إنجازات الديكتاتور الثوري العربي

إنجازات الديكتاتور الثوري العربي

وماهي علاقتها بالسفرجل؟

كثيراً ما يتبجح الديكتاتور الثوري العربي بانجازاته التاريخية ومنحه الكريمة التي قدمها للوطن والمواطن. ونسمعه هذه الأيام، وهو يواجه غضب شعبه الذي يريد إزالته، يركز أكثر وأكثر على هذه الانجازات والمنح ويرددها ليل نهار على لسان وسائل إعلامه الفاقدة للمصداقية مثله. وذلك في محاولة يائسة منه لكسب عطف الشعب الثائر بتذكيره بها كل ساعة لدرجة التمنين، وكأنه صرف عليها من جيبه وليس من أموال الضرائب وخيرات البلاد. فرأيت في هذا المقال أن أدينه من لسانه وأضع تلك الانجازات والمنح التي يتبجح بها تحت المجهر فأكشفها على حقيقتها من دون زيف أو مبالغة.

سأبدأ من الجامعات الحكومية والتي طالما تغنى بها الديكتاتور ومنن بها الشعب بأنه يقدمها له مجاناً في حين أنها تكلف ثروة في بقية دول العالم. وكوني درست في واحدة من تلك الجامعات، ثم انتقلت لأعيش في أمريكا، فيمكنني بناء على ذلك الاتفاق مع الديكتاتور على الجانب المادي من إدعائه، وهو الدراسة المجانية عندنا والباهظة التكاليف عندهم. ولكني أريد أن أسأله عن جامعاته تلك، هذا فيما إذا كان يمكننا تسميتها جامعات، ومستوى الدراسة فيها وقيمة شهاداتها في العالم. فالمناهج المعتمدة في الأفرع العلمية لجامعاتنا الحكومية أكل الدهر عليها وشرب، وهي متأخرة عشرات السنين عما يُدرس في جامعات الشرق أو الغرب على السواء. وهذا ينطبق على المخابر وتجهيزاتها والمكتبات ومحتوياتها، ناهيك عن المستوى العلمي والكفاءة المهنية لأساتذتها الذين يحملون بمعظمهم شهادات إما من نفس الجامعة وإما من الجامعات السوفيتية أو الأوربية الشرقية خلال النصف الثاني من القرن الماضي. وهي الشهادات التي كان أكثرها يمنح إما بالتزكية أو الواسطة أو الشراء. لهذا وبدلاً من أن يتبجح الديكتاتور العربي بجامعاته المجانية، عليه أن لا يأتي على ذكرها بالمرة لأنها لاتبيض الوجه. وإذا قمنا بوضع جامعات الأنظمة الديكتاتورية العربية قاطبة على محرك غوغل وطلبنا منه أن يصنفها عالمياً، فالنتيجة هي خير برهان على ما أقول. ولا بد من الاشارة هنا إلى أن جامعاتنا لاتنقصها لا العراقة ولا التاريخ، ولا حتى التميز، لكن وبمعية النظام الديكتاتوري الذي تعتمد عقليته على الكم وليس الكيف والظاهر وليس الجوهر، أوصلها إلى الحضيض.

سأنتقل إلى الخدمات الطبية والتي عادة ما يفتخر الديكتاتور بأنه يقدمها أيضاً بالمجان لأفراد الشعب، وذاك عبر المشافي والمستوصفات الحكومية. ولكن هنا أيضاً حدث ولاحرج، فهذه المرافق قد حازت وبجدارة على لقب المسالخ الحكومية. والى جانب القذارة وبقع الدم على الأرض والجدران والأسرة والتي تشابه تلك التي نجدها في المسالخ، فعلى زائر هذه المرافق أن ينتظر أحياناً بالساعات للحصول على أبسط الخدمات. وإذا حصل عليها فمن طبيب قليل الخبرة أو متدرب من دون إشراف أو من ممرضة لاتعرف البسمة طريقها إلى وجهها. أما شتم المرضى والمصابين الذين يتأوهون من الألم، وحتى الاعتداء عليهم بالضرب لوقفهم عن التأوه، فهو من الممارسات الاعتيادية في تلك المشافي، ناهيك عن النقص الدائم في المواد والأدوية، وكون المكركروم والشاش هو العلاج شبه الوحيد لكل الاصابات. لهذا وحين يحتاج صاحب الدخل المحدود من الشعب لخدمات طبية، وبسبب عدم إمكانيته تحمل مصاريف المشافي الخاصة، فهو يكتب وصيته قبل ذهابه إلى المشفى الحكومي. وبالتالي فلست أرى هنا أيضاً ما يدعو للتبجح بذكر هذه الخدمات، خاصة وأن بلادنا كانت في مقدمة بلاد العالم في مجال الطب والأدوية. ولكن وكون الديكتاتور يفسد كل شئ برعونته وجهله، فقد أوصل تلك الخدمات إلى أسفل السافلين.

