إفتتاحية أمسية الثورات العربية

إفتتاحية أمسية الثورات العربية

طريف يوسف آغا من المركز الثقافي العربي الأمريكي في هيوستن

السلام عليكم

من الواضح أن الأمة العربية تمر اليوم في مرحلة المخاض الذي يسبق الولادة، ومن الواضح بالتأكيد أيضاً أنها ولادة قيسرية. فالحكام الذين عودونا أن يحكموا بإراقة الدماء، نراهم اليوم حريصين كل الحرص على سمعتهم وأن لايرحلوا إلا بعد أن يلونوا خارطة أوطانهم بالمزيد من الدماء. ولكن وبعد أن ينتهي ذلك، فإن أمةً عربية جديدة ستولد، وستطوي صفحة الماضي المظلم الذي خيم عليها لعقود، وهي لن تنسى الشهداءَ الذين سقطوا من أجل أن تنهض وتسير على طريق الحياة الكريمة.

باعتبار أن الثورة الفلسطينية هي أم كل الثورات، فرأيت أن أفتتح هذه الأمسية بمختاراتٍ من قصيدة حديثة كتبتها عن حق الفلسطينيين بالعودة، ومستغلاً في نفس الوقت ذكرى يوم النكبة الذي يصادف اليوم. ودعوني أقول لكم بأني أرى الانتفاضة الفلسطينية الثالثة قادمة والتي ستكون هذه المرة على طريقة شقيقاتها من بقية الانتفاضات العربية. وأرى أيضاً أن شرائح واسعة المجتمع الإسرائيلي ستشارك فيها إلى جانب الفلسطينيين، ذلك أنهم هم أيضاً ملوا انتظار عملية السلام التي وعدتهم بها وفشلت بتحقيقها حكوماتهم المتتالية. وسيكون حقاً من الجدير بالمشاهدة كيف ستتعامل إسرائيل مع هذه الحالة، كيف ستتشابه مع وتختلف عن كيفية تعامل الأنظمة العربية كما رأيناها مع شعوبها المطالبة بالتغيير؟

لاشك أن العالم كله بات يعرف اسم الشاب التونسي محمد البوعزيزي، وهو الاسم الذي ارتبط ببدء الطوفان فأصبح كابوساً يؤرق حياة كل ديكتاتور عربي وغير عربي، وبات يختصر حقيقة أن حساب الشعب لجلاديه، مهما تأخر، فهو لابد قادم. ولاشك أن الشعبالمصري العظيم الذي تابع أحداث ثورة أشقائه في تونس وكيف انتهت، وقف قليلاً وتأمل فيها ثم طرح على نفسه السؤال التالي: واحنا نائصنا إيه يارجالة؟ وهذا كان فعلاً ما حصل. ثم سمعنا بساحات التغيير في اليمن، وحفظنا وعن ظهر قلب كلمة إرحل الذي حفظها وفهم معناها العالمُ كله، إلا رجل واحد مازال يحاول فك رموزها. وشاهدنا وما زلنا نتابع ما يحدث في ليبيا، وماذا يعني المال وماذا تعني السلطة لرجل يرى العالم كله وكأنه يدور في فلكه. وأخيراً فكلنا نرى اليوم ماهي نتيجة إرتكاب الأخطاء على مستوى الدولة ثم تجاهلها والاستمرار بها من قبل المسؤولين حتى يصبح من شبه المستحيل إصلاحها، وهذا ماحصل ليس فقط في سورية ولكن في كل البلدان الشقيقة التي أتينا على ذكرها وأيضاً تلك التي ستلحق بها. فالأرض لايمكن أن تنبت زرعاً غير الذي تم زرعه فيها. وأنا كنت قد وجهت رسالة مفتوحة إلى السفير السوري في واشنطن الاسبوع الماضي ونشرتها على صفحات الانترنت طالبته فيها بالتدخل من موقعه لوقف حمام الدم الذي تشهده البلاد، وللأسف لم أستلم رده عليها حتى الآن وأطلب من الاخوة السوريين والعرب مراسلته أو التوقيع على رسالتي وإعادتها إليه للتدخل لدى المسؤولين لوقف القتل، فمن لايتكلم اليوم للدفاع عن هذا الشعب الأعزل، والكلام كما تعلمون هو أضعف الايمان، فلايحق له أن يتكلم بعد الآن.

أريد أن أوجه كلمتين مختصرتين إلى الناس الذين ما زالت الأمور مختلطة عليهم ولم يحسموا أمرهم بعد في أي طرف يقفون.

