الديكتاتور أمام المرآة

الديكتاتور أمام المرآة

ماذا يرى وماذا يقول؟

كتبت العديد من المقالات في الفترة الماضية عن شخصية الديكتاتور العربي عموماً والثوري خصوصاً، محاولاً تصنيفه ضمن الكائنات الحية المعروفة من جهة وفهم دوافعه وسلوكه وطريقة تفكيره من جهة ثانية. ولكني سأحاول في هذا المقال معرفة كيف يرى هذا الديكتاتور نفسه في مرآة ذاته، بعيداً عن وسائل إعلام التطبيل والتزمير، وخاصة هذه الأيام وهو يواجه ثورة شعبه الذي قرر أخيراً التخلص منه من نظامه. فهو إذا عاد إلى بيته وأغلق الباب ورائه ثم توجه إلى المرآة ونظر إليها، فماذا يرى وماذا يقول لنفسه؟

سنفترض أولاً أن لحظة كهذه ستكون لحظة صدق ولحظة اعتراف. فالحاكم، مهما فعل ومهما ادعى ومهما خدع الآخرين، فلا يمكن أن يخدع نفسه، وخاصة بعد أن أتته تلك الثورات لتكون بمثابة الصفعة التي أيقظته من أحلامه الديكتاتورية الوردية وأعادته إلى أرض الواقع على ألحان كلمة ارحل.

مجموعة الأسئلة التي سيسألها لنفسه والأجوبة التي سيجيب بها وهو يقف وحيداً أمام المرآة ستكون:

ماذا فعلت بنفسي وأسرتي وعشيرتي؟

كيف لم أر أن هذا اليوم آت لامحالة؟

كم كنت أنانياً عندما فضلت الاستمتاع بعدة سنوات من الحكم المطلق والثروة الخيالية، معرضاً بذلك نفسي وأسرتي وعشيرتي لانتقام الشعب الذي لابد آت مهما تأخر أو تأجل؟ وهذا مايوثقه التاريخ.

لو كنت أنا نفسي فرداً عادياً من أفراد الشعب، وكان حاكمي يستأثر بالحكم كما أفعل وينكل بي ويعتدي على شرفي ويعاملني وكأنني عبد عنده ويتركني أعيش على أو تحت خط الفقر، فهل كنت سأرى كل ذلك ثم أتركه وشأنه؟

الجواب بالتأكيد لا.

وهل كنت سأراه يرفع شعارات التحرير والوحدة والكرامة كما أفعل، ثم يترك أرض الوطن محتلة ويفرق الأمة ويذل الناس، ثم أتركه وشأنه؟

الجواب مرة ثانية لا.

هل كنت سأراه يستأسد علي ويسير الجيوش الجرارة لقمعي وقمع الشعب إذا تجرأنا وتظاهرنا ضده كما أفعل، في حين أنه يتصرف كقطة مع العدو في حالات السلم ويجري أمامه كنعامة في حالات الحرب، ثم أتركه وشأنه؟

الجواب من جديد لا.

ومن المفترض هنا أن يصل الديكتاتور إلى نتيجة المناظرة بينه وبين نفسه أمام المرآة. فهو سينظر مباشرة في عينيه ويقول: الغبي فقط هو من سيصدق، والمتغابي المستفيد هو فقط من سيتظاهر بأنه يصدق ماأدعيه. والمقصود هنا هو ماأدعيه من أني حامي الحمى وبطل المقاومة وسيد الممانعة وزعيم الثوار وقاهر الأعداء ومحطم المؤامرات وكاشف المندسين وفاضح السلفيين وممرغ أنوف الاستعمار ومحجم أشباه الرجال والمناضل من الحقل والمعمل والثائر من الخيمة والصحرا. فإذا كان الغبي أو المتغابي هما فقط من سيصدقا كل هذا، وإذا كنت أنا الديكتاتور سيئاً لهذه الدرجة، ولصاً وكاذباً وخائناً ومجرماً، فلماذا إذاً أقتل الناس الذين يتظاهرون ضدي في حين كنت سأفعل نفس الشئ لو أني كنت مواطناً عادياً؟ أليس الأجدر بي أن أفعل مافعله حاكم تونس بأن أهرب مع ثروتي وأسرتي وحاشيتي فأحقن دمائي ودمائهم ودماء الشعب؟ فالعالم كله يعرف، وليس الشعب فقط، بأننا لسنا سوى حفنة من اللصوص والجبناء، فماذا يضيرنا أن يقال بأننا هربنا مع مسروقاتنا؟ على الأقل فسيشفع لنا إن فعلنا ذلك أننا نكون قد حقنا دماء الآلاف من الشعب، والدماء من المفترض أنها لاتقدر بأي مال.

في هذه المرحلة من المناظرة بينه وبين نفسه، من المفترض أن يقرر الديكتاتور اتباع الطريق التونسي. أما في حال لم يفعل، فليس هناك سوى أحد تفسيرين لذلك: فهو إما أن لديه مرآة ولكنها أكذب منه، وإما ليس لديه. فننصحه في الحالة الثانية بشراء مرآة تونسية، أو، ولضمان النتيجة، استعارة تلك التي استعملها زميله (الهريب) صاحب تصريح (لارئاسة مدى الحياة) الشهير.

بقلم: طريف يوسف آغا

هيوستن / تكساس

الجمعة 29 رجب 1432 / 1 تموز 2011

http://sites.google.com/site/tarifspoetry