فعل.
على العكس، وبأكثر لطفاً، يلتفت صوب المعلّم ويقول له: «موضوع رائع لحكمتكَ. حدّثنا، أيّها الرابّي، حول هذا الموضوع. شروحكَ... جديدة للغاية... ضليعة للغاية... نتذوّقها ونحن جياع ومتعطّشون.»
يُمعِن يسوع النَّظَر بهذا النصير المتكبّر ثمّ يجيبه: «لديكَ كذلك جوع غير مباح به، يا حِلقِيّا، وكذلك أصدقاؤكَ. إنّما سوف يُعطى لكَ كذلك هذا الغذاء... وأكثر حموضة مِن بعض التين. وسيُفسِد لكَ الداخل كما يُفسِد التين المحمّض الأحشاء.»
«لا، يا معلّم، أُقسِم لكَ باسم الله الحيّ! ليس لدى رفاقي ولديَّ جوع آخر سوى الاستماع إليكَ تتحدّث... الله يرانا إذا...»
«هذا يكفي. ليس للإنسان النزيه حاجة إلى القَسَم. أفعاله هي القَسَم والشهادات. ولكنّني لن أتحدّث عن التين الجيد والتين الفاسد...»
«لماذا، يا معلّم؟ أتخشى أن تُناقِض الأحداث شروحكَ؟»
«آه، لا! على العكس...»
«إذاً أنتَ تتوقّع لنا المتاعب، العار، السيف، الطاعون والجوع؟»
«هذا وأكثر.»
«أكثر؟ وماذا؟ إذاً فالله لم يعد يحبّنا؟»
«هو يحبّكم طالما أتمَّ الوعد.»
«أهو أنتَ؟ لأنّكَ الوعد؟»
«أنا هو ذاك.»
«إذاً متى تؤسّس مملكتكَ؟»
«هذه الأسس موجودة الآن.»
«أين؟ أين؟»
«في قلب الصالحين.»
«ولكنّ هذا ليس مملكة! إنّه غرس عقائد!»
«إنّ مملكتي، كونها روحيّة، فشأنها الأرواح. والأرواح لا حاجة لها للقصور، للبيوت، لجيوش ولا لأسوار، إنّما أن تعرف كلمة الله وممارستها. وهذا ما يحصل لدى الصالحين.»
«ولكن هل يمكنكَ قول هذه الكلمة؟ مَن يعطيك الحقّ بها؟»
«الحيازة.»
«أيّة حيازة؟»
«حيازة الكلمة. فأنا أعطي ما أنا أكون. فمَن يملك الحياة يعطي الحياة. ومَن يملك المال يعطي المال. أنا، لديَّ الطبيعة الأزليّة التي تُترجِم الفكر الإلهيّ والكلمة أعطيها، لأنّ الحبّ يدفعني لهذا العطاء الذي هو جعل معرفة فِكره تعالى الذي هو أبي.»
«انتبه لما تقول! إنّها لغة جريئة! قد تؤذيكَ!»
«الكذب يؤذيني أكثر، إذ بذلك أنزع عنّي طبيعتي وأُنكِر الذي أَنبَثِق منه.»
«أنتَ إذاً الله، كلمة الله؟»
«أنا هو ذلك.»
«وهكذا تقولها؟ بوجود هذا الكم مِن الشهود الذين قد يوشون بالأمر؟»
«الحقّ لا يكذب. الحقّ لا يحسب. الحقّ بطوليّ.»
«وهذا هو الحقّ؟»
«الحقّ هو الذي يكلّمكم، لأنّ كلمة الله يُترجِم فِكر الله، والله هو الحقّ.»
يُنصِت الناس صامتين ومتنبّهين لمتابعة النقاش الجاري دون خشونة. آخرون توافدوا مِن أمكنة أخرى واكتظّت الساحة بالناس. مئات الوجوه التفتت إلى نقطة واحدة، ومِن خلال فتحات مؤدّية إلى هذه مِن باحات أخرى، تبدو وجوه جموع، والأعناق ممتطّة بغية الرؤية والاستماع…
ينظر السنهدرينيّ حِلقِيّا ورفاقه إلى بعضهم... تهاتُف بالنَّظر حقيقيّ. ولكنّهم لا يتمالكون أنفسهم. حتّى إنّ أحد الحكماء المسنّين يَسأَل مجاملاً: «ولتحاشي العقاب الذي تتوقّعه، ما الذي ينبغي عمله؟»
«اتّباعي، وبالأخصّ الإيمان بي، وأكثر مِن ذلك أيضاً محبّتي.»
