وليد المعلم وعبارة (عمركن ماتجو)

وليد المعلم وعبارة (عمركن ماتجو)

كيف تصل هذه (الشكيلات) إلى منصب وزير؟

فاجأنا (وليد المعلم)، وزير خارجية نظام الأسد، وخلال مؤتمر صحفي عقد قبل أيام في دمشق، بعبارة (عمركن ماتجو) وذلك تعليقاً على موقف المعارضة الخارجية التي تشترط رحيل رأس النظام كشرط مسبق لحضورها مايسمى مؤتمر جنيف 2. لاأعرف كيف، ولكن عندما سمعت تلك العبارة بالذات من المؤتمر، نسيت تماماً أني أستمع لوزير خارجية، بل تخيلت نفسي أتابع مقطعاً لشخصية (حسني البورظان) أو (بدري أبو كلبشة) في مسلسل (صح النوم) الشهير، مع الاعتذار لروحي الفنانين الكبيرين اللذين أديا الشخصيتين لتشبيههما بهذا الرجل. والسؤال هنا كيف يصل رجل يتكلم بلغة الشارع لهكذا منصب؟ علماً أن (الدبلوماسية) لها لغتها الخاصة والتي يذهب الناس إلى الجامعات والمعاهد لتعلمها.

فكرت قبل البدء بكتابة هذا المقال باجراء بحث عن سيرة الرجل والشهادات التي يحملها والانجازات التي قدمها كوزير للخارجية وماقبل ذلك، ولكن سرعان ماغيرت رأي من منطلق أن ماذا تفيد تلك المعلومات والرجل هو من هو ويفعل مايفعل ويقول مايقول. وقد اعتاد نظام الأسد، من الأب إلى الابن، توظيف شخصيات من الأغلبية السنية تكون الواحدة منها بمثابة (الكركوز) بحيث ينشغل السوريون عامة والدمشقيون خاصة بتأليف النكات عن أصحابها وباشباعها سخرية وتندراً، وسوف أتطرق إلى هذا الموضوع في مقال قادم. بدأت هذه الشخصيات بالظهور مع بداية عهد الأسد الأب بشخصية وزير الدفاع (مصطفى طلاس) الذي بقي في هذا المنصب لأكثر من ثلاثين عاماً، ثم ظهر في بداية الثمانينيات رئيس الوزراء (عبد الرؤوف الكسم) الذي خيب أمل صانعي النكات باستقالته السريعة عام 1987. ولكن مالبث أن خلفه (محمود الزعبي) الذي أخذ ذلك الدور وبجدارة حتى انتحاره برصاصتين في الرأس عام 2000، ليصل بعد ذلك بست سنوات (وليد العلم) إلى وزارة الخارجية ويتربع على عرش النكتة السورية بلا منازع. هذا الرجل المترهل الذي يحلو للسوريين أيضاً تسميته (سيد قشطة) لم يخيب أملهم قط، فكان دائماً عند حسن ظنهم كلما ألقى كلمة أو عقد مؤتمراً صحفياً.

علينا أن لاننسى هنا أن منصب وزير الخارجية في نظام ديكتاتوري طائفي، مثله مثل أي منصب وزاري أو إداري آخر، هو منصب شكلي، بما فيه منصب رئيس الوزراء نفسه. أما منصب وزير الخارجية بالذات فهو ليس أكثر من (المايكروفون) الذي يستعمله رأس النظام ليخاطب به العالم الخارجي، هكذا كان (فاروق الشرع) قبله وأيضاً (عبد الحليم خدام) قبلهما. الملفت للانتباه أن الظهور العلني للرجل ومخاطبته للصحافة بعد انطلاق الثورة السورية أصبح ظهوراً مقنناً ونادراً للغاية، في حين أن منصبه يستلزم عكس ذلك. وبالرغم من المحنة التي ألمت بالبلاد على يد نظام الأسد، فان السوريين لم يفقدوا روح النكتة والتندر التي عرفوا بها، ومن نوادرهم حول (المعلم) أنه بات وزير الخارجية الشكلي للنظام، في حين أن قرينه الروسي (لافروف) بات وزير الخارجية الفعلي، وذلك لكثرة ظهور الأخير وتفاعله مع الأحداث وتعليقه عليها بعكس (المعلم).

ولكن وبالرغم من ظهوره المقنن في الفترة الأخيرة، فالرجل بقي عند حسن ظن الناس به، وهو يعتبر من أفضل من استعملهم النظام ليكونوا (مضحكة) للآخرين وللاعلام العربي والدولي. فرأيناه كيف خرج مؤخراً في أحد المؤتمرات و(محى) أو (ابتلع) القارة الأوربية بأكملها من خريطة العالم لأنها لاتؤيد المجازر التي يرتكبها رئيسه ضد الشعب. كما تبجح مرة وأعلن عن امتلاكه لفيلم فيديو يثبت اشتراك (ارهابيين) أجانب في القتال ضد النظام، ليتضح بعد دقائق من العرض أن الفيديو الذي زودته به المخابرات السورية كان لأعمال قتالية جرت في لبنان منذ عدة سنوات ولاعلاقة لها بسورية لامن قريب ولامن بعيد. وقد عادت عليه هذه المداخلات وغيرها بموجة من النكات والنوادر لاتزال مستمرة حتى اليوم، يضاف إليها تلك التي تدور حول سيناريوهات وطرق تأمين (انشقاقه) في حال قرر ذلك، كأن يتم دفعة واحدة أو على دفعات، أو حول استعداده للانشقاق في حال ضمان طبخة (كوسا محشي) له اسبوعياً وغير هذا.

في الواقع، فان نظام الأسد لايهتم كثيراً بشخصيات وزرائه ومسؤوليه ولابكفائاتهم ومهاراتهم بقدر مايهتم بولائهم المطلق له. السبب في ذلك أنه يعرف مكانته لدى النظام الدولي ودوره الهام الذي يلعبه في حماية إسرائيل وإبقاء الجولان المحتل معها، وهو الدور الذي لايستغنى الغرب ولاالشرق عنه. فعصابة المافيا حين تضم أعضاءاً جدداً إليها، لاتهتم بكفائاتهم العلمية ولابمهاراتهم السياسية، بل بقدرتهم على القتل والترهيب والبلطجة. وما لاأفهمه في هذا السياق كيف يرضى أشخاص يكونون من عائلات عريقة وعلى قدر من العلم والمعرفة ويحملون شهادات عالية حقيقية وليست مزورة، كيف يضحون بكل هذا لخدمة نظام سفاح لم يعرف تاريخ البشرية المعاصر له أي مثيل.

لاشك أن منصب وزير الخارجية يختلف عن غيره من المناصب، ولهذا يطلق على صاحبه لقب سيد (الدبلوماسية) في بلده. وإذا حاولنا أن نجد (وليد المعلم) في هذه الكلمة بالذات، فلن يكون ذلك ممكناً إلا إذا قطعناها إلى جزئين، (دب) (لوماسية)، فحينها سيصبح من السهولة بمكان إيجاد موقعه فيها.

***

بقلم: طريف يوسف آغا

كاتب وشاعر عربي سوري مغترب

عضو رابطة كتاب الثورة السورية

الاثنين 14 رمضان المبارك 1434، 22 تموز 2013

هيوستن / تكساس

http://sites.google.com/site/tarifspoetry