لماذا تنازل (حزب الله اللبناني) عن لقبه؟

لماذا تنازل (حزب الله اللبناني) عن لقبه؟

قبل عدة أشهر فقط، كان (حزب الله اللبناني) مايزال يحمل لقب البطولة العربية في (المقاومة والكفاح المسلح) ضد العدو الإسرائيلي.

فعملياته النوعية التي قام بها على مدى سنوات احتلال إسرائيل للجنوب (1982) والتي توجت باجبارها على الانسحاب منه تحت جنح الظلام يوم 24 أيار، مايس عام 2000 بعد ثمانية عشر عاماً من احتلالها له، ثم مجابهتة الشجاعة مع رئيسه الشيخ حسن نصرالله لعدوان تموز، يوليو عام 2006، كل ذلك أدخله إلى قلوب الملايين العربية من المحيط إلى الخليج وجعله بلا منازع بطل العرب على مدى الثلاثة العقود الماضية. وحقيقة كون الحزب شيعياً صرفاً، فذلك لم يمنع ملايين المسلمين السنة من اعتباره أيضاً بطلهم ومدعاة فخرهم. حتى أن بعض أصدقائي المسيحيين العرب هنا في هيوستن أبدوا نفس المشاعر للحزب ورئيسه، وهذا إن كان يدل على شئ فعلى أن العرب وبكافة طوائفهم ومعتقداتهم كانوا بانتظار بطل يعيد إليهم الكرامة التي سرقت إسرائيل جزءاً منها على مدى عقود، في حين تولت أنظمتهم الديكتاتورية الدموية الفاسدة سرقة الباقي. وأنا هنا وللأمانة التاريخية، فلا أستطيع أن أنكر الدور المعلن الذي لعبه النظام الحاكم في سورية، وبغض النظر عن أهدافه الغير معلنة، في دعم الحزب المذكور والذي أدى في نهاية المطاف إلى تحرير الجنوب اللبناني. وهو يشبه إلى حد كبير الدعم الذي قدمه النظام السوري نفسه إلى (منظمة حماس الفلسطينية) والتي تمكنت بدورها من إخراج الإسرائيليين من قطاع غزة بعد أكثر من ثلاثة وعشرين عاماً من الاحتلال.

كل هذا بات اليوم في ذمة التاريخ وهو الذي سيقول فيه كلمته الأخيرة فيما بعد، وأنا هنا إنما أشير إلى مانعرف من ظواهر الأمور وأترك بواطنها لمن يعلمها. أما بالنسبة لفضل النظام الحاكم في سورية على منجزات (حزب الله اللبناني) و(منظمة حماس الفلسطينية) فهذا لايبرر له، ولايبرر لأي نظام في العالم، أن يتعامل مع شعبه بالطريقة والوسائل التي كلنا نعرفها. فقيام نظام بعمل إيجابي يشهد له، لايعطيه الحق في أن يعطل القانون المدني ويستمر بتطبيق قانون الطوارئ ليعتقل ويعذب ويعدم كما يشاء، ويسرق وينهب ويحتكر كما يشاء، ويُزَور ويستبد ويستفرد بالحكم كما يشاء. وإلا فإن عمله، أو بعض أعماله الايجابية، ستفهم على أنها مجرد ذر للرماد في العيون ليتسنى له استعمالها والاختباء خلفها كلما علت الأصوات التي تعارضه أو تشتكي منه.

وهذا ينطبق أيضاً على (حزب الله اللبناني) أيضاً، فقد كانت لديه الفرصة للاحتفاظ بلقب (بطل المقاومة العربية) لو أنه اختار أن لاينحاز إلى جانب النظام الحاكم في سورية حين وصلت رياح الربيع العربي إليه. وقد أدان الحزب نفسه بلسانه وناقض نفسه بنفسه حين اعترف بالثورات التونسية والمصرية والليبية كثورات مشروعة لشعوب ضد حكامها الطغاة. فاعترافه هذا هو اعتراف ضمني بشرعية الثورة السورية، ذلك أن كافة هؤلاء الحكام هم من نفس الطينة من حيث أنهم كلهم استولوا على السلطة بشكل أو بآخر، وأن كافة أنظمتهم ينخر فيها الفساد من رأسها إلى أخمص قدميها، وأنهم جميعاً يضعون رجالاتهم فوق محاسبة القانون، في حين أن كافة تلك الشعوب تعاني من الفقر والقهر والتنكيل والتهميش، فلماذا تكون كل تلك الثورات مشروعة إلا السورية منها؟ حتى أن النظام الحاكم لذلك البلد يعاني من عقدة لاتعاني منها بقية الأنظمة التي سقطت على الرغم من سيئاتها، وهي أن ذلك النظام لديه أرضاً محتلة منذ مايقرب من النصف قرن وهو مايزال غير قادر على استرجاعها حرباً أو سلماً، وغير مستعد للتنازل عن الحكم لغيره ليقوم بذلك.

فاذا أخذنا كل هذا بعين الاعتبار، فلا أستطيع أن أفهم كيف ولماذا يتنازل (حزب الله اللبناني) عن لقبه الذي حصل عليه بعرق جبينه ودماء شهدائه لإنكار ماهو واضح كعين الشمس؟ ولاأعرف كيف نظر إلى الأحداث وكيف قرأ التاريخ، فوجد وبعد سقوط ثلاثة أنظمة، والرابع اليمني المترنح على وشك الانهيار في أي وقت، كيف استنتج أن النظام الحاكم في سورية هو وحده من سيتمكن من النجاة من هذا الطوفان الذي يجتاح تلك المنطقة والذي سيغمر حسب مايبدو المزيد من دول العالم في المستقبل القريب؟ فكان الأحرى بهذا الحزب أن يتعلم من (منظمة حماس الفلسطينية) بأن يتبع أضعف الايمان ويقف على الحياد من الثورة السورية. ذلك أن (حماس) قررت الصمت كي لاتكون ناكرة للجميل من جهة، ولكن في نفس الوقت كي لاتكون إلى جانب الظلم ضد الحق وفي جانب النظام ضد الشعب، فهي يبدو أنها قد قرأت التاريخ وتعرف أن الشعوب تبقى في حين أن الأنظمة وحكامها إلى زوال.

من جهتي فلاأعتقد أن الحزب اللبناني ممثلاً برئيسه لم يقرأ التاريخ ولايعرفان لمن النصرة في النهاية. وهذا يؤدي بنا إلى أحد تفسيرين للاجابة على السؤال الذي أتى في عنوان المقال.

التفسير الأول هو أن رئيس الحزب (مسيرٌ وليس مخير)، وبالتالي فهو مجبر على السير في هذا الاتجاه تحت طائلة (العقوبة)

أما التفسير الثاني فهو أنه يقامر بمستقبل حزبه معتمداً على معجزة إلهية تأتي في نهاية الأمر لتنقذ النظام السوري وتعيد للحزب اللقب الذي رهنه بحصول تلك المعجزة.

أنا شخصياً لا أعرف بالتحديد أي من التفسرين هو الصائب؟ ولكني أعرف أن زمن المعجزات قد ولى، وأن الصانع الوحيد للمعجزات هذه الأيام هو الشعب. ومن ميزات الشعب الجريح حين ينتصر في ثورته أنه ينتقم من جلاديه ولا يسامح من وقف معهم.

***

بقلم: طريف يوسف آغا

كاتب وشاعر عربي سوري مغترب

هيوستن / تكساس

الاثنين 10 محرم 1433 / 5 كانون الأول، ديسيمبر 2011

http://sites.google.com/site/tarifspoetry