سأنتقل إلى القطاع العام الانتاجي الذي يتبجح الديكتاتور بأنه يوظف اليد العاملة ويوفر السلع الصناعية والزراعية بأسعار مخفضة للمواطن. ولكن ليس حظ هذا القطاع بأفضل من سابقيه من الجامعات والمشافي من حيث النجاح. فهو يوظف أضعاف العدد اللازم من الموظفين ليحل مشكلة البطالة، فيخلق مشكلة ما يسمى بالبطالة المقنعة، والتي هي أخطر من سابقتها لأنها لا تحلها ولكن تخفيها، كما وتهدر اليد العاملة في مجالات غير منتجة. كلنا يعرف فضل الديكتاتور على الزراعة، فمن بعد أن كانت بلادنا مصدراً للمنتجات الزراعية للعالم كله عبر التاريخ، أصبحت تستورد تلك المنتجات، ليس فقط من الدول المجاورة، ولكن من أوربة وأمريكا. وبسبب عدم اهتمامه بالريف وتدخله بعمل المزارع، فقد أجبر الديكتاتور هذا الأخير على هجر أرضه وزراعته ودفعه للهجرة إلى المدينة ليصبح موظفاً متواضعاً أو عنصر أمن يضاف إلى من يشكلون البطالة المقنعة. وتحول شعار (الأرض تعود للذي يزرعها) إلى (الأرض بحاجة لمن يزرعها). وهذا ينطبق على الصناعة في معامل القطاع العام أيضاً، حيث يتم أحياناً توظيف عدة عمال على الآلة التي تحتاج عاملاً واحداً. فخسرت المعامل وأصبحت عالة على الدولة واستنزفت الاقتصاد الوطني، ناهيك عن النوعية المتدنية للمصنوعات على كافة أنواعها حتى باتت صفة تلازم كافة منتجات القطاع العام.

وأقف أخيراً وبسرعة عند قطاع القوات المسلحة من جيش وأمن، حيث يدعي الديكتاتور بأنه أعاد بنائها وصرف المليارات على تسليحها وتدريبها لتكون سياجاً للوطن وأماناً للمواطن. ولكن ما فعله في الواقع كان أنه قام بتحويل تلك المهام إلى مساعدته بنهب خيرات الوطن من جهة وحمايته من غضب الشعب من جهة ثانية. فتحول قادتها إلى مجموعة من التجار والمقاولين على النمط المافيوي بعد أن جمعوا في أيديهم المال والسلاح في آن واحد. ولهذا فلا نستغرب وصف ذلك القطاع في الدول الديكتاتورية بعبارة (حاميها حراميها)، بالاضافة لقاموس باقي الأوصاف التي تطلق عليها.

في النهاية نجد أن كل ما يتبجح به الديكتاتور الثوري العربي ليس إلا سلسلة من الاخفاقات التي تصل إلى مرتبة الكوارث، وإن كانت تدعو لشئ فللخجل لا للتفاخر. ولهذا فان المواطن العربي المخضرم الذي عاش تحت ظل الديكتاتور، والذي أصبح الآن أو سيصبح قريباً من مستنشقي الحرية، سيقف في المستقبل ويستذكر تلك السنوات السوداء التي سرقها الديكتاتور من حياته وحياة أسرته. وهو حين يفعل ذلك، سيستذكر المثل الشعبي الشائع في بلادنا والذي يقول (شو بدي اتذكر منك يا سفرجل، كل عضة بغصة)

بقلم: طريف يوسف آغا

هيوستن / تكساس

الأربعاء 10 رمضان 1432 / 10 آب، أوغست 2011

http://sites.google.com/site/tarifspoetry