دليلك إلى الديكتاتور

دليلك إلى الديكتاتور

كيف تميز الديكتاتور من أفعاله؟

بعد مقالتي الأخيرتين عن الديكتاتور وتشبيهه بالديناصور في الأولى ومقارنته مع رئيس عصابة في الثانية، رأيت أن أعود لأتناول مفهوم هذا اللقب كما عرف في الماضي بشكل عام، وخلال القرن المنصرم وحتى الآن بشكل خاص.

فالديكتاتور بتعريفه العام وباختصار شديد هو "كل حاكم لايترك الحكم سلميا"

فإذا وافقنا على هذا التعريف، لايهم بعد ذلك ماذا يلقب الديكتاتور نفسه أوماذا يرتدي أو يقول أو يفعل.

وكما سبق وذكرت في الماضي، فالديكتاتور قد يختار لنفسه ألقابا مختلفة. منها مايدل على عدم اكتراثه بالشعب مثل الملك، الفرعون، القيصر ، الامبراطور، السلطان أو الأمير، ومنها مايلقي عليه رداءا ثوريا ليس بالضرورة حقيقيا مثل القائد، الزعيم، الرفيق، الأب، الأخ أو المناضل، ومنها ماهو أكثر مدنية مثل مجرد لقب رئيس الجمهورية أو السيد الرئيس. كما أنه لايبخل بإطلاق الوعود والتحدث عن المشاريع التي ستجعل من الوطن جنة على الأرض، وهو في سبيل ذلك ينفذ من حين إلى حين بعض الأعمال التي يطلق عليها إنجازات ويحمل الناس جميل القيام بها فيقف رجاله وقصار النظر من الناس ليقولون "ياله من زعيم إذا وعد وفى".

ولهذا قررت أن أكتب هذا المقال للتعرف على الديكتاتور من بين بقية الحكام من أصحاب الألقاب والأقوال والإنجازات، وسأركز هنا على من اختاروا لأنفسهم الألقاب الثورية وكذلك أصحاب لقب رئيس الجمهورية، ذلك أن أصحاب الألقاب الملكية يعترفون بديكتاتوريتهم من ألقابهم وبالتالي لايحاولون إخفائها أو تجميلها.

وقبل البدء بتعريف الديكتاتور، لابد أولا أن نعرف أصل الكلمة، وهي كلمة انكليزية تعني "من يُملي على الآخرين" أي من يفرض رأيه عليهم ولايسمح لهم بإبداء آرائهم، وهو قد يصل إلى حد قتلهم أو سجنهم إذا تجرؤا وفعلوا ذلك.

وبالعودة الآن إلى موضوعنا الرئيسي، فيمكن التعرف على الديكتاتور من خلال أفعاله التي لم تتغير في الجوهر منذ آلاف السنين وفي كل بقاع الأرض، ويمكن إيجازها كالتالي:

أولاً: العسكرة والأمن

يحب الديكتاتور إرتداء الزي العسكري، لكي يظهر أمام شعبه بمظهر المحارب الشديد البأس القادر على حمايته من الأعداء، ولكن أيضا القادر في على تكسير عظامه إذا فكر بالخروج عن طاعته. كما ويحب، ولنفس الغاية، إغراق البلد بالمظاهر الأمنية والعسكرية. فأينما نظرت تجد محرسا وتجد أيضا أفرادا مسلحين وبكافة أشكال وألوان البذل، يتجولون بجانب الناس المدنيين متقصدين إظهار أسلحتهم الفردية، حتى تظن نفسك وكأنك تعيش في ثكنة كبيرة أو على جبهة القتال.

فإذا رأيت مظاهرا ً كهذه في بلد ما، فاعلم أن الحاكم ديكتاتور!

ثانياً: أسرته وحاشيته

يعتمد الديكتاتور كليا على أفراد أسرته والمقربين من حاشيتة لإدارة أو للإشراف على إدارة أجهزة الدولة المختلفة والأمنية منها بشكل خاص. وهؤلاء وعلى الملأ سيستغلون مراكزهم للإستيلاء على أموال الدولة ووضعها في استثمارات لتبييضها. فهذا المعمل لابن الديكتاتور وهذه المزرعة لأخيه وهذا المجمع السياحي لخاله وهذه الشركة لزوجته وتلك لشقيقها، وهذه الطائرة الخاصة لمدير الأمن وذلك اليخت الفخم لقائد الحرس الخاص، حتى لتظن أن البلد أصبحت وقفا للأسرة والحاشية.

فإذا كنت تعيش في بلد تحول إلى شركة مساهمة للحاكم وأسرته وحاشيته، فيما سواد الشعب يعيش على وتحت خط الفقر، فاعلم أن الحاكم ديكتاتور!

