سيادة الدولة أم حماية المدنيين؟

سيادة الدولة أم حماية المدنيين

أيهما يأتي أولاً؟

لفت انتباهي مؤخراً، ومع تداعيات قرار الجامعة العربية بتعليق مشاركة وفد النظام السوري في اجتماعاتها، لفت انتباهي خروج أحد أبواق النظام مبرراً استمرار استعمال القوة في الشارع واستمرار سقوط الضحايا بقوله أن (سيادة الدولة تأتي أولاً وهي أهم من حماية المدنيين) وهو طبعاً يعني أن (دولته) معنية بملاحقة وتصفية من تدعوهم (بالعصابات المسلحة التي تروع الأهالي) وأن سقوط عدد من المدنيين العزل خلال تلك الأعمال العسكرية هو أمر طبيعي وسيحسبون فداء (لسيادة الدولة) والوطن. وهو يعني أيضاً بأن الناس التي تموت يمكن تعويضها، فيما أن (دولة) عظيمة كدولته لاتتكرر ولايمكن تعويضها.

لن أخوض هنا في موضوع من يقتل من هذه الأيام، ولا من يتآمر على من؟ لأنه موضوع سيبقى النظام الحاكم في سورية مع أبواقه يجادلون فيه جدالهم البيزنطي إلى ما لانهاية. ولكن سأجادلهم بدلاً عن ذلك في عبارة (سيادة الدولة) هذه التي يتنطحون بها، فهي ما أرى أنها تدينهم بلسانهم. وسأبدأ الموضوع باعلامهم أني أوافقهم على تلك العبارة لأنها تعني أيضاً (سيادة القانون)، ولاأعتقد أن أحداً يعترض على ذلك من حيث المبدأ. ولكن المشكلة أنه في الحالة السورية، كما هو الأمر في كافة الدول الديكتاتورية بصورة عامة، فالدولة بمفهومها القانوني غير موجودة في الأصل لعدم وجود مقوماتها.

أولاً: فأي سيادة هذه (لدولة) تدعي أنها جمهورية برلمانية حين يكون رئيسها هو المرشح الوحيد وحين تصل نسبة فوزه إلى %99، في حين يحلم المترشحون للرئاسة في العالم الحر أن يفوزوا بنسبة %51، وإذا وصلت تلك النسبة إلى %60، وهذا نادراً ما يحصل، يصفون فوزهم بالساحق. ولهذا يقول أساتذة علم السياسة في العالم أنه إذا حصل وفاز أي شخص بالانتخابات في أي بلد بنسبة أعلى من تلك، فيجب تشكيل لجنة خاصة ومحايدة للتحقيق في احتمال تزوير النتائج.

ثانياً: وأين هي (الدولة) التي فشلت وعلى مدى أربعة عقود في استعادة أرضها المحتلة والتي حولها المحتل إلى منتجعات سياحية؟ وإن كان هذا يدل على شيئ، فعلى أن العدو لايقيم وزناً لتلك (الدولة) التي يتحدث ذلك البوق عن سيادتها. وعملياً لايتصرف أحد بأرض بتلك الصورة الاستثمارية إلا إذا كان قد اشتراها، لا قد احتلها.

ثالثاً: أين كانت (سيادة الدولة) التي يتنطح بها النظام وأبواقه اليوم حين كانت طائرات العدو الاسرائيلي تخترق مجالنا الجوي لتقصف هنا وتعربد هناك؟ إلا إذا كانت (السيادة) تطبق على الشعب فقط وليس على العدو الحقيقي الذي يحتل الجولان، والذي لامانع أن ينتظر حسابه إلى حين تقرر (الدولة) تحديد (زمان ومكان وطريقة الرد).

رابعاً: في دول العالم الحر، حيث الدولة دولة والسيادة سيادة، فمن النادر أن تجد أحد أقرباء الرئيس في أي منصب حكومي. بل إن الرؤساء هناك يتفادون ذلك حتى لايثيرون مسائلة وشكوك المعارضة. أما عندنا، فالمناصب الحكومية كلها (أهلية بمحلية)، فتجد الأب والابن، والأخ والأخت، والعم والخال، والزوجة والصهر، والجيران والأصدقاء، وما ملكت أيمانهم وما لم تملك. وإن كانت هذه الأنظمة تشبه شيئاً، فهي حتماً لاتشبه (الدولة) ولكن (المافيا) وغيرها من العصابات التي تعتمد على الروابط العائلية أو الطائفية والتي لاهدف لها سوى الاثراء السريع وبأي طريقة.

خامساً: كما ذكرنا في البداية، فسيادة الدولة تعني أيضاً سيادة القانون، وأعني هنا القانون الذي غيب عن بلادنا لعقود. فالخلافات عندنا، عقارية أو تجارية أو حتى شخصية، لاتحل في المحاكم وعن طريق توكيل محامين، بل في كثير من الأحيان باللجوء لضباط نافذين في الجيش أو الشرطة أو المخابرات أو الحرس الجمهوري. ومن سيكون بحاجة للقانون والسنوات التي قد يستغرقها إذا كان بامكانه تحقيق مايريد وعلى الفور، وهذا أيضاً يستدعي مرة ثانية صورة (المافيا) التي تستعمل مسدساتها لفرض (القانون).

في الخاتمة، اريد أن أخاطب البوق الذي تفتق ذهنه عن عبارة (سيادة الدولة أهم من حماية المدنيين)، أريد أن اقول له بأن ليس لديه (دولة) أصلاً ليطالب (بسيادتها)، فما لديه حقاً هو (عصابة) لا أكثر ولا أقل. فأعضاء العصابات أيضاً يمكنهم ارتداء البذل العسكرية أو الرسمية وربطات العنق وقيادة السيارات الفاخرة كما ويمكنهم أخذ الصور أمام أعلام بلادهم، ولكن كل هذا لا يغير من كونهم عصابات. وبالتالي فما طالب به ذلك البوق في الحقيقة هو الحفاظ على غنائم عصابته، وعندما ذكر عبارة (سيادة الدولة) فكان يقصد بها في الواقع (غنائم العصابة).

***

بقلم: طريف يوسف آغا

كاتب وشاعر عربي سوري مغترب

هيوستن / تكساس

الاثنين 2 محرم 1433 / 28 تشرين الثاني، نوفمبر 2011

http://sites.google.com/site/tarifspoetry