لماذا لايستحق الديكتاتور أية فرصة؟

لماذا لايستحق الديكتاتور أية فرصة؟

اللهم سوى فرصة الرحيل!

سمعنا خلال الثورات التي عصفت بالمنطقة العربية مؤخرا وما تزال عبارة تكررت ويبدو أنها ستتكرر على لسان كل ديكتاتور وجد نفسه فجأة، ومن دون سابق إنذار، في مواجهة الآلاف بل الملايين من أبناء شعبه اللذين ملأوا الشوارع والساحات مطالبين بحقهم في الحرية والكرامة. وهذه العبارة تتلخص بطلب موجه من الديكتاتور إلى الشعب لإعطائه (فرصة للإصلاح ولتحقيق مطالبهم). وفي هذه المقالة التي تأتي ضمن سلسلة مقالاتي الأخيرة حول الموضوع، سأعرض خمسة أسباب رئيسية توضح (لماذا لايستحق الديكتاتور هذه الفرصة، وبالتالي لماذا يجب أن لاتعطى له؟)

السبب الأول: الشرعية

الديكتاتور بالأصل ليس حاكما شرعيا للبلاد، فهو إما استولى على الحكم بالقوة أو ورثه، والدليل على ذلك استمراره فيه لسنوات طويلة بالقهر والارهاب وتعطيل القوانين المدنية والعمل بقانون الطوارئ وترتيب انتخابات تضمن نجاحه بها بنسبة %99 الشهيرة. أما فرص الإصلاح فتعطى عادة لحاكم وحكومة انتخبا بحرية وتحت سطح القانون ولديهما برنامج عمل واضح وصريح مع جدول زمني، وبالتالي لايحق للديكتاتور الذي لايملك أيا من ذلك أن يطلب أي شيئ

السبب الثاني: أضاع الفرصة

إذا نظر الديكتاتور إلى عدد السنوات الطويلة التي أمضاها هو ونظامه في الحكم، لوجد أنه كان بامكانه خلالها، وبالصلاحيات التي معه، أن يصلح العالم كله وليس بلده فقط. ولكنه وبدلا من ذلك كان منشغلا هو وحاشيته بسلب ثروات البلد وامتصاص دماء الشعب من جهة، وقمع من يعارضه ويتحدى ممارساته من جهة ثانية، وبالتالي فهو أضاع الفرصة حين كانت معه وماعاد يستحقها.

السبب الثالث: مشكلة الثقة

معروف عن الديكتاتور عبر التاريخ أنه جبان وغدار وكاذب. فهو جبان لأنه طالما استغل سيطرته على قوات الأمن والجيش لقهر الشعب الأعزل وارتكاب المجازر ضده. وهو غدار لأنه طالما وعد بالإصلاح والتصالح مع الشعب، إلا أنه عاد وغدر بالمطالبين بالإصلاح وزج بهم في السجون أو قام بتصفيتهم أو دفعهم لمغادرة البلاد. وهو كاذب لأن وعوده بالإصلاح تبقى بمعظمها حبرا على ورق، بالرغم من أنه يقوم بين الحين والحين ببعض الأعمال الرمزية الخالية من النوعية ليستعملها في تلميع صورته والتبجح الإعلامي في حين أن الإصلاحات الحقيقية التي يؤديها هي لجيوبه وجيوب حاشيته. ولهذا فسيقع الشعب في خطأ تاريخي قاتل فيما إذا صدق الديكتاتور في هذه الظروف ووافق على إعطائه فرصة لايهدف من ورائها سوى إلتقاط أنفاسه وإعادة تنظيم صفوفه الأمنية لينقض على الثورة ويصفي أحلام الناس بالحرية والكرامة، وربما كانت الفرصة الوحيدة التي يجب أن يستغلها هي الهروب خارج البلاد قبل وقوعه في يدهم.

السبب الرابع: عدم الكفائة

بحكم الطبيعة العسكرية والأمنية للديكتاتور أو لنظامه، أو لهما معا، فهو غير قادر على معالجة أوجاع الشعب وهمومه. فهو لايرى في المظاهرات سوى تحد له ولنظامه وينظر إليها كتهديد للثروات التي يجلسون عليها، وبالتالي فالحلول الوحيدة التي يجيدها في هذه الحالة (والتي لايعرف غيرها أصلا) هو استدعاء الأمن لإسكات الناس بإطلاق الرصاص عليهم. فنظرية الديكتاتور الأمنية تتلخص بأن (البلد الآمن هو البلد الذي لايسمع فيه صوت الناس، أو البلد الذي لاصوت للناس فيه!). والفرصة التي يطلبها عادة وهو في مواجهة خطر الثورة هي، كما سبق وذكرنا، فرصة للإنقضاض على الشعب، وليس بهدف الإصلاح الذي لايعرف ماهيته، ولهذا فلا يجب أن يحصل عليها ولا بأي ثمن.

السبب الخامس: عدم القدرة

أخيرا، فالديكتاتور غير قادر على الإصلاح وإن أراد، فهو وإن كان يمثل رأس النظام الفاسد، إلا أنه ليس كل النظام. فالأنظمة الديكتاتورية تكون عادة فاسدة من رأس الهرم إلى قاعدته، كما أنها تنقل عدوى الفساد إلى شريحة من الشعب انتفعت منها بوسائل غير قانونية فتشاركت معها وباعتها ولائها مقابل تلك المنفعة. ولكن إذا افترضنا أن معجزة حصلت وصحا ضمير الديكتاتور في صباح أحد الأيام وقرر إجراء إصلاحات حقيقية (وليست مسرحية) للناس والوطن، والعمل تحت مظلة القانون المدني (وليس قانون الطوارئ)، فهل هو في هذه الحالة مستعد للبدء بنفسه وبحاشيته باعادة مانهبوه (على أعين الناس) إلى خزينة الوطن؟ وتقديم من ارتكب جرائم قتل (بدعوى الضرورات الأمنية) إلى المحاكم المختصة؟ والتخلي عن الحكم الأبدي (الذي يفترض أن لايتمتع به سوى الخالق، هذا فيما إذا كان يؤمن حقا بوجود خالق)؟ فإن كان الديكتاتور مستعدا لذلك، فمن قال له أن حاشيته، وخاصة الأمنية منها، ستقف مكتوفة الأيدي أمام زعيمها الذي قرر فجأة أن يرضي ضميره ويلمع صورته على حساب جيوبها ومصالحها؟ فهي عمليا لن تتردد بازاحته عن طريقها، خاصة وأنها تملك المال والسلاح معا ومدربة على التآمر والقتل، وقد سجل التاريخ الكثير من الحوادث التي تنتهي بسقوط رأس الديكتاتور على أيدي حاشيته لأسباب مختلفة ومن أشهرها حادثة يوليوس قيصر الروماني.

وبالتالي فان في منح أية فرصة للديكتاتور ونظامه، ليس فقط مضيعة للوقت، ولكنه أيضا قد يؤدي إلى نتائج كارثية على الشعب والوطن أسؤا بكثير من الثمن الذي كان الشعب سيدفعه لو استمر بثورته حتى النهاية، ومن لايتعلم من التاريخ، يصبح عبرة من عبره.

بقلم: طريف يوسف آغا

هيوستن / تكساس

ربيع الثاني 1432 / نيسان، ابريل 2011

http://sites.google.com/site/tarifspoetry