ج2 - ف79

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الثاني / القسم الثاني

 

79- (الاسخريوطي في أريحا. يسوع لدى لعازر في بيت عنيا. مرثا تتحدّث عن المجدليّة.)

 

19 / 02 / 1945

 

ساحة السوق في أريحا، بأشجارها ونداءات الباعة. في إحدى الزوايا، زكّا العشّار مُنشَغِل بـ... ابتزازاته المشروعة وغير المشروعة. قد يكون يعمل قليلاً ببيع وشراء الأشياء الثمينة. أراه بالفعل يَزِن ويُعايِن قِلادات وأشياء مِن معدن ثمين. لستُ أدري ما إذا كانت تُعطَى له كبديل عن دَفعات مِن ضرائب لم يتمكّن أصحابها مِن دفعها، أو إذا كانت قد بِيعت له مِن أجل احتياجات أخرى.

 

الآن دَور امرأة مَمشوقَة، ترتدي معطفاً يتراوح لونه بين الرماديّ والبنيّ والزنجار. وجهها مغطّى بوشاح حريريّ ناعم جدّاً يميل إلى الاصفرار، فلا يَسمَح بالتفرّس فيها. لا شيء يلفت الانتباه سوى امتشاق جسدها، الذي يجعلك تُخمّن، رغم تَلفُّحها بهذا الكتّان المصبوغ الـمُبتَذَل، أنّها شابة، على الأقل حسب ما يوحيه القليل الظاهر منها: يد تَخرُج للحظة مِن المعطف لتُظهِر سِواراً ذهبياً، وقدمان تحتذيان صندلاً ليس بسيطاً جدّاً، ولكنّه ذو وجه وتَشابُك أَحزِمة تَكشف عن أصابع ملساء وفتيّة، وجزء مِن الكاحل الناعم والأبيض الناصع.

 

تمدّ السِّوار دون أن تقول له كلمة، تأخذ الدراهم دون مساومة، وتَدور لتنصرف. أُلاحِظ الآن وجود الاسخريوطيّ خلفها، وهو يراقبها بانتباه، وعندما تهمّ بالانصراف، يقول لها كلمة لم أفهمها جيّداً. ولكنّها، كما لو كانت بكماء، لا تُجيب، وتبتعد بسرعة.

 

يهوذا يَستَجوب زكّا: «مَن تكون هذه؟»

 

«أنا لا أسال زبائني عن أسمائهم، خاصّة إذا كانوا مِن الجنس اللطيف كهذه.»

 

«شابّة هي، أليس كذلك؟»

 

«هكذا يُقال.»

 

«ولكن هل هي يهوديّة؟»

 

«مَن يدري؟ فالذهب أصفر في كلّ البلدان.»

 

«أَرنِي هذا السِّوار.»

 

«هل تريد شراءه؟»

 

«لا.»

 

«إذن لا داعي. ماذا تظنّ؟ أن تُساوِم نيابة عنها؟»

 

«أودُّ معرفة ما إذا كنتُ قد أدرَكتُ مَن تكون...»

 

«أهذا يُقلِقكَ إلى هذا الحدّ؟ هل أنتَ مُستَحضِر أرواح لتحزر؟ أَم إنّكَ كلب بوليسيّ تقوده حاسّة الشمّ؟ انصرف واطمئنّ، فطالما هي مُحزَّمة بهذا الشكل، فإمّا أن تكون شريفة وبائسة، وإمّا أن تكون مِن البرص. وبالنتيجة... فلا فائدة تُرجَى.»

 

«ليست لديَّ شهوة لامرأة.» يُجيب يهوذا بتهكّم.

 

«ممكن... إنّما مع وجه كهذا، لا أعتقد كثيراً بذلك. حسناً. إذا لم تكن تريد شيئاً آخر فابرح المكان. لديَّ زبائن آخرون.»

 

يَمضي يهوذا غاضباً، ويَسأَل بائع خبز وبائع فواكه ما إذا كانا يعرفان المرأة التي كانت قد اشترت منهما خبزاً وتفّاحاً، وإذا كانا يَعلَمان أين تَقطن. إنّهما لا يَعلَمان، ويُجيبانه: «منذ بعض الوقت وهي تأتي كلّ يومين أو ثلاثة. إنّما مِن أين هي، فلسنا نعرف.»

