غـابةٌ بلا بوّابْ

إذا كان هناك تشابهاً بين الشخصيات (الحيوانية) في هذه القصيدة وشخصيات (يفترض) أنها (بشرية) ومتنفدة في بلد تجري فيه ثورة، فان هذا التشابه (مقصود) وليس صدفة وأعتذر لشخصيات القصيدة للإهانة التي قد تلحق بها من جراء ذلك.

غـابةٌ بِلا بَوّابْ

من وحي كليلة ودمنة

يُحكى أنَّـهُ في سـالِفِ الزمانْ

كانتْ هناكَ غابةٌ بِلا بوّابْ

الداخلُ إليها لايَدري أخارِجٌ

ويَهوى حكامُها قَطّعَ الرِقابْ

***

ماكانَ للغابَةِ مَلِكٌ ولكنْ رَئيسْ

لايُصدِرُ الأوامرَ ولايَملكُ أيَّـةَ أملاكْ

وقلبهُ كانَ دوماً على أهلِ غابتهِ

إنْ اسـتمعتَ إليهِ وكأنكَ تسـتمِعُ لِمَلاكْ

***

وكَلَّفَ ضَبّاً بمهمةِ نائبهِ

بالكادِ تسـمعهُ وبالكادِ تراهْ

طوبى لغابةٍ للضَبِّ فيها مَنصِبٌ

وإنْ كانَ لايُصدِقُ ذلكَ سِـواهْ

***

وكانتْ للغابةِ حكومةٌ ولا كل الحكوماتْ

مِـنْ أصحابِ الآذانِ والألسِـنَةِ والألقابْ

آذانهُمْ طويلةٌ ولايسمعونْ وألسنتهُمْ أطولُ ولايتكلمونْ

وأطولُ مِـنْ هذهِ وتِلكَ مايملكونَ مِـنْ أذنابْ

***

وزيرهمْ الفيلُ ابتلعَ قارةً بأكملِها

وقالَ ياإخوانْ هلْ مِـنْ مزيد؟ْ

وهوَ كانَ دومَ يُصِرُّ أنَّ الأفيالَ تطيرْ

ثمَ طارَ فعلاً معَ نِظامهِ العتيدْ

***

والوزيرةُ الشـوحة صارَ لها مرجوحة

وظنَّتْ أنَّ كثرةَ الزعيقِ سَـتُفيدْ

وأنَّها إذا ما قفزتْ في الهَواءِ

سَـيُبقي السُـكانُ في أيديهمْ سَـلاسِـلَ الحديدْ

***

وظنَّتِ الخنازيرُ أنَّها إذا ماكذبتْ

ففي النهايةِ سَـيُصدقُها الجميعْ

وظنَّ جُرذانُهمْ، ولأنَّهمْ جُرذانٌ

سَـتُنجيهِمْ مهاراتُهمْ مِـنْ طوفانِ ذلكَ الربيعْ

***

طُرِدَ ثُعبانُهمْ مِنْ جامِعَةِ جيرانِهمْ

ونصحوهُ أنْ يَغسِـلَ لِسـانَهُ بالصابونْ

واسـتُدعيتْ ثعابينُهمْ في غاباتٍ عظمى

وقيلَ لهمْ "نحنُ لما تفعلونَهُ صاحونْ"

