غادة هويتها عربية

يرجى الضغط هنا للتعليق على القصيدة

كتبت هذه القصيدة خلال الأيام الأولى من وصولي إلى أمريكا عن طريق نيويورك 1987 وتنقلي بين ثلاثة مدن من الشرق إلى الشمال لأنتهي في الجنوب (من سكينيكتدي إلى ديترويت إلى هيوستن)

خلال فترة لم تتجاوز الإسبوعين. كانت مشاعري حينها خليطا من الفرح والحزن في وقت واحد. الفرح بالوصول إلى حيث يفترض أن تتوفر فرص عمل وظروف حياة أفضل، والحزن على مغادرة

الأهل والمدينة والوطن اللذين أمضيت معهم سنوات الطفولة والشباب. فأتت هذه القصيدة التي كتبت من تلك المدن المذكورة لتخاطب مدينة دمشق بشكل خاص وكأنها فتاة إضطر حبيبها لتركها والسفر

من أجل البحث عن مستقبل لم يجده بجوارها. فمرة يبرر لها سبب سفره ومرة يعاتبها ويحملها المسؤلية، ولكنه يستدرك دائما فيعود ليسترضيها ويتغزل بها ويبثها كلمات الإعتذار والحنين.

غـادة ... هويتها عربية

عندما تتقلب ْ الكلمة بين العتاب ْ والحنين ْ

بَعُدَت ْ المسافات ُ ياصبية ...

وبتنا عُشاقا ً على الهويّة

بحارٌ ومحيط ٌ باتت ْ تفصلُ ما بيننا ...

بعد أن ْ كانت ْ مجرد ُ بريّة

لاتسألين َ اليوم َ عن ْ حالي وأحوالي ...

فأحوالي اليوم َ باتت ْ سَـبيّة

وقلبي ... مابال ُ قلبي ؟

بات َ بحاجة ٍ لجراحة ْ ...

لمن ْ يزرع صورتك ِ فيه ِ

والباقي على الله ِ رب ِ البَريّة.

***

بَعُدت ْ المسافات ُ ياحبيبتي ...

لاأعلم ُ ... هل أراك ِ وهل ْ تريني ؟

في الأمس ِ رحلت ُ عنك ِ ...

وفي الغد ِ لاأعلم ُ ... هل ْ ستنسيني؟

ملاعب ُ الطفولة ِ أنت ِ ... وأحلام ُ الصِبا

وكل غرور ِ الشباب ِ ... وعطر ِ الياسمين ِ

في خيالي كنت ِ دمعة ً وابتسامة ً... ونكرانا ً ووَفاء ً

وفي كياني تسابقين َ الدماء َ في الشرايين ِ

أحسب ُ أن َ الفـُراق َ مابيننا سيطول ُ ...

والغُربة ُ علينا ستصول ُ ...

والعلم ُ عند الله ِ ... رب العالمين ِ

***

من هنا ... من بُعد ِ آلاف ِ الأميال ِ

أقرئك ِ التحية

من هنا ... من بلاد ِ الشعر ِ الأشقر ِ

أجدد ُ عهد َ الحب ِ ياصبية

أسأل ُ عن وجنتيك ِ والمبسمين ...

والوجه ِ الأسمر ِ ... والعيون ِ الشرقية

من هنا من بلاد ِ الثلج ِ والسماء ِ الداكنة ...

أسأل ُ عن سمائك ِ الزرقاء ِ ... وشمسك ِ الذهبية

إن ْ عُدت ُ إليك ِ في يوم ٍ ...

فعلي ْ أجد ُ لديك ِ بعض َ إشتياق ِ

وإن ْ لم أعد ْ ... فأمانة ٌ في قلبك ِ أهلي وخلاني

ويوم َ سفري ... دموعهم السخية

هذه أمانتي والأمانة ُ غالية ...

والباقي على الله ِ يحفظهم ْ من غدر ِ الأيام ِ ...

وسوء ِ البلية

***

ألا تسألين َ ياصبية لما كان َ السفر ْ ...؟

ألا تسألين َ لما فضلت ُ عليك ِ غير َ واد ِ ...؟

في أحضانك ِ أمضيت ُ عمرا ً ...

أكثره ُ كان َ بلا زاد ِ

في أحضانك ِ أمضيت ُ عمرا ً بانتظار ِ الربيع ِ ...

ولكن أتى الصيف ُ والخريف ُ والشتاء ُ ألف َ مرة ٍ

وما أتى الربيع ُ ... وخيبة ُ الأمل ِ بازدياد ِ

خيبة ُ الأمل ِ مرض ٌ إبتُـليت ُ به ِ ...

إن ْ أصابني في الغُـربة ِ ... فلا عتب ٌ

ولكن ْ أن ْ أبتلي به ِ بين َ جدران ِ داري ...

فهذا يا صبية ُ الموت ُ في الحياة ِ

سيأتي يوم ٌ تسألين َ فيه ِ ماذا فعلت ِ بأبنائك ِ ...؟

كيف َ ألقيت ِ بهم ْ تحت َ حوافر ِ الجياد ِ ؟

ومن ْ قبلهم ْ كيف َ أسأت ِ ...

لآبائهم ْ والأجداد ِ ؟

على كل ِ هذا أشكوك ِ بمرارة ٍ ...

لرَب ِ العِباد ِ

***

يسألني الناس ُ عن إسم ِ حبيبتي ...

يسألني الناس ُ لمن ْ كل هذا الغزل ْ وكل هذا العتاب ْ ؟

أقول ُ لهم ْ من َ الشوق ِ هي َ...

والشوق ُ إليها لا يُريح ُ ولا يَستريح ْ

ومن َ الأمل ِ هي َ ...

والأمل ُ بالعودة ِ إليها اليوم َ جريح ْ

ليس َ للقلب ِ غيرها مُنى ...

وهو الذي معها أبلى شبابه ُ ... وشاب ْ

الشوق ُ والأمل ُ والمُنى في إسمها اجتمعت ْ ...

الشوق ُ لاينطفأ ... ولكن ْ الأمل ُ فيها أ ُغلِقت ْ دونه ُ الأبواب ْ

بالأمس ِ غربت ْ عني شمسُها ...

والقمر ُ لا أعرف ُ إلى متى ... أيضا ً قد غاب ْ ؟

***

يسألني الناس ُ عن أوصافها فأقول ْ ...

كل ُ ما فيها فاتن ٌ وتمشي بكبرياء ْ

اللون ُ من الضُحى ... والنقاء ُ من الندى ...

والضفائر ُ ليلاء ْ

الجمال ُ من الرَشا ... والسِحر ُ من الفلك ْ ...

والقامة ُ مَيساء ْ

العبير ُ من السوسن ِ ... والمبسم ُ من النور ِ ...

والعين ُ نجلاء ْ

الرزانة ُ من طبعها ... والروعة ُ من وصفِها ...

والشفاه ُ لمياء ْ

في جوارها العفاف ُ والهَنا ...

وفيها كل الدلال ْ

غادة ٌ هويتها عربية ... وخصالها سامّية ...

وحبها صعب ُ المنال ْ

***

يرجى الضغط هنا للتعليق على القصيدة

شعر: طريف يوسف آغا

سكينيكتدي- ديترويت- هيوستن

كانون أول - ديسيمبر / 1987