نظرة فابتسامة فموعد ... فرانج روفر

نظرةٌ فابتسامةٌ فموعدٌ...فرانج روفر

من الحياة اليومية لمواطن سوري

قصة جديدة أرويها رداً على أصحاب مقولة (كنا عايشين وماشي حالنا) حيث حياة الانسان في (سورية الأسد) كانت دائماً غير ذات قيمة ويمكن الاعتداء عليها لأسباب مزاجية ودون مسائلة أو ردع من القانون، وهي قصة حصلت معي شخصياً وليست قيلاً عن قال.

المكان دمشق والزمان أحد أيام شتاء عام 1977 حيث كنت طالباً سنة ثانية في كلية الهندسة الميكانيكية وأحضر لامتحانات الفصل الأول. اعتدت حينها على الدراسة في المكتبات الجامعية حيث الجو العام يشجع على ذلك ولايوجد مايشغل الطالب من تلفزيون أو غيره. كانت مكتبة دار الفيزياء هي المفضلة عندي في ذلك الوقت بسبب طاولاتها وكراسيها الجديدة، وحين لايكون فيها أماكن خالية، فكنت أرتاد مكتبة دار الكيمياء المجاورة، أما المكتبة العامة في كلية الحقوق فكانت وجهتي الأخيرة بسبب طاولاتها وكراسيها الأنتيكة (المخلوَعة). وكنت قد اعتدت أخذ فترة استراحة وقت الظهيرة أقصد خلالها أحد محلات السندويش المجاورة لتناول مايسد الرمق لحين العودة إلى البيت مساء.

خرجت ذلك اليوم من محل السندويش ووقفت على الرصيف أكمل زجاجة الصودا قبل أن أعود إلى المكتبة، لأفاجأ بفتاة تقترب مني وهي تبتسم وتقول بلهجة دمشقية صافية: مرحبا، ممكن أقف معك قليلاً فأنا بحاجة للمساعدة؟ كانت الفتاة سمراء وعلى قدر من الجمال وقدرت أنها في سن المرحلة الثانوية، كما وكان من الواضح أن المساعدة التي تكلمت عنها لم تقصد بها مساعدة مالية، فمظهرها بشكل عام لم يكن يوحي بأنها تتسول. مما كان يلفت النظر فيها شعرها الأسود الطويل الذي يصل لأسفل ظهرها، وهذا تقليد نراه في القرى أكثر بكثير من المدن، ومن الواضح أن الفتاة كانت فخورة به من طريقة تصفيفها له والاكسسوارات التي زينته بها. ولكن ماكان يلفت النظر أكثر من أي شئ آخر هو ملابسها الجريئة التي لم يكن من المعتاد ارتدائها في مدينة محافظة كدمشق في سبعينيات القرن الماضي. شعرت منذ اللحظة الأولى أن هناك شيئاً غير اعتيادي في هذه الفتاة، وكان شعوري حينها مزيجاً من الغرور الذي ينتاب شاباً عشرينياً وهو يتحدث مع فتاة جميلة، ولكن أيضاً من الحذر من خطر غير واضح المعالم باعتبار أن الأمر بمجمله غير طبيعي، ففي بلد مثل سورية في مثل ذلك الوقت، الشاب عادة من يبادر الفتاة بالكلام وليس العكس، ونادراً ماترى فتاة تمشي في الشارع بملابس بهذه الجرأة إلا إذا كانت أجنبية.

لم تمض ثوان حتى استوعبت مايحصل وماهي المساعدة التي كانت الفتاة بحاجتها، فسرعان مااقترب منا شابان ينطبق عليهما التعبير الدمشقي بأنهما (حشت نشت)، أي لاصوت ولاصورة ولامستوى، ويبدو أنهما كانا يطاردان الفتاة ويتحرشان بها، ومن الواضح أيضاً أنهما اعتبرا ملابسها الجريئة بطاقة دعوة لذلك. فما كان منها إلا ان التفتت إليهما وقالت بعصبية: ألم أقل لكما أنكما تضيعان وقتكما معي، فأنا لست بحاجة لأصدقاء لأن عندي واحد وهذا هو أمامكم، فهل من الممكن أن تنصرفا الآن؟ تأملني الشابان سريعاً ثم ابتعدا عنا وهما يتلفتان إلى الخلف وسمعت أحدهما يقول للآخر: ياخسارة كانت صيدة (مسئسئة)، بس يبدو مالنا بالطيب نصيب، يللا خيرها بغيرها.

