هل الديكتاتور الثوري العربي بلطجي؟

هل الديكتاتور الثوري العربي بلطجي؟

استمرار البحث عن الهوية

حاولت في مقالاتي السابقة أن أصنف الديكتاتور العربي عامة والثوري خاصة بأن أجد له شبيهاً في الطبيعة أو من شخصيات التاريخ، فكان هولاكو (1217-1265) الذي احتل منصب خان المغول هو أقرب من وجدت إليه، وإن كان ديكتاتورنا أسوأ منه بكثير. فهولاكو الذي عرف بالكثير من الصفات السيئة، إلا أنه لم يكن بأي حال لص ولاخائن لشعبه ووطنه، وهو بالتأكيد لم يربط أمن واستقرار أعدائه بأمن واستقرار بلاده. وهذا ما أعادني وبعد كل هذه المقالات إلى المربع الأول من جديد للبحث عن هوية الديكتاتور الثوري العربي.

ولكن وفي غمرة هذا البحث، يبدو أني غفلت عن الشخصية التي كنت أبحث عنها والتي كانت دائماً أمامي ولم أفكر بها: وهي البلطجي.

فما هو تعريف كلمة بلطجي؟ وجدت من البحث أن لكلمة البلطجي أصول تركية إذ كانت تطلق على من يجيد استعمال البلطة ويتقدم الجيش في الغابة ليمهد له الطريق بإزالة الأشجار من طريقه. ثم أصبح اللقب أكثر عمومية وصار يطلق على كل من يستعمل قوته العضلية أو سلاحه أو نفوذه لتحقيق أهدافه أو أهداف غيره ممن يدفع له مقابل ذلك. وبالتالي فالبلطجي يجمع كل الصفات السيئة من القاتل إلى الخائن ومن اللص إلى الغدار ومن المحتال إلى الجبان. كل شئ عنده ممكن وله ثمن، فلا ضمير ولا أخلاق ولا رحمة، وهو قابل للتحول من الإشتراكية إلى الرأسمالية ومن اليسار إلى اليمين ومن التدين إلى الإلحاد حسب السوق. وجميع رجال النظام الديكتاتوري من وزراء ومدراء وقادة عسكريين وضباط أمن هم بلطجية وإن اختلفوا بالألقاب والإسلوب. ويجلس على رأس هرم هذا النظام رئيسه الذي يمثل رئيس البلطجية والذي يوزع عليهم الأدوار كل حسب مركزه وقربه منه، ولكن الجميع يعمل في اتجاه واحد وهو الحفاظ على الوضع القائم أولاً وأخيراً. فالنظام بالنسبة لهم هو مصدر الثروة الطائلة، أو الدجاجة التي تبيض ذهباً، وأي إجراء لايصب في هذا الاتجاه لايتعدى كونه أكثر من المكياج الذي يجمل الوجه البشع للبلطجي أو الديكور الذي يحاولون من خلاله تجميل المنظر البشع لقضبان سجن الوطن والأدوات التي تستعمل فيه للقمع والتعذيب.

وكما أن البلطجي يعرض خدماته على من يدفع مقابلها، فالنظام الديكتاتوري يقدم أيضاً نفس الخدمات. فهو يعرض خدماته أولاً على السوق الداخلية ممثلة بالتجار بأن يسهل لهم عمليات الاستيراد والتصدير والتسويق، وممثلة أيضاً بالمستثمرين والمتعهدين والشركات، فيساعدهم على القفز فوق القانون مقابل مشاركتهم له بحصص من أرباحهم، تماماً كعصابات المافيا. وليس غريباً على الديكتاتور أيضاً عرض خدماته على جهات خارجية، كالتدخل العسكري في دول مجاورة لصالح تلك الجهات أو فتح سجونه لاستقبال سجنائها للتحقيق معهم على الطريقة العربية المتميزة والتي لاتسمح بها قوانين تلك الجهات على أراضيها. وطبعاً يقبل الديكتاتور مقابل خدماته كل أنواع الدفع: كاش وشيكات وكريدت كاردز وفرفشة بالاضافة لاطلاق يده وغض النظر عن ممارساته في بلده من قمعه لشعبه ونهبه للثروات وغير ذلك.

فالبلطجي إذاً هو شخصية محلية وعالمية في نفس الوقت، وهذا مايجعله يشعر بالغرور وينسيه وهو في غمرة الاستقبالات والتوديعات والمراسم والكاميرات والطبل والزمر أنه مجرد بلطجي صاحب عضلات فحسب، ومن صفات صاحب العضلات أيضاً هو الغباء. فهو وبعد أن يؤدي الخدمات المطلوبة منه، سيقوم من استخدمه بازاحته، إما بانهائه في السجن أو بتعليقه على المشنقة أو بتصفيته باغتيال أو بحادث طائرة أو سيارة أو بمرض مفاجئ وكل بلطجي وأنتم بخير.

بقلم: طريف يوسف آغا

هيوستن / تكساس

جماد الثاني 1432 / أيار، مايس 2011

http://sites.google.com/site/tarifspoetry