ثالثاً: الحكم للأبد

يحب الديكتاتور أن يبقى في الحكم إلى آخر حياته. وهو في سبيل ذلك يفبرك الانتخابات الشكلية ليربح في نهايتها بنسبة ال % 99 الشهيرة. وهو لايرحل عن الحكم إلا إذا توفي أو تم اغتياله أو جرى انقلاب عليه أوبثورة شعبية، وفي الحالتين الأخيرتين، فهو إما سيعدم أو سيسجن مدى الحياة أو سيهرب خارج البلاد.

فإذا كنت في بلد لايعيش فيه حاكم سابق في بيته، فاعرف أنه بلد يحكمه ديكتاتور!

رابعاً: لغته

يحب الديكتاتور استعمال كلمات وعبارات محددة وطنانة يكثر من تكرارها أثناء خطاباته حتى ليظن المستمع أنه لايحفظ غيرها، ومثال ذلك: ياجماهير شعبنا العظيم، أو المناضل، أو البطل، أحيِّ فيكم روح الصمود والتضحية، ونحن لن نخضع ولن نستسلم، وستتحطم المؤامرات على صخرة صمودكم، أنا منكم وإليكم وأنا سمعتكم وفهمتكم، وأنا لاأهوى الحكم ولكن أحكمكم لأرضيكم،.. إلى آخره.

فإذا سمعت حاكما يكثر من استعمال هذه اللغة، فاعرف أنك تستمع لديكتاتور!

خامساً: الهالة التاريخية

يحب الديكتاتور أن يضفي على نفسه هالة تاريخية، مستعينا بوسائل إعلامه التي لايوجد أصلا غيرها في البلد. فكافة زياراته الداخلية والخارجية هي تاريخية، وكافة خطاباته وكلماته وقراراته ولفتاته تاريخية، ولم يبق إلا أن يقولوا بأن دخوله الحمام هو أيضا تاريخي. كأن التاريخ قد ترك الدنيا وجعله شغله الشاغل وهمه الوحيد ليسجل له كل حركاته وسكناته وحتى أنفاسه.

فإذا لاحظت تلك الهالة التاريخية تعطى لحاكم، فاعرف أنه ديكتاتور!

سادساً: وسائل الاعلام

يحب الديكتاتور إحتكار الظهور في كل أنواع وسائل الإعلام. فنشرات الأخبار تكاد لاتتحدث إلا عنه، والجرائد والمجلات لاتزين صفحاتها الرئيسية وأغلفتها إلا بصوره وأخباره، والناشرون والمحللون لايهتمون إلا بالمقالات والمواضيع التي تظهر عبقريته ومواهبه القيادية والسياسية وكم أن الشعب محظوظ بهذه الشخصية الإستثنائية. ناهيك عن ملصقاة صوره التي تملأ الشوارع والجدران والمباني الحكومية والأسواق حتى تبدو البلد وقد تحولت إلى معرض كبير لصوره. وينطبق ذلك أيضا على الأغاني والأناشيد، فيتم اختيار كلماتها لتظهره بأنه أقرب للأنبياء منه للناس العاديين، كما وتعطيه أحيانا بعض صفات الربوبية: فهو المنتقم وهو الجبار، وهو المانح وهو الغفار، وهو الأب وهو الابن، وهو المنقذ وهو المنتظر، وهو المعلم وهو الأستاذ، حتى لتظن نفسك وكأنك في حضرة مخلوق سماوي أرسله الله هدية للشعب ومحبة له!

فإذا لاحظت شيئا ً من هذا القبيل في بلد ما، فاعرف أن الحاكم ديكتاتور!

سابعاً: الرمزية

يحب الديكتاتور القيام بالحركات المسرحية أو الرمزية فيعطيها صفة المنح الكريمة أو العطاءات الأبوية أو اللفتات النبيلة أو الأعمال الشجاعة. كأن يأمر برفع الرواتب (لترتفع أسعار السلع بعد أيام)، أو بمعالجة أحد المواطنين على نفقة الدولة (وإذا عرف السبب بطل العجب)، أو إعطاء منح دراسية خارجية (ابحث عن علاقة معظم الموفدين به وبالحاشية)، أو بتكريم أحد الفنانين أو المبدعين أو المشاهير (صورته معهم هي علاقات عامة)، أو مسائلة البعض من أين لهم هذا (ابحث عن خلفية المسائلة) أو شن حروب دونكيشوتية (ابحث عما يحاول أن يخفي ورائها) حتى تظن نفسك وكأنك تعيش في صالة مسرح.

فإذا شاهدت الكثير من مثل هذه الأعمال الرمزية تصدر عن الحاكم، فاعرف أنه ديكتاتور!

