وزيرا الدفاع يوسف العظمة وحافظ الأسد

وزيرا الدفاع يوسف العظمة وحافظ الأسد

أين يتشابهان وأين يختلفان

بقلم طريف يوسف آغا

حلت قبل أيام، وبالتحديد في 10 حزيران الجاري، الذكرى التاسعة عشرة لرحيل ديكتاتور سورية حافظ الأسد عام 2000، وهي أيضاً الذكرى الثانية والخمسين لسقوط الجولان حين كان الرجل وزيراً للدفاع وقاد حرب عام 1967 على الجبهة السورية. وتحل بعد مايقرب من الشهر، وبالتحديد في 24 تموز، الذكرى التاسعة والتسعين لمعركة ميسلون التي قادها وزير الدفاع حينها يوسف العظمة في مواجهة جيش الانتداب الفرنسي عام 1920. سأورد في هذا المقال أهم المحطات في حياة الوزيرين ومالهما وماعليهما.

ولد يوسف العظمة في أواخر الحكم العثماني لعائلة دمشقية عام 1884 في حي الشاغور العريق وتوفي والده الموظف وهو في السادسة من عمره فتكفل شقيقه الأكبر بتربيته والانفاق عليه. انتسب إلى المدرسة الرشيدية العسكرية في جامع (يلبغا) في حي البحصة الدمشقي عام 1893 ثم انتقل إلى المدرسة الاعدادية العسكرية في جامع (تنكز) القريب من سوق الحميدية عام 1897 لينتقل عام 1900 إلى المدرسة الاعدادية العسكرية ثم الحربية في اسطنبول ليتخرج برتبة ملازم ثاني في الجيش العثماني عام 1903 وليترفع بعدها لرتبة ملازم أول عام 1905 ويوزباشي (نقيب) أركان حرب عام 1907. عين مدرباً في تلك المدرسة عام 1908 ثم أرسل إلى ألمانيا في دورة أركان حرب عليا عام 1909 ليعين بعدها ملحقاً عسكريا في المفوضية العثمانية في القاهرة وكان يتكلم اللغات التركية والألمانية والفرنسية بالاضافة للعربية. شارك مع الجيش العثماني في حرب البلقان 1913 ثم مع التحالف العثماني الألماني في الحرب العالمية الأولى (1914-1918) حيث حارب في بلغاريا ورومانيا والنمسا كقائد أركان فرقة. عمل أيضاً في نفس الفترة مرافقاً لوزير الدفاع العثماني أنور باشا ثم رئيساً لأركان القوات المرابطة في منطقة القفقاس وأخيراً رئيساً لأركان الجيش العثماني الأول المرابط في اسطنبول. بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وانهيار الدولة العثمانية، عاد يوسف العظمة إلى دمشق عقب دخول الملك فيصل بن الحسين إليها عام 1918 والذي عينه مرافقاً له ثم وزيراً للدفاع (الحربية) عام 1920 فشكل جيشاً وطنياً من عشرة آلاف جندي.

ولد حافظ الأسد عام 1930 في قرية القرداحة التابعة لريف اللاذقية لعائلة فقيرة تعمل في الزراعة. أكمل دراسته الابتدائية في قريته وأكمل دراسته الثانوية في مدينة اللاذقية وأبدى اهتماماً مبكراً بالعمل السياسي حيث انتسب خلال تلك الفترة للاتحاد الوطني لطلبة سورية وأيضاً لحزب البعث العربي الاشتراكي عام 1946. انتسب للكلية العسكرية في حمص عام 1952 وتخرج برتبة ملازم طيار عام 1955. تم حل حزب البعث عام 1958 كشرط للزعيم المصري جمال عبد الناصر لاقامة الوحدة مع سورية وكان حافظ الأسد حينها برتبة نقيب طيار على الجبهة المصرية. قام مع بعض أصدقائه الحزبيين العسكريين عام 1960 بتشكل تنظيم سري في مصر سمي باللجنة العسكرية في حزب البعث السوري. تم اعتقاله مع العديد من الضباط السوريين عام 1961 على أثر انقلاب الانفصال الذي أنهى الوحدة ليتم الافراج عنهم وإعادتهم إلى سورية في عملية تبادل معتقلين مابين الدولتين، ثم سرح من الجيش حين عودته إلى سورية لمعارضته للانفصال وأحيل إلى وظيفة مدنية في إحدى الوزارات. تمكن حزب البعث من الوصول إلى حكم سورية إثر انقلاب عسكري في 8 آذار عام 1963 فأعاده صديقه في اللجنة العسكرية، المقدم صلاح جديد، إلى الخدمة، وتم حينها تسريح مئات الضباط من ذوي الكفاءة والخبرة خوفاً من انقلابهم عليهم في المستقبل. تم ترفيعه عام 1964 من رتبة مقدم إلى رتبة لواء، متجاوزاً بذلك رتبتي العقيد والعميد، وعين قائداً عاماً للقوى الجوية والدفاع الجوي ليعمل على تقوية أنصاره من الحزبيين وأبناء الطائفة العلوية في الجيش. تمكنت اللجنة العسكرية من الاستيلاء على الحكم عام 1966 عن طريق انقلاب عسكري آخر أطاح بحكم أمين الحافظ وبالقيادة التاريخية لحزب البعث والمتمثلة بميشيل عفلق وصلاح البيطار، وصار حكم سورية في يد رجلين بعثيين علويين: اللوء حافظ الأسد والذي عين وزيراً للدفاع واللواء صلاح جديد الذي تفرغ للقيادة السياسية، وتم تعيين الدكتور نور الدين الأتاسي كرئيس صوري للدولة، لالشئ إلا لأن الدستور المعمول به حينها كان ينص أن رئيس الدولة يجب أن يكون مسلماً سنياً. هذه كانت حالة سورية ماقبل حرب الخامس من حزيران 1967: ضعف عسكري وصراع سياسي واستقطاب طائفي.

