نظريتي الدول السبعة والغاز والمؤامرة على سورية

نظريتي الدول السبعة والغاز

والمؤامرة على سورية

لاشك أن الكثيرين سمعوا بالجنرال الأمريكي المتقاعد ويسلي كلارك القائد العام السابق لقوات حلف الناتو في أوربة والذي قاد عمليات حرب كوسوفو عام 1999، وسمعوا عن كتابه الشهير الذي نشره عام 2003 تحت عنوان (الانتصار في الحروب الحديثة). وهو الكتاب الذي كشف فيه لأول مرة عما عرف لاحقاً بخطة (الدول السبعة) التي وضعها وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ونائبه بول ولفوويتش في إدارة الرئيس بوش الإبن، وهي الادارة الجمهورية التي كانت بمعظمها من تيار المحافظين الجدد المتشدد. ويمكن اختصار هذه الخطة بتغيير الأنظمة في سبعة دول شرق أوسطية خلال خمس سنوات وبالترتيب التالي: العراق، سورية، لبنان، ليبيا، الصومال، السودان، إيران. والهدف القريب منها هو ضمها للمنظومة الأمريكية، وأما البعيد فهو تضييق الخناق الاقتصادي على الصين، عملاق العالم القادم، ومنع روسيا من التعافي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وابقائها بعيدة عن التأثير على الساحة الدولية. فثلاثة من هذه الدول وهي العراق وليبيا وإيران هي دول نفطية غنية، والسودان في طريقه لينضم إليها. أما السيطرة على سورية فضروري لتنفيذ تلك الخطة بسبب موقعها الجغرافي وتحالفاتها السياسية والإقليمية.

وقد كشفت وسائل الإعلام فيما بعد الكثير من التحليلات السياسية ومنها أن هذه الخطة كانت قد وضعت قبل ذلك بكثير وبالتحديد خلال عهد الرئيس ريغان (1981-1988) وقد تم التمهيد لها خلال فترة رئاسة بوش الأب (1989-1992) حين تم (التغرير) بصدام حسين وإقناعه باجتياح الكويت. ولكن بوش امتنع عن إكمال الخطة برفضه التقدم إلى بغداد، فكلفه ذلك، حسب بعض المحللين السياسيين، خسارة الفترة الرئاسية الثانية. ثم عرضت الخطة على بيل كلنتون الديمقراطي أثناء فترة رئاسته (1993-2000) ولكنه رفض حتى مناقشتها، فكلفه ذلك ماكلفه من الفضائح والتشهير. ثم أتى الرئيس بوش الإبن (2001-2008) فكان الشخص المثالي للقيام بها.

ويقول الجنرال كلارك في كتابه أنه علم بهذه الخطة لأول مرة أثناء إحدى زياراته لوزارة الدفاع الأمريكية في شهر كانون الثاني، نوفمبر من عام 2001، أي بعد شهرين من هجمات الحادي عشر من ايلول، سيبتمبر 2001، حيث طلب منه رئيسه آنذاك الاستعداد لتنفيذها حال صدور القرار السياسي. ويستشهد الجنرال على كلامه باجتياح العراق لاحقاً مع أنه لم يكن له أي صلة لا من قريب ولا من بعيد بتلك الهجمات. أما سيناريو مهاجمة سورية فكان سيتم بحجة إرسالها لمقاتلين عبر الحدود لتنفيذ عمليات ضد قوات الاحتلال الأمريكي وحلفائه في العراق. وتأتي التحليلات السياسية من جديد لتقول أن تجميد هذا القسم من الخطة قد أتى بسبب(تدخل) مباشر من إسرائيل التي اعتبرت أن شأن النظام السوري هو (شأن إسرائيلي داخلي) وأن حتى أمريكا لاتملك حق التصرف فيه دون التشاور مع الدولة العبرية. وقد رضخ بوش وإدارته لذلك حينها حسب تلك التحليلات حرصاً على نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2004 والتي فعلاً عاد وفاز بها. ومن هنا يستند مؤيدي نظرية (المؤامرة على سورية) على كتاب الجنرال كلارك لدعم نظريتهم وتبرير دفاعهم عن النظام المذكور، واعتبار أن الثورة المشتعلة منذ تسعة أشهر الآن ماهي إلا أداة لتنفيذ الخطة، ويستشهدون على كلامهم بأن القذافي قد تم القضاء عليه في ليبيا والسودان قد تم تقسيمه والصومال قد تم طحنه، ولم يبق من الدول العربية في اللائحة سوى سورية، باعتبار أن النظام في لبنان سينهار تلقائياً بانهيار نظام جارته. ولكن ماذا يقول هؤلاء عن أنظمة مصر وتونس واليمن، وهي التي كانت من أكثر الأنظمة العربية موالاة لأمريكا في المنطقة ولم تكن على تلك (اللائحة السوداء)؟ إلا إذا كانت تلك الأنظمة، وربما غيرها أيضاً، موجودة على لائحة (سرية ثانية) أكثر سرية من الأولى ولم يتم إطلاع الجنرال كلارك عليها! بل وربما كانت هناك لائحة ثالثة ورابعة وخامسة وهلم جراً، فمن السهل أن تدخل نظريات المؤامرة في متاهات لايمكن الخروج منها.