الكلمة الأولى بخصوص من ما زالوا يصدقون إدعاءات بعض الحكام العرب بالوطنية أو بالتصدي للمؤامرات وماغير ذلك. فهؤلاء الناس غير قادرين على التفريق مابين الحاكم الشرعي والحاكم غير الشرعي. فالحاكم يفقد شرعيته لثلاثة أسباب بسيطة هو نفسه غير قادر على إنكارها. فلا شرعية قانونية أو أخلاقية لحاكم:

أولاً: يستولي على الحكم من دون انتخابات حقيقية ثم يستأثر به مدى الحياة ويعمل على توريثه لأبنائه وكأن الوطن قد خلا من غيرهم.

ثانياً: يستولي على الحكم وهو في حالة مادية عادية، ثم يصبح هو وأسرته وحاشيته من أصحاب البلايين ومالكي القصور. فهذه تسمىلصوصية وليس لها اسم آخر.

ثالثاً: حين يلمس أية معارضة شعبية، فردية أو جماعية، يحتكم للدبابات والمدافع، وهذا اسمه إجرام وليس له اسم آخر.

فأي حاكم يقوم بذلك، لايستحق أصلاً أن يُجري النقاش معه أو الإصغاء إليه أو تقييم أفعاله، فهذا من حق الحاكم الشرعي فقط. كل مايستحقه الديكتاتور هو الاستمرار بالاحتجاج والتظاهر ضده وإعلان العصيان المدني ضد نظامه حتى يسقط ويرحل. وقد حسم التاريخ هذا الأمر وسجل أن الديكتاتور هو عادة من يرحل في النهاية، في حين أن الشعب هو الذي يبقى وتبقى معه ذكرى الشهداء الذين ترجلوا على الطريق من أجله. وقد زار هيوستن قبل عدم أشهر مورخ إسرائيلي يعيش في أوربا لكونه غير مرغوب به في إسرائيل لمساندته للحق الفلسطيني. وقد ألقى محاضرة قال فيها أنه سيكشف للحضور عن سر قوة إسرائيل وتفوقها على الدول العربية مجتمعة. وقد حبس الكثير من المستمعين أنفاسهم وأنا منهم، وتوقعنا أن يخبرنا عن عدد القنابل الذرية الإسرائيلية وأماكن إخفائها وغير ذلك. إلا أن الرجل قال لنا وهو يضحك: إنها ليست القنابل الذرية كما تظنون، ولكنها الحرية والديمقراطية وحكم الدستور. الحاكم الذي يفشل، لايأخذ فرصة ثانية، فالشعب لايريد أن يرى في سدة الحكم سوى هو يضعه هناك لتحقيق أهدافه، أما الفاشل فيذهب إلى البيت.

الكلمة الثانية هي حول النظرية التي يكررها الكثير من الناس، حتى من هم ليسوا بالضرورة من عشاق الديكتاتور. وهي النظرية التي تقول أن الشعب العربي لايمكن تسييره إلا بالعصا، لأن كله زعماء ولاأحد يحترم القانون أو يتبع النظام إلى آخر هذه المقولات. ردي على هذه النظرية التي لاأعرف أصلها هو بسؤال بسيط: متى أُعطيَّ أي شعب عربي فرصة للحياة في ظل الحرية والديمقراطية والعدالة فأساء إستعمالها؟ فالشعوب العربية رزحت تحت الحكم العثماني لخمسة قرون، ثم تحت الإنتداب الأوربي لفترات تراوحت بين الربع إلى النصف قرن، لتُبتلى بالأنظمة الديكتاتورية لأكثر من نصف قرن حتى اليوم. فعندما تتحول الأوطان إلى سجون واسعة لاينتهي أحدها عند الحدود إلا ليبدأ سجن آخر، وتتحول الشعوب إلى سجناء يحكمهم الخوف والتهديد والقمع، فكيف تتوقع من سجين أن يتصرف كما يتصرف مواطن أوربي أو كندي أو أمريكي ممن يتمتعون بنعمة الحرية وحماية القانون والدستور؟ حتى وبعد رحيل الديكتاتورية، فمن الطبيعي أن يمر الوطن والشعب بمرحلة انتقالية قد تمتد لعقود لتثبيت وترسيخ حكم الدستور والديمقراطية، وهذا ما حصل في أوربة بعد الثورة الفرنسية، والتي لم تصل إلى ما هي عليه اليوم بين ليلة وضحاها.

والسلام

منظم الأمسية: طريف يوسف آغا

كاتب وشاعر عربي سوري مغترب

المركز الثقافي العربي الأمريكي، هيوستن/ تكساس

15 أيار، مايس 2011