محاولة لفهم مهمة الإنسان على كوكب الأرض

محاولة لفهم مهمة الإنسان على كوكب الأرض؟

بقلم طريف يوسف آغا

ماهي مهمة الانسان على كوكبنا هو سؤال طالما حير البشر من فلاسفة وعلماء ومفكرين وحتى أناس عاديين، مما جعلهم يختلفون حول تلك المهمة. فرجال الدين قالوا أنها العبادة وتنفيذ تعاليم دينهم، أياً كان، ورجال الاقتصاد قالوا أنها العمل والبناء وتحصيل الثروة والعيش، ورجال الحرب قالوا أنها الغزو وتحقيق الأمجاد وكتابة التاريخ، ورجال السياسة قالوا أنها الحكم ووضع القوانين وغير ذلك من نظريات. فما هي في الحقيقة مهمتنا على الأرض والتي يمكن أن يتفق عليها الجميع؟ حتى نتمكن من الاجابة على هذا السؤال لابد أن ننظر إلى الصورة الكبيرة ونتجاهل قليلاً التفاصيل.

حتى نرى الصورة الكبيرة للحياة، لابد أن نتذكر أن تصنيف الانسان في النهاية هو (كائن حي) وبالتالي فهناك عوامل مشتركة بينه وبين أقربائه القريبين في مملكة الحيوان والبعيدين في مملكة النبات. مهمة الأحياء، من تصنيفهم كأحياء والذي يميزهم عن الجماد، هي (المحافظة على الحياة) من جهة و(المحافظة على النوع) من جهة ثانية. حتى تقوم الحيوانات والنباتات بهذه المهمة الثنائية الهدف، وكونها أحياء ليست لديها عقول ولاتفكر مثلنا، فلا بد أن نتفق أنها مبرمجة (بواسطة مورثات دي ان ايه) لتمارس هذه المهمة وغيرها، وهي برمجة تشبه إلى حد ما تلك التي نستعملها في الكومبيتر ليقوم بما هو مطلوب منه. فالبعوضة حين تمص دمائنا، لايكون في ذهنها أن تؤذينا، إذ لاذهن لها كما اتفقنا، ولكن لأنها تريد أن تأكل لتبقى على قيد الحياة. الصورة نفسها تنطبق على حيوانات الغابة حين تفترس بعضها، وحتى على بعض الشعوب القديمة وكذلك قبائل أكلة لحوم البشر التي انقرض أكثرها، ومايزال بعضها، يتواجد في مجاهل الغابات. الانسان المعاصر، ومع نزول الأديان والشرائع ووضع القوانين والدساتير، تم إعلامه أن قتل الآخرين وأكلهم ليس مقبولاً ويؤدي إلى السجن أو الاعدام، وأن الوسيلة الوحيدة لأن يؤمن طعامه ليحافظ على حياته هو العمل وكسب المال لشراء ذلك الطعام، وهذا مايفترض أن يفرقه عن الحيوانات التي لايوجد لديها نظام نقدي ولانظام أجور، والعمل الوحيد الذي يؤمن لها الطعام هو أن تصطاد أو تجد ذلك الطعام في الطبيعة لتأكل.

