هـويدا عـراف وفـن صناعـة التاريخ

هـويدا عـراف وفـن صناعة التاريخ

الناشـطة الفلسـطينية التي تحدت حصار غـزة

المكان: المركز الثقافي العربي الأمريكي في هيوسـتن

الزمان: السـاعة السـادسـة من مسـاء الأحد 27 شـباط/ فيبراير 2011

الموضوع: المقاومة الفلسـطينية بالوسـائل السـلمية

المضيف: منظمة فلسـطينيون من أجل السـلام والديمقراطية

الضيفة: هويدا عراف

المهنة: صناعة التاريخ

وصلتني هذه المعلومات بواسـطة البريد الالكتروني، ماعدا مهنة الضيفة والتي اسـتنتجتها بنفسـي بعد اسـتماعي لها وحديثي معها. فهذه السـيدة الفلسـطينية الشـابة المولودة في أمريكا لأبوين فلسـطينيين وخريجة جامعتي ميشـيغان وواشـنطن، لبت دعوة الحضور إلى هيوسـتن لتتحدث للجالية العربية عن تجربتها الفريدة في مجال مقاومة السـياسـة العدوانية للإحتلال الإسـرائيلي بالوسـائل السـلمية والتي رأيت أن أدعوها بمهنة فن صناعة التاريخ. فهي تمثل نموذجا لجيل الشـباب العربي المعاصر الرافض للظلم الإجتماعي والسـياسـي بكافة أشـكاله، والذي اتخذ قراره بتغيير هذا الظلم على أرض الواقع ورسـم ملامح مسـتقبله بنفسـه ومن دون وصاية.

هناك الكثير ليكتب عن هويدا عراف لسـت بصدده هنا في هذا المقال، فبامكان المهتمين بذلك الإسـتعانة بغوغل الذي بالتأكيد لديه عنها أكثر بكثير مما لدي. وبالتالي سـأكتفي بتقديمها هنا بأنها من المحضرين والمنفذين لكافة المحاولات السـلمية التي تمت لكسـر الحصار الإسـرائيلي على غـزة من جهة البحر خلال السـنوات القليلة الماضية. أما هدفي الرئيسـي من مقالي هذا فهو الإشـارة إلى موضوعين لهما صلة بها ولاأعتقد بأن لدى غوغل أي معرفة بهما.

الموضوع الأول

وهو يتعلق بها شـخصيا وبصورة مباشـرة، وكنت قد طرحته أمامها أثناء العشـاء الذي أقامته الجهة المضيفة تكريما لها وحضره العديد من مثقفي ووجوه الجالية الفلسـطينية والعربية في هيوسـتن. ويتلخص بوجوه التشـابه في البدايات الموجودة بينها وبين سـيدة كانت قد وصلت أثناء حياتها إلى منصب رئيسـة وزراء بلادها.

ويمكن تلخيص وجوه التشـابه هذه بأن كل واحدة منهما ليست من أصل أمريكي ولكن هاجرت أسـرتها إلى الولايات المتحدة هربا من الظلم. أمضت كل منهما سـنوات شـبابها هنا حيث درسـت وتخرجت في المدارس والجامعات المحلية، ثم تزوجت من مواطن أمريكي وعاشـت حياة سـهلة ومرفهة إلى أن اتى ذلك اليوم، فاكتشـفت وقررت كل واحدة منهما أن مكانها ليس هنا، بل هناك حيث قومها بحاجتها. فتخلت عن كل شـيئ ورحلت لتكون معهم تسـاعدهم على تحقيق غاياتهم وتدافع عنهم محليا ودوليا. غادرت السـيدتان المعنيتان نفس البلد: أمريكا، وإن كان بفارق زمني يقارب القرن، وقصدتا نفس الجهة: فلسـطين. ولكن من سـخرية القدر هنا أن كل واحدة منهما تقف على الجهة المعاكسـة من مسـألة الصراع العربي الإسـرائيلي، فالأولى هي ضيفتنا ذلك المسـاء هويدا عراف، التي عادت إلى وطن أهلها فلسـطين قبل عدة سـنوات، أما الثانية فما هي سـوى رئيسـة وزراء إسـرائيل الراحلة غولدا مايير.

من جهتي، ومن مبدأ (اعرف عدوك) فقد شـاهدت منذ فترة قصيرة فيلما شـبه وثائقي عن نشـأة وحياة غولدا مايير. لماذا وكيف قررت مغادرة أمريكا، مع زوجها، متجهة إلى فلسـطين عام 1921 لتعيش حياة صعبة وقاسـية في واحدة من الكيبوتسـات، وهو الإسـم الذي تطلقه إسـرائيل على المزارع التعاونية. ثم كيف كان عملها مزيجا من تقشـير البطاطا إلى العناية بالدواجن مرورا بغسـيل الثياب والأطباق، حتى أن زوجها سـرعان ماضاق بهذا الجو وقفل عائدا إلى أمريكا بعد أن رفضت العودة معه قائلة: إن لم نضحي برفاهيتنا في هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا، فإن شـعبنا لن يكون له مسـتقبل ليسـتمتع برفاهيته!

أنا هنا لاأشـكك ولاللحظة واحدة، بل ولاأتردد بتحميلها المسـؤلية عن الكثير من الفظائع التي ارتكبت بحق الشـعب الفلسـطيني خصوصا وشـعوب دول المواجهة عموما. ولكني وفي نفس الوقت لايمكنني إلا أن أقدر لها مجرد تركها لرفاهية الحياة في أمريكا وانتقالها إلى مسـرح الأحداث في فلسـطين معرضة حياتها للخطر، لالشـئ سـوى لخدمة شـعبها والقضية التي آمنت بها. فهي لم تقل مثلا: من أنا حتى أقوم بذلك؟ وماذا أسـتطيع أن أفعل بمفردي؟ وهل حقا من المفيد أن أضحي بكل مالدي؟ وقد زاد تقديري لها أنها وبعد حرب تشـرين/ أوكتوبر عام 1973 وافقت على تحمل المسـؤلية الكاملة لنتائج هذه الحرب على شـعبها وخاصة إنسـحابهم من قناة السـويس، فقدمت إسـتقالة حكومتها ولم تعد إلى الحياة السـياسـية بعد ذلك، وهي من كان شـعبها يلقبها (بأم دولة إسـرائيل).

