في وداع رجـل شـجاع: عــمر أمـيرالاي

كتبت ُ هذه القصيدة في وداع خالي مخرج الأفلام التسجيلية العالمي عـمر أمـيرالاي الذي توفي إثر أزمة قلبية مفاجئة في دمشـق السـبت 5 شـباط / فيبراير 2011

رحمه الله.

في وَداع ِ رَجُـل ٍ شُـجاع ْ

عـمر أمـيرالاي (1944-2011)

يا عُـمَرُ لا أجِـدُ اليومَ كَـلِمات ٍ

على وَداعِـكَ قادِرة ْ

فالأُسـرَةُ لاتُصَدِقُ بَعـدُ أنَّـكَ رَحَـلتَ

ودُمـوعُ مُحِـبيكَ بَـينَ مُسَـلِّـمَة ٍ وناكِـرة ْ

يا عُـمَرُ كُـنتَ دائِـماً في أسـرَتِـنا عَـلامَـة ْ

وفي العـالِم ِ كُـنتَ بِفَـنِّكَ عَـلَّامَـة ْ

الفَـنُ الذي طالَـما أبدَعـتَ بِـهِ

سَـكَنَ الذُرى واسـتَقطَبَ الأقـلامَ

يا عُـمَرُ كُـنتَ دائِـماً لأُسـرَتِـنا صَرحـاً

بينَ الآخَـرينَ بِـهِ نَفتَخِـرُ

ورَمـزاً لَطـالَما عَشِـقنا مَـعانيهِ

ومَـثَلاً مِـنهُ المِـثالِيةُ تشِـعُ وتَنتشِـرُ

يا عُـمَرُ ياصاحِـبَ المَلامِـح ِ النَـبيلَةِ

لِلقُـلوبِ صورَة ٌ على الوجـوهِ تَنعَكِـسُ

كُـنتَ دَوماً لِلمَبادئ ِ حارِسَـها وراعيهـا

والضَمائِرُ كُلَما مَرِضَتْ، أتَتكَ الدواءَ تلتمِـسُ

ياعُـمَرُ بِـكَلامَـكَ كُـنتَ سـائِد ْ

وبصَمْـتِكَ كُـنتَ كَـالزاهِـد ْ

بوقـارِكَ كُـنتَ كَـالراهِـبْ

وبفِكـرِكَ كُـنتَ مَـوهوباً وواهِـبْ

يا عُـمَرُ حَـباكَ اللهُ مَـوهِـبَة ً

لَيـسَ عَـليها غُـبارٌ ولا اخـتِلافُ

أنكَـرَها الجاهِـلونَ والكـارهونَ والحسـاد ُ

وأنصَـفَها مَـن يُعـرَفُ عَـنهُمُ الإنصافُ

مِـن خَـلفِ الكَـاميرا أثَـرتَ الزوابِـع ْ

بِـلا رُتوشٍ صَوَّرتَ حَـقيقَةَ الواقِـع ْ

ورَفضتَ دوماً إضافَـةَ المَكـياج

بالأبيَضِ والأسـوَدِ كُـنتَ رائِـع ْ

الإصلاح ُ رَفَعـتَ رايَتَـه ُ

والفَسـاد ُ وثَّـقتَ بَشـاعَـتَه ُ

والجُـرأة ُ كُـنتَ مِمَنْ أرسـى قَواعِـدَها

والتنازلُ ما عَـرِفتَ يَوماً وَضاعَـتَه ُ

ما كـانَ للمُسـاوَمَـةِ في قاموسِـكَ وجـود ْ

ولا كـانَ سُـلوكُـكَ بحـاجَةٍ لمُخـتارٍ وشُـهود ْ

ما كُـنتَ بحـاجَةٍ لِلوصايَـةِ مِـن أحَـد ْ

فالأخلاقُ عِندكَ ما كانَتْ شَـيئاً يَذهَبُ ويَعود ْ

اِسـتمَعتَ لِلضُعَفـاء ِ وحـاوَرتَ الأقـوياء ْ

ولاحَـقتَ راكِـبَ المَرسـيدِسْ وراكِـبَ الحِـمارْ

وسـألتَ هَـذا مِـنْ أيَـنَ لَـهُ هَـذا؟

وسـألتَ ذاكَ أحَـقاً يَعـرِفُ لَـونَ النَهـارْ ؟

أنتَ وبَعضُ أصدِقائِـكَ كُـنتُم ُ الفُرسـان ْ

وَضَعتُـمْ أصابِعَكُـمْ عَـلى الجِـراح ْ

ورَفَعتُـمْ رايَـة َ الإصلاح ْ

لَمْ يوقِـفكُمُ التَهميـشُ ولامَنَعَتكُمُ الرِماح ْ

ما كـانَتْ ذَقْـنُ أحـدٍ عِـندكَ مُمَشَّـطة ْ

صاحِبُ النَـعلِ الذَهَبي أثَـرتَه ُ

و ابنَة ُ ذي الفَـقارِ أقَمـتَ لَـها مَحكَـمة ْ

وعلى ضِفـافِ الفُـراتِ سَـطَّرتَ مَـلحَمة ْ

حَـياةُ القريةِ خَـلقتَ مِـنها مأثَـرة ْ

وتأسَّـفتَ على الدَجـاج ِ وبَكَـيتَ القُـنَيطِرة ْ

والحُـبُ في مِـصرَ كَشَـفتَ أسـبابَ وأدَه ُ

ورأيَتَ في مَـصائِبِ قَـوم ٍ لِفوائِـد ِ الغَـيرِ مَـعبَرا

قالـوا أنَّـكَ تُـغَرِدُ خـارجَ السُـربِ

ودَعـوكَ لِلغِناء ِ مَعَ باقي البَلابِـلْ

وعَـرَضوا عَـليكَ جَـزيلَ المَـزايا

فلا التَفَـتَ إليَهمْ ولاكُـنتَ لِعُـروضِهِمْ سـائِـلْ

ثُـمَ قـالوا أنَّـكَ تَغـوى المُشـاكَسـة ْ

وأنَ أعمالَـكَ بِـدونِهمْ بالنَجـاح ِ يائِسـة ْ

فإذا بكَ تَبـلُغ ُ قِـمَة َ الهَـرَم ِ

وإذا بتَـقديراتِهمْ تأخُـذُ عَـلامَة ً بائِسـة ْ

ولَكِـنكَ وبِحِـرَفيَّـةٍ عـالية ْ

حافَظتَ مَـعَ الجَميع ِ على شَـعرَةِ مُـعاوية ْ

فكُـلُ مَـن وافَقَـكَ ومَـنْ اخـتَلَفَ مَـعكَ

شَـهِدَ على فَنِّـكَ الراقي وأخلاقِـكَ السـامية ْ

عَـزيزي عُـمَرْ، هَـذه ِ كَـلِمَة ٌ

كُـنتَ دَومـاً لِلناس ِ توَجِـهَها

فالعِـزَة ُ في طَبعِـكَ مؤَصَـلَة ٌ

والأصالَة ُ كُـنتَ خَـيرَ مَـنْ يُمَثِـلَها

رَحَـلتَ اليومَ ياعُـمَرُ بِصَمـتْ

وصَمـتُكَ في الحَـياة ِ كـانَ جَـدُ أنيـقْ

وعَـربيٌ أمْ تُـركيٌ أمْ شَـركَسي كُـنتْ

فكـانَ يَفـوح ُ مِـنكَ مِـنَ الشـام ِ عِـطرٌ عَـتيقْ

***

شعر: طريف يوسف آغا

ربيع الأول 1432/ شـباط 2011

هيوسـتن/ تكسـاس