اعتذرت الفتاة لوضعي في هذا الموقف وشكرتني لقبولي تمثيل دور (الصديق) للتخلص من الشابين المزعجين، وقالت لي بأنها كانت في طريقها لزيارة إحدى صديقاتها في المنطقة حين بدأت عملية المطاردة والتحرش، ثم طلبت مني السير معها حتى مدخل العمارة التي تسكن فيها صديقتها والتي كانت على بعد حوالي المئة متر من مكان وقوفنا، إذ يبدو أنها كانت ماتزال خائفة من عودة الشابين. ما أن بدأنا بالمسير حتى بادرتني بتعريفي على اسمها، وقد لاحظت أنها لم تتردد ولالحظة حين فعلت ذلك، على عكس مااعتادت الفتيات أن يفعلن في بلادنا حين يتعرفن على شبان، فيحاولن أن لايعطين أسمائهن الحقيقية مباشرة، بل أسماء مستعارة، ومن شبه المستحيل أن يعطين اسم العائلة من اللقاء الأول. كل ذلك لأسباب تتعلق بالجو العام المحافظ في البلد، في ذلك الوقت على الأقل، ولهذا فقد اعتقدت حينها أنها أعطتني اسماً مستعاراً، ولكن لأكتشف لاحقاً بأني كنت مخطئاً. وحين سألتها في أي صف ومدرسة أجابت من جديد بلا أي تردد أو تلعثم بأنها طالبة في الصف الحادي عشر في ثانوية (ساطع الحصري) في منطقة الجاحظ، فعرفتها بدوري على اسمي وماذا أدرس، وذلك حتى وصلنا إلى مدخل البناء الذي قالت أن صديقتها تسكن فيه. كنت على وشك أن أودعها لأعود إلى المكتبة، لولا أنها استمرت بمسلسل المفاجآت حين أخرجت قلم حبر من محفظة صغيرة كانت تحملها وأمسكت بيدي وكتبت على كفي رقماً قالت بأنه رقم هاتف بيتهم، ثم أعطتني يدها وطلبت مني كتابة رقم هاتف بيتنا، وقالت بأنها ترغب باستمرار التواصل فيما بيننا، ولما سألتها وماذا سيقول أهلها إذا مااتصلت بها، أجابت (عادي، ولاشي). طبعاً لاداعي للتذكير هنا بأن الشاب في بلدنا في ذلك الوقت ماكان ليحصل على رقم هاتف فتاة إلا بعد أن (تحفى قدميه) أو (ينشف ريقه) كما يقولون.

بسبب غرابة كل ذلك، بقيت لاأصدق ماجرى، حتى أني لم أفكر ولالحظة بالاتصال بها، مفضلاً اعتبار الأمر وكأنه لم يحصل. ولكن لم تمض عدة أيام حتى اتصلت الفتاة بي وبادرتني وبلهجة العتاب أنها انتظرت اتصالي بها في نفس اليوم الذي تقابلنا فيه ثم في اليوم التالي ثم التالي حتى فقدت الأمل وقررت أخذ المبادرة بنفسها، ثم قالت (كنت خجلان تتصل، مو هيك؟). في الحقيقة لم أعرف ماأجيب به أمام هذه الجرأة، فقلت لها بأني نظرت إلى إعطائها رقم هاتفها لي كمجرد عرفان بالجميل من طرفها لما حصل قبل أيام حين ساعدتها بالتخلص من الشابين اللذين كانا يطاردانها، وأكدت لها بأنها ليست مدينة لي بشيء. فعادت وعاتبتني وقالت بأنها لم تفكر بالأمر بهذه الطريقة، بل (ارتاحت) لي وترغب باستمرار التواصل فيما بيننا، ثم توقفت عن الكلام وسمعتها تتكلم مع شخص آخر في البيت وتقول له بأنها تتكلم مع صديق وسمعتها تنطق باسمي، ولما عادت وتكلمت معي سألتها مع من كانت تتحدث فقالت وسط دهشتي (مافي حدا، هي أمي)، وفي الحقيقة لم أجد تفسيراً لذلك حينها إلا أن تكون أمها أجنبية وأن أسرتها شديدة التحرر لدرجة الافصاح عن أسماء أصدقاء بناتها.

