العلاقة بين بشار الأسد وشمشون

العلاقة بين بشار الأسد وشمشون

التشابه والاختلاف

لايمكن لكل من قرأ اسطورة (شمشون) التوراتية إلا أن يلاحظ أوجه التشابه بين شخصيته وبين (بشار الأسد)، وخاصة فيما يتعلق بقرار (الانتحار التدميري) الذي اتخذه كل منهما لخدمة لنفس الشعب (الاسرائيلي) من جهة وعلى مبدأ (علي وعلى أعدائي) من جهة ثانية.

مازال الاسرائيليون يعتبرون (شمشون) كأحد أهم أبطالهم التاريخيين بالرغم من أنه عاش ورحل قبل حوالي الثلاثة آلاف عام. ولايعلم المؤرخون كم في تلك الشخصية من الواقع وكم فيها من الخيال، فأبناء عمنا طالما اشتهروا بالاسرائيليات التي تبالغ في رواية الأحداث لدرجة تثير السخرية في بعض الأحيان. فهذا الرجل ذو العضلات المنفوخة والقوة الخارقة التي يستمدها من شعره الطويل بمباركة (الرب)، كما تقول الاسطورة، كانت مهمته في الحياة الدفاع عن ضعفاء (العبرانيين) ضد أعدائهم (الفلسطينيين). ولكن حصل أن وقع في غرام فتاة فلسطينية اسمها (دليلة) عرفت سر قوته فخدعته وقصت له شعره ليصبح ضعيفاً ثم سلمته لقومها الذين قلعوا عينيه وأحضروه إلى مدينتهم واستعملوه في الجر والتحميل وطحن الشعير وغيرها من الأعمال الشاقة. وفي ليلة اجتمع الآلاف من (الفلسطينيين) في المعبد الكبير للاحتفال وتقديم القرابين لربهم (داجون) وقرروا إحضار (شمشون) للسخرية منه. ولكن الرجل كان قد استعاد قوته بسبب نمو شعره من جديد، وتمكن بمساعدة أحدهم من الوصول إلى العمودين العملاقين الذين يحملان المعبد. فوقف بينهما ودفعهما بساعديه حتى تحطما وأدى ذلك إلى انهيار المبنى عليه قاتلاً معه الآلاف التي كانت فيه، وكان آخر ماسمعه الناجون هي عبارته المشهورة (علي وعلى أعدائي).

لنرى الآن كيف يمكن اسقاط شخصية هذه الاسطورة على صاحبنا. فالأسد الابن ماكان له مهمة في سورية، كأبيه من قبله، سوى حماية (دولة إسرائيل) من أعدائها العرب. أما قوة (شمشون) الخارقة فيمثلها في حالتنا الجيش (العرمرم) الذي سمح للأسد الابن، وأبيه من قبله، ببنائه وتسليحه بمئات الطائرات والدبابات والصواريخ البعيدة المدى والأسلحة الكيماوية. سمح له بكل هذا ليتمكن من تصفية المقاومة الفلسطينية أولاً وليكون قادراً على مجابهة أي ثورة شعبية تشتعل ضده. ولكن أيضاً بشرط أن يكون هذا الجيش لايساوي (نكلة) مقارنة بتسليح وتدريب الجيش الاسرائيلي. أي بشرط أن يكون جيشاً على مبدأ (أسد على الشعب وفي الحروب نعامة). أما شعر (شمشون) الذي هو سر قوته والذي بدونه يصبح رجلاً عادياً، فهو بالنسبة للأسد الابن، ومن قبله أبيه، الدعم الاسرائيلي السياسي له على الساحة الدولية، وكذلك الدعم الايراني-الروسي-الصيني بالمال والسلاح والرجال. فان تم (قص) هذا الدعم، وخاصة الأول، أصبحت هزيمته سهلة. ولكن من هي (دليلة) التي أوصلت الأسد الابن إلى عنق الزجاجة؟ إذا فكرنا قليلاً فسنجد أنها ببساطة (تكنولوجيا الاتصالات الحديثة) التي أخيراً أيقظت الشعب السوري من (نومة الكهف) كما أيقظت بقية الشعوب العربية، فاكتشف أن الديكتاتور ليس مخلوقاً لايقهر. والمضحك أن الأسد الابن عشق تلك (التكنولوجيا الحديثة)، كما وقع (شمشون) في عشق (دليلة)، ثم افتخر بأنه من أدخلها إلى سورية، لتعود وتنقلب لعنة عليه وتوقع به، وهذا يثبت نظرية أن العلم هو العدو رقم واحد للديكتاتور في كل زمان ومكان لأنه يفتح عقول وعيون الشباب على مايجري من حولهم.

