صورة سيادة الرئيس بليرة

صورة سيادة الرئيس بليرة

من الحياة اليومية لمواطن سوري

بقلم طريف يوسف آغا

هذه قصة جديدة من سلسلة (الحياة اليومية لمواطن سوري) أهديها لأصحاب مقولة (كنا عايشين وماشي حالنا)، وهي من تلك القصص التي حدثت معي وليست قيلاً عن قيل أو نقلاً عن فلان وعلتان.

حدثت هذه القصة في بداية الثمانينيات حيث تلقينا في البيت مكالمة من إحدى قريباتنا تخبرنا أنها ستأتي لزيارتنا في مساء نفس اليوم وتريد التأكد من أننا سنكون موجودين لأن الأمر (هام) حسب ماوصفته. وفعلاً وصلت قريبتنا وكانت في حالة من الحزن الممزوج بالقلق وبادرت بالقول: هل (أبو فلان) في الشام أم مسافر في مهمة؟ و(أبو فلان) ماهو إلا قريبنا الذي كان في رتبة عالية في الجيش والذي أتيت على ذكره في قصص سابقة وساعدني في عدة مناسبات وجدت نفسي فيها في مواجهة مع المخابرات. وكان الرجل قد خدم في بداية حياته العسكرية برتبة ملازم في قطعة في الجبهة حين كان والدي آمراً لها برتبة عميد، وبالتالي كان يكن إحتراماً كبيراً ومحبة له ولنا جميعاً في الأسرة ولم يكن يرفض لنا طلباً أو خدمة.

قبل الإستمرار بقصة زيارة قربتنا لنا ذلك اليوم، أريد أن أتوقف قليلاً على إحتيال كان يمارس في تلك الآونة في سورية حتى بات مهنة رسمية للبعض. كان هذا البعض يتنقل بين المحلات التجارية وشركات القطاع الخاص في المدن ومعهم صور (بوسترز) بكافة القياسات أو مجسمات جدارية ثلاثية الأبعاد لحافظ الأسد ويعرضون بيعها على أصحاب هذه المحلات والشركات. حتى هنا يبدو الإحتيال عادياً، ولكن مايخرجه من هذا التصنيف ويجعله إحتيالاً فوق العادة هو أن المحتال لايقدم سعراً محدداً لبضاعته (الثمينة)، بل يقول للمشتري أن رئيس فرع المخابرات الفلاني أرسله شخصياً إلى هذا المحل أو الشركة وقال له أن صاحبها (سخي) ويقدر مكانة (السيد الرئيس) ويعرف قيمة هذه الصور أو المجسمات، وبالتالي يترك له تقدير المبلغ الذي يراه مناسباً. وطبعاً لاينسى أن يختم قصة الإحتيال هذه بالقول أن المبالغ المجموعة ستذهب إلى (أيد أمينة) مثل أسر الشهداء أو دور الأيتام، وطبعاً لاداعي للقول إلى أين ستذهب، ولاداعي أيضاً للقول أن أصحاب المحلات والشركات سيدفعون مبالغاً كبيرة خوفاً من الإتهام بعدم تقدير (مكانة السيد الرئيس)

بالعودة لقصة زيارة قريبتنا لنا ذلك اليوم، فما أن جلست والتقطت أنفاسها حتى بدأت برواية قصتها. قالت أن أحد أقاربها من جهة بعيدة نسبياً في مأزق أمني ويحتاج للمساعدة. وكان الرجل برتبة عميد (مسلم سني شامي) في الجيش يخدم في مبنى الأركان، ومن نوع الضباط (كمالة العدد) الذين يحتفظ بهم النظام كواجهة أمام الداخل والخارج ليقول أنه نظام غير طائفي، ويزربهم كل دزينة في مكتب واحد. وتابعت قريبتنا أن شقيق العميد المذكور تواصل معها وأخبرها أن شقيقه معتقل في مبنى الأركان وسألها فيما إذا كانت تعرف من يمكن أن يتوسط للإفراج عنه. أما لماذا تم إعتقال الرجل، فيبدو أن المحتالين السابق ذكرهم أرادوا أيضاً (تشليح) العاملين في الدولة، بعد أن انتهوا من (تشليح) القطاع الخاص. وتابعت أن أحد هؤلاء المحتالين، وكان من الحزبيين، قام بزيارة العميد إياه في مكتبه وباعه صورة (السيد الرئيس) وشلحه مقابلها مبلغ خمسمئة ليرة. إلا أن العميد، وبدلاً من أن يكبت غيظه من تلك اللصوصية العلنية ارتكب خطأً يعد في (سورية الأسد) أسوأ من الكفر وذلك حين عرض على المحتال أن يبيعه الصورة إياها بأي مبلغ وحتى بليرة. وطبعاً غني عن الذكر أن العميد لم يعد إلى بيته ذلك اليوم وتم إعتقاله في أحد أقبية مبنى الأركان.

طبعاً انتشر الخبر سريعاً وتمت عدة محاولات من قبل أصدفائه في الأركان للتوسط له دون نتيجة، ولكن تم تحذيرهم أن يكفوا عن ذلك لأن مافعله وقاله الرجل هو إهانة لشخص (القائد) وهذا لايغتفر وقد يورطهم معه. وبالفعل وحين تم التواصل مع قريبنا إياه، وكان على مايبدو على علم بالموضوع، أكد أن الأمر شائك وليس بالسهولة ولكن وعد أن يحاول. بقي العميد حوالي الشهر في المعتقل قبل أن يتم الإفراج عنه وتسريحه تعسفياً من الخدمة كعقوبة على تصرفه.

هذه هي سورية الأمس للذي لايعرفها، ولأصحاب مقولة (كنا عايشين وماشي حالنا)، ففي هذه (السورية) يمارس الاحتيال في وضح النهار وبحماية القانون وتحت عباءة الدولة والمخابرات، وإذا تصرف أحد الضحايا بفعل الغضب دون أن يحسب حساب تصرفه، فقد يقوده هذا إلى الإعتقال وربما الإختفاء إلى الأبد.

***

يسمح بنشرها دون إذن مسبق

بقلم: طريف يوسف آغا

كاتب وشاعر سوري أمريكي

الأحد 21 آذار، مارش 2021

هيوستن / تكساس