الديكـتاتور: محكـوم بانتظـار التنفـيذ

الديكـتاتور: محكـوم بانتظـار التنفـيذ

العـبرة في النهـاية

وقفت أتأمل في الثورات التي عصفت بالعالم وما تزال، وأيضا في مصير الحكام اللذين أزيحت الكراسي من تحتهم فتساقطوا هنا وهناك كأوراق الشجر. وكذلك في هؤلاء اللذين ما زالوا يتمسكون بأرجل الكرسي بأظافرهم وأسنانهم. وكانت نتيجة هذا التأمل صورة قد تبدو للوهلة الأولى شديدة الغرابة وأقرب ما تكون إلى السخرية، ولكن إذا تأمل فيها القارئ الكريم قليلا فلن يجد فيها إلا الحقيقة.

والحقيقة هنا تقول أن الديكتاتور، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من صفات الشر، هو (شخص قد صدر عليه حكم بأنه مذنب منذ اليوم الأول الذي قفز فيه إلى السُلطة) وبالتالي فما السنوات التي قد يمضيها على كرسيه إلا ما يصطلح عليه بلغة القانون (بمدة انتظار التنفيذ). وعادة ما يتم تنفيذ هذا الحكم على يد ديكتاتور آخر (كما فعل هو بسابقه)، أو على يد الشعب الذي ما عاد بامكانه الإنتظار عليه أكثر مما انتظر، وهذا ما نراه يحدث هذه الأيام.

المشكلة هنا أن الديكتاتور لايفهم ذلك ولا ينتبه بأنه إنما ينتظر يوم تنفيذ هذا الحكم الذي صدر عليه. لا يلاحظ بأنه سبق وخرج (منذ اليوم الأول لتنصيبه لنفسه) من صف الحاكم الشرعي إلى صف الديكتاتور المغتصب للسلطة. ثم ثبت الحكم عليه حين انفرد بها لكل هذه السنوات التي أمضاها في السلب النهب والفساد وتنفيذ سياسات تتعارض مع مصلحة الشعب والوطن. وحتى يتمكن من الإستمرار بمهامه الكريهة هذه (ولأن الشعب ليس غبيا ولايهتم بالأقوال بل بالأفعال) فكان الديكتاتور مضطرا خلال سنوات حكمه لأن يقهر الشعب بإبعاد المعارضين منه خارج البلاد أو بزجهم في السجون أو بقتلهم. والإنتقال من صف الشرعية إلى الديكتاتورية هو عادة طريق باتجاه واحد ولايمكن العودة منه لأن نهايته مسدودة ومأسوية، ليس على صاحبها فحسب ولكن على أسرته وحاشيته بكاملها. وإذا افترضنا (وهذا مستحيل) بأن الديكتاتور وافق على التنازل عن الحكم وإعادة ما سرقه هو ونظامه ومحاسبة من سرق والإفراج عن المعتقلين وكشف الحقيقة عن المختفين، إذا افترضنا بإمكانية كل هذا، فكيف سيعيد الحياة لمن أخذها منهم (هو ونظامه) وهم بعشرات أو ربما بمئات الآلاف؟ هل حقا يظن بأن إلغاء قانون وتشكيل لجان تحقيق ورمي بعض الليرات هنا وهناك سيخرجه من مأزقه ويلغي الحكم الصادر عليه من أول يوم ويمنحه عفوا عن كل ما ارتكب؟ ألا يرى معي بعد كل هذا أن المخرج الوحيد الآمن له (مؤقتا على الأقل) هو في عدم إضاعة الوقت وإسراعه في الخروج من البلد. فقد يعيش لعدة أيام لحين إعادته إلى بلده مخفورا لينفذ الحكم الصادر، أو ربما لعدة سنوات ليواجه بعدها حكم ربه.

وصورة الديكتاتور هذه (كمحكوم بانتظار التنفيذ) فيها الكثير من الواقعية. فتصرفاته من إجرام وحشي وتنكيل بشع ولصوصية علنية لا تصدر إلا عن شخص ماعاد يهمه شئ ويعرف أن أيامه معدودة (كالشخص المحكوم) وبالتالي فهو يصب جام حقده وظلمه وطغيانه على الوطن والشعب وكأنه ينتقم منهما قبل أن يرحل. فنراه لا إن قتل الناس يعتذر ولا إن أفقر البلاد يعتذر ولا إن خسر الحرب يعتذر. وقد يجادل أحدهم بأن هذه الصورة غير دقيقة، ذلك أن بعض هؤلاء الحكام، وبالرغم من أنهم قتلوا ونهبوا ونكلوا، إلا أنهم ماتوا موت ربهم، لا بل ودفنوا بمراسم شرف وتكريم وأقيمت على قبورهم النصب التذكارية ولم ينفذ فيهم لا حكم ولا من يحزنون. نعم حصل هذا ولكن لينظر من يجادل ماذا حصل لقبور بعض خلفاء بني أمية والعباس وغيرهم ممن تجبروا وظلموا، ولينظر ماذا كانت وصية الحجاج بن يوسف الثقفي وهو على فراش الموت، حين أملى على أهله وحاشيته أن يتم دفنه تحت جنح الظلام وعلى قمة أعلى جبل وفي قبر أعمق بكثير من القبور العادية. كان الحجاج يعرف (وهو الذي كان طاغية ولكن ليس غبيا) بأنه محكوم بانتظار التنفيذ، وأن الحكم إذا لم ينفذ به في حياته، فسيكون بعدها.

وكأني أسمع في هذه الأيام صوت مطرقة القاضي وهي تهبط على منصة القضاء الخشبية أمامه، يقول للناس التي ملأت الشوارع والساحات ويشير إلى الديكتاتور الذي ينتظر في قفص الإتهام: رفعت الجلسة، خذوه إلى تنفيذ الحكم.

بقلم: طريف يوسف آغا

هيوستن / تكساس

جماد الأول 1432 / نيسان، إبريل 2011

http://sites.google.com/site/tarifspoetry