هل الديكتاتور الثوري العربي ذكي؟

هل الديكتاتور الثوري العربي ذكي؟

وأين يقف على مقياس الذكاء؟

كثيراً ماأسمع مقولة بأن هذا الديكتاتور هو شخص ذكي، وكنت من جهتي أستغرب ذلك وأسأل القائل كيف وصل إلى هذه النتيجة؟ فيكون جوابه وباختصار أن رجلاً استطاع الوصول إلى الحكم ثم استطاع الاحتفاظ به ولعشرات السنين لابد وأن يكون ذكياً. وقد تم طرح هذا الموضوع في جلسة خاصة مع بعض الأصدقاء حين كنا نحضر مؤتمراً للتضامن مع ثورة الشعب السوري في العاصمة الأمريكية واشنطن الاسبوع الماضي. فرأيت بعد عودتي إلى هيوستن أن أقف عند الموضوع وأسلط عليه بعض الضوء لأستكشف مدى صحته.

حتى أقوم بذلك، لابد أولاً من تعريف الانسان الذكي وقياس هذا التعريف على الديكتاتور العربي وتقرير فيما إذا كان ينطبق عليه أم لا. فالانسان الذكي برأي هو من يختار أفضل الحلول لتذليل الصعوبات التي تعترضه وتحقيق أهدافه في الحياة.

فإذا بدأنا بكيفية وصول الديكتاتور إلى سدة الحكم، سنرى أنه وقبل كل شئ قد تجاهل الوسيلة الشرعية. ونقصد بها الحملة الانتخابية التي تمنحه الفرصة ليبرهن عن ذكائه من خلال وضع الخطط الاصلاحية والتنموية الوطنية التي يستفيد منها الشعب. ولكنه وبدلاً من ذلك، ولتوفير الجهد واختصار الوقت، قفز على الحكم بواسطة انقلاب عسكري، أو بالوراثة، فكان لابد له أن يتبنى سياسة القمع والترهيب للاحتفاظ بما حصل عليه من دون حق شرعي. وأنا من جهتي لا أرى أي ذكاء في هذا التصرف، بل لايمكن وصفه إلا بالقرصنة والغباء في آن واحد، لأنه بمثابة القنبلة الموقوتة التي قد تنفجر عليه وعلى من حوله في أي لحظة.

ثم إذا سلطنا الضوء على سياسته الاقتصادية، فنرى أنه غير مهتم أصلاً بأي سياسة اقتصادية تدل على أي ذكاء! والمقصود هنا تلك التي تقوم على تنفيذ مشاريع صناعية وزراعية تخلق فرص العمل وترفع مستوى المعيشة وتحافظ على الطبقة الوسطى التي يعتبر وجودها في أي مجتمع مقياساً لعافيته والعكس بالعكس. فبدلاً من ذلك نراه لايتبع أي سياسة أصلاً في هذا المجال. بل يتبع طرق اللصوصية لسلب ونهب خيرات الوطن وتجويع الشعب ودفعه للعيش على أو تحت خط الفقر والقضاء على الطبقة الوسطى. وهو بهذا يكون كمن يزرع بذور الثورة ضده بيديه، ولا أرى أي ذكاء في ذلك، بل لصوصية من جهة وغباء من جهة ثانية.

وإذا انتقلنا إلى كيفية تعامله من الشعب في حال نشوب احتجاجات ضده، فهو وبدلاً من الاصغاء لمطالب الناس والعمل على تحقيقها، وهذا ما من المفترض أنه موجود في الحكم لتحقيقه، نراه يسارع إلى إسكاتهم بالقمع والسجن والقتل. وأنا لا أرى أي ذكاء في ذلك، بل على العكس لا أرى سوى اجرام من جهة، ولكن غباء أيضاً لأنه يولد الكراهية والحقد ضده وضد نظامه وأسرته، وبدلاً من أن يحل الأزمة، يكون قد أجلها إلى وقت آخر في المستقبل القريب أو البعيد.

