إتفضلي معنا إلى غرفة الحزب

اتفضلي معنا إلى غرفة الحزب

من الحياة اليومية لمواطن سوري

بقلم طريف يوسف آغا

هذه قصة جديدة من سلسلة (الحياة اليومية لمواطن سوري) أهديها لأصحاب مقولة (كنا عايشين وماشي حالنا)، وهي قصة حدثت معي وليست قيلاً عن قيل أو نقلاً عن فلان وعلتان. وكما ذكرت في قصص سابقة، فقد درست في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية (همك) مابين عامي 1975 و1980 حيث جرت أحداث هذه القصة حين كنت في السنة الرابعة.

كان قد تم افتتاح مبنى المحاضرات الجديد ذو الطابقين مع المكتبة في الطابق الثالث، حيث اعتدت الدراسة فيها مع بعض الأصدقاء وخاصة في فترة ماقبل الامتحانات. كنت في ذلك اليوم أدرس مع أحد أصدقائي (مروان) من المعهد المتوسط المجاور للكلية والذي تعرفت عليه وتوطدت صداقتنا بسبب (إدماننا) معاً على لعب كرة الطاولة (البينبون)، شكراً للعم (أبو أديب) رحمه الله، الذي كان يشرف على تأجير الطاولات الثلاثة بجوار المقصف والتي كنا نقف بالانتظار لاستأجارها ونتجادل أحياناً على أحقية الدور. وكون الشئ بالشئ يذكر، فكان الحزبيون والإتحاديون يأتون ويلعبون ويتركون حين يريدون، ضاربين بالدور وبالمنتظرين عرض الحائط. وحين كنت شخصياً أعترض وأحتج للعم (أبو أديب)، كان يقول لي هامساً "طريف، إسترنا، بدي أرجع ونام بيتي اليوم". وكان أحياناً يراضيني حين حدوث ذلك بأن يغض النظر على إستمراري باللعب خمس أو عشر دقائق أطول من الفترة التي إستأجرتها، حيث كانت كل فترة إيجار هي نصف ساعة أو أضعافها، حسب عدد المنتظرين بالدور.

كانت درجة حرارة علاقتي بثلة الحزبيين والإتحاديين طوال فترة دراستي في الكلية تحت الصفر، وذلك بسبب كراهيتي الشديدة للسياسة بشكل عام، محلية أو أجنبية. فالسياسة بتعريفي هي فن الكذب والإحتيال والفساد في الدول التي تدعي الحرية والديمقراطية، يضاف إليها القتل والسجن والتعذيب في دولنا. وما حماني من أذى الثلة التي ذكرتها هي أني كنت على علاقة صداقة وطيدة مع أحد الأساتذة ممن كانت لهم شعبية كبيرة في الكلية، وهذا يحمي من الأذى لحد معين. كما وأن الصدفة شائت أن أحد الحزبيين (من الوزن الثقيل) في الكلية كان من دورتي ومعي في نفس قاعة الصف، وكان دائماً يظهر لي الود كوننا نجلس على مقاعد دراسة متجاورة. وقد عرض علي في أكثر من مناسبة أنه جاهز لمساعدتي في أي شأن ولحل أي مشكلة في الكلية، وهذا أيضاً كان يبدو وأنه يمنع أذى الآخرين.

