سـتالين والديكتاتور الثوري العربي

سـتالين والديكتاتور الثوري العربي

أيـن يلتقـيان وأيـن يفترقـان؟

لم تكد جيوش الإحتلال أو الإنتداب الأجنبية تنسحب إلى أوربا في منتصف القرن الماضي، مانحة الإستقلال للدول العربية، حتى بدأت ما تسمى بالأنظمة الديكتاتورية المحلية (والتي أفضل تسميتها بأنظمة الإحتلال الوطنية) بالظهور مكانها واحدة بعد الاخرى وبأشكالها المختلفة من ملكية وثورية. فاختارت الملكية منها سياسة المعسكر الغربي الذي كانت أمريكا قد كرست هيمنتها عليه، في حين اختارت تلك الثورية منها سياسة المعسكر الاشتراكي والذي كان يتزعمه في ذلك الحين الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين (1878-1953)

وقد أكد مقربون من بعض الحكام العرب الثوريين الذين تولوا مقاليد السلطة في بلادهم، عِشق هؤلاء الحكام لشخصية ستالين لدرجة أن أحدهم جمع في مكتبته كل الكتب المحلية أو المترجمة عن هذا الرجل الثوري الذي يعني اسمه (الرجل الحديدي) ومن الواضح أنهم اتخذوه مثلاً أعلى لهم، يحتذون به في سياساتهم الداخلية والخارجية، وحتى في حركاتهم وسكناتهم. وسأحاول في هذه المقالة كشف أهم إنجازات هذا الرجل، وأين يلتقي مع الديكتاتور الثوري العربي، وأين يفترق عنه.

حكم ستالين الإتحاد السوفيتي لمدة واحد وثلاثين عاما حتى آخر حياته، وهذا بالتأكيد نال إعجاب الديكتاتور العربي الذي قلده فيه حرفيا. كما أن ستالين حكم بلاده بالحديد والنار بواسطة أجهزة الأمن، فصفى كل خصومه ومعارضيه، وقمع كل أشكال الاحتجاج أو المعارضة الداخلية. ففي حين بلغ عدد ضحايا شعبه خلال الحرب العالمية الثانية على يد الجيش الألماني النازي حوالي العشرة ملايين، إلا أن ضحاياه هو من الشعب السوفيتي واللذين قضوا في سجونه أو أعدموا أو اختفوا وبغض النظر عن اتهاماتهم، يتراوحون بين خمسة وأربعين وخمسين مليونا. وهذا أيضا مما سحر الديكتاتور العربي وجعله يبرر لنفسه فعل ما فعله ستالين بحجة الدفاع عن الثورة ومنجزاتها. وكان ستالين أيضا ًمهووساً بمسيرات التأييد وإلقاء الخطابات وارتداء البذل العسكرية وزرع صورته في كل مكان وإعطاء أعماله الصفة التاريخية واستعمال الألقاب الثورية من الأب القائد إلى الإبن البار إلى الأخ إلى الرفيق. وكل هذا أيضاً فتن الديكتاتور العربي وجعله ينسخه نسخاً شبه حرفي في بلده.

طبعاً لن أتطرق إلى كل ما قام به هذا الرجل الذي عشقه حكامنا الثوريون حتى العظم، فهناك مئات المواقع التي تقدم ذلك وبالتفصيل الممل. ولكني سأقفز إلى غايتي من المقالة وهي استعراض الإنجازات الحقيقية التي حققها ستالين والتي يعترف له بها أعدائه قبل محبيه، وهي الإنجازات التي ليس لها علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالديكتاتور العربي والتي تفرقه عنه. كان ستالين رجلاً ثوريا بكل مافي هذه الكلمة من معنى، فهو تمكن بعقليته الثورية وخلال ثلاثة عقود من تحويل بلده، وهو البلد الأكبر مساحة في العالم، من بلد زراعي متخلف إلى صناعي متطور ووضعه مع أمريكا في نادي الدولتين الأقوى في ذلك الحين. وهو أيضاً حارب الفساد وبطش بكل من مشى فيه بغض النظر عن مكانته أو رتبته، مبتدأ ً بالقريب قبل البعيد. كما لم يعط أي استثناء أو تفضيل لأفراد أسرته من حيث وظائف الدولة الحساسة أو الإستثمارات الخاصة. وحتى عندما وقع ابنه أسيراً لدى الجيش الألماني النازي خلال الحرب العالمية الثانية، رفض الاستجابة لعرض الإفراج عنه مقابل إفراجه عن المئات من الأسرى الألمان لديه، فمات الإبن في الأسر. وأخيراً وليس آخراً، فهو من واجه أرتال الغزو الألماني الذي وصل إلى مشارف عاصمته موسكو. فسرعان ما عاد والتقط أنفاسه ونظم صفوفه وطرد الجيش الغازي من أرضه، ثم لاحق فلوله إلى العاصمة الألمانية برلين ليحظى بشرف كونه أول جيش من جيوش الحلفاء يدخل المدينة ويضع يده على جثة الزعيم النازي هتلر.

وبالرغم من أني لست من المعجبين بشخصية ستالين، ولا أعتقد بأن منظمة حقوق الإنسان فخورة به، ولكن الشئ بالشئ يذكر. فهو على الأقل، وإذا حوكم في محكمة التاريخ، سيكون لديه ما يدافع به عن نفسه وما قد يشفع له إلى حد ما. فكما أن حماقاته كانت عملاقة، إلا أن إنجازاته كانت عملاقة أيضاً. وإذا عدنا إلى الحكام الثوريين العرب والذين طالما عشقوا هذا الرجل وتشبهوا به، فنحن بالتأكيد سنجدهم قد ساروا وبأمانة على خطاه في مجال الحماقات، في حين أنهم تجاهلوا تماماً جانب الإنجازات، أو ربما قاموا بالمسرحية أو الرمزية منها لذر الرماد في العيون. فها هم قد حافظوا وبأمانة على تخلف بلادهم وإبقائها في مجموعة دول العالم الثالث وإبقائها بحاجة الدول الأجنبية غذائياً وصناعياً وحتى عسكرياً. ونشروا الفساد في المجتمع وشجعوا عليه، وحولوا البلاد إلى إقطاعية لهم ولأسرهم وأقاربهم وحاشيتهم، حتى صاروا يختصرون اسم البلد باسم الديكتاتور. وأخيراً فقد خسروا الحروب وخسروا الأرض، فمنهم من صالح الأعداء ومنهم من استسلم، ومنهم من فضل الوقوف على الخط الفاصل بين الصلح والإستسلام ليزاود ويخفي عجزه من هنا وليبتز ويتسول من هناك، ثم ليقول بأن لا أحد يفرض عليه زمان ومكان المعركة.

أكون بذلك قد غطيت أهم الجوانب التي يلتقي عندها والتي يفترق منها الديكتاتور الثوري السوفيتي ستالين والديكتاتور الثوري العربي. وهذا بالتالي ما سيجعلني أختصر تلك الفوارق بين الاثنين بحرف الياء الذي يفرق ما بين صفتي الثوري والثور.

بقلم: طريف يوسف آغا

هيوستن / تكساس

جماد الأول 1432 / نيسان، إبريل 2011

http://sites.google.com/site/tarifspoetry