أصناف النقاد: مالهم وماعليهم؟

أصناف النقاد

مالهم وماعليهم

من المعروف أن النقاد هم ممن يساهمون سلباً أو إيجاباً في الرفع أو التخفيض من قيمة أي عمل مهما كان نوعه، ولكن ماهي المقاييس التي يعتمدون عليها في تقييمهم لأعمال الغير وعلى أي أساس يقدمون رؤيتهم؟ رأيت أن في وضع تصنيف مختصر للنقاد ربما أجد جواباً لهذا السؤال.

سأركز في هذه المقالة على الأعمال الفنية عموماً والأدبية خصوصاً حيث أعتقد أنه يمكن تصنيف نقاد هذه الأعمال إلى خمسة أنواع رئيسية في أي زمان ومكان:

النوع الأول: المحب للقديم

وهو الذي يرى في عمل الكاتب، شعرياً كان أو روائياً أو مسرحياً، مايخالف (القديم) مما سبقه ولايلتزم بمقاييسه وأصوله الموضوعة من قبل أصحاب المذاهب الأدبية المعروفة. أصحاب هذا النوع سينتقدون العمل ويجعلون منه مادة لاتصلح إلا لسلة المهملات لاعتبارهم القديم شيئاً مقدساً لايجوز الخروج عنه. ولاتستغربوا وجود أعمال نقدية كهذه على صفحات النت تقلل من قيمة أعمال أدبية لكتاب عمالقة من مختلف العصور، أذكر منهم على سبيل المثال لاالحصر أمير الشعراء الراحل (أحمد شوقي).

النوع الثاني: المحب للحديث

وهو من يرى أن العمل، وقد يكون نفس العمل السابق، يخالف (الحداثة) ولايتبع روح العصر كما وضعها المحدثون على اختلاف اتجاهاتهم. وهناك أعمال تنتقد إنتاج نفس الأدباء العمالقة المشار إليهم في الفقرة السابقة، لا لأنها خرجت عن القديم، ولكن على العكس، لأنها لم تخرج عنه ولم تتبع الحديث بما فيه الكفاية. وبالتالي فهم يختلفون مع أصحاب النوع الأول في سبب عدم جدارة العمل، ولكنهم متفقون معهم أن أفضل مكان له أيضاً هو نفس سلة المهملات المذكورة آنفاً.

النوع الثالث: المحب لمبدأ (خالف تعرف)

إذا كان للنوعين السابقين من النقاد أسبابهم لانتقاد العمل الأدبي أو الفني بشكل عام، فهذا النوع ليس لديه أي شئ، ولاحتى خلفية من الثقافة أو البحث العلمي تؤهله لمهمة النقد. كل مالديه هو ولعه بمبدأ (خالف تعرف) وبمقولة (كلما زعقت كلما سمعوك أكثر)، وهذا وإن كان صحيحاً من الناحية العملية، إلا أنه سرعان ماسيمنح الأعمال النقدية لهؤلاء لقب (الغير جديرة بالقراءة).

النوع الرابع: السياسي أو المزاجي

فإن اتفق الناقد مع صاحب العمل سياسياً، أو أحبه لسبب ما، سيجعل منه (الأعظم) عبر العصور. وأما إن اختلف معه، أو كرهه أو لم يوافق مزاجه، سينزله إلى أسفل السافلين. ويكثر الصنف الأول من هذا النوع في الدول (الديكتاتورية) التي تصور الحاكم كآلهة، فتركع وتسجد له وتسبح باسمه صباح مساء، أما الصنف الآخر فتجده في كل زمان ومكان.

قبل الانتقال إلى النوع الخامس، أود الإشارة إلى أن الأنواع الأربعة السابقة من النقاد هم ليسوا بنقاد أصلاً، بل مجرد أفراد يعبرون عن رأيهم الشخصي بالعمل الأدبي أو الفني بناء على المدرسة التي يتبعونها أو الخط السياسي الذي ينتمون له أو المزاج الذي يتصفون به. ذلك أن أهم صفات الناقد المهني هي (الحيادية) في نقده، وحالما يقع في فخ الذم أو المديح للعمل، يكون قد خرج من مجال (النقد) ودخل مجال (الموقف).

النوع الخامس: المهني

كما ذكرت للتو، فالنقد بشكل عام له أسس وميزات، ومن أهمها (الحيادية)، وطبعاً على الناقد أن يكون عارفاً للمجال الذي سيخوض فيه كي يتمكن من تقييمه. عليه أن يطلع على المدارس المختلفة التي وضعها الأدباء والفنانون، وكذلك على المدرسة التي يتبعها صاحب العمل الذي يقوم بنقده، ثم يسقط تلك المدرسة على ذلك العمل ويوضح مدى نجاح الكاتب أو الفنان في عمله هذا. وأخيراً عليه أن يعي الفرق بين (النقد) و(الانتقاد) وأن يترك للجمهور مهمة الحكم على العمل من خلال اطلاعه عليه وعلى ماكتب عنه. وأشير في هذا المجال إلى مفهوم (المنهج التكاملي) في النقد الأدبي الذي تبناه أستاذنا الراحل الدكتور (نعيم اليافي) والذي يعتبر (الحيادية والثقافة الموسوعية والانفتاح على الحوار) هي من أهم صفات الناقد الأدبي، بالاضافة بطبيعة الحال (للنظرة المتوازنة) التي تركز على كافة جوانب العمل الابداعي، وليس على واحد فقط. فالناقد برأي الأستاذ (اليافي) هو من يعمل على إبراز قيمة النص الأدبي بحيادية دون أن يجعل من نفسه بوقاً لمدرسة أدبية بعينها، أو خطاً سياسياً بذاته أو يسجن نفسه في الدائرة الضيقة لمزاجه الخاص. كما أن العمل الأدبي عموماً، والشعري خصوصاً، يتكون برأيه من ثلاثة عناصر رئيسية (رسالة ومرسل ومرسل إليه)، وأي نقد يركز على أحد هذه العناصر على حساب الباقي قد تكون له دوافعه التي ربما لاعلاقة لها بعملية النقد الأدبي لامن قريب ولا من بعيد.

أقول في الخاتمة أن الكاتب، إن كان لديه شريحة من القراء الذين يتابعون أعماله وينتظرون دائماً الجديد منها، عليه أن يقرأ مايقوله عنه النقاد والقراء معاً، فيحاول الاستفادة من النقد البناء والايجابي ويتجاهل السلبي أو المزاجي. على أن يستمر في كلا الحالتين بالكتابة لجمهوره الذي ينتظر منه المزيد باستمرار، ذلك أن (إرضاء كافة الناس غاية لاتدرك)، وقصة (جحا) الشهيرة لأكبر مثال على هذا.

***

(يمكن نشرها دون إذن مسبق)

بقلم: طريف يوسف آغا

كاتب وشاعر عربي سوري مغترب

هيوستن / تكساس

الاثنين 7 جمادي الآخر 1435 / 7 نيسان، ابريل 2014

http://sites.google.com/site/tarifspoetry