ج7 - ف169

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء السابع / القسم الأول

 

169- (أثناء العودة مِن التخوم السوريّة الفينيقيّة)

 

15 / 08 / 1964

 

الرُّسُل، وكما يَفعَلون في كثير مِن الأحيان أثناء المسير، ربّما للتخفيف مِن رَتابة السفر الـمُتواصِل بهذه التسلية، فهم يتحدّثون مع بعضهم البعض، مُستَذكِرين ومُعَلِّقين على الأحداث الأخيرة. سائِلين مِن حين لآخر المعلّم، الذي بشكل عام يتكلّم قليلاً جدّاً، مُوفّراً التعب، فقط حينما يتعلّق الأمر بتعليم الحشد أو رُسُله، مُصحّحاً الأفكار الخاطئة، مُعزّياً التُّعساء.

 

يسوع كان «الكلمة»، إنّما بالتأكيد لم يكن «الثرثرة»! إنّه طويل الأناة ولطيف كما لا أحد آخر، أبداً لم يَبدُ عليه الضجر مِن وجوب تكرار فكرة لمرّة، لمرّتين، لعشر مرّات، لمائة مرّة، كي يجعلها تَدخُل في الرؤوس التي صَلَّبَتها الشرائع الفرّيسيّة والرابّـيّة، غير مُكتَرِث لتعبه، الذي هو في بعض الأحيان مُرهِق لدرجة الألم، في سبيل تخفيف المعاناة المعنويّة أو الجسديّة لشخص ما. إنّما مِن الواضح أنه يُفضّل الصمت، أن ينعزل في تأمُّل صامت قد يستمرّ لساعات عدّة، إذا لم تتمّ مقاطعته مِن قِبَل أحد ما يتوجّه إليه بسؤال. إنّه بشكل عام يسير أمام رُسُله، رأسه منحنٍ بعض الشيء، رافعاً إيّاه مِن حين لآخر كي يَنظُر إلى السماء، إلى الريف، إلى الناس، إلى الحيوانات. لقد قُلتُ "يَنظُر". إنّما هذا خطأ. يتوجّب عليَّ قول: "يحبّ". لأنّها ابتسامة، ابتسامة مِن الله تَنسَكِب بغزارة مِن عينيه كي تُداعِب العالم والمخلوقات: ابتسامة مَحبّة. لأنّها المحبّة التي تشفّ، تنتشر، تُبارِك وتنقّي نور عينيه، الساطع جدّاً، الأكثر سطوعاً، عندما يَخرُج مِن تأمّله العميق.

 

كيف يمكن أن تكون تأمّلاته؟ -أُفكّر وأنا متأكّدة مِن أنّني لستُ مخطئة، لأنّه يكفي النَّظَر إلى ملامح وجهه لمعرفة ماهيّتها- أظنُّ أنّها تفوق كثيراً نشواتنا التي لمخلوق بشريّ هو الآن يحيا في السماء. إنّها «الاتّحاد المحسوس لله مع الله». إنّ الألوهة كانت دوماً حاضرة ومتّحدة مع المسيح، الذي كان الله كما الآب. على الأرض كما في السماء، الآب في الابن والابن في الآب، اللذين يتحابّان فيما بينهما، وبتبادلهما المحبّة فإنّهما يَلِدان الأقنوم الثالث. إنّ قُدرة الآب هي ولادة الابن، وفِعلا الإيلاد والولادة يَخلقان النار، أي، روح روح الله. القُدرة تتوجّه نحو الحكمة التي وَلَدَتها، وهذه تتوجّه نحو القُدرة، في غِبطة كونها الواحد للآخر، وفي معرفتهما الواحد للآخر لما هما عليه. وبما أنّ كلّ معرفة تبادليّة صالحة تُوَلّد المحبّة -حتّى معارفنا القاصرة- هذا هو الروح القدس... إنّه الذي، إذا ما كان ممكناً إضافة كمال إلى الكمالات الإلهيّة، فيتوجّب أن يُدعَى كمال الكمال. الروح القدس! حيث تفكير بسيط فيه يملأ بالنور، بفرح، وبالسلام…