«هل أنتَ تعويذة لحسن الحظّ؟»
«لا. أنا المخلّص.»
«ولكن ليس لديكَ جيش...»
«لديَّ ذاتي. تذكّر، تذكّروا مِن أجل خيركم، رحمة بنفوسكم، تذكّروا كلام الربّ لموسى وهارون عندما كانا لا يزالان في مصر: "فليأخذ كلّ واحد مِن شعب الله حَمَلاً لا عيب فيه، ذكراً بعمر السنة، واحداً لكلّ بيت، وإذا كان عدد أفراد العائلة لا يكفي لإنهاء الحمل، فلينضمّ إليهم الجيران. وتنحرانه في اليوم الرابع عشر مِن شهر آبيد الذي يُدعى الآن نيسان (أبريل)، وبدم الحمل الذبيحة تُطلى قوائم بيوتكم وأفاريزها. وأثناء الليل، تأكلون اللحم المشوي على النار، مع خبز دون خميرة وخسّ برّيّ. وما يتبقّى يُتلف بالنار. ستأكلون وأحزمتكم على أحقائكم ونعالكم في أقدامكم، والعصا في اليد، بكلّ سرعة لأنّه سيكون مرور الربّ. وفي تلك الليلة، سأمرّ ضارباً كلّ بِكر مِن البشر والحيوان في البيوت غير ذات العلام مِن دم الحمل." في الوقت الحاضر، في مرور الربّ الجديد، المرور الأكثر حقيقة، لأنّ الله يمرّ حقيقة فيما بينكم، مرئيّاً، معروفاً بإشاراته، وسيكون الخلاص مِن نصيب المطبوعين بدم الحمل مع العلامة الخلاصيّة. لأنّ الجميع سيكونون مطبوعين في الحقيقة. إنّما فقط الذين يحبّون الحمل وسيحبّون علامته سينالون الخلاص بهذا الدم. أمّا الآخرون، فستكون علامة قايين. وتعلمون أنّ قايين لم يعد مستحقّاً رؤية وجه الربّ، ولم يعد يعرف طعماً للراحة، وقد ضربه تبكيت الضمير الذي كان يتبعه، بالعقاب، بالشيطان، معلّمه الوحشيّ، ومضى تائهاً فارّاً في الأرض، طوال حياته. صورة عظيمة، عظيمة للشعب الذي سيَضرب هابيل الجديد...»
«حزقيال كذلك يتحدّث عن (تاو=T)... أتظنّ أنّ إشارتك هي لتاو (T) حزقيال؟»
«نعم، هي ذي.»
«إذاً تتّهمنا بأن في أورشليم كراهية؟»
«كنتُ أودُّ ألاّ أفعل، ولكنّ الأمر هو كذلك.»
«ووسط الموسومين بالتاو (T) ألا يوجد أَثَـمَة؟ هل تُقسِم على ذلك؟»
«أنا لا أُقسِم على شيء. ومع ذلك أقول إذا كان وسط الموسومين أَثَـمَة، فإنّ عقابهم سيكون رهيباً أكثر، لأنّ زناة الروح، الناكرين، قتلة الله، الذين أصبحوا كذلك بعد أن كانوا تلاميذه، سيكونون الأعظم في الجحيم.»
«ولكنّ الذين لا يتمكّنون مِن الإيمان بأنّكَ الله، فلا خطيئة لهم. سيُبَرَّرون...»
«لو لم تعرفوني، لو لم تروا أعمالي، لو لم تستطيعوا التدقيق في كلامي، لم تكن لكم خطيئة. لو لم تكونوا الأحبار في إسرائيل، لم تكن لكم خطيئة. ولكنّكم تعرفون الكُتُب وتَرَون أفعالي. يمكنكم إجراء مقابلة، وإذا فعلتم ذلك بأمانة، تجدونني في كلام الكُتُب، وتجدون كلام الكُتُب فيَّ، مترجماً أعمالاً. فلن تُبرَّروا بتجاهلي وبُغضي. هناك الكثير مِن الكراهية، الكثير مِن الأوثان، الكثير مِن الفسق حيث ينبغي ألاّ يكون إلاّ الله. وفي كلّ موضع حيث تكونون. إنّ الخلاص يكمن في رفضها وتقبّل الحقّ الذي يكلّمكم. وبالتالي، فحيث تَقتُلون أو تنوون القتل، سيُحكم عليكم بالموت. ولهذا السبب، ستُحاكَمون عند حدود إسرائيل، حيث يَسقط كلّ جبروت إنسانيّ، حيث الله وحده هو قاضي الذين خلقهم.»