إذاً المهمة الأولى للانسان للبقاء على قيد الحياة هي، كالحيوان والنبات، توفير الغذاء، فطالما الغذاء موجود، فالحياة مستمرة والعكس بالعكس. هذا ينطبق على المسلم والمسيحي واليهودي والبوذي والملحد، وعلى الطبيب والمهندس والمحامي والمتسول، وعلى الكهل والشاب والطفل، والكلب والطير والنمل وكافة النباتات على اختلاف أنواعها وألوانها وأحجامها، الاختلاف مابينها هنا هو في وسيلة تحصيل الغذاء من جهة وفي دورة الحياة لكل منها من جهة ثانية، فلكل كائن حي دورة حياتية تمتد من دقائق لدى بعض الكائنات إلى مئات السنين لدى البعض الآخر كبعض المخلوقات البحرية وبعض الأشجار. وحين تكتمل دورة حياة كل كائن، لايعود ينفع معها لاغذاء ولاغيره وعليه أن (يرحل) ليفسح مكانا للقادمين الجدد، وهنا تبدأ المهمة الثانية للأحياء وهي (المحافظة على النوع) أو (التكاثر) عن طريق ممارسة الجنس. بمرور الزمن والتطور الذي طرأ على المجتمعات الانسانية المدنية، تم وضع ضوابط لهذه المهمة وتم تسميتها بتسميات مختلفة باختلاف الأزمان والبلاد والأديان والتقاليد والقوانين، كالزواج المدني والزواج الشرعي وزواج المتعة وماملكت أيمانكم والجواري والعبيد والسبايا وغيرها، ولكن جميعها تتشابه بأن الهدف البعيد منها هو التكاثر للحفاظ على النوع. وهناك العديد من نقاط التشابه بين عملية التكاثر عند الانسان والحيوان والنبات وأهمها أنها تحتاج لذكر وانثى لتحقيقها. وكما أن حاجة البقاء تفرض على الأحياء البحث الدائم عن الغذاء، فان حاجة الاستمرار تفرض على هذه الأحياء ممارسة الجنس. تقوم الحيوانات بممارسة الجنس كغريزة، أو لأنها مبرمجة لتقوم بذلك دون أن تعلم بالهدف منه، ولكن الانسان ومع وجود عقله وتفكيره، فهو أيضاً يقوم بذلك بالغريزة ولمجرد المتعة الآنية، كما الحيوان. ولكن وبعد أن تصبح لديه أسرة هو مسؤول عنها، يسأل نفسه لماذا فعل ذلك، طبعاً بعد فوات الأوان إذ يكون قد نفذ مهمته في الحياة دون أن يدري. من هنا نجد أن الكائن الحي وحتى ينفذ مهمته الثانية، التكاثر، عليه أن يكون على قيد الحياة، فالأموات لايتكاثرون، وبالتالي فان المهمة الأولى من هذا المنظور هي مجرد وسيلة لتحقيق المهمة الثانية. إذ يمكن للأحياء الاستمرار في الحياة دون تكاثر، ولكن لايمكنهم التكاثر إذا فارقوا الحياة، وهذا يقودنا إلى النتيجة النهائية وهي أن المهمة الرئيسية للكائنات الحية، بما فيها الانسان، هي التكاثر لضمان بقاء النوع، وغير ذلك تفاصيل أو وسائل لتحقيق هذه المهمة. آلية تنفيذ هذه المهمة أن الذكر (يلقح) والانثى (تحمل وتلد)، ويتم تنفيذ هذه الآلية حرفياً في عالم الحيوان، حيث الذكر غير مسؤول إلا عن التلقيح وفي أغلب الأحيان يرحل بعد ذلك للبحث عن انثى جديدة وهكذا، ويترك مسؤولية العناية بالمولود وتحضيره للاعتماد على النفس للأم. ولن أستغرب لو علمت أن الرجل، ذكر الإنسان، نفسه حين وجد على الأرض كان يقوم بنفس الشئ، ولكن مع انتقاله من الكهوف إلى المخيمات إلى القرى ثم المدن، ومع نزول الأديان ثم القوانين المدنية، فرض عليه أن يتحمل مسؤولية إعالة أولاده والعناية بهم إلى سن معينة وأن لايترك ذلك للأم وحدها.

بالرغم من القوانين والأعراف والأديان والقيم الأخلاقية والأسرية وغيرها، مازلنا نجد الرجل ليومنا هذا يضرب بها كلها عرض الحائط ويعود لأصله (الحيواني) ليمارس مهمته الغزيزية (بالتكاثر) حتى وإن كان متزوجاً وعنده أولاد. لايختلف في ذلك رؤساء وملوك ورجال سياسة وأعمال، البعض يمارسها علناً والبعض سراً إلى أن تفضحه وسائل الإعلام، وهذا فيما يخص الشخصيات المعروفة، فما بالك بالرجال العاديين. ربما كانت هذه هي (حلقة داروين المفقودة) إذ يبدو أن هناك بعض الغرائز في البشر لاينفع معها شئ وتطابق مثيلاتها في الحيوان، وجل مايمكن عمله اتجاهها هو الاستمرار بسن وتطبيق القوانين المدنية للحد من نتائجها السلبية قدر الامكان.

***

يسمح بنشرها دون إذن مسبق

بقلم طريف يوسف آغا

هيوستن، تكساس

8 ايلول، سيبتمبر 2019