***

كانَ للغابةِ مفتيٌ وشَـيخٌ يبدو عليهما الوقارْ

وكِلاهُما مِنْ فصيلةِ البومة

الفتاوى عندَهُما كانتْ جاهِزةً بالقِنطارْ

ولكُلِ واحدٍ على رأسِـهِ لفةٌ مَبرومة

***

ولمجلسِ الغابةِ اختاروا مجموعةً مِـنَ العَـلَقْ

لاتعيشُ إلا على مَصِّ الدماءْ

ليسَ لها وجوهٌ ولاحتى مَلامِحْ

وماذا يهمُّ وثمنُ الكرسـي دولارٌ وولاءْ؟

***

وأُسـنِدَ أمنُ الغابةِ لقِطعانِ الضِباعْ

والكلُ يَعرفُ أنَّ الضِباعَ ماخُلِقتْ لتُحارِبْ

في السِـلمِ تمشـي خلفَ النمورِ

وفي الحربِ تراها تسـبقُ الأرانبْ

***

وما أكثرَ ماكانَ يوجدُ الجرادُ في غابتنا

ماكانَ يتركُ لغيرهِ لاأخضرَ ولايابسْ

واحدٌ مِنها كانَ قرابةَ الرئيسِ فكانتْ

تأتيهِ الحِصَصُ وهوَ على كرسـيهِ جالسْ

***

لا أحدَ كانَ يجرؤ ولا حتى على الكلامْ

فنظامُ قريبهِ كانَ على نَفَسِ السُـكانِ كابِسْ

ليسَ للجرادِ، كما تعلمونَ، حزبٌ ولادينْ

فالكلُ شَـريكٌ والكلُ للشَـعبِ ناهبٌ وحابسْ

***

ولكنْ هذا القريبُ كانَ وجهَ البَسـطَةِ

فباقي الأقاربْ كانوا مِـنْ فصيلةِ العقاربْ

يَنهبونَ ويَسـرقونَ كقريبهمْ ولكنْ

القتلُ في قاموسِـهمْ فرضٌ وواجبْ

***

وماكانَ أكثر مِـنَ الحُمُرِ الوحشيةِ

الذينَ يخلطونَ بينَ الصَهيلِ والنَهيقْ

وهناكَ غرابٌ يدَّعي أنَّهُ حكيمُ أسـنانٍ ووطنيةٍ

ولكنهُ يَقِضُّ مَضاجِعَ الغابةِ بالنَعيقْ

وهذا ضِفدعٌ يقولُ أنَّـهُ عالِمُ سِـياسـةٍ

ولكنهُ يملأُ الدنيا ليلَ نهارَ بالنَقيقْ

أما هذهِ فحرباءُ أصبحتْ عجوزاً شَـمطاءَ

تبحثُ عنْ عروضٍ بدأتْ أمامَها تضيقْ

***

وما أكثر ماكانَ لغابتنا حلفاءٌ في الخارجِ

وخاصةً مِـنْ أصحابِ اللِحى والعَمائِمْ

كانوا يفعلونَ ما تفعلهُ الأفاعي

ويختبئونُ في ريشِ الحَمائِمْ

***

وكانَ يترددُ على الغابةِ دِبٌ عجوزٌ

يَظنُ أنَّـهُ مازالَ في سِـنِ الشَـبابْ

غزا الجَرَبُ ماتبقي عليهِ مِـنْ وَبَرٍ

وعلا الصَدأُ مابَقىَ لديهِ مِـنْ مَخالِبٍ وأنيابْ

***

وتنينٌ طالما ضيَّقَ قلبَهُ قبلَ عينيهْ

لهُ في اللعبِ بالنارِ مَهاراتٌ ومَواهبْ

ولهُ تاريخٌ حافلٌ بسَـفكِ الدماءِ

وإنْ رأيناهُ أحياناً في قُفطانِ راهبْ

***

هذهِ غابةٌ كانتْ ومازالتْ أشـبهُ بالكوابيسِ

مَنْ قصدَها فكأنَّهُ لنفسِـهِ يُعاقبْ

أرضُها سُـجونٌ وأشـجارُها مشـانقْ

وأمطارُها مِـنْ رصاصٍ وريحُها دومَ ناحِبْ

***

شعر: طريف يوسف آغا

كاتب وشاعر عربي سوري مغترب

هيوستن / تكساس

جمعة (بروتوكول الموت) 28 محرم 1433 / 23 كانون الأول، ديسيمبر 2011

http://sites.google.com/site/tarifspoetry