ثامناً: نظرية المؤامرة وقانون الطوارئ

يحب الديكتاتور العمل بنظرية المؤامرة وفي ظل قانون الطوارئ، وهو ولتبرير ذلك يوهم الشعب بأن قوى عميلة خارجية (أو داخلية) شريرة تحيك له ولنظامه المؤامرات للنيل منه ومن الوطن. ولكنه وبمعونة الله والشرفاء من الشعب، سيتصدى لها وينتصر عليها مهما كلف ذلك من المجاعة التي قد يتعرض لها الشعب أو أنهار الدماء التي قد تسيل في سبيل الحفاظ على الامن والوحدة الوطنية وأن الوطن أغلى من الأفراد، إلى آخر القصة التي باتت الشعوب المقهورة تحفظها عن ظهر قلب وتعرف أنه يستعملها ليبرر قهره لها.

فإذا كنت في بلد تتحدث وسائل إعلامه الرسمية باستمرار عن مؤامرات لاتنتهي، فاعرف أن الحاكم ديكتاتور!

تاسعاً: سفك الدماء

لايحب الديكتاتور الرمزية في سلوكه حين يبدأ بسفك دماء الشعب (إذا ماتجرأ الأخير وتحدى حكمه)، فهو يقتل ويقتل ويقتل، بل يستأجر المرتزقة لمساعدته بذلك. وهو في الحقيقة لايحترم عامة الشعب، ربما لأنهم يخافون قهره. وقد اعترف أكثر من ديكتاتور بأنه لايرى في شعبه سوى مجموعة من الجرذان أو الحشرات وبالتالي ليس لديه مشكلة في إبادتهم بمجازر جماعية إذا شعر بضرورة ذلك. ويروي التاريخ أن الإنتصارات العسكرية الوحيدة التي يمكن للديكتاتور أن يحققها تكون عادة ضد مواطنيه المدنيين الشبه عزل. فإذا شعر بتهديدهم لحكمه ينهال عليهم بالطائرات والدبابات والمدافع ويدمر مدنا بحالها ثم يتغنى بانتصاره عليهم. أما في حال حروب حقيقية مع جيوش حقيقية، فهو أول من يهرب من الميدان، ثم لايجد حرجا من ادعاء النصر كونه حافظ على الكرسي.

فإذا رأيت الحاكم يتعامل مع شعبه باسلوب القمع والإبادة وعدم الرحمة فاعرف أنه ديكتاتور!

عاشراً: رداء الشرعية

بالرغم من أن الشرعية الوحيدة التي يحكم بها الديكتاتور هي شرعية القوة، إلا أنه يحب أن يعطي لنفسه، قدر الإمكان، صفة الشرعية القانونية. ولاتفسير لذلك إلا أنه يهدف لخداع الشعب أو أنه مصاب بانفصام في الشخصية، أو الاثنين معا. وهو عادة ما يضفي على نفسه هذه الشرعية بثلاثة مظاهر رئيسية:

أ- يأمر بتشكيل مايسميه برلمانا أو مجلسا للشعب أو مجلسا نيابيا، بحيث يتم تعيين أعضائه من قبله وقبل الحاشية عبر انتخابات شكلية، ليتم تزويد هؤلاء الأعضاء بأختام مطاطية فيها من المرونة مايسمح بتمرير جمل من ثقب الابرة. ثم يأمرهم بوضع مايسميه دستورا للبلاد، فيفصله على مقاسه ومقاس الحاشية التي حوله ليتمكن من حكم البلاد على هواه وبشرعية القانون.

ب- يأمر بتشكيل مايسميه مجلسا للوزراء ويمنحه صلاحيات تنفيذ القوانين التي (يُؤمر) مجلس الشعب باصدارها أو تلك التي له صلاحية إصدارها دون الحاجة لأخذ الموافقة المسبقة عليها وهذه الأخيرة عادة ماتنحصر بأمور مثل تحديد مواقع حرق القمامة أو تحديد مسار شبكة الصرف الصحي أو وسائل مكافحة بائعي عربات الخضار وغير ذلك.

ج- حتى يُكمل (سيرك الشرعية) فهو يردد على العلن فصل جهاز القضاء عن السياسة وأن كافة الناس سواسية أمام القانون، في حين أنه يتقصد إفساده حتى العظم وجعل القضاة يسيرون على خطى أعضاء مجلسي الشعب والوزراء.

وهذا يقودنا إلى ظاهرتين تكاد تنفرد بهما الأنظمة الديكتاتورية وهما الواسطة والرشوة. فحيث أن الاجهزة التشريعية والتنفيذية والقضائية مشلولة بسبب غرقها بالفساد المخطط، نجد أن الكلمة النهائية إما للواسطة وإما للرشوة.

فإذا كنت في بلد تكثر فيه هذه الأشكال من المظاهر (الشرعية) وتمارس فيه على العلن وأحيانا بفخر، فاعرف أن الحاكم ديكتاتور!

بقلم: طريف يوسف آغا

هيوستن / تكساس

ربيع الثاني 1432 / آذار، مارس 2011

http://sites.google.com/site/tarifspoetry