عاد هذا الشـريط الوثائقي إلى ذهني وأنا أسـتمع إلى هويدا عراف على مائدة العشـاء، فلم أسـتطع إلا أن أقف وأقول للحضور بأن مافعلته هويدا ليـس بالسـهل أو العادي، بل هو تصرف لايصدر إلا من أشـخاص قدر لهم أن يصنعوا التاريخ، لا أن يكتفوا بمقعد المتفرج أو المراقب. وأضفت بأني، وبخيال الشـاعر الذي لايعرف حدودا، لن أسـتغرب فيما إذا رأيتها في المسـتقبل وقد أصبحت رئيسـة وزراء فلسـطين الحرة. فإن حدث هذا، فسـيكون المنصب قد ذهب أخيرا إلى شـخص ذي تاريخ معروف تشـهد عليه زوارق فك الحصار عن إخوانه في غزة، وكذلك وقوفه أمام بنادق الاحتلال لحماية أبناء شـعبه من القتل وليـس العكـس.

الموضوع الثاني

وقد أتى على شـكل فكرة عرضتها على هويدا كونها أحد مؤسـسـي حركتين تعنيا بحقوق الإنسـان: التضامن العالمية وغـزة الحرة. فقلت لها بأني، وبخيال الشـاعر مرة ثانية، أتمنى أن أرى السـيناريو الذي جرى في تونـس ومصر ينتقل إلى فلسـطين ومناطق 1948 بالتحديد. فعرب هذه المناطق، وهم من يُدعَون بالإسـرائيليين العرب، ومع مؤيديهم من حركة "السـلام الآن" الإسـرائيلية وغيرها، سـيخرجون إلى شـوارع كل المدن وبالملايين، مطالبين باسـتعادة ممتلكاتهم التي تم اغتصابها قبل وبعد إعلان دولة إسـرائيل. وسـيرفعون عاليا الوثائق الأصلية التي تثبت ملكيتهم لهذه الممتلكات مع مفاتيح البيوت التي مازال الكثير منهم يحتفظ بها بالرغم من فقدانهم للأراضي والبيوت نفسـها.

تخيل معي هذا المشـهد: ملايين الناس تسـير بصورة سـلمية وتعلن العصيان المدني والإضراب العام، مطالبة بأملاكها التي اغتصبتها سـلطات الإحتلال وحقوقها التي هدرتها سـياسـته العنصرية على مدى أكثر من سـتين عاما.

أرجو أن يوافقني الجميع بأنه سـيكون مشـهدا جديرا بالمشـاهدة، على الأقل لنرى الفرق بالتعامل مع ملايين المتظاهرين بين أنظمة لاتخفي ديكتاتوريتها مثل الأنظمة التونسـية والمصرية والليبية وغيرها، وبين نظام يتباهى بالديمقراطية والحرية مثل إسـرائيل. إذا حصل هذا على الأرض، ولاأعتقد بأنه مسـتبعد بعد ماجرى ويجري في العالم العربي، فإن ذلك لن يكون السـبب في خلق أزمة لإسـرائيل. فإسـرائيل وضعت نفسـها في أزمة منذ أعلنت عن قيامها عام 1948 على حسـاب تشـريد الشـعب الفلسـطيني وتجاهل وجوده وحقوقه المشـروعة. وهي كانت بذلك قد وضعت نفسـها في نفـس الصف مع بقية الأنظمة العربية التي اعتقدت وماتزال بأن ثلاثي "القوة والقهر والتجاهل" قادر على فرض "الأمر الواقع" وعلى خلق "شـرعية" لاتملكها بالأصل.

ولكن وكما صحت الأنظمة العربية مؤخرا لتكتشـف خطأ اعتقادها هذا، فلن تكون إسـرائيل بأوفر حظ منها، ولاأرى بدا من أنها سـتصحو هي أيضا في يوم قريب لتكتشـف نفـس الخطأ. خاصة عندما يبدأ معارضوها ومتحدوها بالقدوم، ليـس فقط بالعشـرات ومن جهة سـاحل غزة كما هو الحال الآن، ولكن أيضا بالملايين ومن كافة المدن الفلسـطينية. وعندما تعرف أن معارضيها ليسـوا أجانبا أو إرهابيين، بل يحملون الهوية الإسـرائيلية. وأنهم لايريدون أن يدمروها أو يلقوا بأهلها في البحر ولاحتى أن يرموهم بالحجارة، بل ربما سـيقدمون لهم الورود وربما أيضا عانقوهم ونادوهم باخواننا وأبناء عمومنا. ولكن وبعد انتهاء هذه البروتوكولات والمراسـيم الحميمة والعائلية، فسـيقولون لهم: بالمناسـبة فنحن نريد حقوقنا وبيوتنا وأراضينا؟

حين يأتي ذلك اليوم، سـأبحث عن وجه هويدا عراف بين بقية أمثالها من الشـباب العربي الذي يصنع التاريخ هذه الأيام.

***

بقـلم: طـريف يوسـف آغـا

كـاتب وشـاعـر مهجـري

هيوسـتن / تكساس

28 ربيع الأول 1432/ 3 آذار 2011

http://sites.google.com/site/tarifspoetry