بالعودة إلى عام 1920، قام الجنرال الفرنسي غورو، قائد جيش الانتداب على سورية ولبنان باصدار إنذاره الشهير في 14 تموز من ذلك العام والمتضمن بصورة رئيسية حل الجيش والقبول بالانتداب تنفيذاً لمعاهدة سايكس بيكو الفرنسية البريطانية. رفض يوسف العظمة الانذار في حين وافق عليه الملك فيصل الأول، ملك سورية حينها، فقام الملك بحل الجيش وأرسل برقية إلى غورو يعلمه فيها قبوله لكافة الشروط، إلا أن الأخير ادعى أن الرد أتى متأخراً وقرر الزحف بجيشه الجرار إلى دمشق وأخذها عنوة، فهرب الملك فيصل إلى العراق تاركا سورية لمصيرها. أعاد يوسف العظمة تجميع ماتمكن تجميعه من الجيش الذي حله الملك بالاضافة للمتطوعين الذين رفضوا تسليم الوطن بدون معركة، وقد بلغ عدد من زحف معه إلى ميسلون 3000 مقاتل مقابل حوالي 9000 في الجانب الفرنسي معظمهم من مجندي المستعمرات الفرنسية في الجزائر والمغرب والسنغال ومعهم الدبابات والطائرات. الكثير هنا يقول أن يوسف العظمة قد ضحى وبلا داعي بالمئات من السورين في معركة خاسرة أصلاً وكان الأفضل لو أنه لم يخرج إلى ميسلون وأن يتم توفير هؤلاء المقاتلين لمعارك مقاومة الاحتلال فيما بعد. هذا الكلام مردود عليه باتجاهين: أولاً لو استسلم الجيش دون معركة، لكان هان على الشعب السوري فيما بعد المقاومة، ولكن هذه المعركة التي خاضها يوسف العظمة يومها كانت شرارة بدء مقاومة الاحتلال منذ اليوم الأول وصارت قدوة للوطنيين من بعده من أمثال الأطرش والخراط وهنانو وغيرهم للقتال في سبيل الاستقلال. وهنا نشير أن يوسف العظمة لو استسلم كما فعل الملك، وعرض خدماته على الفرنسيين، فعلى الأرجح أنهم كانوا سيضموه إلى جيشهم ويستفيدوا من خبراته العسكرية، بل وربما وافقوا على ترشحه لرئاسة الجمهورية كهاشم الأتاسي وتاج الدين الحسيني. ولكنه آثر القتال على مهانة العمل في ظل الاحتلال ولم يرضى بمبدأ (الاحتفاظ بحق الرد) و (اختيار زمان ومكان المعركة). ثانياً تشير الوثائق التاريخية أن العظمة لم يزحف إلى ميسلون مع جيشه المتواضع لمجرد أن يسجل موقفاً بطولياً فحسب. فهو بخبرته العسكرية الطويلة في الحرب العالمية الأولى كان قد وضع خطة محكمة ومتكاملة كان لها أمل بهزيمة الجيش الفرنسي في ميسلون أو إبطاء تقدمه لحين تجميع المزيد من الجنود والمتطوعين. ومختصر الخطة كان نصب كمين للفرنسيين بزرع حقل للألغام في وادي القرن حيث ستمر الدبابات المعادية، فتقع في الفخ ويتم الاجهاز عليها. ولكن حصل أن فشلت الخطة بسبب خيانة من بعض الجنود والمتطوعين الذين قطعوا أسلاك الألغام مما أدى إلى عدم انفجارها وأدى بالتالي إلى مقتل المئات وعلى رأسهم يوسف العظمة. لم تمض فترة طويلة على ملحمة ميسلون حتى اندلعت ثورة جبل الزاوية عام 1920 ومن بعدها الثورة السورية السورية الكبرى عام 1925 ومعها ثورة غوطة دمشق في نفس العام، ولاشك أن كل من حارب معارك تلك الثورات وغيرها كان يعتبر يوسف العظمة بطله ومثله الأعلى.