استمرت الفتاة بعد ذلك باتصالاتها الهاتفية لشهرين أو ثلاثة، وسألتني مرة إن كنت ماأزال أحتفظ بإشارات (الفتوة) الحمراء التي تشبه الرتب العسكرية والتي يضعها طلاب الحادي عشر على أكتافهم في مدارسنا. ولما رددت بالايجاب، طلبت مني إعارتها لها لأنها (ضيعت) إشاراتها ولاترغب بشراء إشارات جديدة لأن السنة كانت قد شارفت على الانتهاء، وطلبت أن نلتقي صباح اليوم التالي على موقف (السكة) في أول حي المهاجرين لتأخذها وهي في طريقها إلى المدرسة، وهو اللقاء الذي استغرق حوالي الدقيقة وقالت لي خلاله بأنها تحضر لي مفاجأة قريبة. إلى أن أتى يوم، وكنا في نهاية الربيع، وكنت أحضر لامتحانات الفصل الثاني في أيار، فاتصلت بي وقالت (أحب أن أراك). طبعاً فوجئت من جديد، إذ من المتعارف عليه في بلدنا أن طلب (الموعد) يجب أن يأتي من طرف الشاب وليس الفتاة، وحين يأتي فيفترض أنها تتمنع في البداية وحين تقبله، فتقبله بمزيج من الخجل والتردد. من جهتي فلم أطلب رؤيتها خلال الأشهر الماضية بسبب هذا الشعور الخفي الذي لم يفارقني للحظة بأن هناك (إن) في الموضوع وأن الأمر ليس بالبساطة التي يبدو عليها في الظاهر. ولما سألتها مالذي تفكر فيه، أجابت بأن آخر امتحاناتها سيكون في يوم خميس بعد اسبوعين، ويمكن أن ألقاها أمام المدرسة الساعة الثانية عشر ظهراً حيث يمكن أن نتمشى إلى كافيتيريا نجلس فيها ونتحدث. ولما سألتها أليس من الأفضل وحرصاً على سمعتها أن نلتقي أمام الكافيتيريا مباشرة، أو في أي مكان آخر بعيد عن المدرسة كي لايراها أحد، قالت بأن هذا غير ضروري لأن الأمر أكثر من عادي ولايتطلب أي سرية أو خجل.

بقيت خلال الاسبوعين أفكر بهذا (الموعد) وبهذه العلاقة ككل، فكل مافيها كان يدل على أن ورائها ماورائها، إلى أن أتى يوم (الموعد) أخيراً، وكنت قد أخبرت الفتاة أثناء مكالمة سابقة بأني لن أنتظرها على باب المدرسة مباشرة، لأن هذا إن لم يكن محرجاً لها، فهوبالتأكيد محرج لي، وقلت لها بأني سأنتظرها على رصيف سفارة الفاتيكان القريبة. وفعلاً أتت الفتاة على الموعد ولفت نظري بأنها لم تكن بلباس (الفتوة) الموحد كما هو إجباري في المدارس الثانوية، بل بملابس مدنية وأكثر جرأة من تلك التي رأيتها فيها أول مرة. ولما سألتها عن السبب قالت بأن هذه الثياب التي ترتديها اليوم وصلتها هدية منذ فترة قصيرة من (باريس)، وبأنها لن تدع (قوانين) المدرسة تجبرها على ارتداء لباس (الفتوة) السخيف إلى (الموعد) وترك ثياب (باريس) في البيت. طبعاً سألتني عن رأي بتلك الثياب، فقلت لها بأنها لاشك أنيقة ثم سألتها (ولكن ألا تعتقدين بأنها جريئة لأن تلبس في شوارع مدينة محافظة مثل دمشق؟) وهنا عادت الفتاة لتزيد من حيرتي واستغرابي حين ابتسمت وأجابت بسرعة وكأنها محضرة نفسها لذلك السؤال (مادامت الثياب تظهرني سيكسية فليس عندي مشكلة). وسبب استغرابي هذا أن النساء في بلدنا لم يعتدن استعمال مثل تلك الكلمات في الأحاديث العامة ولا الخاصة، إلا إذا كانت هناك علاقة وثيقة وقديمة ورفع كلفة، وهذا بالتأكيد مالم يكن متوفراً في حالتنا تلك. أخذنا بعدها بالمشي على جانب نهر بردى الذي يصل مابين جامع الروضة والجسر الأبيض، ثم اتجهنا ناحية شارع الحمرا مروراً بشارع الطلياني، قاصدين إحدى الكافيتيريات المنتشرة بكثرة في تلك المنطقة، ولكن لم أكن أعرف ماكان يخبئه لي شارع الحمرا قبل وصولنا إلى الكافيتريا.