 

ويلحّ يهوذا. «ولكن كيف تتكلّم؟»

 

يَضحك الاثنان ويُجيب أحدهما: «بلسانها.»

 

فيشتمهما يهوذا ويمضي... ليجد نفسه بالضبط وسط جماعة يسوع وأتباعه الذين قَدِموا ليبتاعوا خبزاً وإداماً (ما يُضاف إلى الخبز مِن طعام) لوجبتهم اليوميّة. المفاجأة مُتبادَلَة... وليست بحماس كثير. فقط يقول له يسوع: «أأنتَ هنا؟» وبينما يُهَمهِم يهوذا، ينفجر بطرس ضاحكاً بِصَخَب ويقول: «ها أنذا أعمى وعديم الإيمان. فلستُ أرى كُروماً ولا أؤمن بالمعجزات.»

 

«ولكن ماذا تقول؟» يَسأَل تلميذان أو ثلاثة.

 

«أقول الحقيقة. فهنا لا وجود للكُروم. ولا يمكنني الاعتقاد بأنّ يهوذا هنا ليقوم بقِطاف العنب في هذا الغبار، لمجرّد أنّه تلميذ الرابّي.»

 

«لقد انتهى القِطاف منذ بعض الوقت.» يُجيب يهوذا بجفاء.

 

«وإسخريوط تبعد عن هنا أميالاً عديدة.» يقول بطرس.

 

«أنتَ تهاجمني مباشرة. إنّكَ تُضمِر لي العَداء.»

 

«لا. فأنا أقلّ حماقة مما تتمنّى.»

 

«كفى.» يُقاطِعهم يسوع، إنّما بصرامة. ويلتفت إلى يهوذا: «لم أكن أفكّر أن أراكَ هنا. كنتُ أظنّكَ بالأحرى في أورشليم مِن أجل عيد المظالّ.» 

 

«سأذهب غداً. كنتُ أنتظر هنا صديقاً مِن العائلة، وهو...»

 

«أرجوكَ يكفي.»

 

«ألا تصدّقني يا معلّم؟ أقسم لكَ أنّني...»

 

«لم أسألكَ، وأرجوكَ ألّا تقول لي شيئاً. أنتَ هنا، هذا يكفي. هل ستأتي معنا أم ما زالت لديكَ أعمال تُنجِزها؟ أَجِب بكل بساطة.»

 

«لا... لقد انتهت، وأنتَظِر فقط قدوم الرَّجُل لأمضي إلى أورشليم مِن أجل العيد. وأنتَ إلى أين تذهب؟»

 

«إلى أورشليم.»

 

«اليوم بالذات؟»

 

«هذا المساء سأكون في بيت عنيا.»

 

«عند لعازر؟»

 

«عند لعازر.»

 

«إذن، أَذهَب إليه أنا أيضاً.»

 

«نعم، تأتي إلى بيت عنيا. وبعد ذلك سيذهب أندراوس مع يعقوب بن زَبْدي وتوما إلى جَثْسَيْماني يُعِدّون العدّة، وينتظروننا جميعاً. وأنتَ سوف تذهب معهم.» يُوضِح يسوع ألفاظه، وذاك لا يُبدي أيّة ردّة فِعل.

 

«ونحن؟» يَسأَل بطرس.

 

«أنتَ وأبناء عمّي ومتّى ستذهبون إلى حيث أُرسِلكم، لتعودوا في المساء. أمّا يوحنّا وبرتلماوس وسمعان وفليبّس فيبقون معي. يعني أنّهم سيذهبون إلى بيت عنيا ليُعلِنوا أنّ الرابّي قد أتى وسيتحدّث إليهم في الساعة التاسعة.»

 

يَمضون مُسرِعِين عبر الحقول الـمُجرَّدة. فهناك عاصفة، ليس في السماء الصافية، بل في القلوب. يتنبّه الجميع لذلك ويتقدّمون بصمت.

