رسالتي الثانية إلى السفير السوري في واشنطن

رسالتي الثانية إلى السفير السوري في واشنطن

السبت 28 أيار 2011

السيد الدكتور عماد مصطفى، سفير الجمهورية العربية السورية في واشنطن؛ سلاماً وبعد

إسمح لي أن أشكرك في بداية هذه الرسالة على مكالمتك الهاتفية لي أول أمس الخميس 23 جمادي الثاني 1432/ الموافق 26 ايار، مايس 2011 والتي أتت رداً على رسالتي الخطية لك يوم ذكرى الشهداء في سورية قبل ثلاثة أسابيع. واسمح لي أيضاً أن أرد على تلك المكالمة الهاتفية برسالتي العلنية الثانية هذه، كوني ممن يعملون بالمقولة الثمينة:

(إن بقاءَ الكلامِ المقالِ مُحالٌ هي الكلمة الموَثَّـقة التي تبقى).

السيد السفير

للأسف فلم يحصل شيئاً خلال تلك الأسابيع سوى ارتفاع عدد القتلى وسفك المزيد من دماء الشعب السوري وبيد سورية، وذلك على عكس ماتمنيته في رسالتي المذكورة وعلى عكس ماتمنيتك أن تتدخل لتحقيقه. وكما قلت لك يوم أول أمس، فقد كنت أتمنى أن نتعارف في ظروف غير تلك الظروف، ولكني مع ذلك أرى أن تعارفنا الآن ربما ساهم وبشكل ما في وضع أفكار تساعد في تضميد الجراح وإيجاد حلول للأزمة التي يمر بها الوطن.

وكما ذكرته لي بأنك، ومن خلال اطلاعك على أعمالي الشعرية السابقة، لمست فيها معاني حب الوطن، فأنا أيضاً أقول لك هنا بأني لمست نفس المعاني في الكلمات التي سمعتها منك خلال مكالمتنا الهاتفية يوم أول أمس. ولكن للأسف، لا قصائدي الشعرية ولا كلماتك تلك قادرة وحدها على إيقاف حمام الدم الذي نراه على شكل مسلسل يومي. وحيث كنتَ قد سألتني عن رؤيتي، ككاتب وشاعر مغترب ومستقل، حول أفضل الطرق للخروج ببلدنا مما يعانيه اليوم، فأستطيع أن أقول لك وبثقة تامة ومدعومة بدروس التاريخ، أن أي مخرج حضاري لأزمة من هذا النوع والوزن وفي أي بلد كان لايمكن إلا أن يبتدئ من منطلق أن مصلحة البلد والشعب يجب أن تكون فوق كل المصالح. وأن على القيادة السياسية أن تبحث عن وسائل وتكون مستعدة لتضحيات لتحقيق تلك المصلحة بعيداً عن دماء الشعب الذي قدم برأي مايكفي وبات الأمر يتطلب قرارات شجاعة ومسؤولة من القيادة نفسها. وهي قرارات وإن كانت مؤلمة وصعبة، إلا أن التاريخ سيذكرها لها في المستقبل بأحرف من نور. لايجب أن يغيب عن بالنا هنا هو أن استعمال العنف اتجاه الطرف الآخر الذي لانتفق معه لايحل الأزمة، ولاإنكار وجوده ولاتجاهله، فكل ذلك إنما يعقدها ويؤخر إنفجارها إلى حين، ولايمكن التحرك إلى المستقبل دون الإعتراف بأخطاء ومداواة جراح الماضي ومحاسبة المسؤولين عنها وهذا هو جوهر المصالحة الوطنية. أما المصافحة والعناق و(تبويس الشوارب) فكلها شكليات لا تغني عن الجوهر بل يمكن أن تأتي بعده، وكونك سألتني عن رؤيتي للخروج بالوطن من الأزمة الحالية، فأرى أن الخطوات التالية تصلح كبداية شجاعة لتحقيق ذلك:

أولاً: طي صفحة الماضي بالإفراج الفوري عن كافة معتقلي التظاهر والرأي الذين تم إعتقالهم خلال الأحداث الأخيرة أو قبلها والإعتذار منهم ومن عائلاتهم (فالإعتراف بالخطأ فضيلة) وتعويضهم معنوياً ومادياً عن الأضرار التي لحقت بهم من جراء إعتقالهم. وكذلك دفع تعويضات مادية لعائلات من مات خلال الإعتقال وإعادة الإعتبار للجميع.

