ماقصة (الاختلاف والزعامة) بين السوريين

ماقصة (الاختلاف والزعامة) بين السوريين؟

قصة تاريخية خيالية ... قصيرة

ماأجمل السوريين، (يختلفون) في كل شئ حتى في تاريخ بدء ثورتهم. وماأجملهم يعتقد كل واحد منهم أنه (الزعيم) المنتظر، وكلنا يعرف القصة الطريفة التي تروى عن شكري القوتلي حين وقع اتفاقية الوحدة مع عبد الناصر ماذا قال له. فكرت كثيراً في هاتين الظاهرتين في شعبنا السوري وحاولت أن أجد تفسيراً تاريخياً أو علمياً لهما، فلم يسعفني سوى الخيال ومنه أتت هذه القصة القصيرة.

كانت كرتنا الأرضية في يوم من الأيام، بما فيها سوريتنا الحبيبة، خالية من أي حياة بشرية، فكانت حصراً على مملكة الحيوان والنبات والمخلوقات التي تعيش على حدودهما، بالاضافة لتلك المجهرية من جراثيم وخلافها. هناك نظريات علمية ودينية حول كيفية وصول الانسان إلى الأرض لأول مرة ومكان وزمان هذا الوصول قبل أن يتطور ويتفرع إلى أمم وأعراق ومذاهب وأديان وأشكال وألوان ياريان كما نراه اليوم. ولكن وبما أن هذا المقال ليس علمياً ولادينياً، بل مجرد قصة خيالية في قالب تاريخي، فلن نقف عند تلك النظريات ولن نقترب منها حتى، بل سنبدأ قصتنا من مرحلة مابعد وصول الجنس البشري إلى الأرض بقليل.

وصلت أول مجموعة (بشرية) مؤلفة من عشرة عائلات ومعهم حكيمهم إلى سورية إلى منطقة نهر (العاصي) وبحيرة قطينة. وكان أول مالفت نظر المجموعة أن هذا النهر (يخالف) بقية الأنهار التي مروا بها من حيث أنه يجري من الجنوب إلى الشمال، فشعروا بتعلق غريب به دون أن يعرفوا السبب. وبما أن المياه هي أصل الحياة أولاً وأخيراً وستبقى كذلك، فقد قرر رجال المجموعة وضع رحالهم هناك لبناء مستوطنة يستقرون فيها، فتركوا النساء جانباً ودار بينهم الحديث التالي:

الأول: بما أني أكبركم سناً في (مجلس) الكبار، وبالتالي أكثركم تجربة ومعرفة، فاني أرى أن أكون (زعيمكم) في هذه المرحلة المصيرية من تاريخنا، ولهذا فعليكم أن تستمعوا لي وتطيعوني. أنا شخصياً أرى أن الموقع الأنسب لبناء المستوطنة هو (الضفة الشرقية) للبحيرة.

الثاني: أنا (أختلف) معك تماماً فيما في ماقلت. فالشباب هم دائماً أكثر حيوية وقدرة على القيادة، في حين أن المسنين يكونوا قد اقتربوا من مرحلة الخرف، ويمضون أوقاتهم يسعلون ويفعلون أشياءاً أخرى لاتفيد القيادة. وبما أني (أشبشب) واحد في (إئتلاف) الشباب فأرى أن أكون (زعيمكم) وبالتالي أن تتبعوني إلى (الضفة الغربية) للبحيرة كونها برأي أفضل.

الثالث: أنا (أختلف) معكما سوياً. فالرأي الأول يدل على ذهنية متحجرة ومتخلفة، فيما الرأي الثاني يدل على الطيش وعدم الخبرة. ولذلك، وكوني في سن هو الوسط بينكما، فأرى أن أكون (زعيمكم) وأن تأخذوا برأي ونستقر في تلك الجزيرة التي تقع في (وسط) البحيرة على المبدأ القائل (خير الأمور أوسطها)

الرابع: أرجو أن تعذروني لأني (سأختلف) معكم جميعاً. فالسن لايجب أن يكون عاملاً في اختيار القائد أو الزعيم، بل حب الوطن، وأنا وقعت في حب هذه الأرض منذ أول لحظة وطئناها بأقدامنا. هذا من جهة، ومن جهة ثانية فأشعر أن الرأي الأول فيه أجندات (شرقية)، في حين أن الثاني تفوح منه رائحة طبخة (غربية)، أما الثالث ففيه بصمات مؤامرة (وسطية) مجهولة الهوية. ولذلك أرى أن تنصبوني (زعيمكم) كوني ملهماً ومحباً لأرض الوطن في آن واحد، وبالتالي أن تتبعوني إلى (الضفة الشمالية) للبحيرة لأني أحببتها أكثر من غيرها.

الخامس: أنا أتفق مع هذا الرأي بأن القيادة لايجب أن تعتمد على السن كمقياس، ولكني (أختلف) معه في أن يكون حب الوطن هو المقياس. فأنتم تعلمون أن (الحب) هو أمر عاطفي، والعواطف تأتي وتذهب وتتغير مع الوقت شدة وضعفاً وقد تتحول في ظروف معينة إلى كراهية وعداوة. وأنتم تعلمون أيضاً أني رجل عقلاني لاأعتمد إلا على العلم والحقائق، ولهذا من الأفضل أن أكون (زعيمكم) وأن تسيروا خلفي لنستقر على (الضفة الجنوبية) للبحيرة لأسباب إقتصادية ومناخية واجتماعية أشرحها لكم فيما بعد.