 

في الطريق التي يسلكونها مِن أريحا إلى بيت عنيا، يقع بيت لعازر بين أوائل بيوت البلدة، حيث يَصِلون. يَصرف يسوع المجموعة الذاهبة إلى أورشليم، ثمّ الأخرى التي أَرسَلَها إلى بيت لحم، وهو يقول: «اذهبوا دونما قلق. وفي منتصف الطريق، سوف تلتقون بإسحاق وإيلي والآخرين. قولوا لهم إنّني سأقيم في أورشليم بضعة أيام، وأَنتَظِرهم لأباركهم.»

 

في هذه الأثناء يَقرَع سمعان الباب الذي يُفتَح، ويُخبِر الخّدام لعازر الذي يَهرَع مسرعاً. أمّا يهوذا الاسخريوطيّ الذي كان قد ابتعد بضعة أمتار يعود إلى الخلف وهو يعتذر ليسوع بقوله: «لقد كَدَّرتُكَ يا معلّم. أدرَكتُ ذلك. سامحني.» وبينما هو يقول ذلك يختلس نَظرَة عبر الباب المفتوح مِن جهة حديقة المنـزل.

 

«نعم، جيّد، امضِ. امضِ ولا تدع رفاقكَ ينتظرون.»

 

لم يَعُد أمام يهوذا إلّا الانصراف. يُتمتِم بطرس: «كان يتمنّى لو أن تغييراً حَصَلَ في الترتيبات.»

 

«هذا لا، يا بطرس. فأنا أعرف ماذا أفعل. إنّما أنتَ فكن لطيفاً مع هذا الرجل.»

 

«سوف أحاول، ولكنّني لا أقطع وعداً... الوداع يا معلّم. هلمّ يا متّى، وأنتما الاثنان... هيّا بنا بسرعة.»

 

«سلامي معكم على الدوام.»

 

يَدخُل يسوع مع الأربعة الآخرين، وبعد تقبيل لعازر يُعَرّفه على يوحنّا وفليبّس وبرتلماوس، ثمّ يصرفهم ليبقى وحيداً مع لعازر.

 

يَذهَبون باتّجاه البيت، حيث تحت الرواق الرائع تُوجَد، هذه المرة، امرأة، إنّها مرثا. هي ليست بضخامة أختها، ولكنّها مع ذلك ضخمة. إنّها سمراء، بينما الأخرى شقراء وورديّة؛ رغم ذلك فهي شابّة وجميلة، مظهرها مُتناسِق مُتناغِم. شعرها أسود، يعلو جبهة سمراء ملساء. وعيناها تتنفّسان النعومة، سوداوان، واسعتان، مخمليّتان ومحاطتان بأهداب داكنة. أنفها معقوف قليلاً والفم قرمزيّ يتمايز على لون الخدّين الأسمر. تبتسم فتَظهَر أسناناً ناصعة البياض.

 

ثوبها الصوفيّ أزرق داكن مع شريط أحمر وأخضر داكن عند العنق وأطراف الأكمام العريضة المنتهية عند الكوعين، لِتَخرُج أكمام أخرى مِن الكتّان الناعم الأبيض، مشدودة عند الرسغ بفتيل يُكَشكِشها. وفي أعلى الصدر كذلك، عند قاعدة العنق، يَظهَر هذا القميص الصغير الناعم جدّاً والأبيض، المشدود بفتيل. حزامها وشاح أزرق وأحمر وأخضر، مِن قماش ناعم جدّاً يشدّ أعلى الردفين، ويتدلّى بِعُقدَة مُهَدَّبة، مِن الناحية اليسرى. إنّه ثوب فاخِر ومحتَشِم.

 

«لديَّ أخت يا معلّم. ها هي ذي، إنّها مرثا. هي صالحة وتقيّة. وهي عزاء وشرف العائلة وفرح لعازر المسكين. في السابق، كانت هي فرحي الأوّل والوحيد. أمّا الآن فهي فرحي الثاني، لأنّ الأوّل أَصبَحَ أنتَ.»

 

تنحني مرثا حتّى الأرض وتُقَبِّل طَرَف ثوب يسوع.

 

«السلام للأخت الرائعة والمرأة العفيفة. انهضي.»

 

تَنهَض مرثا وتَدخُل البيت مع يسوع ولعازر. ثمّ تستأذن كي تتغيّب بُغية قضاء حاجات المنـزل.

