ثورات الربيع العربي بين حقيقة الشعب وخيال المؤامرة

ثورات الربيع العربي

بين حقيقة الشعب وخيال المؤامرة

كثيراً ماسمعنا أصواتاً تتهم ثورات الربيع العربي من أولها إلى آخرها بأنها مجرد مؤامرات الهدف منها نشر الفوضى في دولنا وتقسيمها لتصل إلى ضعف أو أضعاف العدد الحالي، كما حصل في السودان وقبله في العراق والصومال. وتعود هذه الأصوات لتثني على الأنظمة العربية المستبدة وتعطيها الفضل في منع التقسيم الذي سينتج عن تلك الثورات حسب رأيها، دون أن تنسى توجيه بعض اللوم والنقد الخجول (لبعض الأخطاء الفردية) التي ارتكبتها تلك الأنظمة على مدى العقود السابقة ووجوب (إجراء إصلاحات) لارضاء شعوبها. سأخصص هذا المقال للرد على هذه الأصوات، حيث كنت في المقالين السابقين قد تطرقت لنظرية المؤامرة وأبديت وجهة نظري منها وسأتابع من حيث توقفت.

فهذه الأنظمة التي مازالت تجد من ينخدع بها ويدافع عنها، هي نفسها أدوات المؤامرة التي حيكت ضد بلادنا. وإذا أخذنا النظام السوري كمثال عن بقية الأنظمة العربية الديكتاتورية، باعتباره أسوأها، فهو نظام يكفيه جريمة الجولان المحتل لاتهامه بالمؤامرة وتثبيتها عليه، مع وجود الكثير من الجرائم الاُخرى التي يمكن اتهامه بها وبسهولة. فجرم الجولان المحتل كاف على المستوى القانوني والوطني والأخلاقي، ليس فقط لتبرير إزاحته عن الحكم، ولكن أيضاً لتقديمه إلى المحاكمة بتهمة الخيانة العظمى. وهذا عادة مايحصل في الحالات المشابهة في الدول التي تحترم نفسها في حال رفض النظام الاعتراف بتقصيره والتنحي عن السلطة من تلقاء نفسه. والذي يثبت أن ماحصل كان مؤامرة بامتياز فهو أن الغرب، وحتماً بضوء أخضر إسرائيلي، قام بمكافئته لتخليه عن الجولان فأهداه بلداً عربياً مجاوراً، وهو لبنان، كجائزة ترضية، وتركه يعبث فيه لثلاثين عاماً كما يشاء. ولم يتم استرجاعه منه إلا لأنه خالف الشروط الموضوعة له والتي ظن أنه ماعاد مجبراً على التقيد بها (هل يذكركم هذا بما حصل لصدام حسين بعد أن دخل إلى الكويت؟).

وبالعودة من الخصوصية السورية إلى العمومية العربية، فأصحاب الأصوات التي تتهم كافة ثورات الربيع العربي بأنها مؤامرات، كانت قد تجاهلت، كما تجاهلت الأنظمة المجرمة، وجود عامل هام في المعادلة اسمه الشعوب. فقد ظنت تلك الأنظمة أنها وبعد عقود من سحل وجلد وتقتيل وتهجير وتهميش تلك الشعوب، فقد جعلتها تختفي من الوجود ولم يعد لها أي دور أو كلمة، وكذلك ظنت الأصوات المؤيدة للأنظمة من مبدأ أن (من لاتسمعه ولاتراه فهو غير موجود). ولهذا فحين اشتعلت تلك الثورات من ألسنة النار التي التهمت جسد محمد البوعزيزي في تونس، اندهشت الأنظمة ومعها المؤيدين لها، ورفضت الاقرار بأن هذه الثورات إنما من فعل الشعوب. فالشعوب كما قلنا كانت بالنسبة لها لم تعد موجودة ومجرد خيال. ولهذا رأيناها تسارع بتقديم نظريات المؤامرة الواحدة تلو الاُخرى لتفسير تلك الثورات والتنصل من المسؤولية عنها. رأيناها تتنقل بين نظريات المؤامرة الصهيوأمريكية إلى الأوربية، مروراً بالسلفية (القاعدة) والتركية والخليجية والايرانية، وإعطائها أسماء كالدول السبعة والغاز والشرق الأوسط الجديد. حتى أن بعضهم تفتق خياله عن مؤامرة كونية تضم كافة تلك المؤامرات تحت جناحها. فهم صدقوا كل شئ وتحججوا بكل شئ ولكنهم رفضوا أن يصدقوا أو يروا حقيقة الملايين من الشعب التي نزلت إلى الشوارع والساحات تنادي بالحرية والكرامة ورفع الظلم والتنكيل والسرقة والاقصاء.

أريد أن أختم هذا المقال بمثالين من التاريخ الحديث يدلان على أن الشعب يعرف تماماً من صديقه ومن عدوه، وليس بحاجة لتثقيف أو توجيه من أحد في هذا المجال. فحين تآمرت فرنسا وبريطانيا واسرائيل وقاموا بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956، التف الشعب المصري بكافة أطيافه مع بقية الشعوب العربية للدفاع عن مصر وقناتها المؤممة وأيضاً عن حاكمها الذي أصدر قرار التأميم. فجمال عبد الناصر، وبعد أربع سنوات على ظهوره على الساحة السياسية، كان مايزال في ذلك الوقت الحاكم الذي رأت فيه تلك الشعوب أملها بالتحرر، وإن كان قد فقد هذه الصورة فيما بعد حين انضم نظامه إلى نادي أنظمة المخابرات والقمع. أما المثال الثاني الذي أورده هنا كنقيض للأول، فهو عندما غزت الجيوش النازية الاتحاد السوفيتي إبان الحرب العالمية الثانية، حيث فوجئ العالم بأسره بتعاون شرائح واسعة من الشعوب السوفيتية مع جيوش الاحتلال،لا بل وترحيبها بها. وهي لم تفعل ذلك محبة بهتلر وجيوشه، ولكن كرهاً بزعيمها جوزيف ستالين الذي كان قد أمعن في ظلمها وجلدها والتنكيل بها، فاستغلت أول فرصة سنحت لها للتخلص منه ومن إجرامه.

من هذا المثال الأخير يبدو، وكما أن (الجوع كافر)، فان (الظلم كافر) أيضاً، ومن يقع في أي منهما لايعود يُلام على الكثير من أفعاله. ويبدو أيضاً أن رأس الديكتاتور السفاح ونظامه الأمني في هذه الحالات يكون الهدف الأول للشعوب وبغض النظر عن الثمن، وأعتقد أن هذه العبارة ترد على من استهجن طريقة (انتهاك انسانية) القذافي حين أوقعه القدر في يد ضحاياه.

***

بقلم: طريف يوسف آغا

كاتب وشاعر عربي سوري مغترب

الاثنين 15 صفر 1433، 9 كانون الثاني، جانيوري 2012

هيوستن / تكساس

http://sites.google.com/site/tarifspoetry