ثم يأتي من يقول بأن استمرار الديكتاتور في حكم شعبه ولعشرات السنين هو أكبر دليل على ذكائه! ردي على ذلك أن الجزار الذي يذبح الخراف والأبقار كل يوم، ليس بحاجة لذكاء ليفعل ذلك، كل مايحتاجه هو مهارة في شحذ واستعمال السكين لا أكثر ولا أقل. ولكن لابد هنا من الاعتراف بأن مهمة الديكتاتور تتميز قليلاً عن مهمة الجزار في هذا السياق. فعلى الديكتاتور أن يحسب كم رأس من رؤوس الشعب عليه أن يقطع حتى يتمكن من قمع واسكات الاحتجاجات ضده. ولا أدري هنا فيما إذا كان من يصفه بالذكاء يقصد إجادته لعملية الحساب هذه أو يقصد أمراً آخر لا أعرفه؟

وأخيراً نجد من يقول أن قدرة الديكتاتور على تجاوز الأزمات والمواجهات الدولية والمحافظة على الاستقرار في بلده هو بحد ذاته ذكاء! ما أراه هنا أن نظام الديكتاتور العربي هو أصلاً نظام محمي من جهة خارجية، شرقية أو غربية أو اقليمية، وإلا لما استمر لعشرات السنين. وبالتالي فهذا، وليس ذكائه، هو ما جعله يستمر. بالاضافة طبعاً لأجهزته الأمنية التي لايشكو أحد من قلتها ولا من فضلها عليه. وهو بالمقابل يرعى مصالح كافة الأطراف التي تثبته في منصبه، خارجية كانت أو أمنية، وكما أن هذا يعتبر خيانة بامتياز، فهو أيضاً غباء بامتياز. فأغبى الناس يعرفون أن تخلي الدول الأجنبية عن عملائها من الحكام هو أمر لاتحكمه العاطفة، بل المصالح من جهة وتغير التحالفات من جهة ثانية، وهذا ما قد يحصل في أي وقت. فاستمراره في الحكم هو أمر يقرره من يقف خلفه، وليس له هو فيه أي فضل أو ذكاء. وما قصص تحطم المؤامرات على صخور الصمود والتصدي وخلافها إلا للاستهلاك الاعلامي والمحلي.

ومما سبق، لا أجد في تصرفات الديكتاتور الثوري العربي أي ذكاء، بل غباء على طول الخط، بالاضافة لما ذكرته من القرصنة واللصوصية والاجرام والخيانة. ويحدث أحياناً أن يبالغ الديكتاتور في غبائه من جهة واجرامه من جهة ثانية، فيصبح عبئاً ثقيلاً على حلفائه وداعميه، فيتخلون عنه. وحتى أبرهن على عدم علاقة الديكتاتور بالذكاء، سألجأ لصفة الفراسة التي اشتهر بها العرب بشكل خاص، فالعربي ينظر إلى وجه الشخص ويتمكن من تمييز بعض صفاته كالذكاء والغباء. فإذا أتينا بلوحة تشمل صور حكامنا وجعلناك تنظر بفراسة وتمعن إلى ملامح وجه كل واحد منهم، فهل حقاً تجد في أحدهم أي ملامح للذكاء؟ بل هل لا تتمكن من تمييز علائم الغباء والبلاهة والتخلف مرتسمة على وجوههم، مضافاً إليها ملامح الاجرام والكراهية؟

فإذا لم تتمكن من تمييز ذلك، فأرى أن تبدأ البحث عن دورة لتعليم الفراسة وتقويتها، أو أن تبحث عن طبيب عيون أو محل للنظارات.

بقلم: طريف يوسف آغا

هيوستن / تكساس

الجمعة 28 شعبان 1432 / 29 تموز 2011

http://sites.google.com/site/tarifspoetry