 

«هذا سلامي.» يُتَمتِم لعازر وينظر إلى يسوع نظرة خاصّة، ولكنّ يسوع لا يبدي ملاحظته لها.

 

يَسأَل لعازر: «ويونا؟»

 

«لقد مات.»

 

«مات؟ إذن...»

 

«لقد أدرَكتُهُ في آخر حياته. ولكنّه مات حرّاً وسعيداً في بيتي في الناصرة، بيننا أنا وأُمّي.»

 

«لقد أَنهَكَه دوراس تماماً قبل أن يعطيكَ إيّاه.»

 

«لقد مات مِن التعب، نعم، وكذلك مِن الضَّرب الذي تلقّاه...»

 

«إنّه شيطان ويمقتكَ. ذاك الضبع يكره العالم أجمع... ألم يقل لكَ إنّه يبغضكَ؟»

 

«قال لي ذلك.»

 

«لا تثق به يا يسوع. فهو لا يتورّع عن فعل أيّ شيء، يا ربّ... ماذا قال دوراس؟ ألم يُنفّركَ منّي؟ ألم يُظهِر لكَ لعازر المسكين وكأنّه مَجلَبَة للعار؟»

 

«أظنّكَ تعرفني كفاية لتُدرك بأنّني لا آخذ إلّا بِحُكمي أنا، وبعدل. وعندما أُحِبّ، فإنّني أُحِبّ دون الأخذ بعين الاعتبار ما إذا كان هذا الحبّ سيخدمني أو يُضرّ بي في عيون الناس.»

 

«ولكنّ هذا الرجل وحش كاسِر، عندما يَجرَح ويحاول الإيذاء... فلقد أَقَضَّ مضجعي أيضاً خلال الأيّام الماضية هذه. لقد جاء إليَّ هنا، وقال لي... آه! ما زلتُ متكدراً حتى الآن! لماذا يريد أخذكَ منّي أنتَ أيضاً؟»

 

«إنّني عزاء المتألّمين ورفيق المنبوذين. لذلك أيضاً أتيتُ إليكَ.»

 

«آه! إذن أنتَ تَعلَم؟... آه! وا خجلتاه!»

 

«لا. لماذا خَجَلَك؟ أَعرِف. وماذا؟ أأنتَ لديَّ ملعون، محروم، يتألّم؟ لا بأس، فأنا الرحمة والسلام والمسامحة والحبّ للجميع، فما بالكَ أكون بالنسبة للأبرياء؟ أنتَ لستَ مسؤولاً عن الخطيئة التي تؤلمكَ. وهل عليَّ أن أُحَمِّلكَ التَّبعة بينما أنا أُشفِق عليها؟...»

 

«هل رأيتَها؟»

 

«لقد رأيتُها. لا تَبكِ.»

 

إلّا أنّ لعازر يَسند رأسه على ذراعيه المتصالبتين على الطاولة. إنّه يبكي وينتَحِب بألم. تتقدّم مرثا وتَنظُر. يشير إليها يسوع بألّا تقول شيئاً. وتمضي مرثا ودموعها تسيل بصمت. يهدأ لعازر رويداً رويداً، ويَتَواضَع لضعفه. يُعزّيه يسوع، وبما أن صديقه يرغب بالبقاء وحيداً للحظة، يَخرُج يسوع إلى الحديقة، ويمرّ عبر أحواض الزَّهر، حيث ما تزال بعض الورود الحمراء صامدة.

 

تَلحَق به مرثا بعد قليل. «يا معلّم... هل حَدَّثَكَ لعازر؟»

 

«نعم يا مرثا.»

 

«لم يَعُد لعازر يَنعم بالسلام مذ عَرف أنّكَ تَعلَم، وأنَّكَ رأيتَها...»

 

«كيف عَرف ذلك؟»

 

«في البداية، ذاك الرجل الذي كان معكَ ويَدَّعي أنّه تلميذكَ، ذلك الرجل الفتيّ، الضخم الأسمر ودون لحية... ثمّ دوراس. وقد أساء إليكَ بالاحتقار، والآخر قال فقط إنّكَ رأيتَها على البحيرة...مع عُشّاقها...»

