كيف تحولت حفلة عاصي الحلاني في هيوستن إلى حفلة مصارعة

كيف تحولت حفلة عاصي الحلاني

في هيوستن إلى حفلة مصارعة

حين توجهنا إلى المظاهرة السلمية التي دعت إليها منظمة تكساس من أجل سورية الحرة في هيوستن مساء الجمعة 28 أوكتوبر 2011، لم نكن نتوقع ماحدث فيها أن يحدث فعلاً.

كانت الدعوة لاقامة هذه المظاهرة أمام كافيه بيبلوس قد جرت بسبب استضافة الأخيرة للمطرب عاصي الحلاني الذي توجه إلى العاصمة السورية قبل عدة أشهر وغنى فيها لرئيس النظام معلناً تأييده له ضد ثورة الشعب السوري البطل من أجل الحرية والكرامة. ولهذا فقد رأينا نحن، كأفراد من الجالية السورية في هيوستن، أن مطرباً كهذا لايمكن أن يكون مرحباً به في مدينتنا وهو الذي استهتر بدماء الشهداء من أطفال ونساء وشيوخ، وتجاهل وحشية النظام اتجاه شعبنا الأعزل. وهي الوحشية التي أثارت العالم كله من أقصاه إلى أقصاه، حتى أن أقرب حلفائه انقلبوا ضده، ومن لم يفعل بعد، فهو في طريقه إلى ذلك. ولهذا رأينا أن لانسمح لمدينتنا هيوستن أن تكون هدفاً لأمثال عاصي الحلاني ومن أتى به بعد أن وقف مع سفاكي الدماء البريئة دون أن نقول له ولهم رأينا بهم.

بدأت المظاهرة في الثامنة والنصف مساءً، وكنت مع أسرتي أول من وصل إلى المكان. ولكن لم تمض دقائق حتى تجمع مايقرب من الستين متظاهراً من الجنسين ومن كافة الأعمار على رصيف كافيه بيبلوس ورفعنا أعلام الاستقلال السورية وكذلك صوراً لعاصي الحلاني محاطاً بصور القتلى الأطفال من شهداء الثورة. كانت ترافقنا شرطية بملابس مدنية مهمتها حماية المتظاهرين من جهة والتأكد من عدم خرقهم للقانون من جهة ثانية. كما كان القائمون على الحفل الغنائي قد أحضروا أيضاً دورية من الشرطة مهمتها حماية أمنهم والعمل على عدم تعرض المتظاهرين لهم ولمطربهم وزبائنهم. جرت الأمور في البداية على مايرام، ومارسنا حقنا المشروع بالتظاهر السلمي وترديد الأغاني التي تسخر من النظام ومطربه وكذلك الشتائم التي تعبر عن غضبنا من الطرفين، وأيضاً الأناشيد المؤيدة للثورة والممجدة لمدنها والمخلدة لشهدائها، في حين اكتفت عناصر الأمن المرافقة للطرفين بالمراقبة.

بعد الساعة التاسعة بقليل، فوجئنا باقتراب أربعة شبان من المظاهرة، اتفقنا فيما بعد على تسميتهم شبيحة عاصي الحلاني (إسوة بشبيحة النظام السوري) أتوا من جهة المدخل الرئيسي لكافيه بيبلوس وأخذوا ينظرون إلينا بنظرات عدائية. كانوا يحملون في أيديهم هواتفهم النقالة وقاموا بتصويرنا بشكل علني واستفزازي، ثم بدؤا بتوجيه الكلام مباشرة لأفراد من المظاهرة الذين كانوا يرددون الشتائم للمطرب (وهي شتائم كانت تصفه باسم أحد الحيوانات التي تستعمل للحراسة) ليبدؤا بعد ذلك بتوجيه نفس الشتائم لأفراد المظاهرة، في محاولة واضحة لاستفزازهم وجرهم لمعركة. وهنا كانوا قد اقتربوا كثيراً منا حتى باتوا على بعد خطوات، وشعرت من جهتي بأن اشتباكاً بالأيدي على وشك أن يبدأ، فبدأت بتفقد الأولاد لإرسالهم إلى الصفوف الخلفية. كنت مازلت أسمع الشتائم بين الطرفين مستمرة، ولكن حين التفت مرة ثانية، كانت المعركة بالأيدي قد بدأت بالفعل. كان لظلام الليل أثراً في حجب الكثير من تفاصيل المشهد، كما كان لسرعة تلاحق الأحداث وأيضاً للعدد الغفير من المتظاهرين المتجمعين في مساحة ضيقة دوراً في جعل معرفة كيفية حصول الاشتباك بين الطرفين صعبة التحديد. ولكن يمكن القول أن المشهد كان يرقى وبامتياز لاعتباره حفلة مصارعة حرة جماعية. فهنا أشخاص ملقون على الأرض، وهناك أشخاص يوجهون اللكمات وأشخاص يتلقونها، كما وكان هناك من يحاول تفريق الأطراف المشتبكة. ولاأعرف كيف انتابنا، وإن للحظات، شعور بأننا نتظاهر في أحد أحياء درعا أو حمص أو حماة، وأننا في مواجهة شبيحة النظام الأمني القمعي السوري الذي لايجيد سوى لغة التهديد والارهاب والعنف. كما وذكرنا تصويرهم للمتظاهرين بممارسات السفارة السورية في واشنطن من تصوير للمتظاهرين هناك وتهديدهم بارسال الأشرطة إلى سورية إذا لم يتوقفوا عن التظاهر.