خلال مسيرنا من المدرسة إلى شارع الحمرا، بدأت أصل مابين النقاط وتتوضح الصورة أكثر واكثر وأجد أجوبة لأسئلتي، حيث لم تنقطع الفتاة خلال ذلك المسير عن التحدث عن رحلاتها كل صيف مع أهلها إلى (باريس) لشراء الملابس والاستجمام، ولا عن رحلاتها شبه الشهرية إلى (فيلة البابا) بالقرب من (الشاطئ الأزرق) في اللاذقية. كنا نسير على الجانب الأيسر من الشارع وبعكس اتجاه السيارات وكنا قد قطعنا نصفه تقريباً حين فوجئنا، أنا وهي هذه المرة وليس أنا وحدي، بسيارة (رانج روفر) تصعد على الرصيف وتمر بسرعة جنونية بجانبنا وعلى بعد لايزيد عن متر، ثم لتعود إلى الشارع وتتابع سرعتها الجنونية. بصراحة لم أكن قد استوعبت بعد مايجري، ذلك أن مشهد (الرانج روفر) وهي تقوم بحركات جنونية واستعراضية كهذه لم يكن بالأمر الغريب في دمشق، كون هذه السيارات ومثيلاتها شبه مخصصة لضباط المخابرات والجيش من (الطائفة الكريمة)، وطبعاً لأولادهم الزعران أيضاً. كان أول مافعلته أن التفت إلى الفتاة لأهدئ من أعصابها، باعتباري توقعت أن تكون خائفة ومازالت تحت تأثير الصدمة، ولكني وعلى العكس وجدت على وجهها علامات الغضب والتحدي وليس الخوف، فقلت لها معلقاً (ماأكثر المجانين في هذا البلد). توقعت أن تكون الحادثة عرضية وأن السائق المجنون أراد لفت النظر إليه وإلى سيارته ليس إلا وأنه قد مضى في سبيله، ولكن لم تمض دقائق حتى خاب ظني وعاد السائق إلينا بعد دقائق وكرر نفس العملية مع فارق أنه هذه المرة اقترب منا أكثر حتى كاد يدعسنا بالفعل، ثم فرمل بشدة وركن سيارته على الرصيف أمامنا مباشرة، قاطعاً الطريق علينا وعلى بقية المارة وسط دهشة وفزع الجميع. تمكنت من تميز السائق حين غادر مقعده ونزل باتجاهنا، فكان شاباً يافعاً بالكاد في العشرين من عمره وتبدو ملامح النعمة الحديثة على هيئته الريفية وملابسه المبتذلة وعطره الفج الذي يبدو وكأنه قد (تحمم) به. ولكن ماكان يميزه أكثر من اي شئ آخر المسدس الحربي على جنبه والذي كان (ماركة مسجلة) لرجال المخابرات والجيش وأبنائهم.