 

«ولكن لا تبكيا مِن أجل هذا! أتعتقدان أنّني كنتُ أَجهَل جرحكما؟ كنتُ على عِلم به مذ كنتُ لا أزال قرب الآب... لا تستسلمي يا مرثا للانهيار، بل ارفعي قلبكِ وجبهتكِ.»

 

«صَلِّ لأجلها يا معلّم. أنا أصلّي... ولكنّني لا أعرف أن أُسامِح تماماً، وقد يَردّ الأزليّ صلاتي.»

 

«حسناً قلتِ. علينا أن نُسامِح لِنُسامَح ونُستَجاب. فأنا أصلّي مِن أجلها. ولكن أعطيني مسامحتكِ ومسامحة لعازر. أنتِ، بطيبتكِ الأخويّة، تستطيعين التحدّث والنّيل أكثر منّي. إنّ جرحه لَعميق جدّاً ومتأجّج فلا يحتمل لمس يدي. أنتِ تستطيعين فعل ذلك. أعطياني تسامُحكما كاملاً، مُقَدَّساً، وأنا سوف أَعمَل...»

 

«التَّسامح... لن نتمكن مِن ذلك، فلقد ماتت أُمّنا ألماً بسبب سلوكها السيّئ، ولم تكن بعد تَفعَل سوى القليل مقارنة بسلوكها الحالي. إنّني أرى عذابات أُمّي، فهي ماثلة في روحي باستمرار. وأرى كم يتألّم لعازر.»

 

«إنّها مريضة، يا مرثا، لقد فَقَدَت صوابها. سامِحوها.»

 

«إنّ بها مَسّاً مِن الشيطان يا معلّم.»

 

«وما هو الـمَسّ الشيطانيّ إن لم يكن مَرَض الروح، وقد أَفسَدَها الشيطان وأَخرَجَها مِن طبيعتها، لدرجة أن جَعَلَ منها كائناً روحيّاً شيطانيّاً؟ وكيف يمكن تفسير بعض الانحرافات الإنسانيّة بغير ذلك؟ انحرافات تجعل الإنسان أسوأ مِن الحيوانات البريّة بشراستها، أكثر شهوانيّة مِن القرود في الفُجور، وهكذا دواليك، حتّى يجعل منه كائناً هَجيناً، حيث يمتزج الإنسان بالحيوان وبالشيطان؟ هذا ما يفسّر ما يُدهِش مِن حيث الوحشيّة، التي تتحوّل إلى ما لا تفسير له، لدى كثير مِن المخلوقات. فلا تبكي بل سامِحي. أنا أرى. ولأنّ لي رؤية تتجاوز رؤية العين والقلب، لديَّ نظرة الله، لذا أرى وأقول لكِ: سامِحيها لأنّها مريضة.»

 

«إذن، فاشفِها!»

 

«سوف أُشفيها. آمِني. سوف أمنحكِ هذا الفرح. إنّما أنتِ فسامحي، واطلبي مِن لعازر أن يُسامِح أيضاً. كذلك أحِبّيها، صادِقيها وكَلِّميها كما لو كانت مثلكِ. حَدِّثيها عنّي...»

 

«كيف تريدها أن تفهمكَ وأنتَ القدّوس؟»

 

«ستبدو وكأنّها لم تفهم، ولكن اسمي وحده هو خلاص. حاولي جَعلَها تُفكّر بي وتَلفظ اسمي. آه! إنّ الشيطان يهرب حينما يَصِل التفكير باسمي إلى أحد القلوب. ابتسمي يا مرثا لهذا الأمل. انظري إلى هذه الوردة. كان المطر في الأيّام الأخيرة قد أَتلَفَها، ولكنّ شمس اليوم، انظري، جَعَلَتها تَتَفتّح، وهي الآن أكثر جمالاً، إذ إنّ قَطَرات المطر التي ما تزال بين البَتلات، تُضفي عليها مَظهر الماس. وهذا ما سوف يحصل لبيتكم... دموع وآلام الآن، ثمّ... فرح ومجد. امضي وكلّمي لعازر عن هذا، بينما أنا أُصلّي إلى الآب، في سكون الحديقة، مِن أجل مريم، ومِن أجلكما...»

 

وهكذا ينتهي كلّ شيء.