لماذا يرسـب الديكتاتور في كـافة المـواد؟

لماذا يرسـب الديكتاتور في كـافة المـواد؟

وحتى في الفحص الطبي؟

تناولت في مقالتي السابقة كيف أن الديكتاتور يرسب في امتحان مادة التاريخ، فهو إما لا يفهمها أو لا يريد أن يفهمها، وهو بالتأكيد لا يريد أن يتعظ منها لأنه يعتبر نفسه مختلفاً عمن سبقوه من الطغاة وبالتالي فهو يعتقد بأن له ولنظامه خصوصية تميزهما عن الآخرين (وهذه من أفضل النكات التي يجيد كل ديكتاتور إلقائها والتي أضحك عليها بعمق كلما سمعتها من أحدهم، خاصة وهو يرويها بجدية واقتناع. وأضحك أكثر حين أسمع بخبر هروبه من البلاد أو إعتقاله وسجنه أو مواجهته لمصير عادل آخر، مثله في ذلك مثل غيره من الطغاة الذين سبقوه وسقطوا في النهاية شر سقوط)

ولكن وبعد التأمل أكثر في هذا الموضوع، وجدت بأن الديكتاتور لايرسب فقط في امتحان مادة التاريخ، ولكن أيضاً في بقية المواد كافة بلا استثناء.

هو بالتأكيد راسب في الحساب من دون أي امتحان، لأنه وحين يتظاهر الشعب ضده وضد نظامه بالآلاف، يحصيهم فيجدهم لا يتجاوزون العشرات، وحتى حين يبلغون الملايين، يجدهم لا يتجاوزون عدة مئات.

وهو حتماً سيرسب في الكيمياء لأنه ما زال يجهل أن النار لا يمكن إطفائها بالبنزين. فبدلاً من إصغائه للمتظاهرين المشتعلين غضباً والعمل على تلبية حاجاتهم، وهم أبناء بلده وليسوا غرباء، فهو يأمر بإطلاق الرصاص عليهم بهدف إسكاتهم، مما يزيد اشتعال غضبهم وتأجيج ثورتهم وزيادة عددهم.

وهو لن يكون أكثر حظاً في الفيزياء منه في الكيمياء، فالرجل الذي يعتقد بأن عجلة الزمن ستبقى متوقفة عند عصره (الحجري) ولن تتحرك إلى الأمام لتواكب حركة التطور ذات التسارع المذهل التي نشهدها هذه الأيام، هو رجل لا أعتقد بأنه مؤهل لينجح في هذه المادة. فهو وحاشيته ما زالا نائمين في ساحات مسيرات التأييد وغارقين في أحلام هتافات الروح والدم.

وإذا قيمنا معلوماته في العلوم الطبيعية سنجدها صفراً وباستحقاق. فالديكتاتور لا يفرق بين أفراد شعبه، وهو الذي أمضى عقوداً يحكمهم وينكل بهم، وبين بقية المخلوقات مثل الجرذان والكلاب والحشرات (على حد تعبيره). حتى أن أحد الطغاة قتل وأكل أحد معارضيه، ثم صار يكرر القصة ليرهب الباقي، فهو لا يفرق بين دم الكائن البشري وغيره من الكائنات، كلها عنده ذات لون أحمر.

أما في علم المعادن، فحدث عن جهله ولا حرج، فهو وبدلاً من حماية ورعاية الثروات البشرية للوطن من علماء وباحثين وأطباء ومهندسين وكتاب ومفكرين، وهي الثروة التي لا تقدر لا بذهب ولا بفضة، هو بدلاً من ذلك يسهل لهم سبيل الرحيل (وهو ما أسميه الاغتراب القسري). ويحتفظ حوله بطبقة من البشر توازي التنك بين المعادن، مهمتها التصفيق له والعيش في ظله والقتل لحمايته.