كان الشاب يتحرك باتجاهنا وعلى وجهه علامات الغضب ونية الشر، فحضرت نفسي للأسوأ وتوقعت أن أشتبك معه في أي لحظة، وهنا حصلت مفاجأة المفاجآت في هذه القصة، حيث تقدمت الفتاة ووقفت أمامه وفي وجهها شر أكثر من الشر الذي كان على وجهه، ثم بدأت تشتمه بأقذع الألفاظ ولكن هذه المرة باللهجة (العلوية) التي لايخطئها سوري وحيث لم تترك مسبة فيها حرف (القاف) لم تستعملها. صعق الشاب لجرأتها الغير متوقعة ولكنه سرعان مابدأ بتهديدها بنفس اللهجة والكلمات و(القافات) ويتوعدها بأنه سيفعل كذا وكذا إذا لم تتجاوب معه وتتوقف عن إغاظته. إلا أنها لم تسكت له ولم تهتم بتهديداته، بل استمرت بالرد عليه والكيل له الصاع صاعين، إلى أن نطقت أخيراً بما كان على مايظهر (كلمة سحرية) حين هددته بأنها ستشكوه لفلان إذا لم يتوقف عن أفعاله. ويبدو أن ذكر اسم (فلان) قد فعل فعله بالشاب، فما كان منه إلا أن عاد سريعاً إلى سيارته و(شفط) بها مبتعداً وكأن مسه السحر. كنت ما أزال تحت وقع الصدمة لكل ماحدث، وكأنه شريط رعب سينمائي مر من أمامي وانتهى بثوان، فقالت لي الفتاة: لنتابع سيرنا ونبتعد عن هذا المكان اللعين. كانت الحديقة الواقعة خلف نادي الضباط القديم أقرب مكان عام منا، فدخلناها وجلسنا على أحد مقاعدها نلتقط أنفاسنا ونهدأ أعصابنا، ثم سألتها قبل أن تحاول التهرب من الموضوع (من هذا الشاب وماذا يريد منك ... ومن أنت؟)

شعرت الفتاة بأن عليها أن تقول كل شئ هذه المرة، فأخبرتني، بعد أن عادت للهجة الدمشقية، أن هذا الشاب هو ابن عمها ويريد الزواج منها برغبة أسرته وأن والده، أي عمها، رئيس فرع مخابرات، وأن والدها استاذ توجيه سياسي في إحدى ثانويات دمشق الرئيسية وهو، أي والدها، من هددت ابن عمها به كونه على معرفة شخصية بالرئيس في القصر الجمهوري. وأضافت أن والدها قد ترك لها حرية الموافقة على ابن عمها أو رفضه، وأنها تكره هذا الابن العم، ولذلك يلاحقها ويفشل لها أي علاقة تقيمها، ولما عدت وسألتها من مدينة هي، أجابت بأن أسرتها من (القرداحة) ولكنها مولودة في دمشق. خيم صمت قصير بعد ذلك قطعته بقولها بلهجة حزينة أن حياتها قد أصبحت جحيماً بسبب تدخل ابن عمها فيها، فهو يلاحقها كظلها ليفشل أي علاقة لها قبل أن تبدأ. من جهتي فقد تعاطفت شيئاً ما مع الفتاة، ولكني في نفس الوقت وجدت نفسي وكأني دخلت في (صراع عائلي) لاناقة لي فيه ولاجمل، وليس صراع عائلي فحسب، بل (مافيوي) بامتياز، فكلنا نعرف طبيعة (نظام الأسد) وكيف يصفي رجالاته خصومهم أو الغير مرغوب بهم حتى ولو كانوا من نفس الطائفة.

كانت هذه ثالث وآخر مرة رأيت فيها الفتاة، وقد شعرت بأني كنت محظوظاً بخروجي من تلك القصة (قطعة واحدة). وكنت قد قرأت قصة من (أدب السجون) عن طالب في جامعة دمشق كان على علاقة مع طالبة في نفس الكلية، فتمت فبركة تهمة سياسية له وإزاحته من المشهد بارساله إلى (سجن تدمر) حيث لم يعد من هناك، لا لشئ ولكن لأن طالب آخر من (الشباب الطيبة) كان معجباً بنفس الفتاة ويرغب أن يخلو له الجو ويأخذ فرصته معها. فحتى علاقة عادية بين شاب وفتاة في بلدنا لاأحد يعلم في زنزانة أي سجن أو تحت عجلات أي (رانج روفر) يمكن أن ينتهي الأمر بصاحبها، وهناك من مايزال يقول (كنا عايشين وماشي حالنا).

***

بقلم: طريف يوسف آغا

كاتب وشاعر عربي سوري مغترب

عضو رابطة كتاب الثورة السورية

الاثنين 18 شوال 1436، 3 آب، أوغست 2015

هيوستن / تكساس

http://sites.google.com/site/tarifspoetry