ميسـلون

منذ زمن وأنا أتشوق للكتابة عن معركة ميسلون الخالدة في التاريخين السـوري والعربي على حد سواء، وعن بطلها وزير الدفاع آنذاك الشهيد يوسـف العظمة (1884-1920). فبعد أن قبل الملك

فيصل بن حسين (1883-1933) بالإنذار الشهير للجنرال الفرنسي هنري غورو (1867-1946) الداعي للإستسلام، وقام بحل الجيش السـوري الحديث العهد ومغادرة البلاد، سارع يوسف العظمة

وأعاد تجميع ما أمكنه من الجيش والمتطوعين وخرج بثلاثة آلاف مقاتل إلى ربى ميسلون شمال غرب دمشق لملاقاة الجيش الفرنسي الجرار الذي كان يقدر بحوالي عشرة آلاف، بالإضافة للطائرات

والدبابات وغيرها. وقد سجل بذلك ملحمة قل شبيهها في التاريخ ومفادها أن الأوطان أغلى وأعز من أن تعطى للمحتل سلما ً وبالمجان، وأن ثمنها يجب أن لايدفع إلا في ساحات القتال.

كنت قد ذكرت هذه المعركة بعشرة أبيات في قصيدة (دمشـق) وبيت واحد في قصيدة (سـورية) كما أتيت على ذكرها في عدة قصائد مختلفة، ولكن هاهي اليوم تنفرد بقصيدة كتبت خصيصا ً لها.

مَيسَـلون ْ

(24 تموز 1920)

عندما تقرأ الكلمة في أمجاد الوطن

إن ْ كنت َ إلى الفيحاء ِ دِمَشـق َ ذاهِبا ً

فقِف ْ على رُبى ً كحِّل ْ مِنها العيون ْ

رُبى ً انحنى التاريخ ُ على ثـَراها سـاجدا ً

ومِن َ الأسـماء ِ اختار َ لها مَيسَـلون ْ

تنافـس َ العِز ُ مَع َ المَجد ِ في عِشـقِها

والكرامَة ُ والشَـجاعَة ُ والشَـرف ُ لذراها يُـتوِّجون ْ

مُنذ ُ كنا صِغارا ً ونسـمَع ُ أبي يَقول ُ

هَذي الرُبى جُبـِلت ْ بدِماء ِ رجال ٍ لايَهابون ْ

هَذي الرُبى التي رَفعَها الله ُ عاليا ً

رَفعت ْ رؤوسَـنا يَوم َ أتاها الغادِرون ْ

يَوم َ أتاها الشَـر ُ مِن َ الغرب ِ غازيا ً

أغاثـها مِن َ الشَـرق ِ أبطال ٌ يُـكبـِّرون ْ

أتاها غورو بطائِرات ٍ كأسـراب ِ الغـُربان ِ تنعق ْ

ومَدافِـع َ تنبَح ُ ككِلاب ٍ أصابَها الجُـنون ْ

ودَبابات ٍ كقِطعان ِ الضِباع ِ تعوي

وعَساكِرَ مِن ْ كل ِ لون ٍ لِلغدر ِ يَحمِلون ْ

أتاها بسَلاسِـل ِ العُبوديَة ِ والإحتلال ِ

وحِقد ٍ أسـوَد َ لم ْ تمحِه ِ القرون ْ

فأتاه ُ يوسُـف َ مِن َ الشام ِ بجَيـش ٍ

وأقسَـموا بلا مَعرَكة ٍ لن ْ يتزَحزَحون ْ

أقسَـموا أجسادَهم ْ في الأرض ِ ليَزرَعون ْ

وأنهم ْ ما أقامت ْ مَيسَـلون َ قائِمون ْ

وأن َ لِسـورية َ مَهرا ً ليس َ بالرَخيص ِ

تـُفدى بالأرواح ِ وتـُسـقى بماء ِ العُيون ْ

وكل ُ مَن ْ يَنوي أن ْ يُدنِسَها

سَـيَسـقوه ُ بأيديهم ْ كأس َ المَنون ْ

وإن ْ كان َ مليكـُها اسـتسْـلم َ ومَضى

فالوَطن ُ في عِهدَة ِ مَن ْ لايَسـتسْـلمون ْ

طالما بقي َ في الوَطن ِ عَرين ٌ واحِد ٌ

وإن ْ هَرَب َ الجَميع ُ، فالأسـود ُ لايَهرُبون ْ

ما أتاهم ْ وزير ُ الدفاع ِ بالنياشـين ِ على صدره ِ

ولابعـُروض ِ سَـلام ٍ ولابأناس ٍ يُهادنون ْ

ولكن ْ أتاهم ْ بسِـلاح ٍ وجُـند ٍ

ونفوس ٍ ذِل ُ الوَطن ِ عليها لايَهون ْ

وأهدى التاريخ َ لوحَة ً رَسَـمَها بسَـيفِه ِ

ولوَّنـَها بدِمائِه ِ ودِماء ِ مَن ْ للوَطن ِ لايَبيعون ْ

وأعطى الشـُعَراء َ نبعا ً للإلهام ِ لايَنضُب ْ

وفي حُب ِ الوَطن ِ دَرسـا ً لِمَن ْ يَـفقهون ْ

لولاك َ يا يوسُـف ُ لما تعلـَّم َ مِنا الآخرون ْ

ولولاك ِ يا مَيسَـلون ُ لاسـتهان َ بنا المُحتلون ْ

يومك ِ يا مَيسَـلون ُ صار َ للأحرار ِ عيدا ً

وصارَت ْ بَينه ُ وبَين َ الزمان ِ ذِكريات ٌ وشـُجون ْ

ورُباك ِ التي صارَت ْ للأشراف ِ مَزارا ً

صارَت ْ كالنار ِ على العَـلم ِ لِمَن ْ يُبصِرون ْ

ويوسُـف َ ما زادته ُ السَـنوات ُ إلا شَـبابا ً

وما ذكر َ مآثِـرَه ُ إلا مَن ْ للتضحيَة ِ يُـقَـدِّرون ْ

رَجُل ٌ صار َ للشَـجاعَة ِ مَضرَب َ المَثـَل ِ

وغيره ُ لا أعرف ْ ماذا عَن ِ الشَـجاعَة ِ يَعرفون ْ ؟

ما أكثر َ ما في مَيسَـلون َ مِن ْ يوسُـف َ

ولكِن ْ ليس َ ليوسُـف َ الكثير َ مِمَن ْ يُشـبهون ْ

***

شعر: طريف يوسف آغا

هيوستن / تكساس

شـعبان1431 / تموز 2010