ومن خطة الدول السبعة التي أطلعنا عليها الجنرال كلارك في كتابه، أنتقل إلى نظرية (مؤامراتية) ثانية أطلعتنا عليها مؤخراً الكاتبة اللبنانية غادة اليافي وبالتفصيل الممل في مقال نشر مؤخراً على العديد من المواقع، ويمكن أن نطلق عليها اسم نظرية الغاز. والكاتبة المذكورة، وهي ابنة عبد الله اليافي الذي تولى رئاسة الحكومة اللبنانية عدة مرات خلال القرن الماضي، تقول في مقالها أن وقود المستقبل سيكون الغاز الطبيعي وليس النفط، وبالتالي فان الصراع العالمي سيتجه إلى السيطرة على مكامنه وطرق نقله. وبعد مقال مطول عرضت فيه العديد من الأحداث التاريخية والصراعات الاقتصادية والاستنتاجات السياسية، توصلت في النهاية إلى أن (استهداف سورية) هو استهداف أمريكي لكونها تقع على طريق نقل الغاز من الشرق إلى الغرب، والهدف البعيد من ذلك هو نفس الهدف من النظرية الأولى ويتمثل في محاصرة الصين ومنع روسيا من التعافي.

لن أعلق هنا على أي من هاتين النظريتين، علماً بأن صاحبيها لم يقدما أدلة قانونية ملموسة للبرهان على صحة ماجاء بهما، بل اعتمدا على (مصداقيتهما) ككاتبين من جهة، وعلى (استنتاجاتهما) بربط الأمور والأحداث ببعضها من جهة ثانية. ولكن وكما قلت فلن أدخل في التفاصيل، مع أنها في غاية الأهمية، بل وأكثر من ذلك سأوافق على هاتين النظريتين فقط في سبيل الوصول إلى هدفي من هذه المقالة. إذاً وإذا وافقنا بأن مايجري اليوم في سورية هو مؤامرة على نظامها، إن كانت باسم الغاز أو الدول السبعة أو أي اسم آخر، فلماذا لايرحب بها الشعب السوري؟ وهو الشعب الذي وعلى مدى أربعة عقود عانى ماعاناه من المجازر والتنكيل والتهجير والاذلال والافقار والظلم والفساد والاستعباد، والأنكى من ذلك كله، التفريط بالجولان والعجز عن استعادته على مدى تلك العقود، وإباحة المجال الجوي السوري للطائرات الاسرائيلية تعربد فيه كما ومتى تشاء.

إذاً سؤالي هنا لمؤيدي نظرية المؤامرة على النظام في سورية، والتي لاأجد شخصياً أن تصديقها أو عدم تصديقها بات هو المشكلة، سؤالي لهم هو أنه حتى إذا صدقناها، فما الذي سيدفع بالشعب للوقوف إلى جانب (جلاديه) والدفاع عنهم؟ فإذا أتى جوابهم أن مصلحة الوطن تأتي أولاً، وأن الوقت الآن غير مناسب لتصفية حسابات الظلم والقهر والتنكيل ولاللانتقام والتشفي وغير ذلك، فأقول لهم أني أوافقهم أيضاً على ذلك ومئة بالمئة. ولكن سؤالي التالي لهم هو: وهل كان هناك ومايزال ماهو أسوأ لمصلحة الوطن ممن فرطوا بأرضه وأباحوا سمائه وارتكبوا المجازر بحق شعبه وأثروا على حساب إفقاره؟ إن الحكام العرب عموماً والذين نراهم اليوم يتساقطون تباعاً، وحكام سورية خصوصاً، كانوا قد أوصلو شعوبهم إلى مرحلة باتت فيها مستعدة للتعاون مع الجن الأزرق، كما كنت قد أشرت في مقالة سابقة تحمل نفس الاسم، إذا كان ذلك سيخلصها من هؤلاء الحكام وحاشياتهم من الذين فقدوا علاقتهم مع الانسانية منذ زمن طويل بعد فقدانهم علاقتهم بأوطانهم وشعوبهم. وأعود لأقول لمن مازال مخدوعاً بهم ويدافع عنهم أن انظروا إلى أرضهم المحتلة وسمائهم المباحة، وانظروا إلى ثرائهم المفرط ووحشيتهم المفزعة وسجونهم المكتظة وتوريثهم للحكم، فهل بعد ذلك تنتظرون حقاً من أمثال هؤلاء أي خير؟

إذاً فتصديق نظرية المؤامرة، مهما كان اسمها ومن يقف خلفها، لايتعارض برأي مع الإصرار على تغيير هذه الأنظمة الهمجية والتي لم يعد لها شبيه ولا في مجاهل افريقيا، وهي في الحقيقة من بدأت المؤامرات على شعوبها وعلى مدى عقود. وأرجو أن لايُفهم من كلامي هنا ولابأي شكل من الأشكال بأني أدعو الدول الأجنبية لتأتي وتستبدل تلك الأنظمة وتحتل بلادنا عسكرياً أو اقتصادياً. فلو أن هذا حصل بعد سقوط أنظمتها المجرمة، فان الشعوب العربية ستعرف كيف تتعامل معها، فهي ليست غبية وليست عاجزة عن مقارعتها وطردها كما فعلت خلال النصف الأول من القرن الماضي مع مؤامرات مثل سايكس بيكو وحلف بغداد وغيرها، وكما تفعل اليوم في إسقاط أسوأ مؤامرة عرفتها في تاريخها الحديث والمتمثلة في اختطاف حثالة من العسكر الهمجيين لمقاليد الحكم وتحويل الوطن إلى مزرعة خاصة للحاكم وأسرته ومن يتمسح بهم، وكل مؤامرة وأنتم بخير.

***

بقلم: طريف يوسف آغا

كاتب وشاعر عربي سوري مغترب

هيوستن / تكساس

الاثنين 1 صفر 1433 / 26 كانون الأول، ديسيمبر 2011

http://sites.google.com/site/tarifspoetry