هذا عن أوجه التشابه بين الاثنين، ولكن ماذا عن أوجه الاختلاف؟ الفرق الأول بين الرجلين أن الأسد الابن لم يقع سريعاً بيد أعدائه من الشعب العربي السوري كما وقع (شمشون)، لأن مصادر قوته المتمثلة بالدعم الاسرائيلي-الايراني-الروسي-الصيني المذكور لم (تقص) بعد وماتزال تقدم له مايحتاجه لاستكمال تدمير سورية وإفناء شعبها. وهذه الدول برأي هي مخترعة مقولة (الأسد أو نحرق البلد) في حين أن النظام وطائفته يقومان بترديدها فقط. كل العالم شرقاً وغرباً يريد أن يكون الشعب السوري عبرة لكل شعب عربي أو غير عربي يفكر بالثورة على جلاديه من أجل الحرية، فالدول العظمى تفضل التعامل مع ديكتاتوريات على ديمقراطيات مستقلة. وقد بدأنا فعلاً نسمع بعض الحكام هنا وهناك يوجهون لشعوبهم الغاضبة السؤال التالي: هل تريدون الأمن والأمان، أم الحرية على الطريقة السورية؟ الفرق الثاني أن (شمشون) حين دمر المعبد على رؤوس أعدائه، ضحى بنفسه فقط من أجل ذلك. أما الأسد الابن فلا أعتقد بأنه يجهل أن طائفته كلها، بصالحها وطالحها، برغبتها أو رغماً عنها، تم إيقافها معه بين عمودي المعبد. صحيح أن هذه العملية الانتحارية تقتل وستقتل الكثير من أعدائه من الشعب السوري، ولكنها لن تفنيهم عن بكرة أبيهم، في حين أنها قد تفعل هذا مع طائفته التي تقارب الخمسة بالمئة فقط. وهذا يؤدي بنا إلى سؤال منطقي: لو كان الأسد الابن، ومن قبله أبيه، علوياً حقاً، فهل كان سيعرض طائفته لخطر الافناء أو حتى التهجير في أحسن الأحوال؟ من مجريات الأحداث على الأرض، وخاصة عملية تبادل الأسرى الايرانيين الأخيرة، لايبدو الرجل مهتماً كثيراً بأبناء الطائفة.

أخيراً، وكما أن (شمشون) مازال بعد ثلاثة آلاف عام يعتبر بطلاً توراتياً، فأعتقد أن اليهود في المستقبل سيضعون الأسد الابن، وكذلك أبيه، في نفس المرتبة، وسينظرون إليهما كجزء من تاريخهم الذي يعتزون به ويبنون لهما النصب التذكارية. وهذا يقودنا إلى النظرية التي تقول أن عائلة الأسد هي عائلة فارسية الأصل هاجرت إلى سورية قادمة من إيران في نهاية القرن التاسع عشر، وكلنا يعلم نسبة اليهود المرتفعة في إيران وعلاقتهم الوثيقة اليوم مع إسرائيل، وكلنا يعلم أن الدم دائماً يحن لأصله.

***

ملاحظة: الفلسطينيون المذكورون في الاسطورة هم قبائل غير عربية أتت من الشمال وسميت الأرض باسمهم حينها، وليس لهم علاقة بالفلسطينيين العرب والذين يعتبرون أحفاد الكنعانيين الذين أتوا من الجزيرة العربية قبل العبرانيين والفلسطينيين.

بقلم: طريف يوسف آغا

كاتب وشاعر عربي سوري مغترب

عضو رابطة كتاب الثورة السورية

الاثنين 22 ربيع الآخر 1434، 4 آذار 2013

هيوستن / تكساس

http://sites.google.com/site/tarifspoetry