بالعودة إلى قاعة المكتبة، كانت الساعة قد قاربت على السابعة والنصف مساءً، وكان الوقت شتاء والظلام قد خيم بشكل كامل، وكنت وصديقي قد قررنا أن نغادر الساعة الثامنة لنستقل آخر باص يتوجه من الكلية إلى باب توما. وهنا بدأت القصة حيث أتت إحدى الطالبات إلى طاولتنا وكان وجهها شاحباً وكأنها شاهدت شبحاً، وهي كانت من نفس دورتي ولكن من غير إختصاص، وعلاقتي معها في السنوات الماضية لاتتجاوز التحية (البروتوكولية) على الماشي أو حديث عام ضمن مجموعة من الأصدقاء. بعد تبادلنا التحية، قالت لي بصوت واضح عليه الخوف والارتجاف "طريف ممكن أجلس معكم على الطاولة؟". وتابعت قائلة بعد جلوسها "هناك ثلاثة طلاب لاأعرفهم ولكنهم عرفوا عن أنفسهم أنهم من الفرقة الحزبية ودعوني للذهاب معهم إلى غرفة الحزب لشرب القهوة، ولما اعتذرت أصروا وقالوا أنهم سيرافقوني إلى هناك بعد خروجي من المكتبة" ثم أشارت بعينيها إلى الطاولة التي كان هؤلاء الطلاب يجلسون عليها. لايحتاج أحد يرى تلك المجموعة لأي ذكاء أو خبرة بالناس ليحكم عليها من مظهرها ومن المسدسات على خصورها أنها مجموعة زعران أو بلطجية الله أعلم كيف وصلت إلى هذه الكلية العلمية. حين نظرت إلى وجوههم، وكانوا يجلسون على بعد حوالي العشرين متراً من طاولتي، استطعت أن أميز عدم الرضا الممزوج بالتحدي ولكن أيضاً بعدم معرفة ماعليهم أن يفعلوا بعزيمة (فنجان القهوة) بعد أن أتت الفتاة إلى طاولتي. من جهتي، فهمت سريعاً أني أصبحت جزءاً من المشكلة، وأن إعتذاري من الفتاة والطلب منها أن تحل مشكلتها بدوني لتجنب المخاطر هو أمر غير وارد لأنه ببساطة ليس من طبيعتي حتى ولو كنت لاأحظى بالدعم الذي سبق وأشرت إليه.

تفاجأت في البداية بلجوء الفتاة إلي بالذات، والقاعة كان فيها العشرات من الطلاب، خاصة وأن علاقتنا كانت أكثر من عادية كما ذكرت. والتفسير الوحيد الذي وجدته هو أنها كانت على علم بعلاقتي السيئة مع الحزبيين عموماً، وهي علاقة كان يعرفها القاصي والداني في الكلية، وأنهم كانوا يعرفون أن تصعيد الأمور معي لن يوصل لأي نتيجة للأسباب التي سبق أيضاً وأشرت إليها. ناحية ثانية أنوه إليها في هذا السياق والتي تفسر لماذا إختاروا هذه الفتاة بالذات دون غيرها ليتحرشوا بها أنها كانت من الإخوة المسيحيين، واعتبروا بعقليتهم العفنة أن الملابس المودرن والمتحررة التي كانت عادة ترتديها بمثابة بطاقة دعوة للتحرش بها ودعوتها (بالزور) إلى (فنجان قهوة) في الغرفة الحزبية. من جهتي، قررت سريعاً إستغلال مالاحظته في تلك الثلة من تردد وعدم معرفة ماذا يجب أن يفعلوا، فقررت مع صديقي المغادرة مباشرة برفقة الفتاة إلى الباص قبل أن يعدلوا مشروعهم وتحدث (مصيبة) لاأحد يتمناها. وفعلاً مشينا بهدوء وصورة طبيعية مغادرين القاعة، وكنا نلتفت باستمرار إلى الوراء لنعرف فيما إذا كانوا خلفنا. وكانت فترة الخمس دقائق من المكتبة إلى مقعد الباص كخمس سنوات على الفتاة، ولم تشعر بالراحة إلا حين تحرك الباص، حيث كانت تتوقع من هؤلاء الطلاب أن يتبعوها، ولكنهم لم يفعلوا.

أخبرتني الفتاة في اليوم التالي أنها قدمت شكوى بالحادثة لعميد الكلية وأنهم استدعوا الطلاب المعنيين وحذروهم من تكرار مافعلوه، وذلك بحضور أمين الفرقة الحزبية، ولم يتمكنوا من فصلهم لأنهم كانوا من (الطائفة الكريمة). هذه هي سورية الأمس للذي لايعرفها، ولأصحاب مقولة (كنا عايشين وماشي حالنا)، في هذه (السورية) كان الناس يعيشون تحت شبح الخوف والارهاب والتحرش في كل يوم وفي كل خطوة يخطونها وكل هذا تحت راية الحزب أو الأمن الذي من مهمته حماية الناس وليس تهديدهم.

***

يرجى المشاركة

بقلم: طريف يوسف آغا

كاتب وشاعر سوري أمريكي

الجمعة 5 آذار، مارش 2021

هيوستن / تكساس