ماذا يريد الديكتاتور من الشعب؟

ماذا يريد الديكتاتور من الشعب؟

في نهاية المطاف

تناولت في مقالات كثيرة سابقة موضوع الديكتاتور من زوايا مختلفة، ولكني لم أتناول سؤالاً جوهرياً وهو: ماذا يريد الديكتاتور من الشعب في نهاية المطاف؟

وحتى نجيب عن هذا السؤال، فمن المفيد أولاً أن نعرف ماهو معدن الديكتاتور؟

من حيث المبدأ، ومن سلوك الديكتاتور يمكننا أن نقول بأنه ينتمي لطبقة اللصوص، إذ أنه يبدأ سيرته بالقفز على الحكم وسرقته دون حق دستوري، ولايتوانى عن محاولة إخفائه لتلك السرقة خلف بعض الشعارات الثورية أو الدينية أو انتخابات مزورة. ولكن وبعد أن يستتب له الأمر، نجده لايضيع وقتاً، بل يبدأ سريعاً بممارسة مهنتة بسرقة ثروات البلاد من نفط ومعادن وآثار وغيرها والتحكم بالاستثمارات الكبيرة من خدمات الهاتف والفنادق والنقل وكذلك المصانع والمزارع. ثم يظن بأنه سيبعد عنه الشبهات بوضع تلك المسروقات والاستثمارات والمشاريع بأسماء أبنائه أو اقاربه أو أقارب زوجته أو غيرهم. متحججاً بأن هؤلاء هم أيضاً من مواطني الدولة ويحق لهم مايحق لغيرهم من التملك والاستثمار، مستغبياً لنفسه قبل شعبه ومراهناً على صمت الأخير. وهو وخلال ذلك، سيستمر باطلاق المزيد من الشعارات والوعود الفارغة ليخفي ورائها ممارساته اللصوصية. كأن يقول مثلاً أنه أفنى عمره في خدمة وطنه وشعبه أو أنه لايرغب برئاسة مدى الحياة، أو أنه لم يسع في يوم لسلطة أو منصب، أو أنه الثائر ابن الثورة وأبو الثوار، أو أنه على استعداد لتحقيق كل مايأمره به الشعب، أو أنه زعيم المقاومة والممانعة والاصلاح والانفتاح. وهنا نصل إلى الغاية من هذا المقال وهو سؤال ماذا يريد الديكتاتور من الشعب في نهاية المطاف؟

بعد أن وافقنا أن الديكتاتور، في أي زمان ومكان، ومهما أطلق من شعارات ووعود ووعيد، ومهما وضع على نفسه من أوسمة ونياشين وأطلق على نفسه من ألقاب، هو في النهاية مجرد لص غايته الاستئثار بثروات واستثمارات البلد، وبالتالي فما يريده حقاً من الشعب هو أن يتركه وشأنه ليمارس لصوصيته بسلام وهدوء ومن دون تدخل أو مسائلة. وأعتقد شخصياً بأن أي شعب لو أنه يترك حاكمه ليمارس اللصوصية دون محاسبة، فالحاكم أيضاً سيتركه وشأنه دون اعتقالات أو تنكيل. فاللص حين يدخل البنك يكون هدفه الأول والأخير هو سرقته وليس قتل أحد، ولكنه يضطر لذلك حين يأتي من يحاول منعه والقبض عليه، وإلا فهو سيأخذ مسروقاته ويضعها في أرصدته ليبدأ بعدها بالتخطيط للسرقات القادمة.

ولكن لسوء حظ الديكتاتور أن مهنته ليست بهذه السهولة، ومايتمناه ليس سوى حلم لايحصل على أرض الواقع، إذ أن هناك دائماً من لديه الجرأة الكافية لايقاظه من حلمه وتحديه بأن يقول له أن مايأخذه ليس من حقه. ومن هنا يضطر صاحبنا، وهو الذي يسيطر على الجيش والأمن والبلاطجة، لاستعمال وسائل القوة هذه لاسكات الشعب والمحافظة على مسروقاته التي يعتبرها غنائم ومكاسب حصل عليها بعرق جبينه ودخان مدافعه. طبعاً هذا تبسيط شديد لمسألة ماذا يريد الديكتاتور من الشعب وللعلاقة بين الطرفين. وقد تكون هناك عوامل إضافية تتعلق بهذه المسألة وبتلك العلاقة، كأن يكون الديكتاتور مطالباً بتأمين مصالح أو رغبات دول عظمى مقابل أن تقوم الأخيرة بغض النظر عن لصوصيته وجرائمه ضد شعبه. ومن العوامل الاضافية أيضاً أن يكون لدى الديكتاتور حقداً تاريخياً على مجتمعه. فالى جانب ممارساته اللصوصية التي تبقى دافعه الرئيسي للتشبث بالسلطة، فنراه أيضاً يمارس سياسة الانتقام ضد هذا المجتمع الذي كان عبر مراحل تاريخية سابقة قد مارس بدوره ظلماً ضد قبيلة أو طائفة الديكتاتور. وفي كافة الأحوال، فلا أحد يتوقع من لص أن يصفح حين يصل إلى الحكم، فالصفح من شيم الكرام وليس من شيم اللصوص. وهنا تقع مسؤولية تاريخية وأخلاقية على حكماء وزعماء قبيلة أو طائفة الديكتاتور، وهي أن يساعدوا الشعب بالتخلص من شره حتى لا يُظن أنهم موافقون على سياسته اللصوصية والانتقامية وشركائه فيها، وبالتالي حتى لايزجون بأنفسهم معه في نفس الجانب يوم تقوم ساعة الحساب التي لاشك قادمة طال الزمان أو قصر، والتي قد شاهدنا ثلاثة منها منذ اندلاع الثورات العربية وحتى الآن.

***

بقلم: طريف يوسف آغا

كاتب وشاعر عربي سوري مغترب

هيوستن / تكساس

الاثنين 18 ذي الحجة 1432 / 14 تشرين الثاني، نوفمبر 2011

http://sites.google.com/site/tarifspoetry