ولم تلبث أن تدخلت الشرطة التي حضرت لحماية الحفل وفرقت المتظاهرين، ثم اقتادت الشبيحة إلى مسافة من المظاهرة للتحقيق معهم، في حين كان وجه أحدهم يدل على أنه الأكثر حظاً بتلقي اللكمات. ولم تمر دقائق حتى أصبح المكان مسرحاً لسيارات الشرطة التي تدفقت عليه بالعشرات حتى ظننا بأن كل شرطة هيوستن قد انتقلت إلى موقع كافيه بيبلوس، كما ووصلت أيضاً حافلة من قسم الاطفاء وواحدة تابعة لاحدى وكالات الاعلام المحلية وباشرت بالتصوير.

كان لهذا الحادث أثراً عكسياً على المتظاهرين، فبدلاً من إرهابهم وجعلهم يذهبون إلى بيوتهم كما تمنى القائمون على الحفل، فقد تأججت مشاعرهم وارتفعت أصواتهم أعلى وأكثر بشتيمة عاصي الحلاني والنظام السوري من جهة، وبالتأييد للثورة السورية من جهة ثانية. وكما وقعت الأنظمة العربية التي قامت فيها الثورات بخطأ فادح حين استهانت بالمتظاهرين وتجاهلت مطالبهم ثم استفزتهم ولجئت للعنف ضدهم، فحصل لها ماحصل، وهكذا وقع القائمون على هذه الحفلة في نفس الخطأ وتسببوا في تحويلها إلى حفلة ملاكمة ومصارعة حرة وتبادل للشتائم وتدخل للأمن والله أعلم كيف ستتطور وأين ومتى ستنتهي؟ ماأعرفه بالتأكيد أن هذه المظاهرة السلمية كان مقدراً لها أن تبدأ في الثامنة والنصف وتنتهي في العاشرة حيث كان كل واحد سيذهب إلى بيته بسلام. ولكن تدخل الشبيحة تسبب، إلى جانب ماذكرته سابقاً، باستمرار المظاهرة حتى مايقارب منتصف الليل.

في الخاتمة، فلا أشك أن هذه المظاهرة ومارافقها من أحداث وما سيلحق بها من تداعيات، ستكون بمثابة رسالة قوية لكل الفنانين الموالين للنظام قاتل الاطفال والنساء من شعبه. وأيضاً رسالة لمن أحضرهم وسيحضر أمثالهم في المستقبل إلى هيوستن ليثرى على حساب دماء الشهداء. فالحفلة الغنائية انتهت بحفلة مصارعة حرة، والساحة المخصصة لصف سيارات الزبائن تحولت إلى ساحة لسيارات الشرطة، والمطرب الذي جاء ليغني معتمداً على شهرة اسمه، خرج من هيوستن باسم جديد. عاشت الأسامي وكل حفلة وأنتم بخير.

***

بقلم: طريف يوسف آغا

كاتب وشاعر عربي سوري مغترب وأحد المشاركين في المظاهرة

هيوستن، تكساس

2 كانون الثاني، جانيوري 2012