الغـول والديكتاتور الثوري العربي

الغـول والديكتاتور الثوري العربي

بين الحقيقة والاسطورة

كنت في الاسبوع الماضي قد شعرت بالارتياح بعد انتهائي من مقال (هل الديكتاتور الثوري العربي بلطجي؟)، ظناً مني أني قد توصلت أخيراً إلى معرفة الهوية الحقيقية لهذا الديكتاتور. وهو المقال الذي أتى بعد محاولات متعددة وفاشلة من البحث عن هذه الحقيقة بإسقاط شخصيته على بعض الشخصيات التاريخية أو الإجرامية مثل هولاكو وستالين وآل كابون ثم على مخلوقات من عالم الحيوان مثلالديناصور والضبع والأفعى والجراد. ولكن الصدمة التي أصابتني وأصابت العالم أجمع بعد عرض وكالات الإعلام لصور جريمة تعذيب الطفل السوري حمزة الخطيب ابن الثلاث عشرة سنة حتى الموت، دفعتني هذه الصدمة للإعتذار من شخصية البلطجي ومعاودة البحث عن هوية الديكتاتور الثوري العربي من جديد.

إن أي إنسان مهما كان وضيعاً ومجرماً ودموياً، فلايمكن أن يصنع ماتم صنعه بهذا الطفل. وإن أي حيوان مهما كان مفترساً أو شرساً، فلا يقتل إلا ليأكل أو ليدافع عن نفسه، وهو بالتأكيد لايعذب فريسته أو عدوه مهما كان الأمر. من هذا المنطلق فقد قادني بحثي عن هوية الديكتاتور هذه المرة إلى عالم ليس له علاقة بعالمنا، ألا وهو عالم الأساطير. فوظيفة الأساطير كما نعلم هي إيجاد حلول وتفسيرات لظواهر لاتتفق مع قوانين الطبيعة وغير معروفة ضمن عالم البشر، وهذا ماجعلني أجد نفسي فجأة أمام شخصية الغول والتي تكاد لاتخلو منها اسطورة، من ملحمة جلجامش السومرية إلى أوديسة هوميروس الإغريقية إلى رواية ألف ليلة وليلة العربية وغيرها. والغول حسب تعريفه الاسطوري هو مخلوق ليس ببشر، ولكنه أيضاً ليس بحيوان، بل يقف على الحدود الفاصلة بين العالمين. وسأكتفي هنا بهذا التعريف حتى لاأدخل في نقاشات لست بصددها في هذا المقال، خاصة وأن بعض الأساطير ورجال الدين يذهبون أبعد من ذلك ويقولون أنه نوع من أنواع الجن، بل من أسوأها وأكثرها شراً. وهو في الحالتين مخلوق لايجهز على ضحاياه بهدف قتلهم فقط، ولكنه يستمتع أيضاً بتعذيبهم قبل ذلك، وهذا بالتحديد مايبدو أنه ينطبق على الديكتاتور الثوري العربي ورجال نظامه.

ومن أشهر غيلان الأساطير غول أوديسة هوميروس، وهو العملاق ذو العين الواحدة المسمى بالسايكلبس. وكنت قد قرأت الترجمة العربية لهذه الملحمة عدة مرات حين كنت ماأزال في المدرسة، ثم قرأت الترجمة الانكليزية حين أصبحت في المرحلة الجامعية، كما وشاهدت عدة أفلام سينمائية عنها. وبالتالي فإن صور هذه الملحمة عموماً وصورة هذا الغول خصوصاً محفورة في ذاكرتي في مكان عميق بكل تفاصيلها وحركاتها.

فها هو، وبعد أن قبض على ضحاياه ووضعهم في قفص معلق في سقف كهفه المرتفع، هاهو يمد يده العملاقة ليلتقط واحداً منهم ويبدأ بقطع أعضائه وهو حي، ثم بتقليبه فوق النار وهو حي أيضاً. وكان خلال ذلك يطلق الضحكات العالية والتي لاأعرف كيف أصفها سوى بتسميتها (بالغولية) نسبة إليه، والتي كان يطلقها رداً على صرخات ألم الضحية. وهي الصرخات التي كانت تمتزج بضحكاته ليتردد صداهما في أنحاء الكهف قبل أن تتلاشيا تدريجياً في أعماقه. ثم وبعد أن أتم إلتهام أجزاءٍ منه، ألقى ببقاياه إلى أصحابه داخل القفص، لا لشئ ولكن لينشر الرعب فيهم ويقول لهم أن دورهم آتٍ عن قريب.

هذا كان الجانب المرعب من قصة غول هوميروس، أما الجانب المفرح فكان أن سجناء القفص تمكنوا أخيراً، وبعد أن وحدوا جهودهم، من القضاء عليه وانتزاع حريتهم. وكما قلت في مقال سابق، فقوة الشعوب إذا اتحدت تصبح أشبه بقوى الطبيعة التي لاتجابه، مثلها مثل البراكين والزلازل والطوفان. ولهذا نجد أن من أولويات وأسس حكم الديكتاتور هي سياسة فرق تسد والتي يمارسها بقهر الناس وإبقائهم سجناء الخوف والفرقة. ويروي التاريخ أن لكل ديكتاتور يوم يتم قهره فيه، فمنهم من واجه ذلك اليوم أثناء حياته، ومنهم من مات قبل ذلك، فتمت محاكمته وإصدار الحكم عليه فيما بعد، ومنهم من أُخرج من قبره لينفذ الحكم. أما من مازال يقهر الناس وينكل بهم حتى يومنا هذا، فهو مازال بانتظار ذلك اليوم.

بقلم: طريف يوسف آغا

هيوستن / تكساس

الجمعة 1 رجب 1432 / 3 حزيران 2011

http://sites.google.com/site/tarifspoetry