فيصل القاسم و(شكيلات) النظام السوري

فيصل القاسم و(شكيلات) النظام السوري

الاتجاه الواضح في الاتجاه المعاكس

كانت الحلقة الأخيرة من برنامج الاتجاه المعاكس (الثلاثاء 15 أيار 2012) حلقة متميزة بكل معنى الكلمة. وقد كان تميزها برأي أن معدها، الإعلامي السوري اللامع فيصل القاسم، قد وجه فيها ولأول مرة في تاريخ برنامجه إهانة واضحة ومباشرة لضيف الحلقة الذي أتى ليدافع عن النظام السوري قاتل شعبه. فقد تابعت معظم حلقات هذا البرنامج، وخاصة تلك التي أتت بعد نشوب ثورات الربيع العربي، ولم أر فيصل يوجه إهانة كهذه لأحد من المدافعين عن الأنظمة المجرمة، بل كان يترك تلك المهمة للضيف الآخر المدافع عن الثورة.

حصل ذلك عندما بدا واضحاً أن شبيح النظام السوري، مثله مثل من أتى قبله من أجل نفس المهمة، قد أتى إلى البرنامج لافشاله. والطريقة التي يتبعها جميع هؤلاء الشبيحة لذلك هي الزعيق والصياح، بمناسبة وبغير مناسبة وبسبب وبدون سبب، بهدف عدم إفساح مجال الكلام للطرف الآخر. وعلى كل حال، فان هذا النظام، والأنظمة التي على (شاكلته)، لاتملك مثقفين بما تحمله هذه الكلمة من معنى للدفاع عنها باسلوب حضاري، فمثقفي الديكتاتور المجرم هم شركائه في الجريمة بشكل أو بآخر. هذا من جهة، ومن جهة ثانية فهذه أنظمة مجرمة وليس لها شرعية في الأصل، وبالتالي فلا يمكن الدفاع عن أعمالها الاجرامية إلا بطريقة الزعيق والصياح وأحياناً التهديد هذه التي نراها وتتكرر في كل حلقة. وماحصل بعد ذلك كان متوقعاً ويحصل في كل حلقة أيضاً، وهو أن اشتكى المدافع عن الثورة، الأستاذ وليد البني، وسأل فيصل القاسم سؤالاً يعبر عن نفاذ صبره من الاسلوب الرخيص لشبيح النظام. وكان سؤاله باختصار: قلتم لنا بأنكم ستحضرون محللاً سياسياً لهذ الحلقة، فمن أين أتيتم بهذا الشبيح-النبيح؟

كان فيصل قد حذر الشبيح-النبيح عدة مرات للتوقف عن اسلوبه دون فائدة، حتى قال له وبصورة مباشرة: بكفينا شبيحة مشان ربك، بلا تشبيح وبس، وأعاد الثلاث كلمات الأخيرة منها لعدة مرات. ثم ماكان منه إلا أن التفت إلى الأستاذ البني وأجابه بما لم يكن متوقعاً ولامعتاداً منه. قال له: ياأخي هذه هي (شكيلات النظام)، فمن أين تريد أن نأتي لكم بغيرها؟ من تحت الأرض؟ في هذه اللحظة حبست أنفاسي وتوقعت من الشبيح ردة فعل تتناسب مع هذه الاهانة الصريحة والمباشرة والتي جرت على الهواء مباشرة وأمام ملايين المشاهدين حول العالم، كأن يشتبك مع فيصل القاسم بالأيدي، فتتحول الحلقة إلى حفلة مصارعة، أو أن يقذفه بالشتائم، أو أن ينسحب من الحلقة كأضعف الايمان. ولكن، وكون هؤلاء الشبيحة هم من حثالة البشر، وليس لديهم أدنى كرامة أو عزة نفس، فقد تظاهر الشبيح للحظات باستيائه من دعوته (بالشكيلات) ثم نسى الموضوع وعاد لمواصلة البرنامج وكأن شيئاً لم يحصل!

كما سبق وقلت، فقد اعتاد الطرفان المشاركان في حلقات هذا البرنامج توجيه الاهانات والشتائم لبعضهما، وهذا طبيعي لدرجة أني كنت أستغرب حين لايحدث ذلك في بعض الحلقات. كما واعتاد فيصل القاسم أن لايخفي تعاطفه مع المدافعين عن الثورة، وأن يوجه كافة أنواع الشتائم والاتهامات للمدافعين عن أنظمة القتل، ليقول لهم: لست أنا من يقول ذلك، إنما أحد المشاهدين! لكن كان الأمر مختلفاً هذه المرة ، ومن الواضح أن الرجل خرج عن طوره بسبب الاسلوب الرخيص والاستفزازي، والذي تجاوز حد التحمل الذي اتبعه الشبيح فقال فيصل ماقال.

لاشك أن أهمية هذا البرنامج تتجلى في فضح إجرام الأنظمة الديكتاتورية من جهة وتصوير غبائها المفرط من جهة ثانية، وذلك على مبدأ (الطيور على أشكالها تقع). فاذا استعرضنا الشخصيات التي شاركت فيه منذ بداية الثورات العربية عامة والسورية خاصة، لتدافع عن الأنظمة المافيوية التي تحكم بلادنا، للفت نظرنا أمران لايخفيان حتى عن الأعمى. الأول رعونة هذه الشخصيات واتباعها الاسلوب الأمني الذي تتبعه الأنظمة التي أتت لتدافع عنها، وأيضاً تجاهلها الاجابة عن الأسئلة المطروحة عليها والاستعاضة عن ذلك بالصراخ والزعيق والتهديد. والثاني انخفاض المستوى العلمي والحضاري لهذه الشخصيات لحد الغباء، وجهلها لأصول بل ولمبادئ الحوار حتى ليظن المشاهد بأنها شخصيات أمِّية لاتقرأ ولاتكتب، بالرغم من أن أكثرها يدعي (الدكترة) كعادة حاشية الديكتاتور في بلادنا.

في الخاتمة أريد أن أحي فيصل القاسم على برنامجه وصموده أمام التشبيح والتهديد الذي لاأشك بأنه يتعرض له باستمرار من جراء دعمه للثورة. وأطلب منه أن يستمر باستضافة هذه (الشكيلات) من الشبيحة لكشف الصورة القبيحة والحيوانية للنظام السوري. ولكن أيضاً أن يستمر باستضافة أمثال الأستاذ وليد البني لإظهار الشكل الحضاري والانساني لثورتنا المباركة.

***

بقلم: طريف يوسف آغا

كاتب وشاعر عربي سوري مغترب

عضو رابطة كتاب الثورة السورية

الاثنين 30 جماد الآخر 1433، 21 أيار، مايس 2012

هيوستن / تكساس

http://sites.google.com/site/tarifspoetry