 

في نشوات المسيح، عندما كان السرّ غير الـمُدرَك لوحدانيّة وثالوثيّة الله يتجدّد في قلب يسوع الأقدس، أيّ نِتاج محبّة شاملة، كاملة، ساطعة، مقدِّسة، مُفرحة، سلاميّة، لم يكن عليه أن يَتَوالد، وينتشر مثل الوهج الـمُنبَعِث مِن أتون مُضطَرِم، مثل البخور مِن مَبخَرة مُتّقدة، كي يُقبّل مع قُبلة الله الأشياء التي خَلَقَها الآب، المصنوعة بواسطة الابن-الكلمة، المصنوعة لأجل المحبّة، مِن أجل المحبّة الوحيدة، لأنّ كلّ أعمال الله هي محبّة؟

 

وتلك هي نظرة الإنسان-الله حينما -كإنسان وكإله- يرفع عينيه، اللتين عاينتا في ذاته الآب، ذاته والمحبّة، كي يَنظُر إلى الكون، مُعجَباً بقُدرة الله الخَلَّاقة، كإنسان في غبطة إمكانيّة تخليصه في المخلوقات الـمَلَكيّة لهكذا خَلق: البشر، مثل الله.

 

آه! لا يمكن، لن يكون أحد قادراً، لا شاعر ولا فنّان ولا رسّام، أن يُجسّد للجموع نظرة يسوع تلك، عندما يَخرُج مِن العِناق، مِن الاتّحاد المحسوس بالألوهة، المتّحدة دوماً أقنوميّاً بالإنسان، إنّما غير المحسوس دوماً بشكل عميق للإنسان، الذي كان الفادي، والذي كان عليه بالتالي، أن يضيف إلى آلامه الكثيرة، إلى انسحاقاته الكثيرة، أن يضيف هذا أيضاً، هذا الألم العظيم جدّاً، الذي هو ألّا يكون قادراً على أن يكون دوماً في الآب، في الدوّامة العظيمة للمحبّة، كما كان عليه في السماء: كلّي القُدرة... حرّاً... مُغتَبِطاً. رائعة جدّاً هي قُوّة نَظرته عند اجتراحه للمعجزات، غاية في الوَداعة تعبير نظرته كإنسان، شديد الحزن نور الألم في ساعات الألم... لكنّها تظلّ نظرة بشريّة، رغم الكمال في التعبير. هذه النَّظرة لله، الذي تَأمَّلَ وأَحَبَّ ذاته في الوحدانيّة الثالوثيّة، هي خارج حدود المقارنة، ليس هناك مِن وصف لها…

 

وهكذا فإنّ أحاديث الرُّسُل عن حَدَث جيسكالا، عن معجزة الصبيّ الأعمى، عن بتولمايس [عَكّا] التي يُوَجِّهون خطواتهم نحوها، عن الطريق المنحوتة دَرَجاته في الصخر، التي صَعَدوها كي يَصِلوا إلى القرية الأخيرة عند الحدود بين سوريا الفينيقيّة والجليل -لا بدّ أنّها تلك التي رأيتُها عندما ذَهَبوا إلى الإسكندروسين- عن غَمَالائيل وما إلى ذلك، قد انتهت الآن. أو بالأحرى، حسبما أَحسَستُه، لقد بقي في قلبي ذاك القَدر الذي سَمِعتُه منهم.

 

أقول فقط أنّني أريد قول هذا: إنّ الرُّسُل، الذين كانوا في الفترات الأولى، عندما كانوا أقلّ كمالاً على الصعيد الروحيّ، كانوا يُزعِجون المعلّم لأتفه الأسباب، هم الآن، وقد تطوّروا روحيّاً أكثر، يَحتَرِمون عزلته، ويُفضّلون التحدّث فيما بينهم، خلفه بمترين أو ثلاثة. وفقط عندما يكونون بحاجة لمعلومة منه، أو لمشورته، أو عندما تستحثّهم محبّتهم لمعلّمهم، فإنّهم يَدنون منه.