حين وصلت الحرية

ألقيت هذه القصيدة في ديترويت/ميتشيغان تلبية لدعوة من منظمة (المغتربون السوريون) لحضور مؤتمرها الذي عقد يوم السبت 19 تشرين الثاني، نوفمبر 2011. كان بعنوان (على هامش الانتقال) وأتى لنصرة الثورة السورية في سبيل الحرية والكرامة كما وتم اللقاء فيه مع أعضاء من المجلس الوطني السوري.

حينَ وصلتِ الحريةُ

عادتِ الحياةُ

لمْ نكنْ في وطني نعرفُ الحريـةَ

كنا نسـمعُ عنها مِـنْ وكالاتِ الأنبـاءْ

كانوا يقولونَ أنَّها جَمـيلةٌ

وأنَّ قُربَها نِعمةٌ مِـنَ السَـماءْ

وأنَّ العَيـشَ بدونِها نقمَـةٌ

كالعيـشِ مِـنْ دونِ مـاءٍ وهَـواءْ

وكنا نسـمعُ عنها أيضاً مِـنَ المُغتربينَ

كانَ نظامُنا يُصنِفُ المُغتربينَ أعـداءْ

كانَ يتمنى أنْ لايعودوا، فإنْ عـادوا

كانَ يَحجرْ عليهمْ وكأنَّهمْ مُصابونَ بوَبـاءْ

مَنعُ السَـفرِ في وطني كانَ سِـياسَـةَ دولـةْ

قالوا لنا أنَ الدُنيا خارجَ حدودِنا جَوفـاءْ

وأنَّ الحريةَ حذاءٌ اخترعتهُ الفِرنجَـةْ

لايُناسِـبُ حوافرَ شُـعوبنا البَلهـاءْ

وأنَّ حريةَ حكامِنا هيَ الأمثلُ لنا

فحكامُنا أنصافُ آلهةٍ وأنصافُ أنبيـاءْ

وأنَّ قسـوَتهمْ علينا إنما لصالحِنـا

وأنَّ الاكتواءّ بنارهمْ نِعمةٌ مِـنَ السَـماءْ

وأنَّ نظرتَهمُ الثاقبة مُحِقَّـةٌ وإنْ ثَـقبَتْنـا

فعيونُهمْ هيَ التي ترى وعيونُنا العميـاءْ

كَـذبوا علينا، وعنْ بقيةِ العالَمِ عزلونـا

ونكَّـلوا بنا وسَـجنونا وعامَلونا كَـأُجَـراءْ

ولكنْ معَ كُـلِ ذَلِكَ، وصلتِ الحريةُ أخيـراً

كَـالرياحِ عصفتْ عبرَ الحواجزِ وعبرَ الرُقباءْ

لمْ يَسـتقبلْها النظامُ بورودٍ ولارحَّبَ بِهـا

ولكنْ قدَّمَ لها أكفاناً مَملوئَةً بأشـلاءْ

ولمْ يفرشْ لها الشـوارعَ سُـجاداً أحمَـرَ

ولكنْ ملأَ لها المُدنَ بُحيراتٍ حَمـراءْ

خرجَ يُلاقيها بالدباباتِ والمدافِـعِ

وبالأمنِ والشَـبيحةِ، بالفحيحِ والعِـواءْ

أما الشَـعبُ الذي انتظرها طويلاً فعانقهـا

وقدمَ لها أبنائَـهُ عُـرْبونَ حبٍ ووفـاءْ

اسـتقبلها بالتهليلِ والتكبيرِ، والأغاني والأناشـيدِ

وفتحَ لها الطريقَ بقوافلِ الشُـهداءْ

وقالَ لها أنَّ مكانتَها بعدَ اللهِ والوطَـنِ

وما يُقالُ عَـدا ذلِكَ فالشَـعبُ مِنهُ بَـراءْ

وقالَ لها أنَّ القمَـرَ بدونها كَـئيبٌ

وأنَّ الشَـمـسَ في غيابها ظَلمـاءْ

هيَ الحريةُ تعشَـقُها الانسـانيةُ منذُ الأزَلْ

ولكنَّ الطُغاةَ لها أشـرسُ الأعـداءْ

إسـمُها عندَ البشَـرِ رديفٌ للحيـاةِ

ولكنَّهُ عندَ الحُكّامِ أبغضُ الأسـماءْ

هيَ للحُكّامِ أسـوَأُ كابوسٍ

رؤيتُها ورؤيةُ الموتِ عندهمْ سَـواءٌ بسَـواءْ

بلْ ربما الموتُ أهونُ عليهمْ منها

يأخذهمْ أعزَّةً بسلامٍ، وتأخذهمْ باذلالٍ وضوضاءْ

يأخذهُـمْ فُـرادى وتأخذهُـمْ بالجُملَـةِ

ليسَ كالحريةِ على الحكامِ مصيبةٌ سَـوداءْ

يكبرونَ في بُعدِها ويصغرونَ في قُربِـها

في بُعدِها لهمْ سَـرّاءٌ وفي قربِها ضَـرّاءْ

إذا صودرتِ الحـريةُ مِـنْ أُمَـةٍ فكأنهُـمْ

صادروا منها لِسـانَها فَصارتْ بَكمـاءْ

أُمَـةٌ بلا حُـريةٍ، تعيـشُ في الوَحـلِ

تعيـشُ لاهِثَـةً خلفَ أسـيادِها كالجِـراءْ

كمْ نشَـبتْ في سَـبيلِها ثوراتٌ؟

وكمْ أغنتْ صفحاتِ التاريخِ وألهمتْ شُـعراءْ؟

وهاهيَ اليومَ تقولُ لِشُـعوبنا ‘أبشِـروا’

وتقولُ لحكامِنا ‘اُمضوا فقد مضى عهدُ الدِمـاءْ’

***

شعر: طريف يوسف آغا

كاتب وشاعر عربي سوري مغترب

هيوستن / تكساس

جمعة (سحب السفراء) 22 ذي الحجة 1432/ 18 تشرين الثاني، نوفمبر 2011

http://sites.google.com/site/tarifspoetry