وإذا انتقلنا إلى المواد الأدبية، وبدأنا بالجغرافية، سنجد بأنه في عالم وهذه المادة في عالم آخر. فكيف يتأمل أن ينجح فيها وهو الذي يعتقد أن البلد كلها من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، بجبالها وسهولها ومدنها وقراها ومياهها وثرواتها هي ممتلكات خاصة له ولأسرته وحاشيته. وأن السكان هم عبيد يقومون على خدمتهم ورفاهيتهم ولا يطمعون مقابل ذلك بشئ سوى الرضا والدعاء؟

ولا شك أن الديكتاتور يحلم حين يظن بأنه سينجح في امتحان التربية الوطنية. فكيف يظن ذلك وهو الذي يعتقد ويدعي أن الوطن مُختزلٌ في شخصه ومُكنى باسمه، فإن فرح فرح الوطن، وإن حزن حزن الوطن، وإن أجبر على الرحيل يجب أن يدمر الوطن قبل رحيله.

أما في مادة اللغة العربية، فكلمات من أمثال (زنكة زنكة) تدل على أنه في واد واللغة العربية في واد. وإذا أتينا إلى مادة التعبير، فإن اسلوب التعبير الوحيد الذي يجيده هو بالخطابات وأيضاً بالرصاص والمدافع والدبابات.

كما أنه ومن دون أي أخذ ورد، سيرسب في مادة الديانة لا محالة. ففي حين أن كل الديانات السماوية تقول بأن الله واحد، إلا أن الديكتاتور يتحدى ذلك (بالأفعال) بإعطاء نفسه الكثير من الصفاة الالهية وتكريس ثقافة عبادة الفرد المتجسد في شخصه. وهو عادة ما يغفل عن واحدة من أهم صفات الخالق والمتمثلة في (يمهل ولا يهمل) مما يؤدي إلى النهاية المأسوية التي عادة مانراه ينتهي إليها.

وإذا انتقلنا إلى حقل الفنون، وبالتحديد إلى مادتي الرسم والنحت، فلست أرى أي بصيص أمل له بالنجاح فيهما. إذ لا يسعني إلا أن أشك بحسه وذوقه الفنيين حين يعتقد بأن الصورة الوحيدة التي تستحق العرض والتمثال الوحيد الذي يستحق الرفع في كل مكان من الوطن، وربما في بقية الكواكب أيضاً، هي صورته وتمثاله وصور أسرته وتماثيلهم فقط.

أما في مجال الرياضة واللياقة البدنية، فهي ليست فقط الأصعب عليه، ولكنها أيضاً هي التي قد تأت بأجله! فالديكتاتور في مثل هذه الحالات من الثورات الغاضبة من حوله بحاجة للياقة بدنية عالية أكثر من أي شئ آخر، وذلك ليتمكن من الجري والهرب. ولكن لا يبدو أنه فالح بذلك، إذ غالباً ما يبقى واقفاً ومتفرجاً على الأحداث مع بقية المتفرجين وكأن الأمر لا يعنيه. فتراه ينظر إلى بركان الثورة وهو يقترب، مع أن الجميع يتوقع منه أن يركض، وبسرعة البرق إذا استطاع، بحيث يبدو من الخلف وكأن قدميه تصلان إلى ظهره والدخان ينطلق من نعل حذائه (كما كنا نرى في أفلام الكرتون حين يهرب الفأر أمام القط)

وأخيراً فيبدو أن لدى الديكتاتور مشكلة في حاستي البصر والسمع، وبالتالي فهو قد يتعتع (يجد صعوبة) فيما إذا خضع لفحص طبي. فلا شك أنه يعاني من ضعف حاد في البصر لأنه لم يتمكن بعد من رؤية أمواج المتظاهرين وهم يملأون الشوارع والساحات. كما ولديه ربما انسداداً في أذنيه لعدم تمكنه من سماع هتافاتهم المطالبة له بالرحيل. فهو وبدلاً من الاستجابة لهذا المطلب الوحيد، يقدم لهم أشياءً تأخر بها فما عادت ترضيهم ولا تلبي تطلعاتهم. فيحاول خداعهم بإلغاء قانون أو تغيير وزارة أو إقالة محافظ أو تشكيل لجنة تحقيق أو تنظيم مسيرة تأييد إلى آخر ما هنالك مما لا يسمن ولا يغني من جوع الناس لرؤيته ونظامه يغيبان عن الرؤية إلى الأبد!

بقلم: طريف يوسف آغا

هيوستن / تكساس

جماد الأول 1432 / نيسان، إبريل 2011

http://sites.google.com/site/tarifspoetry