هولاكـو والديكتاتور الثوري العربي

هـولاكـو والديكتاتور الثوري العربي

المغول الجـدد والبحث عن الذات

مضى أكثر من سبعة قرون ونصف على موقعة عين جالوت التاريخية الشهيرة (1260) والتي أعلنت بداية انحسار الغزو المغولي عن بلادنا على يد المماليك. وهو الغزو الذي سبق وقضى على الخلافة العباسية وعاصمتها بغداد، كما ونتج عنه إحراق مدن بكاملها في العراق وسورية ومقتل مئات الآلاف من المدنيين العزل. وفي الحقيقة فلم يشهد التاريخ غازياً أكثر وحشية وهمجية وتعطشاً للدماء أكثر من المغول، وذلك من ملكهم جنكيز خان (1165-1227) إلى حفيده هولاكو خان (1217-1265) ومن أتى بعده. والمغول قبائل همجية لا تتبع ديانة سماوية معينة، كما وليس عندها ضمير ولا تحكمها أية ضوابط أخلاقية، وكل هذا جعلها خالية من الرحمة اتجاه بقية الأجناس البشرية. بل وزرع في نفوسها الحقد اتجاه بقية الأمم وخاصة تلك التي تمتلك حضارة ومدنية كالمسلمين عموماً والعرب خصوصاً. وقد دوَّن التاريخ ذلك بتسجيله للفظائع التي ارتكبوها حيثما مروا، من تعذيب لاإنساني للبشر إلى بتر لأطرافهم وهم أحياء، ومن قطع للرؤوس إلى تمثيل بالجثث. وأيضاً من حرق للمدن على سكانها إلى انتهاك للأعراض ونهب للأموال، ومن قطع للمياه عن الناس إلى تجويعهم وإهانة كرامتهم والتنكيل بهم. ولهذا فقد شعر الناس بالارتياح وحمدوا الله على تخليصهم من هذه المحنة التي، وكما قلت، لم يشهد التاريخ لها مثيلاً، إلا في أيامنا هذه.

وقد اعتاد الكثير من الكتاب العرب، وخاصة الشعراء منهم، على توجيه أصابع الاتهام إلى العصابات الصهيونية، والتي شكلت فيما بعد إسرائيل، وعلى منحها لقب المغول الجدد. إلى أن أتى الحكام العرب الثوريون ليتفوقوا وبمراحل على تلك العصابات وعلى إسرائيل، فوضعوا الجميع جانباً وفازوا باللقب باستحقاق. وإذا عدنا إلى ما سبق وذكرناه من الفظائع التي ارتكبها المغول وقارناها بممارسات الديكتاتور العربي لوجدنا تطابقاً شبه حرفي بين الاثنين. ولكن علينا ألا ننسى هنا أن المغول كانوا غزاة أجانب، مثل إسرائيل، أما هؤلاء الحكام فيفترض بأنهم من أهل البلد ويدافعون عنه وعن أبناء شعبهم. وهذا هو الفرق الجوهري الأول بين الاثنين، وأما الفرق الثاني فهو أن هولاكو حضر إلينا (بحسب رؤيته) بهدف أن يسجله التاريخ كفاتح أو غازٍ، مثله في ذلك مثل الاسكندر المكدوني (356-323 قم) من قبله وتيمور لنك (1336-1405) وبونابرت (1769-1821) وهتلر (1889-1945) وغيرهم من بعده، أما الديكتاتور العربي فهدفه في الحقيقة أدنى من ذلك بكثير. فهو، وكما يعرف القاصي والداني، لاهدف له إلا الحفاظ على الغنيمة التي استولى عليها هو وحاشيته والتي كانت تسمى في السابق بالوطن. ولا داعي هنا لأن أذكر حكامنا بالنهاية التي انتهى إليها كل هؤلاء الأشخاص الدمويين، فمنهم من مات مسموماً ومنهم من مات في المنفى، ومنهم من انتحر واحرقت جثته ومنهم من بحث الناس عن قبره بعد موته لإخراجه منه، فكانت في تلك النهايات عدالة لما ارتكبوه من فظائع بحق البشرية. ولهذا نرى أن الديكتاتور في الحقيقة يكره الماضي لأنه يذكره بما جرى لأمثاله، وهو لا يحب أن يعيش أو يفكر إلا في حاضره و في كيفية الحفاظ عليه، ولا يريد بأي حال التفكير بالمستقبل لأنه يعرفه قاتماً وليس في صالحه. ولهذا السبب أيضاً فهو يحب أن يصدق بأنه مختلف وأن له خصوصية ليست لغيره لا من قبله ولا من بعده.

ولكن، وما أن يبدأ الشعب بالخروج إلى الساحات والشوارع مطالباً برحيله، كما حصل مع أمثاله ممن سبقوه وكما سيحصل مع أمثاله ممن سيلحقوه، فهو سيبدأ بالتفاهم معهم باللغة الوحيدة التي لا يعرف غيرها، وهي نفسها التي لم يعرف هولاكو غيرها. وهي اللغة التي أحرفها من حديد ونار وأفعالها من تعذيب واغتصاب، وأسماؤها من إرهاب ومجاعات وجملها من مجازر ومذابح. في هذه اللحظة بالذات، وحتى يعرف حقيقة ذاته، فعليه أن يتوجه إلى أقرب مرآة إليه وينظر فيها بعمق، ويحاول أن يتجاوز صورة وجهه التي تطفو على سطحها ليرى الصورة المختبئة ورائها! فإن فعل ذلك، فهو سيبدأ بملاحظة كيف أن عينيه ستبدآن وببطء بالتضيق والتوجه إلى الأعلى والجانب في آن واحد، وكيف أن حاجبيه سيبدآن بالانقفال وشاربيه بالنمو والهبوط نحو الأسفل بشكل القوس حول فمه، وكيف أن ملامح وجهه ستبدأ بالتحجر وبفقدان صفاتها الإنسانية، وخاصة تلك التي تدل على وجود الرحمة. وبعد ذلك سيرى كيف أن خوذة مغولية ستظهر من العدم لتتوضع على رأسه وتسمح بخصلة شعر كفرشاة الحذاء أن تهرب منها لتتدلى على جبينه. فإذا أمعن النظر أكثر فهو سيرى صورته على حقيقتها ومن دون قناع، سيرى وجه هولاكو خان.

بقلم: طريف يوسف آغا

هيوستن / تكساس

جماد الأول 1432 / أيار، مايس 2011

http://sites.google.com/site/tarifspoetry