وكون الناس بطبعهم يحبون النهايات السعيدة، فخطوة كهذه ستكون الأمثل للبرهان عن حسن النية من جهة القيادة، ولاشك أنها ستأسر القلوب والعقول معاً وتجعل المواطنين الشرفاء ومن كافة الأطياف على استعداد، ليس فقط لوقف المناداة باسقاط النظام، ولكن أيضاً للإصغاء له والحوار معه. وفي حال وجود مؤامرة على البلد، فإن خطوة كهذه ستجرد أصحابها من أهم أوراقهم التي يلعبون بها، خاصة وإذا ترافقت مع السماح الحقيقي بالتظاهر السلمي والسماح للشرطة المدنية حصراً بالتواجد في الشوارع (بعد سحب الأسلحة النارية من أفرادها كونها لا تواجه إسرائيل) وتكليفها بحماية المتظاهرين وتوزيع المياه عليهم.

ثانياً: هذه الخطوة ستكون أصعب من الأولى، ولكن سيكون تحقيقها أساسياً للبرهان على أن الشعب والقيادة يعزفان على نفس الوتر. وقبل أن أطرحها لابد أولاً من مداخلة بسيطة للتمهيد.

من الطبيعي في الدول التي حكمتها قوانين الطوارئ لأكثر من نصف قرن أن يظهر مايسمى بمراكز القوى. وهذا التعبير لمن لايعرفونه يعني ظهور كيانات صغيرة تابعة للدولة وتعمل تحت رايتها، كأفرع الأمن المختلفة والحرس الجمهوري والوحدات الخاصة وغيرها، ثم تكبر وتقوى مع مرور الوقت لتشكل مايشبه الدويلات المستقلة داخل حدود الدولة وتقوم بإتخاذ القرار وتنفيذه على الأرض دون العودة إلى مرجعية القانون أو الدستور. فتجد القيادة السياسية نفسها في يوم وقد أصبحت غير قادرة على تنفيذ إصلاحات أو وعود قطعتها على نفسها أمام الشعب لأن ذلك يتعارض ومصالح من يديرون تلك الدويلات.

من هذا المنطلق، فالخطوة الثانية ستبدأ بإعادة هذه الكيانات إلى حجمها الطبيعي وإلى حظيرة الدولة والحكومة المركزية، حتى وإن كان ذلك يعني إزاحة بعض المسؤولين عنها وأيضاً بعض المقربين من القيادة والذين ماعرفهم الشعب سوى من خلال التنكيل به أو التسلط على ثرواته. ولاأنصح هنا أن تكون هذه الخطوة دموية، فقد شهدت البلاد مايكفي من حمامات الدم، ولكن يمكن أن تكون عن طريق المحاكمة العلنية وحسب مواد القانون، أو حتى بالإبعاد خارج البلد إذا كان السيناريو القانوني صعب التنفيذ في المرحلة الراهنة. هذا ويذكر التاريخ عدة حوادث لحكام اضطروا لتحجيم أبنائهم أو أشقائهم لأسباب معينة، ولكن عادت نتائجها في النهاية لمصلحة الوطن. هذه الخطوة ستكون كفيلة بسحب بقية الأوراق من يد المتآمرين على الوطن في حال وجودهم.

ثالثاً: تشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة بالتوافق مع المعارضة تكون مؤلفة من وزراء مستقلين معروفين بنزاهتهم ووطنيتهم وعدم تلوث أيديهم لا بالدماء ولا بالمال العام. وهي حكومة تكون مهمتها العمل على التحضير لانتخابات برلمانية ورئاسية شفافة وتخضع لرقابة منظمات حقوقية معروفة بنزاهتها وحيادها. وأن يجري كل ذلك بعيداً عن تدخل الجيش الذي يجب أن يعود إلى ثكناته ليحضر نفسه للمهمة التي ابتعد عنها لأربعة عقود، وهي الجولان وبقية الأراضي المحتلة.

فهل توافقني على ذلك؟

والسلام

***

طريف يوسف آغا

كاتب وشاعر عربي سوري مغترب

هيوستن/ تكساس

السبت 25 جمادي الثاني 1432/ 28 أيار، مايس 2011

http://sites.google.com/site/tarifspoetry