«لماذا تتكلّم هكذا، يا سيّد؟ إنّكَ صارم.»
«إنّني صادق. إنّني النور. والنور قد أُرسِل لينير الظلمات. إنّما على النور أن يسطع بحرّية. فيكون مِن غير المجدي أن يُرسِل الله تعالى نوره، إذا كان بعدئذ سيوضع على النور ما يخفيه. أليس هذا ما يفعله الناس عندما يُشعِلون النور، وإلاّ فمن غير المجدي إضاءته. إذا أناروا فليضيء وكي يتمكّن الداخل مِن الرؤية. أنا في بيت أبي الأرضيّ، الذي أَظلَمَ، جئتُ أُحِلُّ النور كي يرى الذين فيه بوضوح. والنور يضيء. وباركوه إذا كان شعاعه النقيّ للغاية يكشف لكم الزواحف، العقارب، المكائد، العناكب، والصدوع في الجدران. إنّه يفعل ذلك حبّاً بكم، ليجعلكم تعرفون ذواتكم، ليجعلكم تعودون خالصين، لطرد الحيوانات المؤذية: الأهواء والخطايا، لإعادة بناء ذواتكم قبل فوات الأوان، لتنظروا أين تضعون أقدامكم: على فخّ الشيطان، قبل أن تتهوّروا. إنّما لتروا، بالإضافة إلى النور الصافي، يجب أن تكون العين صافية. فالنور لا يمرّ عبر عين يغشاها مرض الدَّنَس. نقّوا عيونكم، نقّوا أرواحكم لكي يحلّ النور فيكم. لماذا الهلاك في الظلمات، عندما الكلّيّ الصلاح يُرسِل إليكم النور والعلاج لشفائكم؟ لم يفت الوقت بعد. هلمّوا في الساعة التي بقيت لكم، هلمّوا إلى النور، إلى الحقّ، إلى الحياة. تعالوا إلى مخلّصكم الذي يمدّ لكم ذراعيه، الذي يفتح لكم قلبه، الذي يرجوكم أن تتقبّلوه مِن أجل خيركم الأبديّ.»
يسوع يرجو بحقّ، يرجو بحبّ، مجرَّداً مِن كلّ ما هو ليس محبّة... حتّى الوحوش الأكثر صلابة، الأكثر سُكراً بالحقد، يشعرون به، وتعبّر الدموع عن هزيمتهم، وعجز سمومهم عن بثّ حمضها.
يتبادلون النظرات. ثم يتكلّم حِلقِيّا باسم الجميع: «أجدتَ الحديث يا معلّم! أرجوك قبول الوليمة التي أقيمها على شرفكَ.»
«لستُ أطلب مجداً غير مجد غزو نفوسكم. دعني لفقري...»
«لن تبغي توجيه إهانة لي بالرفض؟!»
«المسألة ليست مسألة إهانة. أرجوكَ أن تدعني مع أصدقائي.»
«ولكن هم أيضاً، مَن يشكّ بذلك؟ هم معكَ شرف عظيم لبيتي!... شرف عظيم!... أنتَ تذهب كذلك إلى آخرين ممّن هم عظماء! فلماذا ليس إلى بيت حِلقِيّا؟»
«حسناً... سآتي. ولكن ثق تماماً أنّني لا يمكنني أن أقول لكَ في خلوة بيتكَ كلاماً مختلفاً عمّا قُلتُه لكَ هنا، وسط الشعب.»
«حتى ولا أنا! ولا أصدقائي! هل تشكّ في ذلك؟...»
يُمعِن يسوع فيه النَّظَر. ثمّ يقول: «لا أشكّ إلاّ في ما أَجهَل. ولكنّني لا أجهل فِكر الناس. هيّا بنا إلى بيتكَ... السلام لِمَن استَمَعوا إليَّ.»
ويتوجّه إلى خارج الهيكل إلى جانب حِلقِيّا، يتبعه جمع الرُّسُل مختلطين بأصدقاء حِلقِيّا، دونما حماس.