شنت إسرائيل حربا استباقية على ثلاثة دول عربية صبيحة الخامس من حزيران 1967 وهي مصر وسورية والأردن حيث احتلت صحراء سيناء ووصلت إلى قناة السويس، واحتلت الضفة الغربية والقدس خلال الأيام الأربعة الأولى من الحرب. لهضبة الجولان السورية طبيعة جغرافية مختلفة كلياً عن صحراء سيناء المصرية والضفة الغربية الفلسطينية حيث تشكل تلك الطبيعة الجغرافية الشديدة الارتفاع والوعورة مانعاً يستحيل الوصول إليه وهزيمة من يجلس على قمته. وهذا تماماً مافعله وزير الدفاع حينها حافظ الأسد حين أعلن سقوط الجولان قبل سقوطه وأعطى أوامره للجيش السوري بالانسحاب الكيفي تحت طائلة المحاكمة العسكرية لمن يرفض، وذلك وسط دهشة واستغراب واستياء الضباط والجنود. الرواية الأكثر تداولاً حول ماحصل أن إسرائيل أرسلت إنذاراً للحكومة السورية المختزلة حينها بصلاح جديد وحافظ الأسد عن طريق إحدى السفارات الأجنبية، يشبه إلى حد كبير إنذار غورو السابق الذكر، بتسليم الجولان سلمياً مقابل عدم تقدم الجيش الاسرائيلي إلى دمشق واحتلالها وإلا سيحتل الجولان عنوة ويدخل دمشق ويسقط حكومة البعث. طبعاً كان هذا التهديد فارغاً ولايمكن أن يصدقه إلا أحمق، فاسرائيل تعلم أنها غير قادرة على السيطرة على مدينة بحجم وعدد سكان دمشق خاصة وأنها استنزفت قواتها على الجبهتين المصرية والأردنية. وبالتالي لايمكن فهم هذا الانذار إلا بأن إسرائيل أعطته لوزير الدفاع حافظ الأسد لاستعماله كحجة لتسليم الجولان بحجة إنقاذ العاصمة. عمل كهذا لايمكن أن يقدم بلا مقابل، فرأينا كيف استولى الرجل على الحكم حين كان على وشك المثول أمام المحكمة العسكرية ليحاكم على ذلك التسليم. ثم كيف بقي في الحكم لثلاثين عاماً حتى توفي وورث الحكم لابنه، علماً أن حكم دولة من دول العالم الثالث مثل سورية واستمرار ذلك الحكم لنصف قرن لايمكن إلا أن يكون بمباركة ودعم دوليين، وهذه كانت بالتأكيد مكافأة تسليم الجولان. شاءت الصدف كما سبق وذكرنا في بداية المقال أن يرحل حافظ الأسد في نفس ذكرى سقوط الجولان السوري في يد إسرائيل بأوامر منه خلال حرب حزيران 1967 حين كان وزيراً للدفاع، فعاش الشعب السوري لنصف قرن بعد ذلك تحت مهانة الهزيمة حيث بقي الرجل ومن بعده ابنه يرفعان راية (الاحتفاظ بحق الرد) و(حرية اختيار زمان ومكان المعركة) إلى اليوم.

يتشابه يوسف العظمة وحافظ الأسد إذاً بأنهما كانا في وقتين مختلفين من تاريخ سورية المعاصر وزيران للدفاع وتلقيا إنذاراً من عدوين بالاستسلام. الأول رفض الانذار وسطر بدمائه ودماء جنوده الأبطال صفحة مشرقة في تاريخ الوطن لايزال كل السوريين يفتخرون بها حتى يومنا هذا. أما الثاني فقد قبل الإنذار وسلم الأرض واستجلب العار والذل لسورية كي يتربع على كرسي الحكم ويقهر هو وابنه وأسرته الشعب ويحرق البلد على مدى خمسين عاماً.

***

(يسمح بالنشر دون إذن مسبق)

بقلم: طريف يوسف آغا

كاتب وشاعر عربي سوري مغترب

الثلاثاء 25 حزيران، جون 2019

هيوستن / تكساس

http://sites.google.com/site/tarifspoetry