الديكتاتور والحمار وخارطة الطريق

الديكتاتور والحمار وخارطة الطريق

بالأحداث والوقائع ومن دون مبالغة ولا تحامل

ترددت كثيراً قبل البدء بكتابة هذه المقالة، وذلك خوفا من أن يظن القارئ الكريم بأن هناك مشكلة شخصية بيني وبين الديكتاتور لحد دفعني لمقارنته بالحمار. ولكني حزمت أمري في النهاية على كتابتها وخاصة بعد قرائتي لدراسة علمية تنفي المعلومات القديمة المعروفة عن هذا الحيوان، وأقصد هنا الحمار، بأنه من أغبى مخلوقات عالمه، بل وتؤكد بأنه على العكس من ذلك من أذكاها، وبالتالي فربما كانت المقالة إهانة له وليس للديكتاتور.

وقد أتتني فكرة المقالة بعد التأمل في التاريخ الحافل بالدم للديكتاتور وأنظمته وبالثورات التي قامت ضدها، وأيضاً بالنهاية الوحيدة (ولا يوجد أمامهم غيرها) التي عادة ما ينتهون إليها. وحتى لا أذهب بعيداً في أحداث التاريخ، سأتخذ من الثورة الفرنسية (1799) ودروسها كنقطة البدء في معالجة الموضوع وطرح الأسئلة (وهي الثورة التي غيرت وجه أوربا وأعادت صياغتها كما نراها اليوم)

فلا أستطيع أن أتخيل ماالذي لم يفهمه قيصر روسيا نيكولاس الثاني (1868-1918) في دروس تلك الثورة؟ وهو الذي أتى بعدها بأكثر من مئة عام، ومع ذلك فقد سار على نفس الطريق، وحكم البلاد والعباد بنفس طريقة ملك فرنسا لويس السادس عشر وزوجته الملكة ماري إنطوانيت (وإن خالفهما قليلاً بالتفاصيل بأنه لم يعرض على شعبه أكل الكاتو في حال عدم توفر الخبز!) فكانت النتيجة أنه أثار الشعب الروسي عليه وعلى نظامه، وانفجرت الجماهير المسحوقة لأجيال طويلة كالموج الهادر في كل المدن والقرى الروسية حتى تم إسقاطه وإعدامه مع عائلته بطريقة مأسوية خالفت أيضاً الطريقة الفرنسية بالأدوات ولكن شابهتها بالنهاية الدموية، وأعدم معه الملايين ممن كانوا يقفون في صفه وينتفعون به.

ثم كيف لم يفهم شاه إيران رضا بهلوي (1919-1980) دروس الثورتين الفرنسية والروسية، وهو الذي أتى بعدهما ولاشك قرأ عنهما بالتفصيل الممل. فعاد وسار على نفس الطريق الذي سبقاه إليه الملك والقيصر، فقهر الشعب ونكل به على مدى أربعين عاماً. ولا شك أن الشعب كان أذكى من حاكمه لأنه فهم دروس هاتين الثورتين، واستوعب أن الديكتاتور لايفهم سوى لغة واحدة وهي لغة القوة، فهب ومشى على خطى الشعبين الفرنسي والروسي. وهنا لا بد أن نعترف للشاه بأنه كان أذكى قليلاً من الملك والقيصر وأكثر حظاً منهما لتمكنه من الهرب مع عائلته قبل أن يجرفهم طوفان الثورة ويضعهم بين جدار ملئ بالثقوب وبين فرقة الإعدام رمياً بالرصاص، وهو المصير الذي واجهه مئات الآلاف من رجال حاشيته بعد هروبه. ولكن يبدو أنه لم يطق فراق تلك الحاشية طويلاً، فلحق بها بعد حوالي العام بعد صراع مع المرض (حسب الرواية الرسمية) في منفاه في مصر أثناء حكم أنور السادات.

وهاهو ديكتاتور رومانيا تشاوتشسكو (1918 1989)، والذي يعرف بالتأكيد ما حصل للملك والقيصر والشاه، وهو عملياً عاصر الشاه وشهد سقوطه على شاشات التلفزيون مع بقية أمم العالم، ولكنه اعتقد بدوره أنه مختلف عنه وعن الآخرين ممن سبقوه. فلا هو فهم الدروس ولا أراد أن يفهمها، وسلك نفس الطريق من قمع للشعب وفتك به وتعذيبه وإرهابه وزجه في السجون. وحول البلد إلى مزرعة خاصة به وبأسرته وبالحاشية التي من حوله، وعامل الناس كحشرات ليس لها حقوق أو مشاعر أو حتى وجود. ولذلك وعندما تحولت إحدى مسيراته (التأييدية) إلى ثورة غضب جامحة، وتحول التصفيق له إلى تنديد به، صدم بأن من كان يعتبره غير موجود (الشعب الحر) ظهر فجأة من العدم. ولم تمهله الثورة طويلاً بعد ذلك ليستوعب الصدمة، فلم تمض ساعات حتى كان هو وزوجته (التي كانت لا تقل عنه شراً) يقفان بين الجدار المثـقب وبين فرقة الإعدام لدفع فاتورة جرائمه على طريقة القيصر، وهي الفاتورة التي قد يتأخر الشعب أحيانا في تقديمها لجلاده، ولكنه في النهاية سيقدمها من دون شك.

وطبعاً فقد كان هناك الكثير من الطغاة ممن أتوا قبل الثورة الفرنسية، والكثير ممن أتوا بعد الثورة الرومانية، وواجه الجميع نفس مصير الموت أو السجن أو الهرب، أو هم في طريقهم إلى ذلك، وهنا بيت القصيد في هذه المقالة. وكونه كثر الحديث هذه الأيام عما يسمى بخارطة الطريق، فالحمار الذي تدله على الطريق مرة واحدة لايحتاج لمرة ثانية، بل يحفظه ويسير عليه طوال حياته. وإذا كانت هناك حفرة في هذا الطريق ووقع فيها مرة، فهو لا يعود ويقع فيها بعد ذلك. وعلينا أن لا ننسى في النهاية أنه مجرد حيوان، ليس لديه من يوجهه أو يشير عليه، اللهم سوى الفطرة فحسب، فمن منهما يحسن قراءة خارطة الطريق أكثر؟

بقلم: طريف يوسف آغا

هيوستن / تكساس

جماد الأول 1432 / نيسان، إبريل 2011

http://sites.google.com/site/tarifspoetry