السادس: أنا (أختلف) مع كافة الآراء السابقة جملة وتفصيلاً، وأعتقد أن مايجب أن يتوافر في القائد أو الزعيم هو (الايمان). وكما تعرفون، فأنا أكثركم إيماناً والدليل (لحيتي) التي تصل إلى الأرض والغير متوفرة لديكم. كما ولاحظت أنكم أثناء إدائكم لطقوس العبادة، البعض يتكلم مع الآخرين، والبعض يكثر الحركة والبعض (ينكش) أنفه والبعض (يحك) ... وغير ذلك. ولهذا أرى أن أكون (زعيمكم) وأرى أن نبتعد قليلاً عن البحيرة ونستقر على (الضفة الشرقية) للنهر.

السابع: أنا أيضاً (سأختلف) مع جميع الآراء السابقة، وخاصة الأخير، لأن الوطن يجب أن يكون للجميع، ومن يريد أن يركع للشمس فليفعل، ومن يريد أن يسجد للقمر فليفعل. وبما أني أكثركم تحرراً وعلمانية، فأنا الأفضل لأن أكون (زعيمكم)، ومن جهتي فأرى أن (الضفة الغربية ) للنهر هي الأفضل للجميع.

الثامن: ياجماعة، ومع احترامي لكل هذه الآراء والاعتبارات، فهي لاتستحق حتى مناقشتها، وأهم مايتوجب توفره في الزعيم هو (النظرة البعيدة). وبما أني أبعدكم نظراً وأكثركم حساباً للمستقبل، أقترح أن أكون (زعيمكم) وأقترح أن نبتعد عن البحيرة والنهر معاً وبمسافة كافية لنتجنب خطر الفيضان فيما إذا هطلت أمطار غزيرة أو ذابت ثلوج الجبال القريبة.

التاسع: لاشك أن هذا الرأي هو أفضل ماسمعت حتى الآن، ولكن لابد لي وأن (أختلف) مع نظرية صاحبه من أن (بعد النظر) هو مايجب أن يؤخذ في الحسبان لاختيار القائد. أما رأي فهو أن القائد يجب أن يكون (محتالاً ولصاً) في آن واحد ليعرف كيف يحتال على الأعداء ويأخذ حق قومه منهم من جهة، وأن يتمكن من كشف اللصوص من جهة ثانية. أي وباختصار أن يكون (سياسياً). وبما أنكم تعرفون أني أكثركم احتيالاً ولصوصية، فأقترح أن أكون (زعيمكم) وأن نضع يدنا على هذه الأرض الآن ثم نبيعها ونقبض ثمنها من عدة أقوام في آن واحد ونجد لنا أرضاً بعيدة نسكنها ونستمتع بصرف ماقبضناه بشطارتنا.

العاشر: ونعم الرأي هذا، ولكن لابد لي من أن (أختلف) معه، ذلك أن الاحتيال واللصوصية لايكفيان لانتاج القائد الناجح، بل (الاجرام)، فأنتم تعرفون أن (الناس لاتخاف إلا بعينها). وبما أني أجرمكم حسب ماتعلمون، وكذلك أغلظكم قلباً ولاأعرف الرحمة، فأرى أن أكون (زعيمكم) وإلا ... وأن تتبعوني إلى مكان غير هذا لأنه لم يناسب مزاجي ولم (يخرط مشطي) ومن دون أي سبب، يعني (هيك، حيونة).

وهنا بدأ حكيم المجموعة بالبكاء بصوت عال وبدموع غزيرة، فظن البعض أنه يبكي خوفاً من الشبيح صاحب الرأي الأخير، وظن البعض الآخر أنه يبكي لأن الجميع اختلفوا مع الجميع. فلما سألوه لأي من السببين السابقين يبكي، مسح دموعه وابتسم وقال:

أولاً دعوني (أختلف) معكم، فأنا لاأبكي لابسبب الخوف ولابسبب الاختلاف. هذه في الحقيقة دموع الفرح والسعادة لأني ماجرى أمامي الآن إنما هو عملية ولادة لأمة جديدة ستشكل دولة جديدة، وبما أني حكيمكم فأقترح أن نسميها (سورية). وهكذا كان، وهكذا خرجت إلى الوجود سوريتنا التي نعرفها اليوم. وكان أن (تغير) على (زعامتها) عبر مراحل تاريخها حكام من كافة النماذج السابقة بما في ذلك اللصوص والقتلة، ولكن مالم يتغير في أي مرحلة فكان (الاختلاف) فيما بين السوريين وعلى طول الخط وفي كل التفاصيل.

نصيحتي للسوريين أن لاتضيعوا الوقت وتحاولوا أن تتفقوا، فهذا يبدو أنه مخالف لطبيعتكم، ولكن حاولوا أن تتعايشوا مع بعضكم دون اقتتال، فلكل واحد منكم لونه المميز والجميل في لوحة (الموزاييك) السورية. ولاتنسوا أن تضعوا اللصوص والقتلة في السجن وتتأكدوا أنهم داخله، فهم لاينتمون لتلك اللوحة، وإذا حصل وخرجوا وفرضوا أنفسهم فيها، فلا تلوموا سوى إهمالكم.

***

بقلم: طريف يوسف آغا

كاتب وشاعر عربي سوري مغترب

عضو رابطة كتاب الثورة السورية

الثلاثاء 7 جمادي الأول 1434، 19 آذار، مارس 2013

هيوستن / تكساس

http://sites.google.com/site/tarifspoetry